صفحات الناس

الأمل الأخير للثورة السورية / فـداء عيتانـي

 

 

“لقد فشلت التجربة في الشمال السوري (في محافظتي إدلب وحلب)، في ما المناطق الشرقية تسيطر عليها داعش، ولم يتبقّ إلا الجنوب”، يقول احد الناشطين في الثورة السورية.

ومن مجلسه في المقهى يحاول استثارة تفكير من حوله إن كان من احتمالات أخرى لإنجاح الثورة، فأي فكرة قد تكون مفيدة حاليًا، وأي طرح يمكن ان يدفع الأمور إلى الأمام خطوة في وضع شديد التشابك أصبح فيه الجهد الفردي غير مؤثر تقريباً.

تنقسم الجبهات السورية بحسب طرق الإمداد إلى المقاتلين من الجيش الحر والمجموعات الأخرى، فالجبهة الشمالية كانت إلى أمدٍ قريب تشمل النواحي الشرقية من سوريا، من الرقة ودير الزور، حيث تحصل كل هذه المناطق على امدادها عبر الشمال السوري، وخطوط المواصلات مفتوحة وسهلة نسبياً باتجاه تركيا، قبل ان يستولي تنظيم الدولة الإسلامية على الرقة ودير الزور وبعض مناطق من شرق حلب.

اما الجبهة الجنوبية فتمتد من حمص الجنوبية والقلمون، إلى دمشق فالجولان ودرعا، وهي تحتلّ مساحة واسعة من سوريا وحاصلة على امدادها بشكل رئيسي من الأردن.

وبينما تسيطر تركيا على المساعدات العسكرية والمدنية في الشمال السوري، فإن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تقيمان تفاهماً مع الاردن يسمح بتمرير مساعدات، ويمنع دخول المقاتلين بشكل عشوائي إلى الأراضي السورية، وخاصة أولئك القادمين من مختلف أصقاع الأرض تحت راية الجهاد.

ألاعيب صغيرة

العلاقات الخليجية المربكة أثّرت لا شكّ في الثورة، لم يكن هذا جديداً، وإنما استمر إلى أن هدم الآمال العريضة التي كانت معلقة على الجبهة الشمالية، يقول أحد الناشطين، ثم إن تركيا نفسها لم توفر الجهد في التلاعب ودعم جهات تبيّن في النهاية انها غير قادرة على تلبية الآمال، اضف إلى السماح للإسلاميين من كل حدب وصوب بالدخول إلى الأراضي السورية، ودعم مجموعات تحولت في النهاية إلى تأييد الدولة الإسلامية، والانضمام إليها.

اما المعارضة المتمثلة في المجلس الوطني، والائتلاف، والحكومة المؤقتة، فهي منفصلة تماماً عن الواقع، بحسب ما يتحدث الناشطون. لقد انتهى دورها قبل أن تبدأ، وراحت تتخبط سياسياً وأخلاقياً في صراعات داخلية لا تنتهي، بينما يتقدم بعض ممثليها باقتراحات أقل ما توصف بأنها طفولية، وخارج المعطى السياسي.

في المقابل فإن العمل مع مركز العمليات العسكرية حوّل عدداً من القادة والكوادر إلى مجرد مخبرين لوكالة المخابرات الأميركية، وانحصرت أعمالهم بمد هذه الوكالة بالمعلومات حول تنظيم الدولة الإسلامية، وقادة الفصائل الذين امتهنوا السرقة، فتكوّن لدى الوكالة بنك من المعلومات، لا تزال تغذيه، ولكن على حساب الكادر الثوري، والمجموعات القتالية، التي باتت تنتظر حركة أميركية ما، سواء داعمة لها أو مباشرة، تؤدي إلى تغيير في موازين القوى، بينما يتحرك كل من تنظيم الدولة الإسلامية وقوات النظام السوري وكأنهما وحدهما يمتلكان المبادرة في الهجوم والانسحاب.

في مثل هذه الأجواء الملبدة تطرح شخصيات تحسب نفسها على المعارضة، ولا تزال تقيم في دمشق، كـ لؤي حسين، مبادرات تجول بها على السفارات الغربية، من بريطانية إلى فرنسية وغيرها، وتحاول تسويقها، فيما العواصم الغربية تحاول الحصول على أي حل، وتسأل معارضين من المنخرطين في الثورة فعلياً عن آرائهم، فيأتي الرد بكلمة واحدة “وما أو من الضامن؟” هل هناك في هذه السفارات من يضمن ان تنفذ أي من بنود المبادرات المتعلقة ببشار الأسد أو أحد من أركان نظامه؟ “عليكم أولاً بالتفاهم مع روسيا، السلطة هناك، هي من يمكنه ان يقدم ضمانات، لا إيران ولا دمشق ولا باريس ولا واشنطن” يقول أحد الذين سُئلوا عن موقفهم من مبادرة طرحت الأسبوع الفائت.

“أخطأ الغربيون ولا يزالون في فهم النظام السوري”، يشرح ناشط سوري على صلة جيدة بالعواصم الغربية، “لا يوجد فصل بين النظام السوري وبشار الأسد، هما كلٌّ واحد، ولسبب ما، لا يتمكن الغربيون من رؤية الصورة هكذا”.

الجبهة الجنوبية

بغض النظر عما يمكن أو لا يمكن لعواصم الغرب رؤيته، إلا أنها، وخاصة واشنطن، تتحكم إلى حد بعيد بالنزاع في سوريا، ولم يكن أمده ليطول، لولا برودة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وتردده في المجال السوري. الخوف هو من سوريا كما يبدو، على الرغم من حماسة بعض من في وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين للتدخل بشكل غير مباشر في سوريا.

ومن الإحباط في الالتقاء بممثلي الإدارة الأميركية في المنطقة وفي العاصمة واشنطن، يطرح اليوم عدد من المعارضين من خارج التشكيلات السياسية التقليدية (مجلس وائتلاف وحكومة مؤقتة) محاولة تجميع القوى المقاتلة في الجبهة الجنوبية، على الأقل تلك التي تملك وزناً، والتي يمكنها أن ترفع علم الثورة، من دون أن تطليه بالأسود وتكتب الشعارات الدينية التي غزت أكثر المناطق المحررة في سوريا.

معوّقات وطموحات

المحاولة التي يعمل عليها البعض على بساطتها، أي تجميع قوى محلية مقاتلة، ورفع مستواها القيادي والتنظيمي، ستصطدم بعدة عقبات، أولها أن أحداً لن يقتنع بسهولة أن المعارضة السورية في الداخل لن تتحد أو تقبل بتمثيلها في الخارج، وأن الخارج مرذول من الداخل، مهما حاول طرح مبادرات وإقامة ندوات وعقد لقاءات وطلب مواعيد من سياسيين أوروبيين أو عرب أو أميركيين، لن يغير ذلك في خلاصة الحكم العملي الذي اعتمدته المعارضة الداخلية، والذي يتبناه أغلب المواطنين السوريين في الداخل.

ثانياً، إن أحداً في العالم، لن يقتنع بيسر أن المعارضة الداخلية نفسها يمكنها أن تكون معارضة وطنية، وأن القوى المقاتلة لن ترفع الأعلام السوداء بعد كل معركة، ولن تعمد إلى قطع الرؤوس، أو القيام بجرائم حرب، أو تبيع سلاحها إلى جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية، فالتجارب السابقة مرة، والجيش الحر في الخارج لا يملك أية سيطرة على القوى الموجودة في الداخل، عداك عن انعدام فاعليته بحال امتلك سيطرة ما، والقوى التي تقاتل اليوم تحت اسم الجيش الحر في الداخل يمكنها التحول بسهولة إلى تجار، كما العديد غيرها من الفصائل.

ثالثاً، إن اكتفاء المقاتلين والقادة المحليين بالداخل بصفة محررين فقط، يتطلب معجزة. ويبدو أن هذه المعجزة بدأت بالحصول لدى البعض نتيجة الوضع المتردي الذي تعيشه المناطق السورية، وحرب الاستنزاف الطويلة التي جر النظام السوري الثوار إليها ودخلوها مسرعين بداية الأمر، والمعجزة هذه بحال تحققت لدى نسبة كبيرة من القوى في الجبهة الجنوبية، يمكنها أن توصل درعا بدمشق، وان تعدل في مسار الثورة، شرط ابتعاد القوى المنضوية في القتال عن أسلمة الثورة وعن تسييس المجموعات القتالية، أو وضع افتراض لما بعد تحرير المناطق على طريقة “من يحرر يحكم”، وترك الأمور ليقررها الشعب السوري بكل مكوناته، بدل اعتماد صيغة “دولة ذات طبيعة سنية ضمانتها القوى المقاتلة”.

رابعاً، تحديد الأولويات في القتال، فالأولوية هي دائما لإسقاط النظام، حتى لو كان العالم أجمع يرى أن مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية هو الخطر الحقيقي الذي يترصده، فالأفق الجدي لمواجهة الدولة الإسلامية وغيرها من القوى التي لن ترى في المسار السابق إلا “خروجاً عن الدين وحاكمية الله”، هو إسقاط النظام أولاً ووقف ممارساته (التي يتبناها بعض القوى السورية المقاتلة)، وهي أساساً، ما سبب انتشار النصرة ولاحقاً ظهور الدولة الإسلامية بكل شراستها على الأراضي السورية؟ وأية معالجة لا تعتمد إلا ضرب الجبهة والدولة الإسلامية ستطيل أمد المعاناة، ولن تضع حداً نهائياً لقطع الرؤوس وسرقة الثروات السورية.

قرر بعض أبرز القادة في القوى الثورية اعتماد هذا الخيار، رافعين أيديهم، ومعلنين أن الوقت قد حان للعودة إلى المسار الذي يمكنه أن يؤمن إسقاط النظام، وتنظيم الأوضاع الداخلية، وترك الأمور السياسية إلى المرحلة اللاحقة، وليحددها أبناء سوريا. ولكن هذه الصورة المتفائلة لن تتحقق بسهولة، سيكون عليها فرض نفسها على الخارج المتصارع أيضاً، والكسول، والذي لا يقيم وزناً كبيراً لمعاناة مئات آلاف السوريين، وتهجير الملايين، واعتقال مئات آلاف آخرين في سجون النظام والدولة الإسلامية معاً، سيكون على هذه القوى التي تحاول استعادة الثورة أن تبرهن عن مصداقية عالية.

وحتى ذلك الحين، يخبرك من يعمل ميدانياً، أن بعض الجهات المحسوبة على التنظيمات الإسلامية، لا يزال يصعّد في عمليات الاغتيال ضد كوادر يمكنها أن تدفع الأمور إيجابياً إلى الأمام. ومنذ أيام قليلة تعرض أحد القادة في الجيش الحر، ومن الذين كان هناك رهان على دورهم في منطقة درعا إلى عملية اغتيال، خطط لها حتى لا يتم اتهام الجهاديين بتنفيذها، وتبقى معلقة الأسباب. إلا أن هكذا عمليات ستتصاعد مع كل خطوة يخطوها القادة المحليون باتجاه تحقيق الأمل الأخير للثورة السورية.

موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى