الأكراد والجيش الحر
خورشيد دلي
منذ بدء الجيش الحر عملياته العسكرية ضد النظام السوري، ثمة مخاوف متبادله بينه وبين الأكراد. هذه الخشية متبادلة، لها أسباب كثيرة، تتجاوز المعادلة السورية الداخلية، الأكراد يعتقدون ان الجيش الحر الذي اتخذ من تركيا قاعدة له وتلقى من الأخيرة السلاح والتدريب والدعم اللوجسيتي والاستخباراتي… يعتقدون ان هذا الجيش له أجندة بفعل التأثير التركي، من بينها إقصاء المكون الكردي في سوريا المستقبل لصالح بعد ايديولوجي له علاقة بالسياسة الإقليمية لتركيا وخوف الأخيرة من القضية الكردية ككل في المنطقة. في المقابل يعتقد الجيش الحر ان ثمة تحالف بين النظام السوري وبعض الأحزاب الكردية وتحديدا حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعد الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني العدو اللدود لتركيا. من الواضح، ان هذه الخشية المتبادلة تحولت في الأيام الأخيرة إلى حالة من الصدام والاشتباك على الأرض، فصباح يوم الخميس الماضي، فجأة ودون مقدمات،هاجم عشرات المسلحين تحت اسم كتيبة (غرباء الشام) بلدة رأس العين شمالي شرقي سورية وأسمها بالكردي (سره كانيه) وهي بلدة تاريخية كانت عاصمة للميتانيين (واشو كاني)،غالبية سكانها من الأكراد والباقي خليط من الآشوريين والكلدان والعرب وجاجان… الخ. الغريب ان الهجوم جاء على محورين. الأول: من خلال مئات المسلحين الذين قدموا من داخل الأراضي التركية حيث تبعد البلدة قرابة مئتى متر فقط عن الحدود التركية. الثاني: من جنوبها أي من منطقة تل الفخار الأثرية. الأسئلة التي تطرح نفسها عن هذا الهجوم وخلفياته كثيرة جدا، منها : لماذا الهجوم على هذه البلدة التي كانت تعيش في أمن وسلام تحت حماية اللجان الشعبية الكردية؟ وبالأساس لماذا الهجوم على منطقة هي خارج نطاق العمليات العسكرية وليس فيها جيش نظامي وجل ما فيها مفارز أمنية فيها اعداد محدودة من العناصر؟ ولماذا قدمت العناصر المسلحة من داخل الأراضي التركية وماذا كانت تفعل هناك من قبل؟ وكيف نفهم تجهيز السلطات التركية لمخيمات على الجانب الحدودي المقابل لنفس المنطقة منذ فترة؟ ولماذا قامت وسائل الاعلام التركية بتغطية مكثفة للحدث وكانت موجودة مسبقا على الحدود ؟ وكيف نفهم تشجيع الإعلام التركي لأهالي البلدة على النزوح منها إلى درجة انه خلال يوم واحد نزح أكثر من ثمانية آلاف شخص؟ وكيف نفهم صمت بعض الأطراف الكردية السورية والعراقية على ما جرى وسط حملة إعلامية ضخمة على أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي؟ ولماذا الإصرار على عسكرة المناطق الشمالية الشرقية التي تتواجد فيها أغلبية كردية بعد ان ظلت هذه المناطق هادئة نسيبا ؟ والأهم من يقف وراء كل ما جرى وما يمكن ان يجري حيث تتوارد الأنباء عن تحضيرات من داخل تركيا لهجمات مماثلة على بقية البلدات والمدن الكردية وهو ما أدى إلى موجة نزوح غير مسبوقة إلى كردستان العراق ؟ قبل الهجوم على رأس العين بنحو أسبوع، تعرض حي الأشرفية في حلب ذي الاغلبية الكردية إلى هجوم من قبل المجموعات المسلحة، وقتها خرج نائب قائد جيش الحر العقيد مالك الكردي إلى الاعلام، ليقول ان ما حصل كان خطأ من قبل كتائب مسلحة للجيش الحر، متعهدا بعدم تكرار ما حصل، بعد يومين من هجوم الأشرفية تعرضت قرية قسطل جندو القريبة من عفرين وهي قرية سكانها من الايزيدين الكرد إلى هجوم مماثل في تكرار لمشهد الأشرفية، وبعدها تكرر الأمر في رأس العين وربما غدا في بلدة أو مدينة أخرى، والسؤال من جديد، من يقف وراء كل ذلك ؟ وماذا يريد هذا ؟ ولماذا الإصرار على زج الأكراد بهذه الطريقة في المحرقة ؟ يعتقد الاكراد ان الذي يقف وراء إصرار كتائب من الجيش الحر على الدخول إلى المناطق بهذا الشكل، هو تركيا التي تريد من وراء ذلك تحقيق جملة من الأهداف، لعل أهمها :
1- إيجاد حرب كردية – كردية مستفيدة من الخلافات والإنقسامات الحاصلة بين الأحزاب الكردية، والبعض لا يستبعد تورط اطراف كردية في الموضوع، بل هناك من يتحدث عن خطة تركية مع بعض القيادات الكردية السورية والعراقية للتخلص من نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي على اعتبار انه متحالف مع النظام السوري ويعمل لصالح أجندته.
2- إيجاد حرب قومية بين الأكراد والعرب في هذه المنطقة التي تعيش في ظل نسيج اجتماعي وتاريخي، وربما بين المجموعات الإسلامية والمسيحيين الذين لهم وجود تاريخي في هذه المنطقة، لصالح ايديولوجية سياسية محددة.
3- بناء مجموعات عسكرية تعمل لصالح تركيا في هذه المنطقة، تقوم بمهام الاستخبارات والقضاء على المجموعات المناوئة للأجندة التركية ولاسيما قادة ورموز حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، منعا لتحول المنطقة إلى (جبال قنديل أخرى) في شمال سوريا على غرار شمال العراق، خاصة بعد الحديث عن سيطرة مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي على المناطق الكردية السورية في الفترة الأخيرة.
4– عدم السماح بإنشاء أي حالة كردية في هذه المنطقة، على غرار إقليم كردستان العراق، في إطار الحسابات التركية التاريخية إزاء القضية الأكراد، والإحساس بأن الربيع العربي خلق فرصة تاريخية للاكراد للتفكير بإقامة دولة كردستان المستقلة بعد ان حرمتهم التاريخ والجغرافية والاتفاقيات الدولية من ذلك خلال القرن الماضي.
5- تهيئة المنطقة الحدودية الشمالية – الشرقية لإقامة منطقة عازلة، وربما لوجود عسكري تركي بحجة حماية تركيا من (الإرهاب الكردي)، خاصة إذا نجحت الأطراف الكردية المناوئة للسياسة التركية في ترسيخ اقدامها على الأرض وتحولت إلى مصدر تهديد إضافي لتركيا وسياساتها في المنطقة. في الواقع مجمل ما سبق، قد يدفع الأمور باتجاهين : الأول : ان ما حصل قد تدفع بالأطراف الكردية إلى الوحدة وتناسي خلافاتها، خاصة وان الأحزاب والحركات الكردية السورية التي تجاوزت عددعا عشرين حزبا وحركة باتت في أزمة مصداقية أمام الشعب الكردي بعد سيطرة الجيش الحر بسهولة على العديد من البلدات الكردية. الثاني: احتمال تحول المناطق الكردية إلى مناطق مواجهات بين الأطراف العديدة المتقاتلة،على شكل حرب أهلية وطائفية وعرقية مدمرة، لن يكون فيها رابح. دون شك، العلاقة بين الأكراد والجيش الحر، دخلت مرحلة خطرة، مرحلة فيها الكثير من الأسئلة والتساؤلات، والأهم إلى أي ستتجه هذه العلاقة في الأيام المقبلة.
ايلاف