الإرغام على السلام في سوريا/ هوازن خداج
تحوّلت العملية التفاوضية منذ انطلاقها عام 2012 مع مؤتمر جنيف1 من طريق لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية إلى مؤتمرات لإدارة الصراع، فربطها بموازيين القوى الفاعلة بالميدان السوري وازدياد خلط الأوراق الإقليمية والدولية المتدخلة في الحرب السورية والتي باتت جزءا من الأزمة الممتدة، جعلا الحديث عن إمكانية السلام رهن المحافظة على التوازنات الدقيقة بين مختلف الأطراف الإقليمية التي تتضارب تصوراتها ومصالحها بشأن مستقبل سوريا.
بعد الكثير من التردد والتأجيل الذي رافق الإعلان عن مؤتمر للحوار الوطني في سوتشي، بدت روسيا أكثر حدة وتحديدا في اتخاذها قرار عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي يوم 30 من الشهر الجاري، حيث تم تحديد الشخصيات المشاركة في المؤتمر وخطة العمل القادمة بحيث يعمل قرابة ألفي مشارك على تشكيل “لجنة دستورية” لبدء العمل على الدستور الجديد، حسب ما صرح به ألكسندر إيفانوف الناطق باسم القوات الروسية في قاعدة حميميم السورية في لهجة تظهر الطريق سالكا وممهدا أمام المؤتمر، وذلك رغم الإرباك الذي يرافقه إن كان لجهة البرود الغربي الناتج عن الرغبة في استمرار مسار جنيف التفاوضي للوصول نحو انتقال سياسي كامل وليس مجرد إصلاحات سياسية، أو للتعقيدات الحاصلة مؤخرا في حلبة المنافسة السورية على ترتيب خارطة النفوذ للأطراف الموجودة على الأرض، أو لجهة الرفض والتذبذب بالنسبة لأطراف المعارضة.
اتخذت المعارك الأخيرة شكلا تنافسيا لتوسيع مناطق النفوذ بالنسبة للقوى المسيطرة في سوريا، فمعارك ريفي حلب وإدلب والانسحابات المشبوهة لهيئة تحرير الشام /جبهة النصرة تصب في مصلحة النظام، وتركيا تعلن حربها في عفرين لتحقيق مصالحها الأمنية حسب قولها، وأميركا صاحبة القرار النهائي في التوقيع على خارطة التفاهمات عززت وجودها في سوريا لرسم الحدود الفاصلة بين القوى النافذة في الصراع، فالحصص يجري توزيعها بين القوى المتصارعة جنوبا وشمالا وشرقا لأميركا وحلفائها، وما سمّي “سوريا المفيدة” وحتى الساحل خاضعة عسكريا واقتصاديا للوجود الإيراني والروسي.
أما المعارضة السورية فقد بدأت ملامح الخلاف بين الأجندات المتباينة تظهر مع إعلان مؤتمر سوتشي، حيث أعلن في الشهر الماضي أكثر من أربعين فصيلا مسلحا رفضهم للمؤتمر، وعقد ما سمّي “الملتقى الوطني الثوري السوري” اجتماعاته في العديد من المدن داخل سوريا وخارجها للتنسيق على “تشكيل جبهة ثورية وطنية” تحت شعار “حماية أهداف ثورة الحرية والكرامة، ورفض مؤتمر سوتشي وإسقاط الشرعية الثورية عن الأفراد والمنظمات التي تشارك فيه”.
لكن هذا الرفض قابله تذبذب واضح في موقف الائتلاف الوطني المعارض وهيئة التفاوض السورية الممثل الرسمي للمعارضة السورية في مفاوضات جنيف من مسألة حضور المؤتمر.
فالموقف التركي الذي يرى في مؤتمر سوتشي مخرجا للقضية السورية وضع المعارضة في اختبار صعب بين خسارة الحليف التركي أو إضفاء الشرعية على الوجود الروسي والقبول بأجندته وبما سيتم تفصيله من ناحية شرعنة النظام السوري وإحيائه من جديد والالتفاف على مقررات جنيف 1 والقرارات الدولية.
ما يبدو جليّا في الخطة الروسية ومؤتمراتها (أستانة أو سوتشي) هو تمسكها بأن تكون المتعهد الأكبر لإدارة الصراع عبر التنسيق مع كافة الأطراف، وقد نجحت بتدخلها المباشر في سوريا في تخطي الكثير من العقبات وتحويل القوى الإقليمية الفاعلة، تركيا وإيران، إلى دول شريكة لها في عملية الحل، ويأتي تصريح وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف في 15 يناير 2018 عن أن “مؤتمر سوتشي يضمن مصالح الجميع في سوريا” ليدل على أن الحل الروسي هو ترتيب خارطة النفوذ للأطراف الموجودة على الأرض للوصول إلى التهدئة، وليس لوضع خارطة طريق لحل نهائي لمأساة سوريا والسوريين.
روسيا جادة في تحقيق تقدم من خلال العملية السياسية، ولكن بشروطها، وقدمت العديد من اختبارات الحلول عبر فرضها مناطق خفض التصعيد في أستانة والعديد من الهدن المحلية، وتقدم مؤتمر سوتشي ليكون مرحلة جديدة في الإرغام على السلام تحت مسمّى الحوار الوطني، والسوريون الذين أضاعوا الطريق لإحلال السلام بعيدا عن تدخلات الدول باتوا محكومين بسياسة الأمر الواقع وبما تفصله المؤتمرات من حلول بين الدول المنخرطة في الصراع.
كاتبة سورية
العرب