صفحات الرأي

الإسلاموفوبيا


 عرض / بدر محمد بدر

ظهر مصطلح “الإسلاموفوبيا” قبل نحو ربع قرن فقط، إلا أن المعنى الذي يعبر عنه يعود إلى عصر حروب الفرنجة أو الحروب الصليبية، بحسب وصف الأوروبيين لها، قبل حوالي عشرة قرون، و”الإسلاموفوبيا” تعني حالة الخوف الزائدة من الإسلام، حالة نفسية ناتجة عن الكراهية الشديدة، تؤدي إلى فقدان الاتزان والرؤية والمنطق العقلي في التعامل مع الإسلام وأتباعه.

والكتاب الذي بين أيدينا يكشف الكثير من أسرار وأبعاد وتأثير حالة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصًا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي قبل نحو ربع قرن, هذه الحالة التي سماها المؤلف ستيفن شيهي، وهو أستاذ اللغة والثقافة العربية بجامعة ساوث كارولينا: “الحملة الأيديولوجية ضد المسلمين”، التي تسود جميع مستويات الحياة الأميركية، من اليمين إلى اليسار، ومن المتدينين إلى الملحدين.

حالة مجتمعية

وعبر صفحات الكتاب يغوص بنا المؤلف في أعماق المجتمع الأميركي، لسبر أغوار هذه “الحالة” التي يرى أنها جلية في قطاعات عديدة من المجتمع، تنفثها الوسائط الإعلامية، ومراكز الأبحاث، والخبراء المزعومون، والمخبرون المحليون، والأكاديميون المارقون، واللوبيات، وتنظيمات النشطاء.

-الكتاب: الإسلاموفوبيا

-المؤلف: ستيفن شيهي

-المترجم: د. فاطمة نصر

-الناشر: دار سطور الجديدة, القاهرة

-عدد الصفحات: 380

-الطبعة: الأولى/ 2012

ويقول إن المسلمين في الولايات المتحدة لا يشعرون فقط بالوابل اليومي لخطاب الكراهية، وأفعال الكراهية، من خلال التحليلات والصور المهيمنة المزدرية، التي تجتاح شاشات التليفزيون والوسائط الإعلامية المطبوعة، وحتى لوحات الإعلانات في الطرق السريعة, بل إنهم أيضًا يخضعون للرقابة الحكومية, التي تقتفي آثارهم وتحركاتهم، في الشوارع والمساجد والجامعات, وترصد تجمعاتهم وأموالهم وتبرعاتهم الخيرية، بل وتتجسس عليهم وتقمعهم وتقاضيهم.

ويؤكد المؤلف أن الرئيس الأميركي “بوش” الصغير وداعميه, كان يسيطر عليهم هوس “الإسلاموفوبيا”، ويعتقدون أن كل مسلم “حقير وأحمق وإرهابي”، ويعمد الديمقراطيون والليبراليون إلى نشر التنميطات، التي تستدعي لا عقلانية العرب والمسلمين، وعداءهم للحداثة، من أجل تبرير دعمهم لهيمنة الولايات المتحدة، الاقتصادية والسياسية.

وعلى سبيل المثال تجسد جميع مناقشات المجتمع المدني عن الحرب وعن العراق وأفغانستان حالة الإسلاموفوبيا, وهي أيضًا تشكل بنية النقاشات حول “الحرب على الإرهاب”، وتذيل جميع النقاشات حول “إصلاح العلاقات مع العالم الإسلامي” نوازع هوس الإسلاموفوبيا, وهي كذلك عند الحديث عن فلسطين وإيران، كما تشكل الكراهية الإستراتيجية المتعمدة للمسلمين والخوف منهم، حدود جميع النقاشات حول الهيمنة على النفط والطاقة.

الإسلاموفوبيا هي إذن تشكيل أيديولوجي جديد, تم التعبير عنه باكتمال منذ انهيار الاتحاد السوفياتي (نهاية الثمانينيات من القرن الماضي)، ولا ترجع أصول الإسلاموفوبيا إلى إدارة بعينها، أو أحد المفكرين أو الفلاسفة أو النشطاء، أو إلى أي منفذ إعلامي أو مجموعة مصالح خاصة أو مركز أبحاث، أو حتى قطاع اقتصادي أو صناعي، على الرغم من أن كل هؤلاء مسؤولون، بأسلوب جمعي، عن نشر التنميطات الخبيثة المعادية للمسلمين والعرب، وعن تداول تلك المعتقدات، من أجل تطبيع هيمنة الولايات المتحدة، الاقتصادية والسياسية، على الكوكب وتبريرها.

أحداث سبتمبر

ومنذ 11/9/2001 ونحن نشهد الإسلاموفوبيا وقد أصبحت تيارًا سائدًا بأسلوب غير مسبوق، ولم تستحدث هذه الحالة أو تضاعف مخططات الولايات المتحدة للشرق الأوسط، لكنها حررت أسر خطاب الكراهية، وأفعال الكراهية، والمخططات والسياسات التي كانت تكبحها من قبل المحاذير السياسية، والفلاتر الأخلاقية.

لقد منحت هجمات سبتمبر/أيلول التراخيص للأميركيين، من معلقين وصحفيين وسياسيين ومنظرين، لتبني خطاب الإسلاموفوبيا، كتبرير أيديولوجي لحرمان عشرات الآلاف من الحريات المدنية, وتكوين ملفات عنهم والاحتجاز غير القانوني لعشرات الآلاف من المقيمين الشرعيين، والتغاضي عن اختطاف المشتبه فيهم وتعذيبهم، وتشريع التجسس على المواطنين الأميركيين ومراقبتهم، والإيقاع بهم.

لقد أصبحت الإسلاموفوبيا مبررًا ثقافيًا مقبولاً، لإرهاب المفكرين والباحثين والطلبة الناشطين, ورغم نهج القفاز المخملي الذي يتبعه “أوباما” تجاه العالم الإسلامي، إلا أن اتحاد الحريات المدنية الأميركي، أوضح استمرار سياسات “إدارة بوش” ومدركاتها ونماذجها المعيارية بخصوص العالم الإسلامي في ظل الرئيس الحالي، بل إن إدارة أوباما اتخذت الخطوات لإضفاء الصبغة المؤسسية على انتهاك الإدارة السابقة للحقوق المدنية, ولم يكن لهذا أن يحدث بدون انتشار نماذج الإسلاموفوبيا، في أنحاء المجتمع المدني والمجال السياسي بالولايات المتحدة.

ويشير المؤلف إلى أن السبب المباشر في جو الحصار، الذي يعيشه المسلمون في أنحاء العالم، هو سياسات الولايات المتحدة المستدامة منذ حرب الخليج الأولى (عاصفة الصحراء)، بيد أن هذا لا يعني أنه لم يكن ثمة جو من الازدراء ومحاولات التقسيم وبث الفرقة والتحكم قبل عام 1991.

تخلف العرب

إن إعلام التيار السائد الأميركي لا يفهم مقاومة العرب لأعمال عنف المستوطنين والمستعمرين الصهاينة، ومقاومة المسلمين من باكستان إلى المغرب لليبرالية الجديدة, والجرائم السياسية الأميركية في المنطقة، لا يفهمها سوى على أنها برهان على تخلفهم (العرب والمسلمين)، بل إن رفضهم لأن تسحقهم قوة الولايات المتحدة أحادية القطب أو العولمة “تبرر” في نظر الرأي العام الأميركي, مزيدًا من استخدام القوة، سواء من خلال التدخل العسكري المباشر، أو من خلال وكلائهم في: إسرائيل ومصر وأفغانستان وباكستان ولبنان والمغرب.

ولم يحدث أن تم تجاهل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بشأن أي بلد في العالم، ناهيك عن التحقيقات على غرار تقرير غلادستون، لم يحدث وأن تم تجاهلها بوقاحة وصلف، كما يتم في حالة القرارات المتعلقة بالبلاد العربية، وبخاصة فلسطين ولبنان.

ويشكل العداء المزعوم الذي يناصبه الإسلام للنساء بندًا أساسيًا في برنامج الإسلاموفوبيا، وظلت قضية “قمع” النساء وتحريرهن، جسرًا فاعلاً يربط بين الجماعات السياسية المتنافسة في الولايات المتحدة، وفيما نجد الديمقراطيين والجمهوريين والليبراليين وغيرهم مشتبكين في التجاذبات والتناحرات السياسية، نجدهم متوحدين في توجسهم من المسلمين، ناهيك عن كراهيتهم لهم.

ويؤكد المؤلف أن أيديولوجيا الإسلاموفوبيا لدى المجتمع الأميركي ليست مجرد مصادفة أو جهل, بل إنها تقدم على أساس الرغبة في الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة، السياسية والاقتصادية، على الكوكب وتوسيع نطاقها، وكانت قضية النساء مركزية في تبرير غزو أفغانستان والعراق واحتلالهما، وأيضًا في إضفاء المصداقية على وجوب الحفاظ على اليقظة، في الحرب الكوكبية على الإرهاب.

 سجون سرية

لقد تم احتجاز أكثر من خمسة آلاف عربي ومسلم, بعد 11/9، دون توجيه أية تهمة لمعظمهم، وتم احتجاز كثير منهم في سجون سرية، وإجراء محاكمات سرية لهم، وترحيلهم أو تسليمهم لبعض الأنظمة القمعية الحليفة، لسجنهم وتعذيبهم.

ويشعر الأكاديميون العرب والمسلمون في الولايات المتحدة بالضغوط الحادة العميقة لثقافة القمع القومية هذه، وينتمي كثير من الأكاديميين، الذين مروا بضغوط مهنية وخبروا الترويع وتلقوا تهديدات بالموت، وواجهوا مشاكل تتعلق بعقودهم الدائمة مع الجامعات، ونقاشات خلافية حول التعاقد معهم، وعدم منحهم تأشيرات سفر، كثير منهم ينتمون إلى الجاليات العربية والإسلامية الأميركية.

ويؤكد المؤلف أن الإسلاموفوبيا لا تقتصر على جماعات يمينية هامشية، أو على الأحرام الجامعية الأميركية، أو تنظيمات الفعل السياسي، التي تحاول تشويه صورة الناقدين لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينين، أو لاحتلال الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان، بل إن الإسلاموفوبيا الثقافية هي تشكيل أيديولوجي تناسج بإتقان في الثقافة الأميركية منذ صعود العولمة، بدرجة أننا نجد أن الإسلاموفوبيا وكراهية العرب تتداخل في الخطابات الليبرالية، بدءًا من خطابات الأمن القومي، وحتى الأطروحات المدافعة عن الاقتصاد غير الضار بالبيئة.

ولا شك في أن اليمين والمحافظين الجدد يلعبون دورًا مركزيًا في الإبقاء على معايير الإسلاموفوبيا، ويزودون روايات الليبراليين المعادية للمسلمين بإطار استطرادي، وغالبًا ما يضيقون حدود الجدل، ويحصرونه في نطاق الإفراطات المتطرفة، والافتراءات والانتحال والفهم الخاطئ المتعمد.

عهد أوباما

وفي الفصل الأخير يتناول المؤلف “الإسلاموفوبيا في عهد أوباما”، مشيرًا إلى أن كثيرين في الغرب والعالم العربي احتفوا بانتخاب أوباما، كفرصة لحدوث “تغيير”، ورأوا فيه “أملاً” في انتهاء العنف والقوة الباغية والعنصرية العارية، ولكن سرعان ما تبين عكس ذلك.

لقد اتسمت رئاسة أوباما بأسلوب القوة الناعمة لمحاولة “جعل الآخرين يريدون ما نريده نحن”، وكان خطاباه إلى العالم الإسلامي بأنقرة والقاهرة، وخطاباه إلى إيران بمناسبة عيد النيروز، كانت جميعها محاولات للاستمالة والإقناع والتعاون، وفي هذا الصدد لم تكن السنوات الأولى لرئاسة أوباما تخليًا عن خطاب النقلة الجديدة، أو تغييرًا في السياسة، بل إن اهتمامه بالأمن الكوكبي والرخاء وحقوق الإنسان والديمقراطية، تستند إلى ضرورة تغيير الإستراتيجيات، من أجل إضفاء المشروعية والمصداقية على الإمبراطورية الأميركية، وإطالة عمرها.

ومن أجل كسر أصفاد الإسلاموفوبيا, يرى المؤلف أنه ينبغي أن نبدأ من حيث بدأ تحرير السود، وذوي البشرة السوداء والنساء في الولايات المتحدة، أي ينبغي أن نبدأ بتقويض كامل للخطاب والنماذج المعيارية، التي تشكل الأساس التحتي لأفكار الإسلاموفوبيا.

وعلى الرغم من الأبحاث الأكاديمية الحقة في الموضوع, إلا أن الأسئلة حول: الإسلام والديمقراطية، والإسلام والحداثة, والإسلام وحقوق الإنسان، والإسلام والنساء وغيرها من الثنائيات المماثلة يجب أن تتوقف, علينا تقويض النظرية المعرفية للإسلاموفوبيا، من خلال الكشف عن بعض ظواهرها، وآثارها على البشر, علينا أن نسأل: ما مصدر الإسلاموفوبيا، وأي المصالح تخدمها؟

إن الإسلاموفوبيا تعمل على “شيطنة” المسلمين، لأنهم يمثلون للذهنية الأميركية، وعلى المستوى الرمزي، الوجه الأسمر للمقاومة ضد الإمبراطورية الأميركية، والرأسمالية العالمية، والخوف شبه الواعي من الكوكب الأسمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى