الأسد في حشرجة الموت/ برهان غليون
وضع الأسد، اليوم، بعد أن لفظه العالم، ورفض إعادة تجنيده، كما أمل، في الحرب على الإرهاب الذي أشعل فتيله، ونفخ فيه منذ سنوات، لا يختلف عن وضع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو. كلاهما نجح في تدمير خصمه، وإيقاع كل الأذى به، لكنه خسر الحرب، ولم يحقق أي هدف من أهدافه.
كان نتنياهو يأمل بأن يقضي على حماس والمقاومة الفلسطينية، وينهي القضية الفلسطينية نفسها، مستفيداً من البيئة السياسية الإقليمية التي تشهد انهيار العالم العربي، وخروج العرب من الصراع، وسيطرة المناخ المعادي لحماس وحلفائها التقليديين. وقد جعلته، سنوات طويلة من الإعداد للتفوق العسكري الساحق، وبناء القبة الصاروخية، وغيرها من التقدم التقني، لا يرى في حماس، ولا في الشعب الفلسطيني، حتى عدواً يستحق الذكر.
ولا خلاف في أن ميزان القوى العسكرية لم يكن يعطي حماس أي أمل، ولو ضيئل في مواجهة القوة العسكرية الهائلة لإسرائيل. لكن نتنياهو خسر أولاً، لأن سلطان الحق كان إلى جانب الفلسطينيين وحماس، باعتراف العالم كله، وثانياً لأن إرادة النصر التي عزّزتها ثورة الكرامة والحرية في البلاد العربية، جعلت العين تقوى على المخرز، وسمحت للفلسطينيين أن يواجهوا الصواريخ الإسرائيلية بلحمهم العاري ويقهروها.
يعلم نتنياهو أن بإمكانه الاستمرار في القصف والتدمير والقتل إلى ما لا نهاية، ولديه كل الوسائل للقيام بذلك، لكنه أدرك، في الوقت المناسب، أن الاستمرار يعني الدخول في نفق هو نهاية إسرائيل. ليست إسرائيل المادية الفيزيائية التي نشاهدها كلنا، وإنما إسرائيل الحقيقية، أي الأسطورة/الكذبة التاريخية، التي جعلت العالم كله يتغاضى عن جراحات الشعوب العربية، ويضحّي بشعب فلسطين، من أجل الحفاظ على قوتها وتفوقها واستمرارها.
لم يفعل الأسد شيئاً آخر غير ما فعله نتنياهو. راهن على قوته العسكرية الضاربة لسحق شعبه، وزجّه في محرقة القتل والدمار والخراب والإرهاب، لانتزاع خضوعه واستكانته وإذعانه. وارتكب كل الجرائم، وركب كل المخاطر، بما فيها استخدام أسلحة الدمار الشامل وتنظيم أعمال الإبادة الجماعية، وحرص متعمداً على حرق مراكبه الدولية والإنسانية، حتى لا يبقي لنفسه وأنصاره أي خط رجعة، وقام بمقامرة أسطوريةٍ، رهانها الدمار والانتحار الشامل والمتبادل، أو كسر إرادة الشعب الثائر الذي انطلق من لا شيء سوى كلمة الحق، وإرادة الحرية والكرامة، وصوت أبنائه وشبابه الهادر في المظاهرات السلمية.
بعد أربع سنوات من الإجرام المنظم والقتل المنهجي في ساحات المعارك والسجون والأحياء وبكل الأسلحة والبراميل، ها هو يجد نفسه في طريق مسدود، فالشعب الذي دمرت حياته لايزال غير عابئ بالتضحيات، وعلى استعداد متجدد للقتال حتى إسقاط الطاغية ودفن الطغيان، والدول التي أراد ترويعها بالتحكم بآلة الإرهاب ترفض كلياً شراء خدماته في مكافحته.
لكن، بعكس نتنياهو الذي نجح في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أي ما تبقى من إسرائيل كدولة، بعد أن كادت تختفي تماماً تحت صورة المنظمة الإرهابية، لا يملك الأسد لا الوعي ولا الشجاعة ولا الشعور السياسي الذي يمكّنه من التراجع والخروج من المذبحة التي ورط نفسه وشعبه فيها، ولا أقصد مذبحة الشعب، ولكن مذبحة النظام نفسه، والتفكير في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. فقد دخل، منذ البداية، في منطق العصابة المحاصرة قاتلاً أو مقتولاً، وأصر عليه، وليس لديه، بعد خسارة الرئاسة، ما يمكن إنقاذه، أو يستحق الإنقاذ، لا دولة قضت تحت نعال مرتزقة النظام من كل الأصناف والأجناس والمذاهب، ولا نظاماً تحول إلى تحالف لأجهزة القتل والتعذيب والدمار، وسقط في يد الملالي والميليشيات الأجنبية. لا يدرك الأسد حتى أنه دخل في نفق، ولا يرى إلا ما يريد له جلاوزته أن يراه، سراب الانتصارات التي تبتعد كلما اعتقد أنه اقترب منها، ولا ينتظر سوى نجدة الحماة والأوصياء.
أصغر من أن ينتصر وأجبن من أن ينتحر، لم يكن الأسد في أي وقت أكثر حاجة إلى من يلمه، ويريحه من نفسه وصغاره، كما هو اليوم.
العربي الجديد