الأسد والأيام الأخيرة لنظام صدام!
طارق الحميد
من يقرأ مقابلة نائب وزير خارجية نظام الأسد فيصل المقداد بصحيفة «الغارديان» البريطانية سيتذكر على الفور الأيام الأخيرة لنظام صدام حسين، ورجاله، وسيكتشف أيضا أن ما نسمعه ونقرأه من روايات، وتحليلات، طوال السنوات العشر الماضية، حول كذبة الممانعة والمقاومة، وتشويه سمعة الدول العربية المعتدلة، لم يكن إلا من طبخ نظام الأسد نفسه.
ففي المقابلة الصحافية يتحدث المقداد عن القوى الاستعمارية، وعن مساعدة البريطانيين والفرنسيين لـ«القاعدة» في سوريا، إلى أن ختم بشتم بعض الدول العربية. وهذه الشتيمة هي اللغة التي اعتمدها رموز نظام صدام حسين في آخر أيامهم، من عزة الدوري، إلى طه ياسين رمضان، وحتى محمد سعيد الصحاف، واليوم يستخدم المقداد، نائب وزير الخارجية الأسدي، أسلوب الشتائم نفسه ضد بعض الأنظمة العربية. ولا غرابة في ذلك بالطبع، خصوصا أن المقداد يمثل نظاما بعثيا، وهذه لغة «البعث» للأسف، لكن اللافت أن هذه اللغة، لغة الشتائم، هي دليل على درجة انفعال شديد، خصوصا أنها تأتي من نائب وزير خارجية، وليس من مسؤول آخر، وهو الأمر الذي لم يفعله حتى طارق عزيز وزير خارجية صدام.
انفعال المقداد لم يقف عند حد الشتائم، بل إنه يقول في مقابلته الصحافية إن بريطانيا وفرنسا تساعدان «القاعدة» في سوريا بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وإن الدول الأوروبية تقوم بإرسال المحسوبين على «القاعدة» إلى سوريا من أجل التخلص منهم هناك، حيث يكون القتل مصيرهم، مضيفا، أي المقداد، أن هناك قتلى من الموساد الإسرائيلي أيضا في الأراضي السورية، فأي هذيان أكثر من هذا الهذيان.. وأي تخبط أكثر من هذا؟.. ولذا فإن الأمر الوحيد الذي تقوله مقابلة المقداد، وشتائمه بحق العرب، هو أن النظام الأسدي في حالة توتر وجنون، فبينما يتحدث النظام الأسدي عن «عفو»، وهو بالطبع لعبة جديدة من ألاعيب النظام، يتحدث نائب وزير خارجية الأسد عن مؤامرة كونية تشارك فيها أوروبا، والمجتمع الدولي، ودول عربية، وبمشاركة «القاعدة» والموساد الإسرائيلي، وفوق هذا وذاك يقول المقداد إنه لو رحل الأسد فلن تبقى سوريا على الخارطة!
والحقيقة الماثلة أمامنا، والتي بات الجميع مقتنعين بها، حتى المتشككون في الثورة السورية، هي أن مجرد السماح بإطالة عمر نظام الأسد المنتهي أصلا يعني خطرا حقيقيا على الدولة السورية ككل، وعلى مكوناتها الاجتماعية، وعلى المنطقة، وأن أفضل ضمان للحفاظ على الدولة السورية، وتدارك ما يمكن تداركه، هو إطلاق رصاصة الرحمة على نظام الأسد، وليس الاستماع لتبريراته الواهية، أو السماح له باستخدام مزيد من ألاعيبه وحيله، فقبل عام من الآن لم تكن هناك جبهة نصرة، ولم يكن هناك حديث عن «قاعدة العراق» أو خلافها، كما نسمع اليوم، لكن سماح المجتمع الدولي للأسد بأن يطيل أمد الصراع هو ما أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم. وعليه فإنه كلما تأخر دفن آخر أسوأ الأنظمة التي عرفتها منطقتنا فإن الثمن سيكون كبيرا جدا.
الشرق الأوسط