خورشيد دليصفحات سورية

الأكراد والربيع العربي


                                            خورشيد دلي

ألهمت ثورات الربيع العربي الأكراد على توزعهم الجغرافي بعهد جديد يحمل معه الآمال بتحقيق مطالبهم وحقوقهم القومية بعد عهود من الإنكار والإقصاء، فهذه الثورات والتي انطلقت من معادلة التخلص من الأنظمة الاستبدادية، فتحت الطريق أمام الوعي بقضية الحرية كقضية لا بد منها في بناء الدولة الحديثة بمعايير الديمقراطية والاعتراف بالآخر وحقوق الإنسان وكرامته.

وعليه دخلت مسألة الوعي القومي لدى الأكراد في ظل هذه المناخات مرحلة جديدة تأخذ شكل تلمس الحقوق والاعتراف بالهوية، انطلاقا من حقائق الواقع التاريخي والاجتماعي والثقافي، على شكل استعادة للوعي بالقومية الكردية بعدما غيب الاستبداد كل ذلك طوال المرحلة الماضية تحت شعارات أيديولوجية ومقولات الوحدة ومحاربة الانفصال.

الأسئلة التي تطرح نفسها هنا كثيرة، وهي من نوع: كيف نظر وينظر الأكراد إلى الربيع العربي؟ وكيف تفاعلوا معه؟ وهل هناك رؤية مشتركة للأكراد تجاه الربيع العربي؟ وهل هناك خلط لديهم بين قضية الحرية وقضية الحقوق القومية ومصيرهم القومي؟

دون شك، هذه الأسئلة وغيرها تطرح بقوة في الساحة أو الساحات الكردية منذ بدء موجة الانتفاضات والثورات والاحتجاجات التي شهدتها تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.. واحتمال تكرارها في دول أخرى بما في ذلك دول إقليمية كبرى مثل إيران وتركيا.

في الواقع، ثمة قناعة عامة لدى الأكراد بأن ما يجري في المنطقة سيغير من خريطتها الجيوسياسية والاقتصادية على شكل إقامة نظام جديد، متشابك في المصالح والأيديولوجيات، ومع هذا التصور يرى الأكراد أنهم أمام فرصة تاريخية وفاصلة لنيل حقوقهم القومية، وربما إقامة دولة مستقلة بعد أن حرمتهم منها الاتفاقيات والمصالح الدولية عقب الحرب العالمية الأولى، وذلك خلافا لمعظم الدول العربية التي ولدت من رحم اتفاقية سايكس بيكو، وعليه يمكن فهم رفع الأكراد من سقف مطالبهم القومية على وقع الربيع العربي.

فأكراد العراق وضعوا شعار حق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة على الطاولة، فيما بلور أكراد سوريا برنامجا سياسيا يشير للمرة الأولى إلى الفيدرالية مع الإشارة إلى الانقسام بينهم سواء لجهة التحالفات أو سقف المطالبة بالحقوق، وأكراد تركيا في العودة إلى طرح شكل موسع للحكم الذاتي يقترب من الكونفدرالية، فيما يبقى وضع أكراد إيران غير واضح لأسباب كثيرة، من بينها قلة المعلومات المتوفرة عن الحراك الكردي هناك نتيجة سيطرة الدولة المركزية على وسائل الإعلام وأخرى لها علاقة بضعف الحركة الكردية مقارنة بأكراد العراق وتركيا وحتى سوريا، علما أن أكراد إيران هم أول من أعلنوا عن إقامة دولة كردية في العصر الحديث، وأقصد هنا جمهورية مهاباد التي أقيمت بدعم من الاتحاد السوفياتي عام 1946 ولم تصمد سوى أقل من سنة، قبل أن يدخل الجيش الإيراني إلى عاصمة الدولة ويعدم رئيس جمهوريتها القاضي محمد مع كبار قادته.

مع الإشارة إلى أن الأكراد داخل الساحة الواحدة قد لا يكونون متفقين على برنامج سياسي واحد، بل قد ينقسمون إلى درجة التناقض في المواقف وبالتالي التحالفات، إلا أنه يمكن القول إن الربيع العربي فجر الحلم الكردي بنيل الحقوق القومية وصولا إلى دولة مستقلة، فاستعادة الوعي القومي وترجمته بحراك سياسي وشعبي في الساحات العامة على أشده، كما أن انهيار أنظمة قامت على الاستبداد وتفكك منظومات إقليمية لصالح الهويات المحلية المقموعة والمقصاة بفعل هذه الأنظمة والمنظومات، أدى إلى بروز دور كبير للتاريخ والجغرافية والمجتمع في حركة الشعوب ووعيها لأهمية قضية الحرية وفي إقامة دولة مدنية ديمقراطية بعيدا عن الشعارات الأيديولوجية البراقة التي هيمنت على الساحة العربية طول العقود الماضية، وكل هذا انصب لصالح الوعي القومي الكردي في نفض غبار التاريخ والاتفاقيات والممارسات التي كانت على حسابهم.

في الواقع، مثلما فجر الربيع العربي الحلم الكردي ودفعه إلى تلمس الواقع، فإنه جعل من الأكراد ورقة أساسية في الصراعات الجارية، إذ لا يخفى على المراقب حجم التنافس الإيراني التركي على ساحة أكراد العراق في إطار تنافس الطرفين للاستحواذ على المشهد العراقي والمشرق العربي بشكل عام، كما أن أكراد سوريا باتوا في موقع التنافس بين النظام والمعارضة كل طرف لحساباته السياسية المتعلقة بالسلطة، ومع الإقرار بأن الأكراد مستفيدون من هذا التنافس على قاعدة التعامل مع من يعترف بحقوقهم أكثر ويحقق لهم أكبر المكاسب، فإن هذه المعادلة أشعلت في الوقت نفسه المنافسة بين الأكراد أنفسهم على شكل من يلعب الدور المركزي في القضية القومية الكردية على مستوى المنطقة.

وإذا كان الثابت أن مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان يتطلع إلى جعل أربيل المفتاح المركزي لحل القضية أو القضايا الكردية في المنطقة كما برز خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا ومن قبل استضافته مؤتمرا لأكراد سوريا في أربيل التي تستعد لعقد مؤتمر قومي شامل للأكراد في العالم، إلا أنه في المقابل يتحرك حزب العمال الكردستاني الذي له الكثير من عناصر القوة والتجذر والعلاقات على الساحات الكردية على أنه الأقدر على تحمل أعباء المسؤولية القومية الكردية أو على الأقل القيام بدور لا يقل عن دور أربيل.

في نضال الأكراد لنيل حقوقهم، ثمة خلط ظهر في الخطاب السياسي الكردي، بين التطلع إلى الحرية والديمقراطية والتخلص من أنظمة استبدادية وإقامة دولة المواطنة وبين المطالبة بالحقوق القومية إلى حد الإيحاء بالانفصال والاستقلال، وكأن مجمل الحراك الجاري هو قومي لا أكثر، وهو ما أدى إلى بروز مخاوف أكثر من طرف إزاء المطالب القومية الكردية سواء من الأنظمة أو المعارضات، وهذه نقطة خلاف كبيرة بين الأكراد وغيرهم من القوميات الأساسية في المنطقة كالعرب والترك والفرس، فالأكراد يرون أنه لا حرية حقيقية لهم دون الاعتراف بحقوقهم القومية، مثلهم مثل القوميات المذكورة، فيما معظم الدول والقوى في المنطقة تنظر إلى القضية أو القضايا الكردية في إطار ديمقراطي يقضي الاعتراف بهم دستوريا وعبر عملية سياسية وتنموية لا أكثر.

في الواقع، بغض النظر عن الجدل الجاري فإن الربيع العربي فجر الحلم  الكردي من أوسع الأبواب، وهم في حلمهم هذا يبدو وكأنهم أمام نوع من المراهنة السياسية على أي شيء يغير من المعادلات السياسية واللعبة الإقليمية في المنطقة، أكراد العراق في الرهان على إقناع أنقرة بأن العلاقة مع أربيل قد تكون بديلا عن بغداد على وقع تفاقم الخلاف بين الجانبين، وأكراد سوريا في الرهان على أي من أطراف الأزمة سيحقق لهم أكبر المكاسب، وأكراد تركيا في الاستعداد لربيع إن لم يأت فقد يتحول إلى صيف ساخن كما تقول البرلمانية صباحات تونجل، وأكراد إيران في الاعتقاد بأن الربيع قادم إليهم لا محالة.

وحقيقة فإن الكردي -أينما كان- بات يجد نفسه أمام حالة من استعادة الوعي القومي والإحساس بقدرته على التأثير والتغيير، وأنه أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر لنيل حقوقه.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى