صفحات الناس

الإقتصاد السوري.. مرحلة جديدة؟/ جهاد اليازجي

 

 

هل دخل الإقتصاد السوري في مرحلة جديدة؟

برزت في الأسابيع القليلة الماضية مجموعة مؤشرات تدل على أن الاقتصاد السوري قد يدخل مرحلة جديدة تندرج في إطار تكيفه مع الحرب الدائرة في البلاد. فمنذ بداية الإحتجاجات في آذار 2011 وحتى اللحظة، مرّ الاقتصاد بمراحل أربع رئيسية.

المرحلة الأولى، والتي أعقبت اندلاع الإحتجاجات مباشرة، شهدت انحداراً حاداً في الإستهلاك والإستثمار. ففي النصف الأول من العام 2011، مثلاً، تراجع عدد الاستثمارات المرخصة من قبل هيئة الإستثمار السورية بنسبة 43 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2010. كما اتسمت هذه المرحلة، التي استمرت حتى بداية خريف العام 2011، بإرتباك في القرارات الحكومية التي تناقضت مع السياسات السابقة: فقد انخفض سعر المازوت مثلاً، في وقت كانت الحكومة قد أعلنت من قبل أنها سترفعه. ثم، وفي أيلول 2011، منعت الحكومة استيراد كل السلع التي تزيد نسبة الضرائب الجمركية عليها عن خمسة في المئة وذلك لخفض الطلب على العملات الأجنبية، لكنها تراجعت عن القرار بعد إصداره بـ12 يوماً، فقط إثر احتجاجات من قبل رجال الأعمال.

بدأت المرحلة الثانية من تدهور الاقتصاد السوري في خريف العام 2011، وذلك مع فرض عقوبات أوروبية على صادرات النفط السوري الخام. كان الاتحاد الأوروبي يشكّل السوق الأكبر للنفط السوري الخام ـ ففي العام 2010 اشترى نحو 90 في المئة من مجمل صادرات النفط السورية، وهو ما يمثل 90 في المئة من إجمالي دخل الدولة بالعملات الأجنبية. فرض هذه العقوبات أدى إلى تراجع حاد في الإيرادات المالية التي كانت تحققها الحكومة السورية، فيما عملت عقوبات أخرى على تعقيد التعاملات الدولية مع السوق السورية فتم إدراج بعض المؤسسات الحكومية كمصرف سورية المركزي والمصرف التجاري السوري والشركة السورية للنفط على القائمة السوداء، فيما منعت وزارة الخزانة الأميركية أي نوع من التعاملات مع القطاع المصرفي السوري.

بدأت المرحلة الثالثة في صيف العام 2012 مع امتداد الصراع إلى دمشق وحلب، المحافظتين الأكثر قوة وتأثيراً على الاقتصاد السوري، واللتين كانتا تشكلان معاً أكثر من 50 في المئة من القطاع الصناعي في البلاد. لكن القاعدة الصناعية في كل من هاتين المدينتين تأثرت تأثراً بالغاً بسبب المعارك. فتوسع رقعة العنف في البلاد كان جزءاً من إنتشار أوسع للفوضى وتزايد حالات الخطف والنهب، ولا سيما في مدينة حلب، ما أدى إلى حدوث هجرة واسعة النطاق شملت رجال الأعمال والطبقة المتوسطة.

بدأت المرحلة الرابعة في ربيع العام 2013 مع إستيلاء المعارضة على مناطق الشمال الشرقي من سوريا، حيث تقع معظم موارد النفط والحبوب. فقدانها لمنطقة الشمال الشرقي، أجبر الحكومة على الإعتماد شبه الكامل على واردات النفط المستوردة من حلفائها الدوليين، لاسيما إيران.

أما المرحلة التي قد تكون في طور النشوء حالياً فإنها محاولة تكيف جانبي الصراع مع حقيقة أن هذا الصراع قد يكون طويل الأمد. وتشهد المنطقة الساحلية على سبيل المثال، ازدياداً في عدد الاستثمارات الخاصة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. أضف إلى ذلك أن نسبة التضخم تسجل استقراراً في هذه المرحلة كما تشهد بعض المواد الرئيسية، كالمازوت والمواد الغذائية استقراراً في نسبة توفرها للمستهلك.

في الحين ذاته، تبذل الحكومة المؤقتة في المناطق المعارضة محاولات متزايدة لتحسين حياة المواطنين، وتحاول المجالس المحلية أن تستفيد أكثر وأكثر من الأموال والخبرات التي قدمتها المؤسسات الدولية.

من السابق لأوانه بعد تحديد مدى تأثير هذه المتغيرات على واقع الحال، لكن من الواضح أن الاقتصاد السوري في العام 2014 يختلف كثيراَ عما كان عليه قبل ثلاث سنوات فقط.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى