الإستغاثة بالكيماوي/ فواز طرابلسي
السفير لا تنشر مقال لفواز طرابلسي
يضرب النظام السوري بالسلاح الكيماوي للاعتراف به مسؤولا عن المحافظة عليه من ان يقع بين ايدي «الجماعات الارهابية » وهو الخواف الاكبر للقوى الغربية اذا صدّقناها. وباسم هذا الخوف امتنعت القوى الغربية عن تقديم سلاح نوعي الى المعارضة السورية المسلحة خشية ان تقع هذه ايضا «في ايدي الجماعات الارهابية» ما امكن النظام ان يسجّل بعض المكاسب العسكرية سمح لبشار الاسد بالتصلّب الكامل والرفض الفعلي لكل ما له علاقة باتفاقية جنيف فيما وزير خارجية يعلن الموافقة على الحضور دون شروط. ومما اعلنه الاسد ان لا حل رماديا وسطا بين ابيض واسود، وان لا مكان ولا دورا للمعارضة في «حل الازمة » .
الآن إنتقل البحث الى مستوى آخر بعد مجزرة الغوطة. خصوصا بعد مبادرة ربع الساعة الاخيرة التي افتتحت البحث عن صفقة يسلّم بموجبها النظام سلاحه الكيماوي مقابل اعفائه من الضربة العسكرية. يتأكد بذلك الى اي مدى نجح النظام في خورجة حربه ضد شعبه. ولكن يتبيّن الى ذلك امران فادحان.
الامر الاول، ان تركيز الادارة الاميركية على استخدام الكيماوي مبررا للضربة العسكرية «التأديبية» يؤكد ان الضربة لن تأتي من أجل الديمقراطية في سورية ولا حتى من أجل تغليب موازن القوى العسكرية لصالح المعارضة المسلحة او حتى تأمين فرض تنحّي الاسد او التعهد بأن لا يترشح للرئاسة العام ٢٠١٤ او حتى فرض التقيّد باتفاقية جنيف ١ اساسا لمفاوضات جنيف ٢. غطى بخار الغاز الكيماوي على هذا كله وصارت حجة الضربة ان الكيماوي قابل لأن يهدد امن الولايات المتحدة وانه بالتأكيد يهدد جيران سورية وفي المقدمة منها اسرائيل، على قولة اوباما. لننتظر ونرَ، في كل الاحوال.
الامر الثاني. قبل ان يصير السلاح الكيماوي سلاحا في حرب النظام السوري ضد شعبه، شكل اكبر ترسانة أسلحة كيماوية في المنطقة جرى تصنيعها وتخزينها ومراكمتها، عبر عقود من الزمن وباكلاف استثنائية على حساب خبز الشعب السوري وحريته، من أجل هدف وطني واضح: تحقيق توازن عسكري ما مع اسرائيل: الكيماوي مقابل النووي، او الكيماوي مقابل التفوق الجوي الاسرائيلي.
ها هو الحكم في سوريا يفاوض على تسليم هذه الترسانة – التي يراد لنا ان ننسى وظيفتها الاصلية – والسماح بنقلها خارج الحدود. ومن اجل ماذا؟ على امل الحفاظ على النظام!
وهناك من لا يزال يسمّي هذا النظام نظام «ممانعة»!
وهناك في لبنان من لا يزال يرسل «مقاومين» للموت من اجل الحفاظ عليه!
هنا نصّ المقال الأصلي:
الإستغاثة بالكيماوي/ فواز طرابلسي
لم يعرف التاريخ المعاصر، على ما اعلم، حالة ابتزّ فيها حاكمٌ العالم إذ هدَّد بإبادة اجزاء واسعة من شعبه بواسطة الاسلحة الكيماوية.
ومع ذلك فهذه هي الرسالة البسيطة التي يوجهها النظام السوري لشعبه من خلال العالم وللعالم من خلال شعبه. وقد كررها مؤخرا. ونقصد بالعالم الكيان المسمّى تهذيبا «المجتمع الدولي». في البدء، حرّك الاسلحة الكيماوية وخرج ناطق بلسانه (ما لبث ان إنشقّ) ليؤكد أن النظام لن يستخدم تلك الاسلحة ضد شعبه. وهو نفي من قبيل التحذير. وها هو يحرّك اسلحته الكيماوية مجدداً ويكرّر نفي النية في استخدامها بل يصل الى التشكيك في وجودها أصلا على لسان فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية.
يستحق التهديد وقفة استهوال اخلاقية وانسانية حري بها ان تطول لولا ضيق المجال في هذه العجالة. والاستهوال هو لرخاوة ردود الفعل الدولية والاقليمية والاممية على هذا التهديد المضمر والعلني بالابادة الجمعية.
هلع العالم المتمدن و«مجتمعه الدولي» لا ضد امكانية استخدام الحاكم السوري السلاح ضد شعبه، بقدر هلعه لكون السلاح المعني مصنّفاً من «اسلحة الدمار الشامل » وهي فصيلة من الاسلحة يخشى وقوعها في الايدي غير الامينة لـ«الارهاب الدولى». هكذا ضرب النظام عصفورين بحجر واحد إذ لعب على إثنين من «خوافات» الغرب: خواف الارهاب، وخواف «اسلحة الدمار الشامل » وقد انصهرا كيماويا بعدما اعلن النظام السوري انه بات يقاتل الآن لا «المجموعات الارهابية المسلحة» بل «تنظيم القاعدة» مباشرة وبالإسم.
من جهة اخرى، غطّى تحريك السلاح الكيماوي على كل ارتكابات النظام من تعذيب الاطفال في درعا الى جرف الضواحي الفقيرة بواسطة صواريخ مقاتلات «الميغ» والبراميل الحارقة والمتفجّرة والقذائف العنقودية وصولا الى القذائف الفوسفورية ومرورا بالمجازر التي تريد اجهزة إعلام ليبرالية ويسارية اوروبية واميركية ذات «سوية سياسية» اقناعنا بأنها ترتكب من الطرفين على حد سواء. هكذا بدت كافة اسلحة القتل على انها «شرعية»، او محتملة اقلا، إلا السلاح الوحيد الذي تصنفه «الشرعية الدولية» على انه غير شرعي: الكيماوي.
لم يتوقف المفعول السحري للكيماوي عند هذا الحد. اعطى تحريكه الفرصة للرئيس اوباما – الذي يطالب الرئيس الاسد بالتنحي منذ سنة ونصف على الاقل – ان يتهرّب من اية مسؤولية عما يجري في سوريا. هذا اذا كنا من السذاجة فنفترض حسن النوايا. وفي حال انخفاض منسوب السذاجة، يمكن للامبراطور ان يطمئن، بعد ٢١ شهرا، بأن ما كان مطلوبا لاضعاف سوريا، شعبا ودولة وجيشا واقتصادا ومكانة اقليمية ودولية، يفوق كل توقع تولاه نظام يتحمّل المسؤولية الاكبر في تدمير بلده وتمزيق شعبه وإضعاف جيشه الى الحد الذي يخرجه من اي قدرة على الضغط او تحقيق التوازن او القتال في مهمة تحرير الجولان المحتل والمضموم.
ولكن ما الغرض من التهديد الكيماوي في عملية خطف شعب بأكمله هذه؟
اذا كان لتخويف الثورة والثوار، فقد كسروا حاجز الخوف منذ اطفال درعا وساحة الساعة بحمص. وها هم بالامس عادوا الى التظاهر في درعا بالذات.
ولقائل ان يقول إن التهديد تم بغرض ردع اي تدخل عسكري خارجي. علما ان النظام اكتشف منذ فترة مبكرة ان التدخل العسكري الاطلسي غير وارد. فبات على المهوّلين علينا بالتدخل العسكري أن يفسّروا سبب عدم حصوله حتى الآن.
هل افاد التلميح الكيماوي في اعطاء النظام فرصة زمنية لانجاز النصر الموعود ابتداء بمعركة بابا عمرو مرورا بصلاح الدين وصولا الى كافة الجولات التي اعلن عن انها سوف تنتهي بعشرة ايام؟ الجديد في الامر ان النظام لم يعد يتحدث عن نصر ولا عن حسم ولا عن مهل زمنية. فلم تنفع خطط ابادة المدنيين بالمدفعية والطيران المنقولة من حملات الابادة الروسية في الشيشان. ولا افلح كل ما يملكه الامن والحرس الثوري الايراني من وسائل وحيل لضبط الشعب وقمع المعارضات بالشبيحة والقناصة ووسائل التعذيب والالكترونيات.
الاطراف فالتة من سيطرة السلطة. والمدن إما ساحات قتال وإما محاصرة عسكريا من اريافها والضواحي. والعاصمة دمشق مطوّقة من معظم جهاتها ومطارها الدولي على مرمى النيران. وفي كل يوم يسقط حقل نفط او ثكنة او قاعدة او محطة دفاع جوي او مطار او مركز امني بيد المعارضة المسلحة ناهيك عن المرافق الاقتصادية الاستراتيجية مثل حقول النفط والسدود.
بناء عليه، فالتلويح المتجدد بالكيماوي، في هذا الظرف بالذات، اعلان عن افلاس الحسم بواسطة السلاح الجوي. بل انه اشبه باستغاثة طلبا للحلّ. وهو، في احسن الاحوال، محاولة يائسة لتحسين شروط تسوية وضعها النظام منذ البدء بيد الخارج وحطّها اخيرا بيد الولايات المتحدة وروسيا.
بل ان هذا التهديد الكيماوي الاخير اعلان بأن النظام دخل ربع الساعة الاخيرة من عمره.
لن تكون الثورة السورية آخر الثورات العربية. والشعب السوري بالتأكيد عارف طريقه. على ان ربع الساعة الاخير مناسبة لاختبار الحلول المتداولة والتعلّم مما جرى في الثورات الاخرى.
حذار الحل اليمني يبريء الحاكم ويعيده للحياة السياسية من الباب بعد ان اخرجه من الشبّاك.
وحذار حل الطائف اللبناني الطوائفي المذهبي.
وحذار من الحل الاميركي، الاب الشرعي لهذا وذاك. والقول لرياض الترك، المناضل الوطني المخضرم الذي لم يخرج عن صمته عبثا الا ليعلن: ان الولايات المتحدة ليست تريد انتصار الثورة السورية.
بل ما تريده تسوية اميركية-روسية تتسارع معالمها هو فرض حكومة امر واقع الى حين انتخابات ٢٠١٤ والعمل على الحفاظ على النظام بتنحية رئيسه – اذا إتفق على ان تنحّى – واعادة تأسيس النظام السوري على قاعدة محاصصة طوائفية-مذهبية قوامها «الاسلام المعتدل» و«حقوق الاقليات» دون التفريط بقاعدة النظام العسكرية والامنية والتنفيذية.
يكفي المعارضة السورية معاينة نقمة شعب تونس ضد «القطرنة». او مراقبة تجدد الثورة المصرية ضد «القطرنة» و«السعودة» الداعمتين للجموح الدكتاتوري للرئيس محمد مرسي. اراد الدكتور عصام العريان تذكيرنا بأن عبد الناصر لم يهتمّ قطعاً بالشعب ولا بالديمقراطية. وهو خليق بأن نذكّره بأن «جماعة الاخوان المسلمين» كانت زمن عبد الناصر تتعامل مع المخابرات البريطانية والسعودية، وتقبض الاموال، حسب ما هو مكشوف وموثق الآن، من أجل تسلّم الحكم بعد العدوان الثلاثي على مصر العام ١٩٥٦. ولم يكن ذلك قطعا تنفيذا لاي برنامج وطني ولا لبناء الديمقراطية في مصر. وهي مناسبة ايضا لتذكير السيد لاريجاني بأنه خير له ان يطبّق الديمقراطية في بلاده بدل ان يشنّف آذاننا بترانيم عن ضرورة الحلول الديمقراطية في … سوريا.