صفحات الرأي

الإصلاح بما هو غضب الشباب/ إبراهيم غرايبة

 

الشباب هم الذين يلهمون الإصلاح بما يملكون من مخزون هائل من الحيوية والتمرد والخيال، والاحتجاج على الواقع، والرغبة في التغيير والحماس لفعل ما يخدم قضاياهم والاستعداد للتضحية، لأجل ما يؤمنون به. الربيع العربي، في جوهره وشكله، تجمعات شبابية احتجاجية، ساقت وراءها الأجيال والطبقات وجميع الفئات، وهنا، بطبيعة الحال، يكون السؤال المفترض والطبيعي، كيف يدير الشباب غضبهم وتمردهم، على نحو يحقق الإصلاح، ويضمن أن يظل مشروعهم الإصلاحي كما يريدونه، أو يحلمون؟ كيف يقودون بأنفسهم مشروعهم وبرنامجهم الإصلاحي؟ لم يعد الربيع العربي عملاً شبابياً في اللحظة التي تحول فيها إلى صراع عنيف، أو تنافس انتخابي، ففي هاتين الحالتين، تنسحب الجماعات والأفكار الشبابية.

في الحالة الأولى، الصراع المسلح والعنفي. يتقدم المغامرون والمتطرفون والمستعدون لفعل أي شيء، وفي الحالة الثانية، وهي التنافس الانتخابي. يقود المشهد النخب والجماعات الأكثر تنظيماً والأكثر مالاً ونفوذاً. إذن، كيف يعمل الشباب بطريقتهم ونموذجهم، ويلهمون المجتمع والنخب، ويوجهون الطبقات المؤثرة في الدولة والمجتمع؟ فالغضب الهادر الذي خرج ويخرج الشباب مدفوعين به يحتاج، اليوم، إلى مراجعة وتقييم! لأنه، وببساطة، كان عملاً، وتضحية لأجل الآخرين، بغض النظر عن قضاياهم وأفكارهم. تحويل الغضب إلى تحالف بين الشباب والجماعات والقيادات والنخب يعني أنهم الخاسر الأكبر، على الرغم من أنهم الأكثر عملاً وتضحية!

وكما كانت معضلة الربيع العربي الكبرى أن الشعور بالظلم غير كافٍ لتحقيق العدالة؛ فإن معضلة العمل الشبابي هي أن التضحية لا تكفي لتحقيق الأهداف، .. يجب أن يكون ثمة هدف محدد، ونعرفه، ويستحق أن نضحي لأجله، ويجب أن يكون تنظيم العمل الشبابي متفقاً مع الهدف، ومع كونه شبابياً، وليس جزءاً من مشروع آخر، ولا تابعاً لجماعات وطبقات أخرى! وفي المجتمعات العربية، الأبوية بطابعها وتاريخها، تزيد معضلة الشباب ومشكلاتهم، ويكونون في صراعين، صراع الأجيال، والصراع لأجل ما يؤمنون به!

” يجب أن يكون تنظيم العمل الشبابي متفقاً مع الهدف، ومع كونه شبابياً، وليس جزءاً من مشروع آخر، ولا تابعاً لجماعات وطبقات أخرى! وفي المجتمعات العربية، الأبوية بطابعها وتاريخها، تزيد معضلة الشباب ومشكلاتهم، ويكونون في صراعين، صراع الأجيال، والصراع لأجل ما يؤمنون به!”

المستقبل هو ما يجب أن يحرك الشباب، وليس الحاضر، فما يجب أن يجتمعوا حوله هو ما يحبون أن تكون عليه حياتهم وأوضاعهم، بعد عقد أو عقدين، وليس بالضرورة أن تكون مشروعاتهم صاخبة، فالغضب ليس بالضرورة احتجاجاً عاصفاً، هذا النوع من الغضب والتجمع يجب أن يكون لأجل قضية محددة، ومعروف بالضبط النتيجة المطلوبة، إنها عادة قضية تصاغ بكلمتين أو ثلاث، وتكون واضحةً وبسيطة، قد تكون قابلة للتسوية والتفاوض، لكنها تظل واضحة. أما المحركات الكبرى للغضب فهي غضب مكبوت منظم، يتحول إلى سلسلة طويلة ممتدة غير محدودة من التشكلات، مسرحيات، فنون تشكيلية موسيقى، أعمال وبرامج تطوعية وخدمية، قراءات وتثقيف، تنظر دائماً إلى البعيد، العدالة والحرية والرفاه، كما نحب أن تكون، التعليم والعمل والرعاية والسكن والصحة والحدائق والمكتبات والمدارس والجامعات، أو تنظر إلى عالم يخلو من المشكلات القائمة اليوم، التمييز، الفقر والبطالة، الفساد والمحسوبية، ضعف التعليم، غياب أو ضعف المرافق والخدمات، التحرش، الاستقواء، العنف بكل مستوياته وأشكاله، التلوث، …

وهكذا، يمكن أن نجد غضب الشباب في مسرحياتٍ وأعمال ودراسات وقصائد وأغانٍ، تصور العالم والمجتمع، كما تحب أن تراه بعد عشر سنوات، فتلهم النخب والقيادات والمؤسسات والأحزاب والحكومات والمجتمعات، وتؤثر فيها وتغيرها نحو أهدافها. وفي ذلك، إنها تضمن أن تعمل بطريقتها، وتقود نفسها بنفسها بلا تدخل، أو وصاية، وفي ذلك أيضاً يعرف القادة والأكبر سناً في ماذا يفكر الشباب وبماذا يحلمون، ونضمن ألا نفرض على الشباب أفكارنا، أحلامنا التي لو كانت صالحة، لما كان حالنا اليوم كما هو.

كلما رأيت جموع الشباب تتصرف وتهتف وتفكر، مثل ما كنت وأجيالي تماماً، قبل ثلاثين عاماً، يجتاحني يقين بأن الحال بعد ثلاثين سنة سيكون كما هو اليوم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى