الأطفال الجنود في سوريا: الموت خبزهم اليومي
جـون بيـك
ازدادت مشاركة الأطفال في الصراع السوري
ابراهيم، الذي يقول إنّه في الـ18 من العمر لكنّه يبدو أصغر بكثير، يبتسم وهو يناولني هاتفه الخلوي البالي، مصرّاً على أنْ أُشاهد فيديو آخر عليه. يُظهر التصوير غير الواضح جندياً سورياً صغيراً في العمر مستلقياً على الرصيف، ورأسُه متدلٍ على الطريق. يُمسك العديد من الرجال بأطرافه بينما يمسك أحدهم بشعره، رافعاً سكيناً كبيراً على نحره لقطع رأسه. ومع تدفّق الدماء على الطريق المعبّدة، انتقل الجلاد لمواجهة الكاميرا بينما يقوم برمي الرأس المقطوع في الهواء. ما يستدعي صرخات وابتسامات من المشاهدين القريبين منه.
في الشريط المصوّر التالي، يبدو عدة رجال مستلقين على بطنهم في خط مستقيم، وأيديهم خلف رؤوسهم. يسير المصوّر ذهاباً وإياباً أمامهم، مقرّباً الكاميرا الى وجوههم. أما السجناء، الذي يبدو أنّ العديد منهم في أوائل العشرينات من عمرهم أو أقل، فيرجونَهم بأن لا يقتلونهم. هم من البلدة نفسها التي ينتمي إليها محتجزوهم، ما يجعلهم أخوة. “لا يهم” يقول أحدهم أمام الكاميرا. “لقد حاولتم قتلنا والآن سوف نقتلكم”. وبعد لحظات يسير احد المقاتلين امام الصف، ويطلق النار عرضا على رأس كل واحد من هؤلاء الرجال من الخلف ويطلق على الضحية الأخيرة عدداً من الرصاصات. يشاهد المتفرّجون المنظر غير مبالين. فبالنسبة لهم، أصبحت هذه العملية خبزهم اليومي. “ما رأيك؟” يسألني ابراهيم، غير المتأثّر بهذا العنف. ويضيف باعتزاز أنّ من قام بأعمال القتل التي شاهدناها هم “أحرار الشام”، وهم مجموعة إسلامية سورية ثائرة يقول إنّه كان يحارب الى جانبها.
لا يزال يوجد الكثير من الفيديوات. أحدها يُظهر معركة يخرج فيها أحد الأصدقاء، على حد قول إبراهيم، من تحت الغطاء بينما يطلق النار من رشاشه الخفيف بشراسة. وعلى الفور يقوم أحد قنّاصي النظام بإطلاق النار على رأسه. أما الفيديو الأخير، الذي أبقاه للختام، فيُظهر ابراهيم نفسه وهو مستلقٍ في مستشفى ميداني مؤقّت، جرح للتو وغطته الدماء.
هذه الجراح هي التي دفعته للحضور الى بلدة الريحانية التركية على الحدود – حيث ينتظر باصاً قرب أنطاكيا، وهو يدخّن ويحمل كيساً بلاستيكياً بالياً يحتوي صوراً إشعاعية لساقه المليئة بالشظايا. وقال ابراهيم إنّه يخطّط لإيجاد عمل هناك وجمع مبلغٍ كافٍ من المال للعودة إلى سوريا والانخراط في القتال مجدداً.
ابراهيم وقريبه الأصغر منه سنّاً، كلاهما يزعم أنّه “تخرّج من ساحة القتال”. وهما ليسا وحيدين. فقد استخدمت كتائب المعارضة أطفالاً بسن الـ 14 للقيام بأدوار غير قتالية، بينها نقل الأسلحة والإمدادات والمراقبة. ووفقاً لبحث نشرته العام الماضي منظمة هيومن رايتس ووتش، يشارك في القتال طفال بعمر الـ 16. ومنذ ذلك الوقت لم تزدد المشكلة إلاّ تدهوراً، تقول بريانكا موتابارثي، الباحثة في مجال حقوق الأطفال مع “هيومن رايتس ووتش” وكاتبة أحد التقارير التي تتناول هذا الموضوع. “في الجزء الأول من عام 2012، لم نعثر على حالات عديدة لأطفال يؤدّون فعلياً أدواراً قتالية. ولكن مع تفاقم الصراع، بدأنا نرى أطفالاً يحملون أسلحة ويشاركون في الاعتداءات، وكذلك يعملون قنّاصين أو في وظائف قتالية أخرى”.
تقول موتابارثي إنّه في الأيام الأولى للثورة، كان انخراط الاطفال في المجموعات المعارضة يتم على أساس الروابط العائلية، حيث ينضم كافة الأقارب الذكور الى وحدة معيّنة معاً، وإن كان بعضهم تحت سن الثامنة عشرة. ولكن مع انجرار سوريا الى حرب أهلية كاملة بكل المقاييس، يبدو أنّ هذا التوجّه تخطّى روابط الدم. “لم أعد أشعر بأنّ هذه مسألة أطفال يُلحقون بأفراد عائلتهم” تقول. “اليوم بتنا نرى أيتاماً، أطفالاً خسروا كل شيء، مرتبطين بوحدات معارضة بسبب رغبتهم في الانتقام او لأنّ لا خيارات أخرى متاحة لهم”.
وبعيداً من مسألة السن، فإن العديد من هؤلاء المجندين غير مجهّزين بالشكل الكافي للقيام بأدوار قتالية. فابراهيم مثلاً حصل على تدريب بسيط أو لم يحصل على أي تدريب قبل أن يُرمى في المعركة. “لقد أعطوني فقط سلاحاً، وقالوا لي الى أين أذهب”، يقول، مضيفاً وتعلو وجهه ابتسامة عريضة إنّه تمكّن من جرح أحد جنود النظام. وتقول موتابارثي إنّ الحاجة الماسة الى وجود رجال على الجبهة تعني أنّ هذا على الأرجح ليس حادثة عرضية بل هو غالباً ما يحصل.
هذا وحاول الإئتلاف الوطني السوري ان يخفّف أو يوقف استخدام الجنود الاطفال خلال ورشات عمله، التي كان يقيمها بالتعاون مع إحدى المنظمات الإنسانية تحت اسم “Geneva Call”. وقال أحد المتحدثين باسم الإئتلاف لموقع NOW إنّ الكتائب التي شاركت في ورشة العمل – وهي بشكلٍ عام كتيبة كبيرة من كل منطقة – اتفقت على قرار يحظّر انضمام الأطفال تحت سن الـ 16 الى أي قسم من أقسام الجيش السوري الحر. وقد اتفقوا أيضاً على أنّ الأفراد بين 16 -18 يجب ألا ينخرطوا بالنشاطات العسكرية، ولكن يمكن أن يساعدوا عوضاً عن ذلك في “توفير الطعام للجنود أو العمل في مكتبهم الإعلامي”.
هكذا ليس أمامنا سوى الانتظار لنرى الى أين ستسير الأمور وسط حرب شعواء – وفقاً لتقديرات اليونيسيف، سبق أن أثرّت على أكثر من مليوني طفل في أنحاء المنطقة. ولكن مع ارتفاع حدّة القتال، سوف تستمر الفظاعات وسوف تتمزّق وتفترق المزيد من العائلات. ومن المؤكّد بأنّه سوف يكون هناك الكثير من الحالات المشابهة لحالة ابراهيم.
هذ المقال هو ترجمة للنص الأصلي الانكليزي
موقع لنان ناو