«الإخوان المسلمون» وسورية… إنها معركة مصير!
جمال خاشقجي *
«إخوان» سورية يحتاجون إلى الشروع في إعادة هيكلة التنظيم الآن، على رغم أنهم في وسط معركتهم التاريخية لإسقاط النظام.
«إخوان» مصر يحتاجون سياسة جديدة حيال الأزمة السورية، تتفق مع موقع مصر، وتنفي شكوك الجيران، وتمنع توتّراً مستقبلياً مع إخوانهم في سورية. باختصار، يجب أن يصطفوا مع المنتصرين.
«إخوان» الأردن يحتاجون إلى التحرر من عقدة المؤامرة الأميركية، وأن يطوروا موقفهم تجاه القضية السورية من مجرد دعم أعمال الإغاثة، إلى دعم سياسي يوجهون بعضه نحو حكومتهم التي يعارضونها.
ما يحصل في سورية ثورة شعب حقيقية لم يخطط لها «الإخوان» أو حتى يتوقعوها، وبالتالي يمكن تفهم تخبطهم هنا أو هناك، والأمر يسري على كل «الإخوان»، وليس «إخوان» سورية فقط، ولكن اقتربت لحظة الحقيقة هناك، التي تتطلب أن يكون «الإخوان» مستعدين هم أيضاً لليوم التالي. لقد حصل أمر مهم لـ «الإخوان» أخيراً، وأمر آخر لا يقل أهمية خلال الأيام المقبلة، الأول هو أن السعودية فتحت لهم قلبها أخيراً. ليس مهماً كيف حصل هذا، ومن اقتنع بضرورة ذلك؟ ولكن المهم هو أنه سيخدم بقوة الوصول إلى الهدف الذي تسعى له المملكة و «الإخوان» معاً، إسقاط النظام ووقف هذه المذبحة التي يتعرض لها الشعب السوري، ثم – وهذا مهم جداً – الالتزام بحلف لا تغيير فيه ولا تبديل بإعادة رسم شرق عربي جديد من دون إيران، يمتد من شط العرب وحتى المتوسط، وقد التزم «الإخوان» بذلك في الاجتماعات التي جرت في جدة أخيراً.
لقد أحسن «إخوان» سورية فعلاً عندما اشتركوا مع كل أطياف الشعب السوري في جعل القضية «وطنية» لكل السوريين، وذلك عندما تشاركوا مع الجميع في تأسيس «المجلس الوطني» ثم «الائتلاف»، ثم الحكومة الانتقالية، ولكنهم اتُهموا مراراً بأنهم يسعون إلى السيطرة على كل هذه الهيئات، فأحسنوا صنعاً أيضاً عندما تخلوا عن فكرة الحكومة الانتقالية ورئيسها غسان هيتو حينما وجدوها سبباً للانقسام وسوء الظن، ولكنهم في حاجة الآن إلى أن يحافظوا على مكتسباتهم، ويمنعوا حصول أزمات سياسية وتناحراً في سورية الجديدة بإعادة هيكلة تنظيمهم الذي عاش مغترباً لأكثر من 30 عاماً، مع قدر من الانقسام بين «إخوان» دمشق و «إخوان» حلب، وقبل ذلك انقسامات بين التنظيم الأم وشباب الطليعة المقاتلة التي فجرت أول مواجهة مع النظام من دون رضا التنظيم، ثم انقسامات بين قادة في العراق تحت تأثير نظام صدام حسين ومخابراته، وقادة أكثر استقلالاً في الأردن والسعودية والخليج وأوروبا. في هذه الأجواء نشأ جيل شاب من «الإخوان» أكثر فعالية وليبرالية واستقلالاً، وسط جالية سورية هائلة ربما تزيد على الـ100 ألف تعيش «دياسبورا» حقيقية حول العالم، فشكلوا جمعيات تهتم بشأن الوطن بعيداً عن التنظيم الأم، من دون أن يقطعوا حبال الود والاحترام مع «الشيوخ». بعضهم أثرى في الخارج، والبعض الآخر بنى علاقات خاصة مع حكومات عربية وغربية، ولكنهم لم يعودوا شباباً عندما دهمتهم الثورة السورية قبل عامين، فمعظمهم تجاوز الأربعين، وبعضهم يقترب من الستين. عندما نشطوا في أروقة الثورة السورية من مجلس وطني وتنسيقيات، حسبهم البعض «إخواناً»، ولذلك كثر الحديث عن سيطرة «الإخوان»، ولكنهم تركوا التنظيم منذ زمن، والأفضل لشيوخ «الإخوان» أن يعيدوا هؤلاء الشباب إلى هيكل الجماعة، بل إلى مواقع القيادة، حتى لا يكرروا خطأ «إخوان» مصر الذين انشق عنهم بعض من ألمع رجالهم «الشباب» مثل أبوالعلا ماضي أو عبدالمنعم أبوالفتوح، اللذين نافحا عن التنظيم وحكومة «الإخوان» ببراعة في ساعة العسرة، حتى أحسب أن المرشد تمنى لو بقي هؤلاء معه في المقطم.
أما في مصر، فليس سراً أنه حتى «إخوان» سورية عاتبون على إخوانهم في مصر، وغير مقتنعين بقولهم إن لديهم ما يكفيهم من المشاق والتحديات. لقد أثارت «براغماتية الإخوان» الشهيرة شكوك السعودية وغيرها، ولم يعد مقنعاً موقف حكومة مرسي التي تريد أن تؤيد الثورة السورية بخطب رنانة ووعود، من دون أن تترجم ذلك بشراكة كاملة مع الحلف النشط الساعي إلى إسقاط النظام، بل تريد أن تبقي الباب مفتوحاً مع إيران، فالصراع في سورية ليس طويل الأجل، ولن يترك من دون حسم، فلا مجال للبراغماتية وأنصاف الحلول. يجب أن يختار «الإخوان» معسكر الثورة السورية بالكامل في حرب الشرق العربي الدائرة التي حمي وطيسها، إن لم يكن لدوافع أخلاقية ومبدئية، فلكي يحفظوا لأنفسهم ولمصر مقعداً في صف المنتصرين. هذه الحرب ستفرز منتصراً لا محالة، وخطأ جسيم أن تغيب مصر وبخاصة في زمن «الإخوان» عن ذلك المشهد.
في الأردن، لا يقل «الإخوان» هناك تخبطاً، فهم ضد النظام ومع الثورة وموجودون في ساحة العمل الإغاثي بقوة، ولكنهم يثيرون غباراً حول الحل الوحيد الممكن، وهو التدخل الدولي، إذ انتقدوا علانية عمليات التدريب والتسليح التي يقوم بها الأميركيون هناك، والذين أرسلوا من دون إعلان عناصر من الجيش الأميركي يتعاونون مع نظرائهم الأردنيين والمخابرات هناك. ومنطلق «الإخوان» في ذلك موقفهم التقليدي المؤمن دوماً بوجود «مؤامرة أميركية»، مذعنين لرأي الشارع الفلسطيني الذي لا يحب الأميركيين لأسباب معروفة، عوضاً عن أن يقودوا الشارع في ما فيه خدمة للقضية السورية، فيكرروا خطيئتهم السابقة في حرب تحرير الكويت عندما انتقدوا الاحتلال ورفضوا التدخل الدولي لإزالته، فأحدثوا شرخاً لم يندمل بينهم – هم وشتى فصائل «الإخوان» – وبين حلفائهم التقليديين في المملكة والخليج، بما في ذلك «إخوان» الكويت الذين أعلنوا انسحابهم احتجاجاً من التنظيم الدولي لـ «الإخوان» (كنت انفردت بنشر هذا الخبر في الصفحة الأولى من هذه الصحيفة في ذروة الأزمة).
الشارع العربي والإسلامي يريد إسقاط النظام بأي ثمن، وترك القرار في يد كهول الحركة الإسلامية الذين نشأوا جيلاً بعد جيل، يتغذى ويتشكل بخطاب المواجهة مع الغرب والاستعمار الذي رحل، من دون إدراك للتحولات السياسية التي حصلت في الغرب، سيضيّع فرصة ثمينة على الحركة الإسلامية في المنطقة، ويحولها إلى مجرد حركة احتجاجية تشبه «حزب السعادة» التركي، وريث أحزاب بطل الحركة الإسلامية الراحل نجم الدين أربكان، الذي أصبح اليوم بخطابه المعادي للغرب في حجر النظام السوري.
ثمة تاريخ يُصنع، وشرق أوسط جديد يتشكل، فادفعوا بشبابكم إلى الصدارة يا شيوخ حركة «الإخوان» في سورية ومصر والأردن، فهم أدرى بالواقع والمتغيرات.
* كاتب واعلامي سعودي