صفحات سوريةهوشنك بروكا

“الإئتلاف السوري”: هل هو إعادة لإنتاج الفشل؟


هوشنك بروكا

قد يكون من المبكّر الحكم على “الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، الذي تمّ التوقيع عليه “مبدئياً” قبل أيام في الدوحة، بين “المجلس الوطني السوري” وكتلة المنشقين عنه (جماعة هيثم المالح وأخوانه، كطرفين رئيسيين فيه، بالفشل. لكنّ مراسيم التوقيع على “الإئتلاف الجديد”، التي تبيّن منها لكأنه إئتلافٌ بين “المجلس الوطني السوري” في استانبول وظله “المنشق عنه” في الدوحة، لا تبشر، على ما يبدو، بخير كثيرٍ.

المشروع، رغم كونه خطوةً متقدمة مقارنةً مع سابقاتها، يبدو وكأنه محاولة جديدة قديمة ل”ترقيع” أخطاء “المجلس الوطني السوري” أو توقيع “مصالحة” بين “المجلس” وظله، لإعادة تركيب أجزائه المتبعثرة والمتناثرة في “إئتلافٍ جديد”، بدلاً من أن يكون مشروعاً وطنياً شاملاً للّم شمل كلّ المعارضات السورية تحت سقفه.

ربما الجديد في هذا الإئتلاف هو مشاركة “المنبر الديمقراطي” بممثل واحد، والطرف الكردي ب3 ممثلين له عن “المجلس الوطني الكردي” (يمثل بأحزابه ال16 بحسب “إتفاقية هولير” نصف أكراد سوريا، فيما يمثل “مجلس غربي كردستان” النصف الآخر)، الذي لا يزال كما يبدو من سكوته، على غير عادته، متردداً في موقفه من المشاركة في “الإئتلاف” الجديد، خصوصاً وأنّ منصب “النائب الثالث” للرئيس في قيادة الإئتلاف، المخصص للأكراد لا يزال شاغراً حتى الآن، وسيبقى على الأرجح مؤجلاً إلى ما بعد “الإجتماع العاجل” لأحزاب “المجلس الوطني الكردي” الذي دعا إليه رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني.

أما الجديدٌ الآخر الذي ظهر على سطح هذا “الإئتلاف الجديد”، فهو حيازة المكوّن التركماني الذي لا يتجاوز تعداده في عموم سوريا 50 ألف نسمة بحسب أعلى التقديرات، على 3 مقاعد من أصل 63، ما يعني تساوي ثقلهم التمثيلي في الإئتلاف مع ثقل الأكراد كثاني قومية في البلاد، والبالغ تعدادهم حوالي 3 ملايين. في حضور وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو، الذي ظهر إلى جانب رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم، كراعيان ل”الإئتلاف”، لا يمكن قراءة هذا “الجديد التركماني” على أنه “خطأ مطبعي”، أو مجرّد “تزكية بريئة” من أهل “الإئتلاف الجديد”.

فكلّ شيءٍ في السياسة له ثمن.

بإستثناء متغيرات طفيفة، يمكن القول بأنّ “الإئتلاف” السوري الجديد، لا يزال ثابتاً على”ثوابت المجلس” وأهله الذين فشلوا، حتى الآن، في استقطاب تيارات وأحزاب المعارضة السورية الأخرى، خصوصاً تلك الخارجة عن سرب “المعارضة الإسلامية” إليه.

فالمشروعُ، تمّ التأسيس له بناءً على مبادرة العضو القيادي البارز في “المجلس” رياض سيف، الذي كان ولا يزال أحد رجاله التنفيذيين الموثوقين به من جهة الغالبية الساحقة من أهل “المجلس” وعلى رأسهم “جماعة الإخوان المسلمين”. هذه الجماعة، التي لعبت ولا تزال دور “المراقب العام” في “المجلس” و”دولته العميقة”، أكدت على لسان نائب رئيسه والقيادي في “جماعة الإخوان المسلمين” فاروق طيفور، في أحدى البرامج الحوارية الحية (في العمق) على قناة “الجزيرة” القطرية، بانّ “المجلس الوطني السوري” هو “الحاضنة الأساسية للإئتلاف الجديد”، وذلك في محاولةٍ منه ل”طمأنة” السوريين بمحتلف مشاربهم وتياراتهم، على أنّ المشروع الجديد هو “وطني سوري” و”صناعة سورية” مئة في المئة، ولا علاقة له بأية أجندات خارجية إقليمية أو دولية، كما يُشاع عنه هنا وهناك!

أن يكون “المجلس” الحائز على حصة الأسد في “الإئتلاف” (إذ له حوالي 38 مقعداً من أصل 63، منهم 22 رسميين مسجلين بإسمه، بالإضافة إلى 5 منشقين و 11 بين شخصيات وطنية وأعضاء لجان محلية مقرّبة منه) الحاضنة الرئيسية للإئتلاف”، كما يشهد تمثيله على ذلك، يعني أنه “صنيع إخواني” جديد، ربما يختلف عن الأول بالشكل، لكن المضمون يبقى هو نفسه، ما يعني انتقال المعارضة السورية من تحت دلف “المجلس” لتحت مزراب “الإئتلاف”.

المشروعُ، رغم عنوانه الكبير، يبدو لكأنه محاولة خليجية (قطرية بالدرجة الأساس) وتركية، لإنقاذ “المجلس الوطني السوري” من السقوط في اللاشرعية، وبالتالي إعادة الحياة إليه من جديد، بعد إعلان أميركا شهادة وفاته، على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون.

من هنا بدت عملية التأسيس ل”الإئتلاف” وميكانيزميات التمثيل والمحاصصات فيه، لكأنها إعادة لإنتاج “مجلس وطني سوري جديد”، تحت سقفٍ جديد، ومسميات ويافطات جديدة، دون حدوث أيّ جديدٍ يُذكر، خصوصاً فيما يتعلق بالنفوذ الكبير ل”الأخوان المسلمين” في “الإئتلاف” ونسبة تمثيل “مجلس”(هم) الكبيرة في القادم من مؤسساته وهيئاته، ناهيك عن “المستقلين” و”المنشقين” المحسوبين قليلاً أو كثيراً على خطّ “الإخوان”، والذين سيكونون في المنتهى على “قلب رجلٍ” واحد. عليه يمكن القول بإنّ “الأخوان المسلمين”، الذين رفضوا المبادرة من أساسها “تكتيكياً”، وواجهوها ب”مبادرة جديدة”، هم الآن عملياً أصحابها الأساسيون، لا بل “أولياء” أمرها في حطّ أو “شيل” من يشاؤون متى يشاؤون، ما يعني احتمال عودة المعارضة السورية إلى “المربع الأول” ودفع الأزمة والثورة السوريتين نحو المزيد من التأجيل والتأجيل المضاد، سواء على مستوى الداخل السوري، أو خارجه.

المشروع في أساسه، هو محاولة قطرية، مدعومة خليجياً وتركياً وأميركياً وأوروبياً لفتح قناة “شرعية” لتسليح مجموعات المعارضة المسلحة في الداخل، وعلى رأسها “الجيش السوري الحرّ”. بمعنى أنّ المشروع لا يهدف، كما تقول بنود خطته الرافضة للدخول في أي مفاوضات قبل إسقاط النظام بكلّ رموزه ومرتكزاته، إلى حلّ القضية السورية سياسياً، وإنما الهدف الأساس منه، هو حل سوريا وأزمة الصراع فيها وعليها عسكرياً، بدون أي تدخل عسكري خارجي، وذلك عبر تسليح أجنحة المعارضة المسلحة، بإسلحة نوعية لتحقيق المزيد من “توازن الرعب” بين النظام والمعارضة، لحسم المعركة على الأرض بين الطرفين عسكرياً.

مشروع “الإئتلاف السوري” الجديد، هو إذن مشروع تمهيد أو تأسيس لمعركة “كسر عظم” عسكرية مدعومة خارجياً، بين أهل النظام وأهل المعارضة، لقطع الطريق أمام أي تسويات سلمية أو حلول وسط بين الطرفين. في حال نجاح “الإئتلاف” وحكومته القادمة في الحصول على الشرعية الإقليمية والدولية المطلوبة، لفتح قنوات شرعية لتسليح مجموعات المعارضة السورية المسلحة على الأرض، حينها سيسعى كلّ طرف من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، ذات العلاقة بالأزمة السورية إلى تعزيز وتقوية جبهته في الداخل السوري، ما يعني دفع الأزمة السورية نحو المزيد من “حربٍ سورية بالوكالة” بين سوريتن: “سوريا النظام” مدعومة من روسيا والصين و”المحور الشيعي”، و”سوريا المعارضة” (“السنيّة” بالدرجة الأولى) مدعومة من “المحور السني” بالدرجة الأساس، وأميركا وأوروبا بدرجة أقل.

ربما ينجح “الإئتلاف” في كسب ثقة “أصدقاء” سوريا، خصوصاً بعد اعتراف فرنسا به بإعتباره “ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري”، ما يعني الإعتراف به لاحقاً ك”حكومة مؤقتة” لإدارة “سوريا المعارضة” على الأرض عسكرياً ضد “سوريا الأسد”.

وربما ينجح أهل “الإئتلاف”، بعد الإعتراف به ودعمه سياسياً ومعنوياً ومادياً ولوجيستياً وعسكرياً، في تحقيق “توزان رعب” أكبر بين جيش المعارضة وجيش النظام.

لكن السؤال المطروح ههنا، ما الضمان في اشتعال حربٍ أهليةٍ أكيدةٍ قادمةٍ، كما يُراد لها الأصدقاء والأعداء أن تكون، بين سوريا وسوريا، أن تكون “حرباً بالوكالة”، ألا تسقط سوريا قبل أن يسقط الأسد، أو ألاّ يسقط هذا الأخير كلّ سوريا وكلّ السوريين مع سقوطه؟

أما السؤال الآخر والأهم، هو: هل سينجح “الإئتلاف” بتشكيلته الحالية، بعد الإعتراف به وب”حكومته الإنتقالية”، في الإنتقال بسوريا من الديكتاتورية إلى الديمقراطية؟

أول الجواب على هذا السؤال الصعب، الذي هو في الحقيقة بمثابة أول الشك بيقين هذا الجسم السياسي الجديد، جاء من طرف “الإتحاد الأوروبي” الذي أبدى على لسان رئيس برلمانه، مارتن شولتز، تحفظه على “الإئتلاف بالقول: ” بأن “أوروبا أصبحت أمام ائتلاف للمعارضة السورية يضم أشخاصاً لا نتشارك معهم في القيم”، موضحاً بأن “مجرد التفاهم على تشكيل ائتلاف للمعارضة السورية لا يعني إقامة حكومة ديمقراطية”.

إذن القضية السورية، لا تكمن فقط في ضرورة إسقاط “القيم الديكتاتورية”، وإنما تكمن أيضاً في ضرورة استبدال “سوريا ديكتاتورية” بأخرى ديمقراطية، للعبور بالتالي من مرحلة ما قبل الدولة المدنية، إلى الدولة المدنية، بكلّ ما تعني هذه الدولة من معنى.

الحرب الأهلية “العظمى”، في حال نجاح “الإئتلاف” في حصوله على رخصة “إقليمية ودولية” بتسليح “سوريا المعارضة” تسليحاً نوعياً، قادمة.

الكلّ، إقليمياً ودولياً، سيسعى في هذه الحال، إلى تصفية حساباته في الخارج، على حساب الداخل السوري.

الكلّ سيدخل في الحرب على سوريا، لكنّ سوريا والسوريون وحدهم سيدفعون الثمن.

الكلّ سيدخل في البازار على سوريا، والسوريون وحدهم سيكونون سلعةً تحت الطلب، يباعون ويُشترون في “سوق السياسة” حسب الطلب.

الكلّ المتدخل من الخارج، سرّاً أو علناً، في الشأن السوري سيربح، أو سيسعى إلى الربح، قليلاً أو كثيراً، فقط السوريون هم الخاسرون: هم سيخسرون الكثير من سوريا(هم) الآن وبعده. هم سيخسرون بعضهم بعضاً جداً، إلى جانب خسارتهم للكثير من مكانهم وزمانهم وثقافتهم، فضلاً عن خسارتهم للكثير من دينهم ودنياهم.

الكلّ سيربح قليلاً أو كثيراً، في البازار على سوريا، فقط السوريون وحدهم سيفشلون..فقط سوريا وحدها ستفشل.

فهل نحن أمام “إئتلافٍ” سوري، لإعادة إنتاج المزيد من الفشل، للعبور إلى “سوريا فاشلة”؟

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى