صفحات سورية

الأكراد بين خبث النظام وتجاهل المعارضة


مصطفى أوسو

مما لا شك فيه، أن التوقيع على اتفاقية هولير في الحادي عشر من الشهر الجاري، بين المجلس الوطني الكردي في سوريا ومجلس الشعب لغربي كردستان، وبرعاية كريمة ومباشرة من الأخ مسعود البارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق كان استجابة طبيعية وموضوعية للظروف الدقيقة والحساسة التي يمر بها أبناء شعبنا الكردي في سوريا بشكل خاص، والشعب السوري عموماً، بعد مرور حوالي سبعة عشر شهراً على الثورة السورية المباركة، واستمرار النظام الاستبدادي الشمولي الحاكم في انتهاج سياسته الأمنية القائمة على القتل وارتكاب المجازر الجماعية بحق الشعب السوري الثائر وتدمير مدنه وبلداته وقراه، بالقصف العشوائي للمدافع والدبابات والمروحيات والطائرات الحربية أيضاً، في ظل عدم فعالية المجتمع الدولي وعجزه عن اتخاذ مواقف وقرارات حاسمة ورادعة تجاهه.

وقد كان لهذه الاتفاقية الصدى الإيجابي، ولاقت ارتياحاً كبيراً وواسعاً، لدى جميع الأوساط الجماهيرية الشعبية والسياسية والثقافية والفكرية، في المجتمع الكردي في سوريا، كونها جاءت من جهة في مرحلة تاريخية مفصلية وحرجة جداً، تبرز فيها الحاجة وأكثر من أي وقت آخر، للعمل الجاد من أجل توحيد الصف الكردي وترتيب بيته الداخلي، ليكون أكثر فعالية وقوة وتنظيماً، في الثورة السورية وفعالياتها المختلفة وتحقيق أهدافها في الحرية والديموقراطية وإسقاط النظام، وبناء سوريا حديثة ديموقراطية تعددية تشاركية، خالية من جميع أنواع القمع والاستبداد والتمييز والاضطهاد، ينعم فيها جميع أبنائها بحقوقهم المتساوية، وحل القضية القومية الكردية، كقضية شعب يقيم على أرضه التاريخية، وفق القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية.

ومن جهة أخرى، فقد جاءت هذه الاتفاقية في وقت حاول فيه النظام السوري بكل خبثٍ وبكل الوسائل والأساليب المتاحة لديه، إثارة الخلافات والصراعات الكردية – الكردية، وضرب أسس وعوامل التفاهم المشترك بين الأطراف والتيارات السياسية الكردية المختلفة، لضرب السلم الأهلي في المناطق الكردية، من خلال سلسلة الجرائم والممارسات الإرهابية التي حدثت في العديد من المناطق الكردية في الجزيرة وعفرين وكوباني، بهدف إضعاف الحراك الكردي في الثورة السورية ومنع الكرد من تحقيق تطلعاتهم وأهدافهم القومية المشروعة.

كما وجاءت هذه الاتفاقية أيضاً، في وقت تجاهلت فيه المعارضة السورية المجتمعة في القاهرة أوائل الشهر الجاري، وجود الشعب الكردي في سوريا، كحقيقة تاريخية وجغرافية وبشرية أصيلة، في وثيقة العهد الوطني ووثيقة ملامح المرحلة الانتقالية وهوية الدولة السورية، وبالتالي رفض التعامل مع القضية الكردية في سوريا، كقضية أرض وشعب، من خلال ربطها ومساواتها بقضية الأقليات القومية في سوريا.

ونعود لنؤكد، أن التوقيع على اتفاقية هولير، كان خطوة في الاتجاه الصحيح ولا بد منها، انسجاماً مع التحديات التي تواجهنا، وتجاوباً مع الاستحقاقات التي تنتظرنا، على الصعيدين القومي الكردي والوطني الديموقراطي السوري، ولكن تبقى العبرة بالتطبيق والتنفيذ على أرض الواقع. إذ لا يجوز بأية حال من الأحوال وتحت أية ذرائع أو أسباب، عدم تطبيق هذه الاتفاقية أو خرق أي بند من بنودها. ولا بدّ من القول بأن هناك ضرورة قصوى للتواصل والتعاون والتنسيق مع جميع الأطر والأحزاب السياسية والفعاليات الاجتماعية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني والحركات الشبابية الكردية، خارج إطار المجلسين، تمهيداً لتحقيق الوحدة الكاملة والشاملة للصف الكردي في سوريا، في إطار برنامج سياسي واضح المعالم يجسد مصالح الشعب الكردي في سوريا، ويلبي طموحاته الوطنية الديموقراطية والقومية المشروعة.

وإذا كان التوقيع على اتفاقية هولير، يعد حدثاً هاماً في التاريخ الكردي المعاصر في سوريا، فرضته طبيعة المرحلة الراهنة، وكذلك الضرورات الوطنية الديموقراطية والقومية في سوريا، وإنها لم تكن في الحقيقة لتبصر النور لولا الجهود الحثيثة والجبارة للأخ مسعود البارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، من أجل توحيد الصف الكردي في سوريا، فإن هذا الانجاز الهام، يجب أن لا يغفلنا عن ذكر حقيقة قد تكون مقتلا للمجلس الوطني الكردي في سوريا كمؤسسة قومية ديموقراطية، ألا وهي أنه لم يكن هناك أي قرار في هيئات المجلس الوطني الكردي المنتخبة شرعياً (الهيئة التنفيذية ومكتب الأمانة العامة)، للتوصل إلى اتفاق سياسي، بحجم اتفاقية هولير، مع مجلس شعب غربي كردستان، حيث أن السقف المقرر كان ما أقره وتبناه المجلس الوطني الكردي في تعاطيه وتعامله وتعاونه، مع مجلس الشعب لغربي كردستان، ويتمثل في وثيقة التفاهم الموقعة بين الطرفين في 19/1/2012 وذلك للحفاظ على السلم الأهلي في المناطق الكردية ومنع التصادم بين جماهير الطرفين وتشكيل لجان مشتركة في مختلف المناطق لتحقيق هذه الغاية، ومن ثم وبعد نجاح التطبيق العملي للوثيقة وتعزيز عوامل الثقة بين الطرفين، يتم الانتقال لمناقشة المسائل السياسية ، للوصول إلى اتفاق حول برنامج سياسي بين الطرفين.

ويُخشى أن يكون هذا التصرف – مع تأكيدنا مرة أخرى على أهمية وضرورة اتفاقية هولير – بداية لتعطيل هيئات المجلس الوطني الكردي وعدم الالتزام بقراراته، وبالتالي السعي لتحقيق أجندات حزبية ضيقة على حساب السياسة الوطنية والقومية العامة للمجلس الوطني الكردي في سوريا. وما أثار هذه المخاوف أكثر، هو الاجتماع الأخير للهيئة التنفيذية للمجلس الوطني الكردي في سوريا، وما رافقه من اتفاقات وتفاهمات بين بعض الأطراف للاستئثار بالمجلس وتهميش الأطراف الأخرى، وهذا ما ظهر جلياً وبوضوح أكثر في البيان الذي أصدرته الهيئة الكردية العليا في 24 / 7 / 2012.

محام كردي سوري – سكرتير حزب آزادي

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى