صفحات العالم

الإضراب والعصيان المدني: تأكيد سلمية الحراك

دعت لجان التنسيق السورية المعارضة إلى تنظيم اضراب يوم الأحد المقبل استعداداً لمرحلة أولى من حملة عصيان مدني. وتأمل الجهات الداعية أن يؤدي هذا التحرك إلى انضمام شرائح جديدة إلى المحتجين المطالبين بإسقاط النظام، فيما شكك المعارض السوري لؤي حسين في قدرة الاضراب على تشكيل نقلة مميزة في استقطاب المواطنين بالرغم من تأكيده أهمية الخطوة في مواجهة الخطاب العنفي

طارق عبد الحي

دمشق | مع بداية الاحتجاجات في سوريا انطلقت دعوات إلى تعزيز مفهوم اللاعنف والمقاومة السلمية في محاولة لحث الناس على الالتزام بها في وجه ما يتعرض له المتظاهرون. أمر لم يكن من السهل القيام به في ظل استمرار سقوط قتلى، ما دفع كثيرين في البلاد إلى الدعوة جهاراً لحمل السلاح والتدخل الخارجي، وهو ما لاقته بعض أطراف المعارضة بالدعم. لكن صوت العمل السلمي قدم مفاجآت كبيرة، أبرزها في المدن التي بقيت بعيدة إلى حدٍ ما عن الاحتجاجات.

هكذا تلونت مثلاً بحيرات دمشق باللون الأحمر، وكذلك أحد روافد نهر بردى. كذلك صدح صوت المغني السوري، إبراهيم قاشوش، المؤيد للاحتجاجات، مراراً في دوائر حكومية عبر مكبرات للصوت أربكت الحاضرين وعلى رأسهم الأمن. كذلك نجح بعض الناشطين في رش الجدران بعبارات تدعو إلى الحرية ونصرة أهالي المدن الثائرة. ولعل آخر التحركات تمثل في استبدال أسماء الشوارع والمدارس بأسماء القتلى الذين سقطوا، لتعطي كل هذه التحركات بعداً هاماً للحراك السوري الذي يفتتح أسبوعه المقبل على خطوة جديدة هي الإضراب العام.

ورغم أن اضراب الاحد سبقته دعوات عدة شهدت تأييداً من قبل العديد من الأطراف، إلاّ أن الدعوة هذه المرة، تبدو معدة بشكل جيد. هكذا نشرت عشرات الصفحات الداعمة للثورة السورية مخطط الإضراب الداعي إلى سحب الجيش وقوى الأمن بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين. ووفقاً للمخطط يبدأ العمل بالاضراب من صباح الأحد، ويشمل إيقاف كل القطاعات حتى الظهيرة مترافقاً مع امتناع التلاميذ من التوجه للمدارس، فيما تشمل الخطوة التالية بعد أيام بدء إغلاق شوارع ومداخل الحارات جزئياً والتوقف عن انجاز الأعمال في الوظائف الرسمية. أما الخطوة الثالثة فتشمل إضراب المحال التجارية وكذلك الجامعات ليتصاعد الحراك مع إغلاق الطرق داخل المدن وإضراب موظفي الدولة وصولاً لإغلاق الطرق الدولية.

وفي حديث لـ«الأخبار»، يشرح ناشط في مجموعة الحراك السلمي السوري في دمشق، وأحد منظمي الإضراب، أن هذه المشاريع تقع كلها تحت مسمى «أيام الحرية». ويضيف «من خلال ملاحظتنا وتخاطبنا مع المجتمع الدمشقي، تأكدنا أن صمت أو هدوء بعض الشرائح عائد للخوف والرهبة من بطش النظام الذي كثف تواجده الأمني في المدينة للحد من أي تحرك ثوري فيها، لكن معظم الشارع الدمشقي متفاعل مع الثورة». ومضى يقول «انطلاقاً من هذه الملاحظة قمنا بعمليات تدعم العمل الثوري داخل المدينة وتشجع أهلها على المشاركة الفعالة». ولفت الناشط إلى أن «هذه الأعمال تنقسم إلى ثلاثة أقسام كبيرة، أولها يعتمد على عنصر المفاجأة والسرية والهدف منه لفت الأنظار وإيقاع الشك في صفوف النظام، النوع الثاني المشاريع وهي أعمال تشاركية ذات خطورة ضئيلة تفتح المجال لمشاركة واسعة. وأهم هذه المشاريع هو مشروع حراك الجامعات، وبالفعل شهدت الجامعات في دمشق تحركاً مهماً مؤخراً حين تجمع الطلاب مرتدين ملابس باللون الأسود». ويضيف الناشط «أما النوع الأخير فهو الأفكار، وهي أفكار سلمية للتوعية هدفها مخاطبة المجتمع السوري بكل أطيافه ودعم فكر اللاعنف. وبالتالي يمكن القول إن مشروع أيام الحرية ككل ناجح وإقبال الناس عليه يكبر بنحو تصاعدي ممتاز، ونشهد هذا الإقبال بحجم الاتصالات بالمجموعة من أجل طرح مشاريع جديدة، ومن الجدير بالذكر أن الحراك الثوري السلمي في حلب بدأ بتبني نفس المشاريع ويلقى نفس القبول والأصداء عند سكان المدينة».

وبالحديث عن مشروع إضراب الكرامة يرى الناشط أن المشروع «تتويج لخبرات الإضراب في المحافظات والمقاومة المدنية على مستوى كل البلد. فالدعوة إلى الإضراب عامة وتشمل كل المناطق في سوريا، وله طبيعة تصاعدية، وهدفه الأسمى الوصول إلى العصيان المدني الشامل الممهد لإسقاط النظام». أما «أهدافه الآنية فهي إخراج الجيش ومظاهر القمع من المدن والإفراج عن معتقلي الرأي، ومع تصاعد حدة الإضراب يرتفع سقف المطالب».

وعن مدى توقعات استجابة المدن الكبرى كحلب ودمشق، يقول الناشط «نعي تماماً أن الاستجابة ستكون أكبر في المحافظات والمناطق المتوترة، ونأمل أن يستجيب أهالي دمشق وحلب، لكن لاعتبارات عدة خطة إضراب الكرامة في المدن الكبيرة أقل تصعيداً من المحافظات. فأحد أهم أهداف الإضراب هو جلب هذه الطبقة الصامتة الخائفة من خلال إشراكها في الحراك اللاعنفي المدني الذي يتميز بتعدد الجهات الداعمة والمتبنية للمشروع، فهذه أول دعوة يتفق عليها كل أطراف الحراك الثوري بدون استثناء، وحتى الجيش الحر يدعمها».

ويضيف «أما من الناحية الإعلامية، فاستفدنا من التجارب السابقة، فالدعوة ليست وليدة فكرة تطرح لتطبق بعد يوم أو يومين. هذه المرة توجد استراتيجية إعلامية واضحة مع ضخ إعلامي كبير على وسائل الإعلام التقليدية والافتراضية، والهدف أن تصل الدعوة إلى منزل كل سوري».

وعن الناحية الميدانية، يقول الناشط «استفدنا أيضاً من خبراتنا السابقة خصوصاً في حوران وحمص وحماه وريف دمشق، واستطعنا تحديد مراكز القوة لزيادة الاعتماد عليها ومراكز الضعف لتقويتها». ويرد الناشط على بعض الروايات التي تتهمهم بإرغام الناس على الاضراب بالقول «لا ينجح أي إضراب دون وجود كتلة حرجة تشكل أغلبية الحراك، وهذا ينطبق على كل أنواع المقاومة المدنية، وبطبيعة الحال يشذ بعض الأفراد عن الجماعة، هؤلاء يجدون أنفسهم بمعزل عن الآخرين وتجري مقاطعتهم تلقائياً، لكن لا تتعدى الأمور هذا السقف».

وبالحديث عن الدعم، يلفت إلى دور لجان التنسيق المهم والمحوري كغيره من المجالس والهيئات الثورية في سوريا، وهي احد منظمي الفعالية، مشدداً على أن «خيار الإضراب هو خيار شعبي يفتح باب المشاركة للكل ولا يحل محل الخيارات الأخرى، لكنه عامل مسرّع ومساعد لإسقاط النظام».

وفي ما يتعلق بالخيارات المتاحة إذا عمد النظام إلى إفشال الإضراب، يقول الناشط نفسه «إن نجاح الإضراب مرهون بحجم الكتلة الحرجة المشاركة، كلما كبرت صعب على النظام مواجهتها، ونرى بداية مشروع الإضراب كناشطين، مثل بداية التظاهرات في أول الثورة، بعبارة أخرى يجب على الفئة الأولى الإصرار والصمود لتحقيق الكتلة الحرجة. فحجم القمع والقتل الذي وقع منذ بداية الثورة محفز طبيعي وقوي لالتزام الشعب بالإضراب، ولعله من المفيد التذكير أن الإضراب دعوة شعبية بامتياز، بمعنى أنه جاء بطلب من الشعب، وأغلب فئات المجتمع مقتنعة به ومتحمسة له. أما من الناحية التنظيمية فلقد طرحنا بدائل لكل عمل أقل ضرراً إذا ما قرر النظام تصعيد قمعه للمضربين، لكنها مساوية بالفاعلية والنجاعة للعمل الأصلي».

ويرى المعارض السوري لؤي حسين في حديث مع «الأخبار» أن هذه الدعوة إلى النضال السلمي والإضراب «مبادرة ضرورية في مواجهة الخطاب العنفي الذي ساد أجواء المعارضة والتظاهرات في الشارع». ويؤكد أنه «لا بد من المتابعة في الاضراب، فلا تكفي دعوة يوم واحد بل يجب أن تتضمن حملة لتأكيد ذلك من خلال عدة إجراءات إعلامية وإلكترونية وعلى كافة الصعد». ويضيف حسين «إن السلمية هي قيمة وليست طريقة، والمقاوم السلمي يجب أن يبقى سلمياً حتى النهاية، فلا يمكن أن يناضل بضعة أشهر ثم ينتقل إلى العنف ما لم يحقق نضاله، وكنا قد أكدنا ذلك في تيار بناء الدولة». ومضى يقول «من الممكن أن تكون الأعمال النضالية في طابع سلمي كالتظاهرات والاعتصام، وحتى لو كان ذلك بإطلاق أصوات أو تكبيرات فالمهم أن يقول المحتج رسالته التي يرفض فيها الانصياع للسلطة ورفضه أن تكون قائدة البلاد وأن تستجيب لمطالبهم».

على الرغم من ذلك، لا يعتقد حسين أن إضراب الأحد المقبل سيشكل نقلة مميزة في استقطاب المواطنين الذين لم يشاركوا في الإضرابات سابقاً وخاصة أبناء المدن الكبرى، فالظرف لا يسمح بذلك على حد قوله.

كما أن أغلب السوريين باتوا خائفين من قمع الأمن المتزايد في شدته، كما هم خائفون من مستقبل غامض ترسمه دعوات الحصار والمقاطعة وحسم الأمر بقوى عسكرية أو خارجية، لكن الاستمرار بحالة الإضراب سيشكل نقلة هامة وضرورية، فلا بد للأطراف المعارضة من أن تقنع الشارع بالحالة السلمية للحراك، ذلك أن الكثير من الناس باتوا قلقين من العنف السائد في الشارع.

الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى