صفحات سوريةعمر قدور

“الإخوان” والوطنية السورية/ عمر قدور

 

 

وسط الفرحة العارمة التي رافقت عودة المظاهرات السورية يوم الجمعة الفائت، كتب أحد السوريين على صفحته في فايسبوك ممازحاً: متى تعود جمعة “من جهز غازياً فقد غزا”؟ ومن المعلوم أن هذه التسمية كانت قد أطلقتها صفحة “الثورة السورية ضد بشار الأسد” على الجمعة الأولى من نيسان 2012، ورافقها حينذاك جدل كبير واعتراضات من قبل ناشطين سوريين على استخدام الحديث النبوي وجعله عنواناً ليوم التظاهرات المعتادة. معلوم أيضاً أن الحديث ينصّ في الأصل على: من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا. مثلما هو معلوم قرب الصفحة المذكورة من الإخوان المسلمين، على رغم نفي القائمين عليها وجود ارتباط مباشر بالتنظيم.

أيضاً وسط الفرحة بعودة المظاهرات، اجتمع ائتلاف المعارضة وانتخب “أنس العبدة” رئيساً جديداً له، وهو الخامس منذ إنشائه في تشرين الثاني 2012 برئاسة الشيخ معاذ الخطيب. الرئيس الجديد يوصف بأنه إسلامي معتدل، وقد لا يكون من المصادفة فقط أن ينال توافق 63 عضواً أدلوا بأصواتهم من أصل 103 أعضاء، وهو العدد ذاته الذي كان عليه الائتلاف عندما اختار الشيخ معاذ الخطيب رئيساً، قبل توسعته بقصد تقليل نفوذ الإسلاميين فيه.

لدى الحديث عن إسلاميي سوريا لا يظهر الإخوان في الواجهة، بخلاف الدور الذي يُشار إليه في الجلسات الخاصة لأعضاء في الائتلاف أو أعضاء في المجلس الوطني. ومما يساعد على عدم الالتفات إلى دور الإخوان غلبة المستوى العسكري على السياسي، وعدم شفافية علاقة الإخوان ببعض الفصائل المسلحة على الأرض، بخاصة مع وجود عدد لا يُستهان به من الفصائل الإسلامية التي يتأرجح خطابها المباشر بحسب التطورات السياسية. أيضاً، هنا يبقى الحديث عن علاقة الإخوان ببعض الفصائل قيد الجلسات الخاصة، وبحيث يصعب توثيقه والجزم بوجود مستوى عسكري للإخوان يتعين بمجوعة من الفصائل التي تتقارب في تسمياتها، لا عبر فصيل واحد فقط.

كان الحديث عن هيمنة الإخوان قد بدأ منذ تجربة المجلس الوطني، حتى عُدّ إنشاء الائتلاف لاحقاً هروباً من تلك السطوة بناء على توجهات دولية وإقليمية. وكان لافتاً في تجربة المجلس الوطني العتيد، الذي يُحسب على صقور المعارضة عادة، أنه تنصّل وتلكأ طويلاً في موضع اعتماد “عسكرة الثورة” التي تحولت أمراً واقعاً مع تشكيل تنظيم الضباط الأحرار بقيادة الضابط المنشق حسين هرموش، ثم مع تشكيل “الجيش السوري الحر” بقيادة ضباط منشقين أيضاً. بيت القصيد أن السطوة المزعومة للإخوان على المجلس كان من شأنها دفعه إلى تبني المستوى العسكري في وقت مبكر، ولو حدث ذلك لربما أخذت العسكرة مساراً مغايراً ولم تصبح منفصلة تماماً عن المستوى السياسي، وربما اضطر العديد من الجهات الداعمة إلى المرور بمستوى سياسي جامع، بدل السماح لكل جهة بالاستثمار وفق أجنداتها السياسية الخاصة.

في تلك الفترة، تسربت أخبار مفادها عدم رغبة الإخوان في تبني تنظيم مسلح للثورة، في الوقت الذي بدأ فيه السلاح بالدخول فعلاً إلى فصائل آخذة بالتشكل بعيداً عن آلاف المنشقين المحترفين عن قوات النظام، ولم يخلُ الربط بين المسارين من اتهام صريح بتفضيلهم تسليحاً أيديولوجياً خارج أطر المعارضة السياسية على تشكيل نواة جيش وطني حقيقي. ولأن الاتهام الأخير يفتقر إلى الإثباتات الدامغة يكفي القول بأن الإخوان ارتكبوا خطيئة سياسية كبرى بعدم احتواء المجلس الوطني الذي يهيمنون عليه ظاهرة العسكرة، مع ما جرّته هذه الخطيئة من تبعات لاحقة. التنصل من هذه المسؤولية السياسية لا يعبّر عن التزام أخلاقي عالٍ، بخاصة إذا أتى تحت عنوان مخادع هو محدودية تأثيرهم في المجلس الوطني أو الائتلاف.

كانت جماعة الإخوان قد أصدرت في آذار 2012 ما سُمي “وثيقة العهد”، التي اعتبرت آنذاك تعبيراً عن انفتاح الجماعة على مفاهيم جديدة بما فيها الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان. لكن ما يلفت الانتباه أن فصائل تُحسب على الإخوان سارت في أماكن سيطرتها على النهج الأيديولوجي المتشدد، وكان لها دور كبير في تمكين “الهيئات الشرعية” من تولي السلطة القضائية في مناطق محررة، تلك الهيئات التي لم تتمثل يوماً ما جاء في ميثاق العهد لجهة عدم التضييق على أي مواطن “في خاص أو عامّ من أمره”. وإذا قلنا بأن تلك الفصائل لا تمثّل الإخوان فإن عدم مبادرة المجلس الوطني والائتلاف إلى إدانة انتهاكات الهيئات الشرعية لحقوق الإنسان، بل اعتبارها باطلة من الأساس، أمر لا بد من التوقف عنده مع التنويه مرة أخرى بما يُشاع عن هيمنة الجماعة. جدير بالذكر أن الفصائل التي يجري ربطها بالتيار الإخواني تتشارك في اعتماد تسمية الشام بدل سوريا، وهذا أمر له مدلولاته الواضحة لجهة إما عدم الاعتراف بالتسمية التي ارتضاها السوريون لبلدهم، أو عدم الاعتراف بالوطن السوري ككل.

على أية حال، لا تبتغي الانتقادات السابقة التشكيك بشجاعة أولئك المقاتلين في ظروف شديدة السوء، ولا التشكيك في وطنية مقاتلين لم يكن لهم يد في اتخاذ هذا المسار، أو لم يكن لهم مطلق الحرية في اختيار الراية التي يقاتلون تحتها. أما الحديث عن وطنية المستوى السياسي والقيادي فأمر آخر، والتشكيك هنا لا ينطلق من منبع أخلاقي بل سياسي، هو يأتي من الأيديولوجيا التي يعتنقها التنظيم، ومن كونها أيديولوجيا فوق وطنية، وتحت وطنية في آن؟، على غرار تجارب الأحزاب القومية والشيوعية البائدة.

في الواقع، كان سلوك الجماعة في ما تلى إصدار ميثاق العهد لا ينسجم إطلاقاً معه، وبدا أنها تراجعت عن تناول كأس الوطنية السورية “المر” لصالح أسلمة أتت بالكوارث على الثورة. وأن يتقدم الإسلاميون مرة أخرى لتسلم رئاسة الائتلاف، من دون أن ننتقص من شخص الرئيس العتيد أو كفاءته، فهذا ليس مما يتناسب مع مجمل الظروف الدولية المحيطة بالقضية السورية، مثلما لن يكون مناسباً اختيار واجهة شكلية غير إسلامية. المطلوب هو الاستفادة من الدروس السابقة، لا الظن بأن لحظة قطافها قد حانت.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى