صفحات الحوار

الأصولية في سوريا قويت مع النفط السياسي وأخذت طابعاً ظلامياً مع تعاظم سيطرة الدولة

 


الطيب تيزيني: السؤال هو هل العرب قادرون على البقاء في عصر العولمة وعلى تمثل الماضي عصرياً؟

راشد عيسى

لم يكن المفكر السوري الطيب تيزيني (مواليد 1938) عابراً يوماً في المشهد الثقافي والفكري، كما في الحراك الأهلي في سوريا، الذي لم يبدأ فقط بتوقيعه على بيان الـ99 الشهير، وصولاً إلى المشهد الذي لا يمكن أن يتزحزح من الوجدان، حين تعرض لما تعرض إليه معتصمو «الداخلية». إذ لم يفرقوا حينذاك بين المفكر السبعيني وبين أي من المعتصمين. صورة لمفكر، مبدع، مثقف يندر أن نعثر عليها. تيزيني تحدث هنا لأول مرة عن تلك التجربة، كما تحدث في ما هو مستجد في الشأن السوري. ما هو توصيف الوضع الآن في سوريا، وإلى أين ستمضي هذه التحركات، وما هو موقع الأصولية؟

÷ هل يمكن الحديث بداية عن تلك التجربة التي مررت بها أثناء «اعتصام الداخلية»؟

} كانت الدعوة للنزول إلى «اعتصام الداخلية» قد برزت على أساس المطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي والضمير. وقد التقت جموع من النساء والأطفال والشباب أمام بناء وزارة الداخلية في ساحة المرجة بدمشق. وقد تجولتُ في هذه الساحة، فلفت نظري تجمع نسائي يهتف بشعارات تتصل بحقوق الإنسان وبضرورة الإفراج عن سجناء يخصّون ذلك التجمع النسائي. أما الأمر الثاني فتمثل في ما يمثل «معركة كاميرات» يحملها ويصورون بها التجمعات القائمة في ساحة الحرية المذكورة. وكان هنالك حركة كرّ وفرّ بين رجال أمن يحملون هراوات وبين أفراد التجمعات المذكورة. ومما شاهدته هناك شاباً يحمل آلة تصوير صوّر بها من كان قريباً منه. وبلحظة توقف الشاب عن التصوير، واتجه للهروب باتجاه بناية مقابلة دخل فيها، فلحق به عدد من رجال الهراوات ووصلوا إلى الطابق الرابع – كما سمعت منهم – وأمسكوا بالشاب وأنزلوه إلى الشارع، حيث وُضع مع آخرين في سيارة انطلقت خارج الساحة. وكان قد نشأ هرج ومرج بين المتظاهرين ورجال الأمن. وأخيراً كان الأمر الثالث، الذي تمثل بحضور التجمع النسائي بألبسة سوداء.

أما ما لفت نظري في هذه الحال، وأحدث فيَّ حالة من الأسى والاستفزاز، فكان مشهداً مرعباً تمثل بامرأة وطفلة في حدود العاشرة. أما المرأة فقد جُرّت من يدها الأولى، في حين كانت الطفلة (ولعلها ابنة تلك) قد تعلّقت بيد أمها الثانية. وكان المشهد مهولاً، فخاطبت رجال الأمن الثلاثة أنْ دعوا الأم وابنتها، فقد يأتيكم يوم تجرّون فيه هكذا. ولاحظت أنهم انفجروا غيظاً مني فقدِم اثنان قريبان مني، فصاروا مع واحد ثالث ثلاثة رجال. ومن هؤلاء الثلاثة أخذ اثنان بيديّ الاثنتين. أما الرجل الثالث فقد انهال على رأسي من الخلف وعلى ظهري ضرباً، ثم اقتادوني إلى سيارة قريبة. دخلت هذه الأخيرة، فوجدت فيها امرأة شابة تشدّ من شعرها (الأسود اللون)، وهم يشتمونها، ففهمت أنها محامية. إضافة إلى هذه الأخيرة كانت هنالك امرأة مع بنت لها، إضافة إلى ابن لها، فهمت أنه طالب طبّ وأن أمه طبيبة، وأن زوج المرأة أب الابن مسجون في سجن تابع لوزارة الداخلية.

وفي فرع الأمن الذي أُدخلت إليه مع آخرين «اكتُشف أمري» من قبل ضابط أمن. وعلم آخرون بذلك من خارج الفرع. فكان أن أُمر الإفراج عني، في حين بقي آخرون في الفرع إلى وقت أخر لاحق وبعد أيام. وفي أثناء خروجي من فرع «مخابرات المنطقة» قال لي مديره العميد: نعتذر لك يا دكتور، ولا تؤاخذنا! أجبته: لست بحاجة إلى اعتذاركم!

دور المثقف

÷ هل تجد أن للمثقف دوراً مختلفاً؟ هل تجد ذلك ممكناً اليوم؟

ـ أن يكون للمثقف دور مختلف، وهل هذا محتمل الآن؟ نعم، هذا أمر محتمل، بل هو محتمل جداً. وقد نقول، إن التحولات الكبرى التي راحت تجتاح العالم العربي، طرحت على المثقفين خصوصاً، والشعوب العربية على نحو عام، مسائل تبدو كبرى، وهي كذلك. ومن هذه المسائل التالية: من قاد ويقود تلك التحولات؟ ما هي المطالب الحاسمة لهؤلاء وأولئك؟ هل هنالك أخطار يمكن أن تُحدث اضطرابات عظمى في هذا البلد العربي أو ذاك من نمط الحروب الأهلية والأخرى الطائفية والثالثة المركّبة أي التي قد تفضي إلى تدخلات أجنبية ؟

أما الإجابة على المسألة الأولى فتتبلور في تحديد الحامل الاجتماعي للأحداث المعنية. ويمكن وضع الافتراض بأن الحركات التغييرية في العالم أتت بعد تراكم ضخم من المشكلات والإشكاليات على مدى أربعين عاماً. وهذا بذاته يضعنا أمام وجهين اثنين، يقوم أولهما على أن الحركات المذكورة أتت بشرعية تاريخية واضحة بسبب من إهمال وإقصاء ما كان عليه أن يتم في أوانه، وظل معلقاً. أما الوجه الآخر فيتمثل في أن المجتمعات العربية وجدت نفسها والحال كذلك، أمام استحقاقات ظهر أن الإجابة عنها معقدة ومركّبة وكذلك ذات أبعاد خارجية. وسندرك ذلك خصوصاً حين نعلم أن الحامل الاجتماعي لذلك كله تمثّل في فئات الشباب المتعددي المرجعيات المجتمعية والثقافية والايديولوجية وكذلك الإثنية وغيرها، مع اجتماعها على مرجعية واحدة في كونهم شباباً مشتركين في كثير من الانتماءات. ونضيف إلى ذلك، إنه إذا كانت الانتفاضات قد انطلقت من تلك المرجعيات المتعددة بتدفق فريد، إلا أنها بعد بعض الاستقرار راح يتضح أن الكثير من الصعوبات بدأت تبرز من مواقع الحامل الاجتماعي الشبابي ومن اختلاط هذا بما أخذ يظهر من انتماءات مجتمعية طبقية أحدثت بلبلة راحت تسمح لمن لم يكن له دور بارز في بداية الأمر، مع إضافة عدم وجود النضج الكافي لدى الشباب والسماح بذلك لظهور أدوار لفلول الأنظمة السابقة ولغيرها.

ها هنا تبرز ضرورة كبرى لبروز أدوار المثقفين (مع السياسيين) على أساس الاندماج في الحامل الاجتماعي للانتفاضات، أي على أساس القوة العضوية الحية لفئات المثقفين العرب، يداً بيد مع من شاخ من الحركات السياسية العربية.

وهذا يعني ضبط الحامل الاجتماعي المكّب الجديد. وهذا ما نراه ممثلاً بالمقولة السوسيوثقافية التالية: إن الحامل الاجتماعي هذا ينطلق من أقصى اليمين الوطني والقومي الديموقراطي إلى أقصى اليسار الوطني والقومي الديموقراطي، من دون استثناء.

÷ كيف توصّف وتسمي ما يجري في سوريا الآن؟ غالباً ما يختلف المتابعون على التسميات، هبة؟ انتفاضة؟ ثورة؟ إلى أين تمضي الأمور؟ هل من مخاوف وعراقيل هنا لم نجدها في مصر أو تونس وسواهما؟ وما هي الحلول للخروج من الأزمة برأيك؟

} إن ما حدث في تونس ومصر وما يحدث الآن في سوريا واليمن قد نطلق عليه هبّة وانتفاضة، إذا وضعنا هاتين في سياقهما التاريخي. لكن الثورة يمكن أن تكون الآتية، فيما إذا سارت هاتان بنجاح. وفي هذه الحال، لا بد من انجاز استحقاقات الثورة، التي تظهر مشروطة بالشروع بإعادة بناء المجتمع العربي من مواقع مفاهيم ملكية الإنتاج الاجتماعي والعمل على إعادة بنية ثقافة الثورة والانخراط في مهمات التأسيس للمؤسسات السياسية والقضائية وتعميق الحراك السياسي والمجتمع السياسي والمجتمع المدني.

فالعملية إذن مركبة، لكنها تندرج في مهمة واحدة هي إعادة بناء المجتمعات العربية بما تحققه من كرامة وكفاية مادية وحرية. ويبقى الأمر هذا بمراحله الثلاث خاضعاً لمزيد من البحث العلمي المفتوح.

وفي هذا الإطار تبرز الأهمية التأسيسية للمثقف الجديد «المختلف» عما هو سائد، و«المؤتلف» مع التقدم التاريخي.

÷ هل تجد أن للايديولوجيا دوراً وحضوراً في الثورات المتلاحقة من تونس إلى مصر وسواهما، أم أن ما نشهده هو تحركات مطلبية لا أسس فكرية لها؟ هل تجد أن صراعاً واضحاً يجري بين ثقافتين؟

} لا شك أن للايديولوجيا المنحازة لذلك التقدم التاريخي في المجتمعات التاريخية. أما التحركات المطلبية فهي تجسيد لما تؤسس له الايديولوجيا هذه ضمن إنجاز مهمات البحث العلمي. ويبدو أن القيام بذلك أمر أصبح حاسماً باتجاه الخروج من مآزق كبرى وصغرى وما بينهما. وقد اقترحت منذ بعض الوقت تأسيس مركز للبحوث الاستراتيجية يغطي حاجات واستحقاقات حالة جديدة من مشروع عربي (وقطري) جديد في النهضة والتنوير. أما ما يقتضيه انجاز هذا العمل فيكمن في البحث في وجهيه الاثنين هما: العلم الاجتماعي مشخصاً في الواقع الاجتماعي، والواقع الاجتماعي منظّراً معلمناً. ونحن الآن في العالم العربي نعيش ثنائية ثقافية بين ثقافتين حلّها لا يقوم على تجاوز الوجه الآخذ منهما بالأفول عشوائياً ولا بامتلاك الوجه الجديد التقدمي برؤية لا تاريخية تلفيقية، وإنما عبر رؤية نقدية وتاريخية وتقدمية، وفي ضوء الاستجابة لمشروع النهوض العربي الجديد المعْني.

الأصولية

÷ هل كشفت الأوضاع المستجدة بالنسبة لك عن شرائح وأجيال وتطلعات وأفكار لم تعهدها من قبل؟ أم أن كل ما نراه اليوم هو في إطار المتوقع؟ ما هو موقع الأصولية الدينية في المشهد اليوم؟ هل تسلمها للسلطة أمر حتمي فيما لو رحل النظام؟ هل تجد أن للأصولية ملامح محلية يسبغها كل بلد، فهل تختلف أصولية في دمشق عن أصولية في تونس أو القاهرة؟

} نعم، لقد راحت تبرز أوضاع مستجدة حقاً في الحقول العربية المتعددة. من ذلك دور الشباب الذي كان مغيباً بالاعتبار المعرفي السياسي والتاريخي ما يمكن أن نتحدث عنه الآن عن: فئات الشباب في سياق تموضعهم ضمن الأجيال الشائخة أيضاً في كل طبقات المجتمع أولاً ومن موقع انتماءات الشبيبة كذلك ضمن كل طبقات المجتمع ثانياً والشباب كمقولة جيليّة بيوسيكولوجياً وثقافياً وقيمياً أخلاقياً ثالثاً، والنظر إليهم في احتمالات تغيرهم وتقدمهم تاريخياً.

أما ظاهرة الأصولية فينبغي التدقيق فيها الآن في نشأتها التاريخية كتعبير سياسي اقتصادي وثقافي، وكذلك اعتقادي له علاقة وثيقة بمحاولة قراءتها ضمن «مفهوم التأويل القرائي» وإنتاج قراءة جديدة على الأقل لا تقف عثرة في وجه التقدم. أما تسلمها للسلطة فيبقى رهن ثلاثة شروط: 1-استمرار الانهيار الاقتصادي العربي. 2-غياب هؤلاء عن الحراك الثقافي الايديولوجي من داخل النص الديني القائم. 3-إصرار النظم العربية على الاستفراد بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية. وحتى حين يرحل نظام يأخذ بهذه الرباعية، فإن زوال الأصولية – بما لها من خصوصية ايديولوجية معرفية – سيكون عملية تاريخية معقدة من هنا ضرورة التمييز بينهما وبين الإسلام الاعتقادي القابل للتأويل العقلاني المفتوح، في مواجهة الأصولية التي تقوم على المبدأ التالي: الأسلاف لم يتركوا شيئاً للأخلاف، بحيث يتعين عليهم أن يستمدوا منهم ليس أسئلتهم المعاصرة فحسب وإنما كذلك الأجوبة عليها! نعم، ثمة خصوصيات تطبع الأصولية بسمات محلية وعالمية.

÷ هل يمكن أن نفصّل قليلاً حول هذه الخصوصيات. وما الخصوصية التي تطبع الأصولية في سوريا على سبيل المثال؟

} يبرز مفهوم «الخصوصية» في العلوم الاجتماعية والانسانية من ضمن منظومة المفاهيم المركزية لتحديد وضبط ما يجعل الأشياء والوضعيات والأفراد والمجموعات والعلاقات الخ، مختلفة ومتمايزة بعضها عن بعض. ويتسع مفهوم الاختلاف والتمايز هذا إلى كل مظاهر الكون وتجلياته، من دون استثناء. بل إن المفهوم المذكور يوغل في التشخيص، بحيث يظهر ويتجلى في الشيء ذاته وفي الأنا ذاتها. ومن هنا، كانت الخصوصية ما يجعل الأشياء مطابقة لذواتها ومختلفة عن ذوات أخرى من طرف، وما يجعلها – كذلك – تتضمن التناقض في داخلها من طرف آخر؛ مما يعني أن الأشياء تحتمل السلب والإيجاب في سياق حركتها المفتوحة.

تلك سمات في الخصوصية، لكن هذه الأخيرة، بما هي كذلك أي خصوصية، تمثل مصطلحاً قائماً على التضايف، بحيث تفضي الخصوصية إلى العمومية، عموميتها، وتقتضي وجودها، (على هذا النحو) نكون أمام حالة جدلية تتاسس بدورها على العلاقة بين الخاص والعام، أو الخاص عاماً والعام خاصاً.

لقد ظهرت الأصولية (والأصح لغوياً واصطلاحياً أن نتحدث عن أصولوية بحيث تاتي إضافة الواو تعبيراً عن أنها تأكيد على دلالة التمذهب). فكلمة أصولية إنما تعبر عن حالة وليس مذهباً. وعبر المقارنة اللغوية نرى أن كلمة FUNDAMENT تعني بالألمانية أصولية، بينما تعني كلمة أصولوية، بإضافة حرف الواو بالعربية أي بالألمانية FUNDUMENTALISM، مذهب الأصولية. فسيد قطب كان أصولياً ومنظرا للأصولية، أي أصولوياً.

تلك المسائل الاصطلاحية اللغوية تساعد على التعمق في الإجابة عن السؤال الذي نحن بصدده: فأن يكون المرء أصولياً يعني انه يأخذ النص الديني الإسلامي وغيره من النصوص الدينية على نحو اعتقادي شيء. وأن يأخذه على نحو موظف في خدمة مصالح ومواقف سياسية وغيرها شيء آخر. إن الإسلام الاعتقادي هو من يأخذ به إذن مسلمون، في حين أن الإسلام السياسي هو من يجعل منه استراتيجية فعل سياسي وثقافي بمقتضى المبدأ الأصولوي: لم يترك الأسلاف شيئاً للاخلاف؛ فاولئك وضعوا أيديهم على الحقائق الكبرى، بينما هؤلاء عليهم أن يتبعوا هذه الحقائق وما ينجم عنها دونما اهتمام حاسم وحقيقي بمقتضيات العصر المعيش.

إذن، الأصولوية تظهر قصوراً معرفياً ومنهجياً وواقعياً، حيث ترى العصور مكثفة في عصر هو عصر الإسلام الأول. ومن هنا نشات مفاهيم الانحراف والفتنة والزندقة الخ. وقد ظهرت الاصولوية في سوريا بقوة مع انهيار المشروع العربي في النهضة والتنوير. مع الإشارة إلى أن هذا الأخير يقتضي وجود الإسلام والإسلاميين، من دون الأصولوية والإسلام السياسي على نمط الشعار الشائع: الإسلام هو الحل. وقد نقول، إن من خصوصية الأصولوية في سوريا أنها ظهرت بقوة مع مرحلة اكتشاف النفط السياسي في الستينيات من القرن العشرين.

اما انتماؤها الاقتصادي الاجتماعي فقد تحدد خصوصاً في أوساط الفقراء والمفقرين الجدد، مع تحول المجتمع السوري إلى مجتمع العشرين والثمانين، العشرين من السكان الذين يمتلكون ثمانين في المئة من الثروة السورية، والثمانين من سكان سوريا الذين يمتلكون عشرين في المئة من تلك الثروة. وبصورة عامة يمكن القول بأن الأصولوية في سوريا تعاظمت وأخذت – أحياناً – طابعاً ظلامياً مع تعاظم سطوة الدولة الأمنية بما يحكمها ويضبطها تحت حد الاستبداد الرباعي القائم على الاستئثار بالسلطة وبالثروة والإعلام والمرجعية.

ويلاحظ راهناً أن المأزق الذي تقود إليه الدولة الأمنية في سوريا قد يحدث حرباً طائفية مذهبية مرعبة. ومن شأن هذا أن يوسع مساحة الأصولوية الإسلامية، يداً بيد مع تعمق الاتجاه الليبرالي في مجموعات من ممثيلها، وذلك تحت تأثيرين، واحد يتمثل في الإسلاميين الأتراك، وآخر يتمثل في نمو الحركة العقلانية المعتدلة في سوريا كردّ على مجازر حماه وتدمر في الثمانينيات من القرن المنصرم.

الغرب

÷ هل تلمس تغيراً في سلوك الغرب ونظرته للمنطقة وأحوالها؟

} نعم، حدثت تغيرات عميقة استراتيجياً وتكتيكياً في سلوك الغرب حيال منطقتنا وأحوالها. وهو الآن يعمل على ضبط هذه التغيرات ضمن رهانات واحتمالات قد تكون جديدة تماماً. وهذا سيتصاعد مع تطور حركة التغيير في العالم العربي باتجاه التقدم التاريخي. أما الإتكــاء على الغــرب فهو – في الغالب – شــرخ عمــيق في تلك الحركة الكبرى.

وقد أقول في نهاية الأمر: إن ما يحكم الحركة المذكورة إنما هما سؤالان كبيران يلخصان – في هذا العصر العولمي الهيمني المتصاعد – ما يتعين علينا نحن العرب (ومن ضمنهم السوريون وكل الآخرين) أن ننجزه. أما الأول فيفصح عن نفسه على النحو التالي: أما زال العرب قادرين على البقاء تاريخياً في عصر العولمة المذكورة إياها؟ أما السؤال الآخر فيتمثل في التالي: إذا ثبت نسبياً أن العرب الذين يقودون الآن معركة تاريخية قد تكون عظمى من أجل التغيير، فهل هم قادرون على الاستجابة لاستحقاقات الحاضر في ضوء تمثّل الماضي عصرياً، وعلى أساس إنجاز المهمات الكبرى من موقع المستقبل وباتجاهه وبالرغم من أن العولمة رفعت مشكلات العالم إلى أقصاها ووضعت البشر أمام الخيار الشكسبيري، وضمناً كذلك الخلدوني الهائل: إما أن نكون، وإما أن لا نكون.

ذلك هو الأقصى على الصعيد الثقافي وتحديداً في إطار السوسـيولوجيا والعلوم الاجتماعية كلها.

÷ هل توافق على ملاحظة أن القضية الفلسطينية غائبة عن هذه الثورات؟

} أظن أن القضية الفلسطينية ما تزال حاضرة في العالم العربي وبقوة، ولكنها تظهر الآن ضمناً. ولعلنا نرى أن العلاقة بين الفريقين تتعاظم وتكشف ما تجمع بينهما. ذلك لأن اسرائيل تشعر بقلق كبير، حين ترى حاملاً أو حوامل اجتماعية جديدة تبرز على الساحة ولا تتوافق مع استراتيجيتها حيال العرب، وهي محاولة إيجاد حد من التوافق بينها وبينهم؛ لكن من دون تقديم تنازلات جوهرية حقيقية.

وعلى العكس مما سوق له بعض المناهضين لتلك الثورات من الحكام العرب، لم تكن اسرائيل هي التي حفزت على بروزها في بلدان عربية، بل هي التي تحاول إيقاف انتشارها وتطورها، كي لا تتاثر مشاريع عربية ديموقراطية تتحول إلى مخاطر ضد اسرائيل.

(دمشق)

حوار

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى