صفحات الرأيهوشنك أوسي

الإسلام السياسي بين مصر وتركيا


هوشنك أوسي()

غنيٌّ عن البيان، ان تجربة الاسلام السياسي في تركيا، وتحديداً، حزب العدالة والتنمية (AKp)، وبعد احكام قبضته على كل مفاصل الدولة في تركيا، هذه التجربة، غدت مصدر الهام واقتداء لكل الاسلاميين العرب. لدرجة ان اسلاميي المغرب وتونس، اسسوا حزبين اسلاميّين بالاسم نفسه “حزب العدالة والتنمة”، وجماعة الاخوان المسلمين في مصر، أسست حزباً سياسيّاً، يحمل اسماً قريباً من اسم الحزب التركي “حزب الحرية والعدالة”. في حين انه ثمّة مؤشّرات بدأت تلوح في الأفق، ان الإسلاميين العرب، وتحديداً في مصر، اختاروا المواجهة مع الدولة والجيش والمؤسسة القضائيّة، فور وصول محمد مرسي لمنصب رئاسة الجمهوريّة، ولم يقتدوا بـ”الغزو الناعم” الذي قام به حزب العدالة والتنمية التركي، حتّى وصل لما هو عليه الآن من سيطرة وسطوة شبه مطلقة على تفاصيل التفاصيل في النظام السياسي والاقتصادي والقضائي والمؤسسة العسكريّة والامنيّة التركيّة. بحيث تغلغل بشكل ناعم، وصار يعيد انتاج الدولة وفق الاجندة الاسلاميّة، وليس كما يحاول اخوان مصر فعله الآن، عبر مواجهة فجّة وخشنة مع المؤسسة العسكريّة وذراعها القضائية “المحكمة الدستوريّة”. وذلك عبر القرار الذي اتخذه الرئيس المصري “الاخواني” محمد مرسي، الذي يطالب فيه مجلس الشعب المصري المنحّل، (بقرار من الدستوريّة)، للانعقاد، وردّ الأخيرة لقرار مرسي، وموقف المؤسسة العسكريّة من ذلك، وادخال مصر في دوّامة ازمة داخليّة، كانت جماعة الاخوان المسلمين بغنى عنها، أقلّه الآن!. وهذا المقال، هو محاولة لاجراء مقاربة بين تجربة الاسلام السياسي في مصر وتركيا، لمعرفة مدى الفروق بينهما.

انطلاقة الاسلام السياسي، كتنظيم حركي، يسعى لاستلام الحكم، بدأت من مصر، عبر تأسيس جماعة الاخوان المسلمين في 22/03/1928 على يد حسن البنّا (1906 1949). ولم تصل الجماعة للحكم، إلاّ بعد اسقاط نظام مبارك، الذي يعتبر امتداداً لانقلاب حركة الضبّاط الاحرار في 23/07/1952 على نظام الملك فاروق (1920 1965) آخر ملوك اسرة محمد علي باشا. وكانت علاقة الجماعة جيّدة بعبدالناصر (1918 1970)، وسرعان ما توتّرت. ومذاك، بقيت الجماعة على صراع مع الدولة، ومتداخلة في نسيجها، ولو بشكل خفي، حتّى حين كانت محظورة، طيلة العقود الماضية. واخذ صراع اخوان مصر على السلطة، مع نظام العسكر (عبدالناصر + السادات + مبارك) شكلاً دمويّاً في بعض الاحيان.

أمّا في تركيا، فأوّل حزب اسلامي “حزب النظام الوطني”، تأسس سنة 1970، على يد نجم الدين اربكان (1926 2011)، تمّ حلّه، بعد انقلاب 1971، فعاد ليؤسس حزباً اسلاميّاً جديداً، باسم “حزب السلامة الوطني” سنة 1972. وكان اربكان مندمجاً في الدولة العلمانيّة، وبل ضمّ حزبه لحزب الشعب الجمهوري، وشارك حكومة بلند أجاويد (1925 2006) غزو جزيرة قبرص سنة 1974. وبانقلاب 12/09/1980، أودع أربكان السجن وتمّ حلّ حزبه. وسنة 1996، أسس حزب الرفاه الاسلامي، ودخل الانتخابات، وشارك في تشكيل حكومة مع حزب الطريق القويم (يمين الوسط)، الى جانب رئيسة الوزراء السابقة طانسو تشللر. وتمّ اقصاؤه عن الحكم، عبر اجباره على تقديم الاستقالة، وحلّ حزبه في نيسان 1997، فيما اعتبره الاتراك بالانقلاب “المابعد حداثوي” أو “الانقلاب الابيض” الذي قام به الجيش التركي. بعده، أسس اربكان حزب الفضيلة، وأداره من خلف الستار، نتيجة قرار المحكمة الدستوريّة القاضي بإبعاده عن العمل السياسي لخمس سنوات. وهذا الحزب أيضاً، تمّ حظره سنة 2000. وبعد ذلك، انشق عنه رجب طيب اردوغان وعبدالله غول، وأسسا حزب العدالة والتنمية. اما المتبقّي من حزب الفضيلة، فقد أسس حزب السعادة الاسلامي. وهذا الحزب، تعرّض للانشقاق مجدداً، بعد وفاة اربكان.

ومع تأسيس حزب العدالة والتنمية، دخل الداعية الاسلامي فتح الله غولان، المقيم في اميركا، على خطّ دعم هذا الحزب. وفي الانتخابات الاشتراعيّة سنة 2002، اكتسح الاسلاميون الانتخابات، وشكّلوا الحكومة بمفردهم، ترأسّها رجب طيب اردوغان. وأرسلوا عبدالله غول، أحد مؤسسي الحزب، لرئاسة الجمهوريّة في 28/08/2007. ورويداً، بدأ الاسلاميون، يتغلغلون في جسد الدولة التركيّة، العلمانيّة الاتاتوركيّة.

أوّل صدام بين حزب العدالة والتنمة الاسلامي والمحكمة الدستوريّة، كان في آب/اغسطس 2008، حين تمّ رفع دعوى على حزب العدالة والتنمية الحكام، امام المحكمة الدستوريّة العليا، بتهمة “مناهضة العلمانيّة”، وردّت الدستوريّة هذه الدعوى، بعد اصدار انذار شديد اللهجة الى حزب اردوغان. هذا القرار، لفت انتباه اردوغان الى ضرورة شلّ الذراع القضائيّة للكماليست (نسبة لكمال اتاتورك)، وبدأ بمكافحة “الدولة الخفيّة” التابعة للعلمانيين الاتاتوركيين. فبعد اجراء اصلاحات قانونيّة ودستوريّة، قلّصت صلاحيات المحكمة الدستوريّة، وزيادة عدد قضاتها، بادخال قضاة مقرّبين من العدالة والتنمية لهيئتها. ثمّ طرح تعديلات دستوريّة على الاستفتاء، مسّت الكثير من صلاحيّات المؤسسة القضائيّة، بما يمكن وصفها بإعادة الهيكلة، بحيث لا تقف حجر عثرة امام طموحات ومشاريع الحزب الحاكم. وما لبث ان استولى اردوغان على المؤسسة العسكريّة ايضاً، (أهمّ خندق للعلمانيين) عبر تنصب الجنرال نجدت اوزال، المقرّب من اردوغان، بدلاً من الجنرال إلكر باشبوغ. ثمّ الاستيلاء على الاستخبارات القوميّة MIT، بعد تنصيب هاكان فيدان، المقرّب من اردوغان بدلاً من إمراه تانير، ثمّ الاستيلاء على مؤسسة الامن الداخلي (البوليس)، بالاضافة الى الاستيلاء على امبراطوريّات اعلاميّة، يمتلكها، إمّا جماعة فتح الله غولان كجريدة “زمان” الواسعة الانتشار في تركيا، وصحف يمتلكها مقرّبون من اردوغان، وشبكات تلفزة عديدة…، ووصل امتداد الاسلاميين في “السلطة الرابعة” التركيّة، الى شراء صحف كانت محسوبة على التيار العلماني، اليساري الديموقراطي كجريدة “راديكال”. وحين استتبّت لأردوغان، كل مفاصل الدولة، بدأ الاسلاميون، حربهم على “الدولة الخفيّة” التابعة للعلمانيين، وإحلال “دولتهم الخفيّة” مكانها. وذلك، عبر رفع الدعوى على كل الجنرالات والسياسيين والاعلاميين ورجال الاعمال، المتورّطين في مخططات انقلاب على حكومة العدالة والتنمية. ثم توسيع دائرة هذه الملاحقات لتطال الجنرالات الضالعين في الانقلاب الابيض الذي استهدف “الخوجة الاستاذ” نجم الدين اربكان سنة 1997. وصولاً لمحاكمة قادة انقلاب ايلول سنة 1980.

وقياساً على ما سلف، يمكن العثور على نقاط التلاقي والتباين التالية بين اسلاميي تركيا ومصر.

1 ـ رغم ان الاسلام السياسي، منشأه مصري، وتأسس في تركيا بعد مرور أربعة عقود ونيّف، إلاّ ان الاسلاميين في تركيا، شاركوا الحكم، بشكل مباشر، منتصف السبعينات، ومنتصف التسعينات. وصاروا يحكمون تركيا منفردين منذ سنة 2002. بينما اسلاميو مصر، فكانوا المعارضة، منذ تأسيس جماعة الاخوان المسلمين، وحتّى قبل انتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهوريّة.

2 ـ اسلاميو تركيا، ورغم الضغوط التي طالتهم، إلاّ انهم لم ينزلقوا الى ممارسة العنف ضدّ الدولة والنظام الحاكم، بخلاف اسلاميي مصر.

3 ـ حكومة اردوغان، دخلت في مواجهة مع الجيش والمحكمة الدستوريّة، بعد وصولها للحكم، بست سنوات. بينما دخل اسلاميو مصر في صراع مباشر ومكشوف مع الجيش والمؤسسة العسكريّة، فور وصول مرسي لرئاسة الجمهوريّة.

4 ـ اسلاميو تركيا، ارسلوا كوادرهم الى مؤسسة الجيش والامن والبوليس والقضاء…، تمهيداً لايصالهم لمناصب عليا، فيما يشبه التحضير المبرمج. بينما لا يوجد بين مؤسسة الجيش والامن المصريّة، موالين لجماعة الاخوان المسلمين.

5 ـ اسلاميو مصر، يمتلكون شبكة من المؤسسات الاقتصاديّة والاعلاميّة، إلاّ انها لا تصل لقوّة ما يمتلكه اسلاميو تركيا من اقتصاد واعلام.

6 ـ اسلاميو تركيا، اكثر مرونة، وبراغماتيّة، بينما اسلاميو مصر، اكثر دوغمائيّة وتزّمتاً من اسلاميي تركيا.

7 ـ اسلاميو تركيا، اصحاب طموحات، قوميّة اسلاميّة، نيوعثمانيّة، ويمتلكون شبكة علاقات إقليميّة ودوليّة، وتربطهم علاقات اقتصاديّة وتحالفات عسكريّة مع قوى اقليميّة (اسرائيل) ودوليّة (اميركا، روسيا، الصين، الاتحاد الاوروبي). بينما تقتصر طموحات اسلاميي مصر على اسلمة مصر وحسب.

8 ـ لم يضع اسلاميو تركيا، معاداة اسرائيل نصب اعينهم، وصولاً لقطع العلاقات معها، حين وصلوا للحكم. بينما اسلاميو مصر، لا يخفون نواياهم، لجهة اعادة ترتيب علاقات مصر الدوليّة والاقليميّة، بما ينسجم والاجندة الآيديولوجيّة، وليس المصالح الوطنيّة. ومنها، اعادة النظر في اتفاقيّة كامب ديفيد، وربما الغاؤها.

9 ـ اسلاميو تركيا ومصر، يشتركون في وجود الاجندة الخفيّة لديهم، ويختلفون في الأدوات والاساليب التي يستخدمونها لفرض هذه الاجندة، التي ترمي إلى إعادة انتاج الدولة وفق شعار “الاسلام هو الحل”.

10 ـ رغم الانقلابات العسكريّة التي شهدتها تركيا (1960 1971 1980 1997)، إلاّ ان الاسلام السياسي التركي، نما في مناخات أكثر ديموقراطيّة من التي شهدتها مصر، طيلة حكم العسكر. ما عزز لديهم الميول المدنيّة، بدلاً من المواجهة الفجّة، وتحريك الشارع، كما فعل اخوان مصر، بخاصّة بعد ثورة 25 يناير. ذلك ان اسلاميي تركيا كانوا قادرين على تحريك الملايين، حين كان يهددهم الخطر. إلاّ انهم لم يفعلوا ذلك، ولم يدخلوا الدولة في ازمة خانقة، مرجّحين المصلحة القوميّة والوطنيّة على المصلحة الحزبيّة الآيديولوجيّة.

ما هو مفروغ منه، ان اخوان مصر، كشفوا عن نواياهم واجندتهم، في وقت جد مبكّر. وكلّ كلامهم عن الدولة المدنيّة والديمقراطيّة ودولة الحقوق والمؤسسات، كان من طينة “النفخ في القربة المقطوعة” التي لن يصدّقها أحد، بعد اليوم. ما يعني، انهم لم يتحّلوا بحنكة ودهاء ولؤم الاخوان المسلمين الاتراك، المتمثّلين بحزب العدالة والتنمية، وكيف انهم استحوذوا على الدولة وكل سلطاتها، خلال مسيرة عمل، مدّتها عشر سنوات (2002 2012) شهدت بذل الكثير من الجهد والكد والعمل، والتنمية الاقتصاديّة، والدور السياسي الوازن، وامور كثيرة اقنعوا بها الشعب التركي، الى درجة كبيرة، بالاضافة الى اقناعهم للمنطقة وشعوبها. بينما يريد اخوان مصر، ادخال الدولة والشعب والمجتمع والسلطة والقضاء، في معمعة معركة، يريدون من خلالها حصد المزيد من الخنادق والامتيازات، بشكل عاجل، من دون الأخذ في الحسبان، ان الدولة المصريّة، وفلول النظام العسكري _ الأمني، الاقتصادي السابق، (الجيش + المحكمة الدستوريّة + المخابرات المصريّة + بقايا الحزب الوطني…) لم يبلغوا من الضعف والهشاشة التي تجعلهم يستسلمون أمام معركة الاخوان المسلمين. ذلك ان رحيل الديكتاتور، لا يعني البتّة، زوال الدكتاتوريّة!.

قصارى القول: رعونة الاخوان المسلمين في مصر، أو جشعهم وشراهتهم في الاستحواذ على المزيد من الدولة والسلطة، وربما “نشوة النصر”، قد تدفعهم لخسارة ما ربحوه من مكاسب. وبالتالي، قد يتسببون في إطاحة أنفسهم، وإعادة النظام السابق للحكم، من حيث لا يحتسبون!.

() كاتب كردي سوري

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى