صفحات العالم

الأسد يناور على الوقت للحسم نهاية 2011


أسعد حيدر

كلما كسب النظام الأسدي رهاناً له على الوقت، كلما تشدد وسارع عبر الأسديين خصوصاً اللبنانيين منهم الى الإعلان بأنه “تجاوز الأزمة”. المراسلات مع جامعة الدول العربية، واضافة الشروط على الشروط، معركة مفتوحة يخوضها النظام الأسدي لكسب الوقت. يعتقد هذا النظام، انه اقترب من ساعة الحسم. أكثر من ذلك يؤكد “أسديون” أن الرئيس بشار الأسد مطمئن لـ”قدرته على الحسم العسكري، نهاية هذا العام، وأن بداية إعادة البناء أي بناء السلطة كما يفهم ستبدأ في مطلع العام القادم وسط هدوء شعبي يُظهر التسليم الكامل بانهيار الربيع السوري”. تكثيف الحصار العسكري على حمص وتهديدها بالاجتياح من اشارات الحسم القادم.

ثقة الرئيس بشار الأسد باقتراب نهاية الأزمة دفعه “لإسقاط الفرص التي منحت له عبر المقابلة التي أجرتها معه الصحافية المخضرمة بربارة والترز. انتظر مراقبون عديدون في عواصم عربية وإقليمية ودولية أن يعطي اشارات ايجابية معينة فلم يعط واحدة”. أكثر من ذلك رافق هذا التجاهل التام لإرادات إقليمية ودولية للعثور على صيغة حل سياسي في سوريا قريبة من صيغة الطائف بتهديدات غير مسبوقة بأن هزيمة النظام وخروج الرئيس بشار الأسد من السلطة تتم في حالتين:

[ تحويل دمشق ومدن سورية “متمردة” الى حطام وركام.

[ اللجوء الى تقسيم سوريا الى ثلاث دول: سنية وعلوية وكردية وإذا أمكن درزية.

ليست التهديدات السلاح الوحيد للنظام الأسدي. تحول “الحالة السورية” الى اشتباك إقليمي واسع متداخل بتنافس دولي علني سلاح فعّال ومنتج. “أقلمة” الأزمة السورية ومن ثم تدويلها سلاح يخيف بها النظام الأسدي بعض العرب ويدفعهم للعثور على حلول نابعة من الحل اليمني انما بصورة عكسية، أي يبقى بشار الأسد رئيساً الى الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2014 ويتم تفكيك النظام خصوصاً هيمنة حزب البعث والآلة الأمنية عليه.

“ترويكا” من الدول ليست بالضرورة في حلف معلن أو سري تتشارك في دعم النظام الأسدي حفاظاً منها على مصالحها. هذه الدول هي: إيران وروسيا وإسرائيل. الأولى تعتبر أن سقوط النظام الأسدي يشكل خسارة استراتيجية لا يمكنها تحملها ولذلك تخوض معركة بقاء النظام وكأنه جزء من بقائها. لا يمنع هذا الهدف من وجود خروقات وحتى خلافات داخل النظام الإيراني حول البدائل سبق وأن أوردها بالتفصيل.

أيضاً روسيا تنشط لدعم النظام بكل قوتها وتدعمه أمنياً ومعلوماتياً وبتظاهرات عسكرية بحرية. موسكو تعتقد ان الهجمة الأميركية قد أخرجتها من الشرق الأوسط ولم يبق لها وجود سوى في سوريا والجزائر. وإذا كانت سوريا “على النار” فإن الجزائر على خط “الزلازل”. تبقى إسرائيل حيث يعتقد الإسرائيليون أن الربيع العربي سيشكل ضربة موجعة لها في النهاية وأن الهدوء الذي تمتعت به على جبهة الجولان طوال ثلاثة عقود معرّض للاهتزاز. اكتمال الهلال السني وكسر القوس الشيعي لن ُيربحها، لأن الإسلاميين هم المستفيدون ولذلك فإن المستقبل مجهول وليس غامضاً فقط. إسرائيل تعمل على تحريك “لوبياتها” في العواصم الغربية خصوصاً في واشنطن للتمهل في اتخاذ مواقف حاسمة. كل هذا يستثمره النظام الأسدي بقوة الى جانب الحل الأمني الذي سقط ضحيته أكثر من أربعة آلاف قتيل وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المعتقلين وتسليط “سيف” الحرب الأهلية القاتل فوق رؤوس السوريين.

الأزمة تزداد خطراً على الصعيد الداخلي. يعمل النظام الأسدي على تسعير الضغائن الطائفية، خصوصاً وضع العلويين أمام خطر الحرب الأهلية والتهديد الكامل منها بالإبادة. أخطر ما يفعله النظام استخدام قوات من الجيش ذات لون طائفي معين ضد مدن وقرى مختلطة لاحداث القطيعة والتقاتل وصولاً الى الهجرة والتهجير. لا شك أن النواة الصلبة في النظام سواء كانوا علويين أو سنّة أو غيرهم “باتوا مقتنعين بأن قدرهم أن يقتلوا أو يقاتلوا”.

على الورق، كل هذا صحيح، خصوصاً مع وجود تردد عربي ودولي في المواجهة مع النظام الأسدي. واقعياً الأمور أكثر تعقيداً. ذلك أن الأرض بدأت تخرج عن السيطرة. بعد السادسة مساء تفقد القوى الأمنية و”الشبيحة” السيطرة على قلب المدن الريفية وقراها. النظام يعمل على حصر انزال قوات عسكرية على الأرض الى أقصى حد. التقديرات أن أكثر من 70 في المئة من الجيش أسير ثكناته ومواقعه حتى لا تقع انشقاقات واسعة. تسعير الضغائن الطائفية من “تكتيكات النظام”. تنفيذ سياسة فرّق تسد انتجت عكس ما يريده. تنامى شعور ووعي غير مسبوق بالوعي والتضامن والمسؤولية بين شرائح واسعة من السكان. كما ظهر بعد عقود من القمع، المجتمع المدني كلاعب يتمتع بطاقة ومبادرة مفاجئة. تصفية الجيل الأول من قيادة التنسيقيات انتجت ظهور جيل ثان وثالث. رجال الأعمال والأغنياء الذين كانوا يتحصنون وراء ثرواتهم، فتحوا أبوابهم لمساعدة المدنيين. أول الغيث من حلب التي بدأت تشعر بوقع المقاطعة التركية التي ارسلت مساعدات عينية من “اشرافها” الى “اشراف” حمص، والقادم أعظم خصوصاً مع بداية انحدار الليرة السورية وارتفاع سعر المازوت والشتاء بالكاد بدأ.

العمل على كسر إرادة النظام في اللعب على الوقت والمناورة ضرورية وملحة، لكنها لا تكفي. يجب العمل منذ الآن على تحصين الداخل في مواجهة التدخل الخارجي خصوصاً ان “الملعب السوري” يغري قوى كثيرة إقليمية وخارجية “للعب” فيه وتحقيق مكاسب مغرية جداً بعضها استراتيجي.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى