صفحات العالم

الأسد يحرق آخر مراكبه


غازي دحمان

بدا رأس النظام السوري وكأنه يقطع نهائياً مع الشريحة الأكبر من شعب سوريا، فقد ظهر واضحاً مدى اليأس والإحباط من إمكانية تطويع هذه الشريحة أو إعادة إخضاعها وإرجاعها إلى قمقم العبودية، وتأكد لدى رأس النظام أن أركان جمهورية الخوف آيلة الى السقوط وأن كمية الذخائر المتبقية لدى النظام، التي تشرف على النفاد رغم الإمداد الروسي شبه اليومي، هي التي تحدد مؤقتاً تاريخ ذلك السقوط، فكل يوم في عمر جمهورية الخوف بات يكلف المزيد من شحنات الذخائر.

لقد ذهب رأس النظام بعيداً في قطعه مع غالبية الشعب السوري عندما تعمّد التشكيك في وطنيتهم وانتمائهم ووصفهم بالمرتزقة والإرهابيين الذين يتقاضون المبالغ المالية مقابل خروجهم في التظاهرات المناهضة لحكمه، وهو ما يبدو مستغرباً لدى تطبيقه على أرض الواقع، ذلك أن نسبة المخاطر التي يتعرض لها المتظاهر في سورية تعتبر عالية جداً، واحتمالات تعرضهم للموت أو الإعتقال او الإصابة كبيرة جداً، ولا أحد يمكن أن يتصور ان عاقلاً في هذه الدنيا يمكن أن يقدم على هذا النوع من المخاطر مقابل مبالغ معينة، ثم أي جهة يمكنها أن تمول هذا النوع من النشاط لأناس يخرجون للتظاهر بشكل يومي وصبحاً ومساء؟!.

هذا الخطاب السياسي البائس واليائس في الوقت نفسه، يحمل في طياته مقادير كبيرة من الجهل بالواقع هي في حقيقتها انعكاس لحالة الإنفصال عن الواقع التي يتفيأ تحت ظلّها رأس النظام، وهو الذي لم يبرح قصور الرئاسة إلا حين نزوله الى المطاعم الراقية في الشوارع الخلفية لقصره، وكان أحد زواره نقل عنه مرة خوفه وارتباكه في إحدى زياراته لحلب عندما تجمعت حوله بضع نساء محجبات لهن مطالب، إلى أن شرح له أحد رجال الدين القريبين منه أن الوضع طبيعي وهؤلاء النسوة لسن ملتزمات وأن الزي الذي يلبسنه هو الزي التقليدي لجزء كبير من السوريات!.

لقد ذهب رأس النظام إلى أبعد الحدود في هذا الخطاب عندما أعلن انشقاقه عن الشعب وانتمائه إلى جزء محدد منه، حددهم بأولئك الذين يؤمنون بإصلاحاته ونهجه والباقين تحت سقف تعريفه للوطن والوطنية، الذين ما يزالون يعيشون على أمجاد جمهورية الخوف العتيدة، ويغضّون العين عن كل المآسي المحيطة بهم، أما باقي الشعب، من طلاب جامعات ثائرة وتجار مضربين، وفلاحين متظاهرين وأبناء مدن تغص بهم الشوارع، كل هؤلاء يلغيهم رأس النظام من تعريفه للشعب، فيما يبدو أنه مقدمة لإلغائهم من الحياة بشكل نهائي.

لا شك ان الخطاب الاخير لرأس النظام ستكون له انعكاسات خطيرة على الارض، فهو من جهة سيرفع منسوب القتل باعتبار أن ما ورد في الخطاب هو امر عمليات واجب التنفيذ بحق العملاء، ما يعني زيادة في صلاحيات أجهزة الأمن والكتائب العسكرية المنتشرة في ممارسة مهامها القتالية وزيادة درجة البطش؛ من جهة ثانية سيعمل هذا الخطاب على زيادة إصرار الثوار على المضي في طريقهم حتى النهاية، أقله لأن النظام لم يترك لهم خيارات بديلة تحفظ لهم حقهم في الحياة.

لم ينسَ رأس النظام تكرار الحديث عن إصلاحاته العتيدة على مدار عام ونيف، في حين لم يستطع احد من السوريين، حتى أولئك الذين أدرجهم النظام في خانة مواطنيه، رؤية سوى بلد جرى تدمير نصفه وتهجير الملايين من شعبه في الداخل والخارج، وقتل الآلاف من أبنائه، في إطار خطة إصلاحية عجزت حروب الإبادة عن مجاراتها.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى