صفحات الناسوليد بركسية

الإعلام الإيراني ممنوع من دخول الميادين.. خلاف مع الروس؟/ وليد بركسية

 

 

 

للمرة الأولى منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا العام 2015، تظهر الخلافات بين حليفي النظام الأساسيين، روسيا وإيران، إلى العلن، بعدما منعت القوات الروسية وسائل الإعلام الإيرانية والتابعة لحزب الله اللبناني، من دخول مدينة الميادين التي استعاد جيش النظام أجزاء واسعة منها، في محافظة دير الزور شرقي البلاد.

واقتصرت التغطية الإعلامية من داخل المدينة على إعلام النظام الرسمي والقنوات الروسية مثل “روسيا اليوم” التي بثت مقاطع فيديو من هناك، فيما اختفت فرقة الإعلام الحربي التابعة لحزب الله عن المشهد، وهو أمر نادر لكونها تصدرت المشهد الإعلامي الممانع طوال سنوات الحرب السورية تقريباً، بينما كتب مدير مكتب قناة “العالم” الإيرانية” في سوريا في “فايسبوك” و”تويتر” محتجاً على منع القوات الروسية لقنوات “الميادين” و”المنار” و”العالم” من دخول مدينة الميادين.

ولاقى قرار المنع استياء واضحاً لدى جمهور حزب الله وإعلام الممانعة عبر السوشيال ميديا، لكونه يشكل ذروة الخلافات الأيرانية – الروسية في سوريا حتى الآن، وأكثرها وضوحاً رغم ان الحديث عنها قديم نسبياً بشكل نظري في التحليلات المرتبطة بالشأن السوري. وردد المعلقون الممانعون عبارات متشابهة حول “عدم الثقة بروسيا” و”انكشفت الأهداف الروسية الحقيقية” في معرض تحليلهم لسرقة موسكو لجهود طهران و”المقاومة” في سوريا.

وبرز الخلاف الإيراني – الروسي بشكل محدود سابقاً في سوريا، وبدأ في قضية إجلاء المدنيين والمعارضين المسلحين من أحياء حلب الشرقية إلى إدلب العام الماضي، عندما تعرقلت الصفقة أولاً لعدة أيام بسبب تهديد الروس بالرد على أي عملية لإطلاق النار خلال عملية الإجلاء كرد على مطلب الميليشيات الإيرانية تسليمها قوائم بأسماء مقاتلي المعارضة حينها، كما تم تأكيد الخلاف نفسه بعد أيام حينها في مقطع فيديو لتعذيب مجموعة من المدنيين السوريين المهجرين من حلب على أيدي مقاتلين تابعين لحزب الله اللبناني والذي كان رسالة سياسية وعسكرية بأن إيران هي التي تمتلك كلمة الفصل في الميدان السوري.

والحال أن كلاً من روسيا وإيران تمتلكان أهدافاً متباينة في سوريا، ففيما وجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا فرصة مثالية لإعادة نفوذ روسيا القديم في الشرق الأوسط وفتح مجال لقواعد عسكرية روسية بالقرب من البحر المتوسط والحد من النفوذ الأميركي في المنطقة، وغيرها من الأهداف الاستراتيجية العسكرية والسياسية البسيطة، تبدو الأهداف الإيرانية وجودية أكثر ولا تتعلق بالدبلوماسية فقط بل ترتبط بتحقيق نبوءات دينية قديمة وتشكل جزءاً من الصراع السني الشيعي، كما أن تحالف طهران الوثيق مع “سوريا الأسد” ضروري لحماية العمق الإيراني في المنطقة، فيما تسعى طهران إلى فتح ممر بري يصل طهران بوكيلها في المنطقة، حزب الله، لإمداده بالأسلحة المتطورة لاستمرار الحفاظ على توازن عسكري مع العدو الأول لها، إسرائيل.

ومنذ العام 2015 عندما باتت سوريا جزءاً رئيسياً من استراتيجية الكرملين، كانت القنوات الروسية تقتبس كثيراً من قنوات الممانعة (المنار، الميادين، ..) فضلاً عن مشاركة مقاطع فيديو وصور مأخوذة من شبكة الإعلام الحربي، والعكس، فيما بدا أنه توأمة إعلامية للتعاون العسكري والسياسي بين طهران وموسكو، وبالتالي يأتي الفصل الإعلامي الحاد في مدينة الميادين، التي تعتبر أخر مدينة كبرى يسيطر عليها “داعش” في سوريا والعراق، مؤشراً على افتراق طرق بين الحليفين، في وقت تصل فيه الحرب السورية إلى نهايتها، علماً أن “الميادين” تشكل نقطة أساسية في الممر البري الذي تسعى إيران لتأمينه نحو البحر المتوسط، والذي نشرته صحيفة “غارديان” البريطانية قبل شهور.

ولطالما كان هناك تساؤل في الأوساط السياسية العالمية حول مدى حقيقة التقارب الروسي – الإيراني، لأن البلدين تاريخياً لم يتمتعا بعلاقات وطيدة عموماً، وأتت الحرب السورية لتقربهما مرحلياً فقط من أجل ضمان بقاء رئيس النظام بشار الأسد في السلطة وعدم تفكيك بنية الدولة السورية، فيما كانت الخلافات أمراً مؤجلاً لأنها تتعلق بأهداف بعيدة الأمد، ويمكن تلمسه في التفاصيل السرية التي كشفتها مجلة “فورين بوليسي” الأميركية عن اتفاق خفض التصعيد في جنوب سوريا الذي عقده الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، وركزت على إبعاد وكلاء إيران عن جنوب سوريا على امتداد الحدود الإسرائيلية والأردنية.

ويبدو أن الروس اليوم يحاولون أخذ المبادرة في مدينة الميادين، ونسب الفضل إليهم في الانتصار النهائي الكبير على “داعش”، لكسر الانطباع العام بأن إيران هي التي تقود الجميع في سوريا، وهي كلمات قالها فريد هوف، المستشار السابق لوزارة الخارجية لشؤون الانتقال السلمي في سوريا، العام الماضي، لأن مفتاح بقاء نظام الأسد وانتصاراته طوال السنوات الماضية كانت إيران التي مدت النظام بدعم مالي وعسكري بري هائل، بعكس روسيا التي تدخلت في اللحظت الأخيرة فقط، مع فشل الروس عدة مرات في إقناع الإيرانيين بعدة اتفاقيات مشتركة لخفض التصعيد في الجنوب السوري الذي يعتبر امتداداً لصحراء دير الزور.

وإن صحت هذه الفرضية، تصبح النوايا الروسية، لا الإيرانية، هي العامل الحاسم في تحديد مصير سوريا بعد الحرب، بعد أن حققت كل أهدافها بإنشاء قواعد في اللاذقية وبقاء حلفائها في دمشق على رأس النظام وأثبتت فعالية أسلحتها وضمنت أنه لا توجد عملية دبلوماسية لحل الأزمة السورية من دونها، أي مفاوضات السلام في الأستانة والتي كانت مجرد مسكن يهدف إلى تجميد الصراع ثم القيام بعملية سياسية مستمرة طويلة قد لا تنتهي، في وقت لاحق، أما تشكيلها مناطق تخفيف التصعيد فإشارة إلى انها لا تمانع احتفاظ المعارضين بمساحات واسعة من البلاد، أو حتى تقسيمها، والذي يظهره تعاونها الوثيق مع الأكراد في مناطق مثل عفرين، وهو أمر يتعارض بشدة مع الرؤية الإيرانية طويلة الأمد.

وليس هناك الكثير من الشك حول ما يطمح اليه الإيرانيون. وبما أن التحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة يطرد تنظيم “داعش” من معاقله المتبقية، فإن القوات التي يقودها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والميليشيات الشيعية، تتسابق لملء الفراغ في شرق سوريا، وتأمين التضاريس الاستراتيجية على طول الحدود العراقية السورية حيث يمتد ممر بري يصل إيران بالبحر الأبيض المتوسط. ومن هناك، سيسعى الحرس الثوري الإيراني مع مرور الوقت إلى إنشاء سلسلة من القواعد البرية والجوية والبحرية في شمال الشرق الأوسط، ما يزيد بشكل كبير من قدرته على تهديد خصومه من الدول العربية “السنية” في الخليج والأردن إضافة لإسرائيل، وهي مجموعة الدول التي جمعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حلف واحد كجزء من استراتيجيته لمكافحة السلوك الإيراني العدواني في الشرق الأوسط.

تجدر الإشارة إلى أن التطور الأخير في الميادين وإن كان إعلامياً إلا أنه مؤشر في توقيت لافت لكون يأتي بعد أيام فقط من زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين، في وقت سربت فيه صحف عالمية عن شروط سعودية للمساهمة في إعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الحرب، وتتضمن أن تضمن موسكو الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وهو شرط قد يكون زهيداً بالنسبة للجانب الروسي من أجل الحفاظ على علاقات أدفأ مع السعودية التي كانت منذ تأسيسها منتصف القرن الماضي حليفة أبدية واستراتيجية للولايات المتحدة، وبالتالي يشكل التقارب الروسي معها خطوة استراتيجية لتحقيق أحلام الرئيس بوتين في إحياء الإمبراطورية الروسية كقوة قائدة للعالم.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى