خواطر في الثورة السورية -2 -: الأموات في أجساد الأحياء
رفيق شامي
الحلقة الثانية
كان إبني في فترة من الفترات مولعا بقصص الرعب وأفلامها، وكان أكثر مايثير إشمئزازي والرعب في أوصالي هم الأموات في أجساد الأحياء. يبدون أول الأمر كبشر عاديين وفجأة يتفسخ جلدهم الذي يستر حقيقتهم ليظهروا كمسخ، كغول أو كوحش ضاري يعيث في المدينة والمدنية فسادا ويلتهم الأحياء.
كلما شاهدت عبد الحليم خدام النووي وتقاسيم وجهه تذكرت تلك الصور المرعبة في الكتب والأفلام. ويقشعر بدني عندما يتكلم وكأن كلماته آتية من جثة محنطة مجهزة بإسطوانة.
وهو كتلك القصص المرعبة لا يشبع. بعد أكثر من ثلاثين عام من الإجرام والنهب المتواصل هرب بملايينه التي سرقها. لكنه لم يشبع، يريد الأكثر ويقدم على حساب الشعب السوري كشقيقه الروحي رامي مخلوف وإبن جلدته عميل المخابرات الأمريكية الغادري تبرعات لإسرائيل على حساب الوطن.
غباء هذا الثلاثي الغير مرح يصل لحدود رهيبة، حتى أنهم فقدوا القدرة على الخجل، فالخجل عاطفة إنسانية تحتاج لقلب نابض ولا يتقنها الأموات. فهم لا يسألون أنفسهم عن الجديد في عرضهم الذليل هذا الذي يتسولون به عطف الغرب؟ وكل سياسي في الغرب وإسرائيل يعرف أن أمثال خدام يحرصون منذ أربعين عاما على إسرائيل وسلامتها أكثر من حرصهم على ابناء وطنهم.
الوطني بيني وبينه
لي زميل سوري له وجهان، وجه عندما أقابله لوحدي ووجهه اليومي الضحوك أبدا الذي يذكرني بمختار القرية في تمثيلية سورية من الدرجة الثانية ( حيث يرتدي الممثلون ثياب البدو كما تعلمها المخرج السوري من الأفلام الأمريكية) وبسميرة توفيق وأغانيها البالية عن شرب القهوة على ظهور الخيل. هكذا يظهر الزميل لكل ضيوفه الألمان والعرب. يرفض الكلام عن السياسة ويعيد بكل هبل كل شيء لمؤامرات تحاك عالميا ثم يذهب كل صيف ليكمل بناء بيت في قريته لن يسكنه… إنما هكذا يبنيه ليدل أبناء قريته على أنه ميسور الحال.
لكن عندما نلتقي لوحدنا يسر إلي بأن النظام السوري مافياوي متآمر ومجرم ويبالغ إلى الحد الذي يجبرني، لأن ضميري يمنعني من المبالغة، من الدفاع عن النظام.
هلل الرجل بوجهيه للثورة التونسية والمصرية ولم يصعب عليه ذلك ولا كلفه شجاعة او طاقة لإقناع الأخر، فالثورتين أدهشتا الألمان وحازتا تعاطف جماهيري عريض. لكنه إختفى فجأه بوجهيه منذ إندلاع الثورة السورية… أبدا كأنه ذرة ملح سقطت في بحيرة ماء…
اليوم عاد، عاد وبراءة الأطفال في عينيه، ليقول لي أنه يريد زيارتي والكلام معي بيني وبينه ( بالعامية الدمشقية بمعنى ألا يكون ثالث معنا وأن أحفظ سر ما يفضيه إلي). ضحكت ضحكة مختارية كادت تخرب السماعة وصرخت به لا مقابلة بعد اليوم إلا بحضور شهود وكاتب عدل يثبت كل ما تقوله وعلى الهواء المباشر، ثم أغلقت الخط.
المتفائل والمتشائم
تكثر المفاضلات بين المتشائم والمتفائل. وتنزع أغلب الأقوال والحكم العربية لمدح المتفائل وذم المتشائم. ومن البداية أريد أن أسجل إعجابي بكل متشائم ونقد المتفائلين عن طيبة سريرة. لماذا؟
لأن كل ديكتاتور متفائل من الدرجة الفوق عادية. لم اسمع ولا سجل التاريخ خطابا واحدا لديكتاتور يقر فيه بشيء من التشاؤم. أبدا، البلد تصل إلى حد الخراب وهو متفائل، الاقتصاد منهار وهو يعرض بكل تفاؤل خطته للسنوات الخمسة القادمة. ليس هتلر أو موسوليني وحدهما كانا حتى اللحظة الأخيرة متفائلين. كل ديكتاتور من أمثال حسني مبارك والقذافي وبن علي لم يفقدوا حتى اللحظة الأخيرة تفاؤلهم. البلد تحترق والدبابات والقناصة تهاجم ليس إسرائيل بل مدن سورية وديعة مسالمة وبشار الأسد يلوح مبتسما ومتفائلا أن كل شيء يسير على ما يرام. الناس تدفع حياتها ثمنا لحريتها وهو لا يزال يعد بإصلاحات وبمستقبل زاهر. الشعب يثور وهو يصدق فعلا أنه حاكم للأبد. لا داعي للترفع الشعري بالضحك على من نظم الهتاف وفرح ببدائية تشابه قافية أسد مع أبد، فأتباع الديكتاتورية هتفوا نفس المحتوى دون أن تصلح اسماء الديكتاتوريين للوزن الشعري فلا ستالين ولا هونيكر ولا بينوشيت ولا سالازار أو فرانكو إشتكوا من قلة تفائلهم بالأبد الذي أرادوا أن يحكموا طيلته.
الديكتاتور مجبر على التفاؤل، فالتفاؤل مهمته اختزال هزائم وبؤس حاضره بوعود مستقبلية. 40 سنة من الديكتاتورية القاتمة ولا يخجل الرئيس عن التفائل بما … سـيفعله … وسيطوره … وسيسمح به … وسـ وسـ إلى آخر الوعود. بينما المتشائم يظل عالقا بالحاضر ( واحيانا بالماضي) باحثا عن نقاط الضعف لكي لا يبقى ثغرة لكوارث قادمة لا محالة ولكن بإمكان المجتمع أن يصدها. “وإن بصعوبة” يضيف المتشائم.
والديمقراطي هو أكثر الناس تشاؤما فهو يعرف تقلبات الدهر وأزمات السياسة والإقتصاد كما وضعف الإنسان أمام المال والسلطة… ولذلك يرافق كل تخمين وتقدير منه للوضع رشة بهارات تشاؤمية.
التاريخ سجل بإستمرار تأكيدا لصحة وجهة نظر المتشائمين وبطلان كل ما قاله المتفائلين.
منذ اليوم سأسقي نبتة تشاؤمي لكي لا تذبل في لحظات فرح تغمرني بتفائلها.
شجاعة الجبناء
دريد لحام ممثل كان من الممكن له أن يجتاز حدود سوريا وحتى حدود الوطن العربي، لكنه تساقط إلى التهريج بأفلام ومسرحيات مبتذلة، لم يبق من الشام فيها سوى قبقابه الخشبي الذي مللنا منه ومن قرقعته.
كان الماغوط لفترة حبل نجاة في آخر لحظة لكن دريد لحام إنكفأ إلى المسخرة التي درت أرباحا مادية بسهولة بدل نصوص الماغوط االتي كانت تثير جدلا، وإن بحدود. دريد لحام باع كل شيء مقابل المال وحده وسقط إلى قعر هاوية لا خلاص له منها يرافقه تصفيق مسؤولي الثقافة من وزن المهرجة نجاح العطار وفرع مخابرات الثقافة البالية. لكن هذا كان لن يثير سوى شفقة تجاهه كالشفقة تجاه كتاب وشعراء وعدوا في البداية بالكثير وإنهاروا ثقافيا وأدبيا.
لكن ما يدعو للإشمئزاز فعلا هو جبن دريد لحام وقذاعته بثوب الشجعان، سألت نفسي كيف يستقبل هذا الرجل القذافي ويحيطه بالفنانانين والفنانات وكأن منزله أصبح بيت دعارة. هل أجبره احد على ذلك؟ بالطبع لا.
وهل أجبره أحد ان يصدر بيانات تلو البيانات تحتقر ضحايا درعا وبانياس والبيضة وحمص واللاذقية و القامشلي ودوما و الزبداني وغيرها من المدن الشجاعة واقفا وعلى المكشوف مع الجلادين والقناصة والشبيحة والمخابرات؟ لا، أبدا. دريد لحام قام بذلك بمنتهى الحرية. وهو عندما يخترع جدارا بين سينمائيي الداخل والخارج ليبرر بلؤم موقفه مع الجلاد فإنما يضع من يصنفهم “غير الداخل” كعملاء أو على أفضل الأحوال أغبياء مغرر بهم.
عندما كنت أشاهد هذه الوجوه الجبانة للفنانين الذين باعوا أنفسهم بالجملة والمفرق للنظام كنت أسأل نفسي من أين تأتيهم الشجاعة وهم يعلمون أن هذا النظام ساقط لا محالة؟
الجواب: هؤلاء تعلموا بسرعة أن الحكم الديمقراطي لا ينتقم وانهم لا يغامرون بأي شيء وانهم سيصبحون بين ليلة وضحاها “ضحية النظام الذي إبتزهم”. بعد سقوط صدام حسين تحول الكثيرون من رجاله ونسائه إلى مناضلين للحرية في الخفاء حتى رجال مخابراته…
وهذا أخو دريد لحام بالرضاعة عادل إمام عاد بعد بهدلة صغيرة ليصول ويجول. لذلك لا يخشى هؤلاء الشعب خشيتهم من ديكتاتور قادم ليحل محل الديكتاتور المنهار…لو كان الأمر كذلك لصمت فنانونا إلى أن ينجلي غبار المعركة ويهللوا للمنتصر كما فعلوا مع كل الديكتاتوريات التي مرت على سوريا. وبالتالي ليس من المستغرب أن يحتقر السلطان وكل نظام شمولي الفنانين ويعتبرهم طبالين لسلطته.
واراهن انهم يوما سيدعون أنهم كلهم كانوا في مقاومة سرية لم يشعر بها أحد. لكن في حالة دريد لحام وأمثاله أتمنى أن يأتي اليوم الذي يقدم فيه هؤلاء لمحكمة نزيهة وعادلة بتهمة التحريض على قطع أرزاق الزملاء الأحرار لا بل التحريض على قتلهم وتهمة الشماتة بشهداء الوطن وتأييد المجازر الدموية للنظام. بالطبع على المحكمة العادلة أن تعطي هؤلاء الفرصة الكاملة للدفاع عن نفسهم تجاه التهم الموجهة إليهم.
برقية لم أرسلها لأدونيس
قررت الجماهير تلبية لطلبكم الغالي أن تتظاهر في كل أيام الأسبوع (وليس فقط يوم الجمعة) وفي كل الأمكنة (وليس فقط إنطلاقا من الجوامع كما إنتقدتم) وأن تقدم الغالي والرخيص فقط لتسمع صوتكم العندليبي. فهلا تكرمتم بموال؟!!!
الإخوان المصريون يساعدون النظام السوري مجانا
لم أر أنذل من السلفيين الذين يحرقون الناس وبيوت عبادتهم في مصر العزيزة. ولا داعي للتأكيد ان الأقباط كانوا وسيظلوا يعيشون في تآخي كمصريين وطنيين أصلاء. الجريمة التي يرتكبها السلفيون بشقين أولا إنسانية بتعريض مواطنين للخطر والموت وتخريب ممتلكاتهم وإذلالهم بإهانة وحرق كنائسهم. ثانيا سياسية لأنهم يقدمون أجمل مساعدة مجانا لنظام دمشق فكل إبن أقلية سورية يسهل إقناعه أكثر بأن النظام الطائفي الحاكم في دمشق قد حماه طيلة الوقت على الأقل جسديا ومن حرب أهلية وأنه لا بديل له سوى هؤلاء السلفيين الذين سيحرقون كل ما هو ليس من السنيين.
فهل يتجرأ الإخوان المسلمون السوريون على ممارسة نقد عديم الرأفة ضد هذه الأعمال البربرية والمؤيدة لنظام الحكم السوري؟
يتبع
خاص – صفحات سورية –
أي نشر أو اعادة نشر لهذا المقال يجب الاشارة فيه إلى المصدر: صفحات سورية
كل الحقوق محفوظ للكاتب ولصفحات سورية.
يحيي كاتب هذه الأسطر أي نسخ وإعادة طباعة هذه الخواطر في أية صحيفة، طبعا بأمانة مهنية مع الإشارة إلى المصدر، لكنه لا يعترف على اية منها إنما على الأصل الذي ينشر دوما في صفحات سورية.