صفحات العالم

الأسد.. يكذب.. ثم ينفي!!


يوسف الكويليت

أقرب الناس كان يتمنى أن لا يُدخل بشار الأسد نفسه في ورطة الإعلام الأمريكي عندما دخل في حوار صريح ومباشر مع إحدى محطات التلفزيون الأمريكية، ونفى أن تكون له السلطة المطلقة على الجيش الذي يقتل وتنقل صور جرائمه على مساحات الإعلام المرئي والمكتوب..

المقابلة نشرت بالصوت والصورة وعملية أن يخرج الناطق الرسمي السوري ينفي ويفسر، ويُسقط كلمات ويعيد تركيب أخرى، فذلك تخبُّط سياسي غير مسبوق، وإذا اعتبرنا من خلال اعتراف الأسد أنه بلا سلطة، فهل جلوسه على الكرسي وظيفة شرفية، لنصدق ما يقال بأن أخاه وصهره، وبقية السادة النافذين هم من يتصرف بعيداً عنه؟! وفي هذا سقطة أخرى لايمكن تصديقها، أو تجريده من مسؤولية ما يجري..

الأسد حاول أن يبعد نفسه عن تهمة إصدار الأوامر بالتعذيب والسجن والقتل تحسباً لشريطٍ طويل من الإدانات التي قد تلاحقه فيما لو سقط النظام، لكن، كما قال المسؤول الأمريكي من أن الأسد استخف بعقول المشاهدين من خلال أقواله، ولعل ما جرى هو صورة لواقع بدأت تظهر عليه علامات الارتباك والتناقض سواء داخل القيادة السياسية، أو من يدورون في فلكها..

كان من المفترض أن لا ينجرّ الأسد إلى فخ الإعلام الأمريكي إذا كان غير جاهز نفسياً وعصبياً، وكان من المفترض الآخر أن يظهر بشجاعة أدبية يعترف بها بالقصور في جهازه الذي تجاوز حدود الإنسانية، وأن يعطي مبررات تضعه بصورة مقبولة، لا أن يتحدث ثم ينفي، وهي الصيغة التي لم يفهم دور الوثيقة التي أظهرتها المحطة الأمريكية بدون رتوش أو لعبة التزوير، كما فهمنا من ناطقه الرسمي..

هناك تجاوزات لا تريد السلطة الاعتراف بها، وهو قصور في إدارة المعركة السياسية التي طالما فاخرت القيادة السورية أنها قادرة لأنْ تحول القصدير إلى ذهب عندما تقلب الآراء من الحقيقة إلى ضدها وتكسب الجولة، وقد كان حافظ الأسد الذي اشتهر بالحوارات الطويلة بما أطلق عليها «دبلوماسية المثانة» عندما كان ضيوفه يذهبون إلى دورة المياه أكثر من مرة وهو صامد لا يتحرك، ويبدو أن مدرسته خرّجت طالباً بلا ذكاء الأب ومناوراته وطول باله في الحوارات..

في المثل العربي يقال «ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني» وهذا المثل يتطابق مع حوار بشار الأسد، فهو لم يقنع مؤيديه، بأنه على درجة عالية من الذكاء بإسقاط خصومه، ولا خرج من شبكة منتقديه ممن كشفوا عن ضعف حجته في واقع مكشوف لا تستطيع الكلمات إنكار ما فعل، وما أمر به.

فكل العالم أعطى شهادته في جرائم القتل بدءاً من المعارضة، مروراً بالجامعة العربية ثم سكرتير الأمم المتحدة ودول العالم الأخرى، غير أن العجز ليس فقط في صياغة قناعات مقبولة، وإنما بقدرة الشعب على الصمود، وكشف حقيقة النظام الذي ترجم الأحداث إلى مؤامرات و«فبركة» صور ونقل كاذب مزور، بينما الوقائع عندما تنقلها أجهزة التصوير من قلب الحدث، تعتبر صكوك إدانة غير قابلة للتكذيب أو الإنكار..

الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى