صفحات سورية

الإئتلاف السوري للبنانيين: التكفير لا دين له/ حسن عباس

 

مرّة جديدة، تخاطب المعارضة السورية الشعب اللبناني. بالأمس، وجّه الإئتلاف الوطني السوري “رسالة إلى الشعب اللبناني”، لتُضاف إلى رسالتين سابقتين صدرتا عن المجلس الوطني السوري. ومرّة جديدة، يحضر ربط الشهيد سمير قصير بين ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان.

منطلقاً من أن “الديموقراطية في سوريا دعامة لاستقلال لبنان”، أكّد الإئتلاف احترام استقلال لبنان ورفضه تدخّل “أيّ منّا في الشؤون الداخلية للآخر”. كما أعاد التذكير بتعهدات المجلس الوطني السوري في ما خصّ “إعادة النظر في الاتفاقيات والمواثيق الموقّعة إبّان زمن الوصاية البغيضة على لبنان” ومسألة ترسيم الحدود والتحقيق في ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. وبذلك، تؤكد المعارضة أنها تطمح إلى بناء علاقات مستقرة مع الدولة اللبنانية قائمة على الاحترام المتبادل وإحداث قطيعة مع سلوك النظام منذ عقود.

يولي بيان الإئتلاف أهمية للحديث عن مبادئ الثورة السورية بعد التشوّهات التي لحقت بها، وهو بذلك، يختلف عن رسالتي المجلس الوطني، الموجهتين في 25 كانون الأول وفي 14 شباط 2012، واللتين لم تحملا هذا الهمّ في الظروف التي كانت سائدة آنذاك. يؤكد الإئتلاف أنه ينشد بناء “نظام ديموقراطي ودولة مدنية لمجتمع تعدّدي” ويعتبر أنه “من أشدّ الظلم الواقع على انتفاضة شعبنا وسمها بالإرهاب”.

فالإرهاب الذي يعاني منه السوريون، برأي الإئتلاف، هو “إرهاب دولة” يمارسه النظام السوري وهو “إرهاب دولة أخرى ضده” هي إيران التي أرسلت ميليشياتها وحزب الله “لقتل شعبنا”. أما عن إرهاب بعض الحركات الإسلامية المنتشرة في سوريا، فهو ينسبه إلى النظام معتبراً أنه “لم تعد تخفى علاقة الإرهابيين التابعين لتنظيم القاعدة، من “داعش” وغيرها، بأجهزة المخابرات السورية والإيرانية، حتى إن هذه المجموعات لا تقاتل عملياً إلا الجيش السوري الحرّ”. وهنا، وعلى الرغم من أنه اكتفى بتسمية “داعش” عند حديثه عن الإرهابيين التابعين للقاعدة رغم أن الأخيرة تنفي ارتباطها بالقاعدة على عكس مجموعات أخرى تصرّح بذلك، يعلن الإئتلاف  “أنه يرفض الإرهاب، أكان تكفيريا سنياً أو شيعياً، وأنه يعتبرهما وجهين لعملة واحدة، بإدارة منسَّقة إن لم نقُل واحدة”.

بغض النظر عن تحليل الإئتلاف للحركات الإسلامية المتطرفة الموجودة على الأراضي السورية، يبرز موقفه الأخلاقي الذي يؤكد، في معرض إدانته قتال “حزب الله” في سوريا، على رفضه “أي ردّ فعل انتقامي ضد إخوتنا الآمنين في لبنان لأي طائفة انتموا”.

في مقابل نظام سوري ينفي حدّة الأزمة التي تثيرها كثافة النزوح السوري إلى لبنان ولا تكلّ وزيرة الشؤون الإجتماعية فيه، كندة شماط، عن تكرار قولها إن أعداد اللاجئين التي تعلن عنها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مبالغ فيها لأسباب سياسية، يعترف الإئتلاف بـ”ما يرتّبه هذا النزوح من أعباء تفوق قدرة لبنان على الاحتمال، ديموغرافياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً” ويناشد المجتمعين العربي والدولي إرسال “المساعدات العاجلة والوافية بمهمة رعاية النازحين على نحو لائق” إلى الدولة اللبنانية.

في إجابة على مخاوف بعض اللبنانيين من خلل ديموغرافي طويل الأمد يسبّبه اللاجئون السوريون، يؤكد الإئتلاف أن “هذا النزوح قهري ومؤقّت، محكوم بعودة أهلنا الكاملة إلى ديارهم ريثما تنجلي الغُمَّة”، ويتمنّى على الدولة اللبنانية “ألا تسمح بتسليم النازحين الهاربين من بطش نظام الأسد إليه بذريعة أو بأخرى”. يحاول الإئتلاف طمأنة المسيحيين تحديداً، بأن السوريين لن يستوطنوا لبنان مهما حصل.

بين زمن رسائل المجلس الوطني والزمن الحالي، تغيّرت المعطيات وتغيّرت قراءة المعارضة السورية للسياسات الدولية. أولى الرسائل كانت تعكس اعتقاد المعارضة باقتراب سقوط النظام لذلك خاطبت اللبنانيين “على مشارف لحظة تاريخية لكل من سوريا ولبنان، مشارف سقوط نظام الأسد”. في رسالته الثانية، أكد المجلس الوطني أن الروس والصينيين “لن ينجحوا في إستعادة زمن حرب باردة بائد. وذلك بالضبط لأن العالم باتت تُسيّره قيم الحرية والكرامة والعدالة وحقوق الإنسان، تلك القيم التي تشكل قوة دفع للتاريخ”.

الآن، وبعد أكثر من ثلاث سنوات من عمر الثورة، يتحدث الإئتلاف عن سوريا التي “أصبحت مسرحاً لجريمة العصر” مضيفاً أن “ما يُضاعف هذه الجريمة ويؤرق كل ضمير حي، هو صمت القوى الفاعلة في العالم والمنطقة، لا سيما مجلس الأمن الدولي، ذلك الصمت المطلق الذي يتراوح بين التواطؤ والتقصير”.

أبرز إضافات رسالة الإئتلاف هي مخاطبته لـ”بعض الشيعة اللبنانيين ممن يأتون اليوم لقتال شعبنا إلى جانب النظام المجرم”. حدّثهم عن سوريا التي لطالما كانت تحترم رموز طائفتهم ضارباً مثل احتضانها مقام السيدة الطاهرة زينب “على مدى مئات السنين” ورعايتها حرمته، ومثل احتضانها رفات المرجع الشيعي السيد محسن الأمين “مثلما احتضنته في حياته سيداً مطاعاً مكرَّماً”. وفي هذا الإطار، أعاد التذكير بأن سوريا “فتحت قلبها وبيوتها في الأعوام 1993 و1996 و2006 للجنوبيين الهاربين من وحشية العدوان الإسرائيلي”.

وكما يظهر من هذه المخاطبة، يعجز الإئتلاف عن لمس حساسية الجماعة الشيعية اللبنانية، ويعجز، بشكل خاص، عن فهم التحوّلات التي طرأت على هذه الجماعة بعد بدء الثورة السورية. فطرح مثل احتضان سوريا تاريخياً لمقام السيدة زينب لا يجيب على الهواجس المعاصرة للشيعة، لبنانيين وغير لبنانيين. من ناحية ثانية، هو يعجز عن لمس الحساسية اللبنانية العامة حين يضيف في معرض تذكيره باحتضان سوريا للاجئين لبنانيين فكرة “احتضان مئات ألوف اللبنانيين من كل المناطق إبّان الحرب الأهلية المشؤومة”، خاصة وأن غالبية من اللبنانيين ترى أن سوريا هي سبب رئيسي من أسباب مأساة حربهم الأهلية.

لا يمكن مقارنة رسائل المعارضة السورية إلى اللبنانيين بخطابات النظام التي تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين. لا تزال المعارضة قاصرة عن تطوير وبلورة العناوين الهادفة إلى إرساء علاقات ثنائية قائمة على الاحترام المتبادل. ولكنها تحاول وتعترف بأن إرث الماضي يحتاج إلى مراجعة شاملة وهذا تحدي مشترك على اللبنانيين والسوريين الاستجابة له معاً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى