إياد الجعفريصفحات المستقبل

الأسد يُخلي دمشق/ إياد الجعفري

 

 

قد يكون سيناريو كارثياً، ما وُصف بأنه نصيحة إسرائيلية قُدمت لبشار الأسد، حسبما نقلت صحيفة عربية. على المدى القريب، قد يكون أفضل السيناريوهات المُتاحة للأسد بالفعل، لكن على المدى المتوسط والبعيد، لا يبدو أن كياناً علوياً في الساحل السوري، سيحظى بفرصة استقرار مديدة.

الصحيفة العربية المُشار إليها نقلت عن مصدر فرنسي أن الإسرائيليين نصحوا الأسد بالانسحاب من دمشق إلى منطقة الجيب الساحلي، طالما أن قواته وطيرانه قادرين على تأمين مثل هذا الانسحاب وتوفير خروج آمن.

ماذا يمكن أن يحدث لو أنصت الأسد لما وُصف بأنه نصيحة إسرائيلية؟…سيناريوهات عديدة مُحتملة، لكن أكثرها ترجيحاً، هو أن تسارع الفصائل المسلحة للسيطرة على العاصمة، التي ستشهد صراعاً دامياً حول من يمكن له أن يحتكر رمزيتها. أول المسارعين نحوها سيكون تنظيم الدولة الإسلامية، المتواجد الآن على الطريق السريع إليها، القادم من تدمر. وبطبيعة الحال، ستكون أولى وأشد معارك التنظيم قرب دمشق، مع “جيش الإسلام”، بزعامة زهران علوش، العدو اللدود، الذي سبق أن أثخن أنصار التنظيم في ريف العاصمة الجراح.

يعلم العارفون بأوضاع بلدات الغوطة الشرقية، أن لتنظيم الدولة أنصاراً ومتعاطفين، خاصة وسط ما يُوصف بأنه أخطاء عديدة لـ “جيش الإسلام”، في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرته، وما مظاهرة “سقبا” الأخيرة، إلا تأكيداً على ذلك، حيث طالب المتظاهرون بإطلاق معتقليهم في سجون “جيش الإسلام”، كما وطالبوا بوضع حد لاحتكار التجار الذين يستغلون حصار الأسد للغوطة، ليرفعوا أسعار السلع الغذائية، وسط تجاهل قيادات “جيش الإسلام”، حسب وصفهم.

لا بد أن للتنظيم خلاياه النائمة في بلدات الغوطة. لكن فصائل أخرى، بعضها محسوب على “جيش الفتح”، ليست ببعيدة عن دمشق أيضاً، حيث ستسارع هي الأخرى للدخول في خضم المعركة الكبرى بالعاصمة.

على المدى القريب، سيكون السيناريو كارثياً، حيث ستشهد دمشق ملحمة دامية بين المتصارعين عليها. لكن على المدى المتوسط والبعيد، لا يبدو أن سيناريو إخلاء الأسد لدمشق سيعود عليه باستقرار بعيد الأمد.

بدايةً، لا تداعب فكرة كيان علوي لا تكون دمشق ضمنه، طموح الإيرانيين، حسب ما يُشاع في تسريباتهم، التي أقرت، على لسان أحد دبلوماسييهم، تقبلهم لفكرة التخلي عن باقي سوريا، باستثناء الشريط الممتد من دمشق، مروراً بالقلمون، ومن ثم حمص وحماه، والجيب الساحلي. أقل من تلك الجغرافيا، تصبح جدوى “الكيان العلوي” متدنية للغاية وفق مصالح الإيرانيين. ناهيك عن فقدان التواصل البري مع هذا الكيان، بخسارة الأنبار بالعراق، وبادية الشام بسوريا، لصالح تنظيم “الدولة الإسلامية”، الأمر الذي سيحصر خطوط تمويل ودعم هذا الكيان، بالبحر، وهو أعلى كلفة اقتصادية، وأقل استقراراً من الناحية اللوجستية.

أما على صعيد العلويين أنفسهم، فربما تُتيح فكرة الانسحاب من دمشق، فسحة من الوقت، يرتاحون فيها من كمّ كبير من الاستنزاف الحاصل لهم، حينما تنشغل الفصائل المختلفة بالصراع في دمشق. لكن على المدى المتوسط، والبعيد، لا يمكن أن يعتقد أحد بأن المحيط السُني الحانق على “كيان علوي”، دمر كامل سوريا، لينفصل عنها في نهاية المطاف، سيترك هذا الكيان بحاله. خاصة إن ضم ذلك الكيان حمص وحماه، بما فيهما من سُنة، وبما يحتوي محيطهما من مهجرين سُنة طُردوا من المحافظتين بفعل حرب الأسد عليهم. حالما تستقر الأحوال، ولأي جهة أو فصيل بدمشق، ستعود حالة استنزاف “الكيان العلوي” للاستيقاظ، والتفاقم لاحقاً. خاصة مع وجود أطراف إقليمية، لن يروق لها استقرار دويلة طائفية يمكن أن تشكل نموذجاً يُستنسخ مستقبلاً، سواء في جنوب تركيا الزاخرة بالعلويين، أو في شرق السعودية الزاخر بالشيعة.

بكل الأحوال، هل كان ما سربته الصحيفة العربية نصيحة إسرائيلية للأسد حقاً؟، أم هو تسريب استخباراتي غايته قياس ردود الأفعال والآراء؟…لا يمكن الجزم…لكن ما يمكن الجزم به أنه لو كان ما قيل نصيحة إسرائيلية، فذلك يعني أن إسرائيل تخشى على الأسد والعلويين، أكثر من خشيتها على نفسها. فرغم أن أفغانستان شهدت ثماني سنوات من الاقتتال بين الفصائل بعد انتهاء مرحلة الجهاد ضد الروس، إلا أنه في نهاية المطاف، انتصر أكثر تلك الفصائل تنظيماً، وأشدها تطرفاً، لتصبح مناطق سيطرة “طالبان”، مُنطلقاً لعمليات تستهدف الغرب. وفي الحالة السورية، مهما طال الأمد في سياق صراع الفصائل، ستكون خاتمته انتصار أكثرها تنظيماً وأشدها تطرفاً، ما يعني أن إسرائيل قد تصبح على الحدود مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، بما يحمله ذلك من مخاطر كبرى للأمن القومي الإسرائيلي.

لعقود، راهن الإسرائيليون على براغماتية الأسد الأب، ومن ثم الابن، للحفاظ على أمن حدودهم. اليوم، على الإسرائيليين البحث عن أكثر الأطراف براغماتية، لحفظ أمن حدودهم. “جبهة النُصرة”، أثبتت براغماتيتها على الشريط الشائك بالجولان. وإطلالة زعيمها عبر “الجزيرة” كانت محاولة للتلميع والاستيعاب، وإن كانت لم تُؤتِ أُكلها اليوم، قد تُؤتي أُكلها في المدى المنظور. لكن يبقى أن لتنظيم “الدولة”، رأياً آخر، ودوراً حاسماً في المشهد المرتقب، في سوريا.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى