صفحات الرأيفايز ساره

الإسلاميون في فرصة الربيع العربي!


فايز سارة

حقق الإسلاميون في تونس فوزاً برلمانياً ملموساً بحصولهم على اكثر من ثلث مقاعد البرلمان التونسي في أول انتخابات نيابية بعد الثورة، ويكاد الإسلاميون المصريون يحصلون على نتيجة مماثلة طبقاً لمجريات المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، إذ حققوا فيها تقدماً يوفر لهم حضوراً فاعلاً في المؤسسة البرلمانية المصرية.

وباستثناء الحالتين التونسية والمصرية، اللتين ظهر فيهما تقدم لنفوذ وحضور الإسلاميين، فإن الواقع الليبي الذي حقق انتصار ثورته، يؤشر لنفوذ قوي، يحظى به الإسلاميون هناك، الأمر الذي سيترجم نفسه باحتلالهم مكانة مهمة في الخريطة السياسية وفي تعبيراتها المؤسسية ومنها مجلس الشعب أو البرلمان الليبي وفي الحكومة المقبلة الناتجة من صندوق الانتخاب.

وتشير المعطيات العامة في كل من اليمن وسورية، حيث تتواصل فصول الثورة الشعبية، إلى أن الإسلاميين في البلدين، سيكون لهم حضور ملموس في الواقع السياسي الناتج من التغيير القادم مع انتصار الثورة في البلدين، رغم أن لكل واحد منهما خصوصياته وتجربته من جهة، واختلافه عن الحالة الإسلامية في بلدان الربيع العربي التي حسمت أمورها.

وكما هو واضح، فإن مجتمعات الربيع العربي، تتفاعل بصورة إيجابية مع الإسلاميين وجماعاتهم السياسية رغم غيابهم الملحوظ عن مقدمات انطلاقة ثورات الربيع وتحركاتها الأولى، التي ظهرت شبابيتها وشعبيتها ولاحزبيتها، بل ومعاداتها في بعض الأحيان للأحزاب والجماعات السياسية، دون أن تستثني الإسلامية منها، وهي حال تتكرر في اكثر من بلد، وتتردد صداها في إنحاء الربيع العربي كله.

وإذا كان الإسلاميون بعيدون عن مقدمات ثورات الربيع العربي وعن تفاعلاتها الأولى، فكيف يمكن تفسير تقدمهم إلى مراكز القيادة في مرحلة ما بعد الانتصارات الأولى؟. وهو أمر يمكن أن يجد له تفسيراً في عوامل لعل الأهم فيها، أن الإسلاميين هم اكثر الجماعات السياسية التي استطاعت الحفاظ على بناها التنظيمية في ظل الأنظمة السياسية السابقة، وهو أمر يعود الى وجود حاضنة ثقافية اجتماعية داخل مجتمعاتها، التي بلغت أعلى درجات التصادم والتناقض مع الأنظمة الاستبداد القائمة، والثاني ضعف الجماعات المنافسة لتيار الإسلام السياسي من الاتجاهات القومية واليسارية والليبرالية، التي لم تتعرض فقط كشقيقاتها الإسلامية إلى هجمات أنظمتها فقط، إنما بدت اقل قدرة على إقامة توافقات ثقافية واجتماعية وبالتالي سياسية مع حاضناتها الشعبية، فظلت جماعات نخبوبة، وكان من الصعب عليها تحقيق تقدم تنظيمي وسياسي في فترة صغيرة، تفصل بين انطلاق الثورة وانتصارها ثم وصولها إلى صندوق الانتخاب.

لقد استطاع الإسلاميون الوصول إلى موقع القيادة في بلدان الربيع العربي رغم كل العوامل الكابحة، العامة والخاصة التي كانت تمنع أو تحد من وصولهم إلى هذا الموقع، والتي كان منها: الإرث العنفي الذي ميز قسماً كبيراً من تاريخ وحاضر الجماعات الإسلامية في معظم البلدان العربية، إن لم نقل اغلبها، وهو أمر لم يقتصر على التنظيمات الأم من الإخوان المسلمين، بل امتد إلى التفرعات، التي كان الإخوان حاضناتهم الفكرية والسياسية في اغلب الأحيان. والثاني، انه وفي كل البلدان التي تولى فيهـــا إسلاميون السلطة قادتهم التجـــربة إلى نتائج لا تختلف كثيراً عما وصلت إليه نتائج تجارب القوميين كما في حكم حزب البعث في العراق وسورية وحكم القذافي في ليبيا، والحكم اليساري في جنوب اليمن، وتجربة الإسلاميين واضحة خصوصاً في إمارة حماس في غزة، أو في دولة البشير في السودان.

إن ما جعل الإسلاميين، يتجاوزن كل الموانع الكابحة في وصولهم إلى قيادة بلدان الربيع العربي، يعود إلى ثلاثة عوامل: أولها مستوى شعبي واضح من النضج أساسه التسامح إزاء ضحايا الأنظمة الساقطة والرغبة في صياغة عقلية جديدة انفتاحية ترفض الاستبعاد والاستئثار، وتفتح الباب أمام كل الجماعات ومنها الإسلامية للمشاركة في الحياة العامة والسياسية بخاصة. والعامل الثاني قيام الأخيرة بمراجعات سياسية وتنظيمية هدفت ليس فقط إلى تصحيح بعض جوانب الصور النمطية عن الإسلاميين وهو أمر ضروري، بل في الاتجاه إلى توافقات عامة مع مطالب مجتمعاتها حول ملامح الدولة المقبلة في الواقع العربي والتي يمكن إجمالها بالدولة الديموقراطية المدنية، التي تحقق العدالة والمساواة والمشاركة، وهو أمر تطلب في بعض الأحيان الفصل بين الجماعة الإسلامية التاريخية من الإخوان المسلمين وتنظيمهم السياسي كما في الحالة المصرية.

أما العامل الثالث، فتمثله البيئة السياسية العامة في المنطقة والعالم، والتي تميل نحو تجربة واختبار الجماعات الإسلامية وتحولاتها في المنطقة العربية، ورؤية إذا كان بإمكان إسلاميي بلدان الربيع العربي تقليد أو مقاربة تجربة الإسلاميين في تركيا الذين يبدو انهم اجتازوا العتبات الأولى من اختباراتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث هم يحققون تقدماً سياسياً واقتصادياً لبلادهم، ويعززون التجربة الديموقراطية، ويزاوجون بين الإسلام والعلمانية في أن معاً، وهي مؤشرات وفرت فرص افضل لوصول إسلاميي الربيع العربي إلى السلطة، لكن السؤال سيظل قائماً حول إذا كانوا سيخلقون تجربة مختلفة عن التجارب السابقة ومنها تجربتا فلسطين والسودان على سبيل المثال.

لحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى