الائتلافات السورية قديم فات وجديد يواجه تحديات صعبة!
فايز سارة
ليس من المبالغة القول، ان عدد الائتلافات والتحالفات السورية، يقارب الثلاثين، وهو عدد لايوازيه عدد لائتلافات وتحالفات سياسية في اي بلد في العالم مهما كانت اوضاع حركته السياسية وظروفها. الامر الذي يعني فرادة وخصوصية التحالفات السياسية، وهي خصوصية مستمدة من عوامل كثيرة، الاهم فيها ثلاثة، طبيعة الظروف التي عاشتها سوريا من جهة وطبيعة الحركة السياسية من جهة ثانية، اضافة الى المهمات المطروحة على هذه التحالفات.
لقد عاشت سوريا طوال الخمسين عاماً الماضية ظروفاً استثنائية، وكانت صعوبات الحياة السياسية جزءا من تلك الاستثنائية في ابعادها المختلفة، والاهم في استثنائية الحياة السورية كان تغيباً مقصوداً ومنظماً للحياة السياسية في تجسيداتها الثلاثة، الفكر السياسي والشخصيات السياسية والاوعية السياسية التنظيمية، التي تعني احزاب وجماعات وتحالفات، وهي حالة عامة، لايمكن القول معها ان وجود احزاب الجبهة الوطنية التقدمية والجبهة ذاتها يمثلان خرقاً لها، كما ان وجود احزاب المعارضة وتحالفات المعارضة هي الاخرى لاتشكل خرقاً لقاعدة غياب وتغييب الحياة السياسية في سورية. لانه وفي كل الحالات، لم تكن هناك ظروف تسمح بوجود وتداول للفكر السياسي بالمعنى الدقيق للكلمة، ولم يكن من المسموح ظهور وتكريس نخبة ولا تنظيمات ولا تحالفات سياسية بالمعنى ذاته، حيث سار النظام بصورة صريحة او مداورة في طريق تغييب الحياة السياسية وتدميرها في كل تعبيراتها، افرغ الظاهر والعلني منها من مضمونه، وابقاها مجرد اشكال لامعنى لها ولا روح فيها، وهذا ينطبق على حزب النظام حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم والجبهة الوطنية التقدمية والقوى المنضوية في اطارها، كما ينطبق بصورة اخرى فيها بعض الاختلاف في التفاصيل والحيثيات على احزاب المعارضة الديموقراطية وتحالفها التجمع الوطني الديمقراطي الذي تأسس في اواخر السبعينات، كما على قوى المعارضة الاسلامية القومية وتحالفها في جبهة قومية اسلامية دعمها العراق ابان ازمة الثمانينات.
وباستثناء ما سبق، فقد فرض النظام المتابعة والرقابة على كل الجماعات والاحزاب والتحالفات، ونخبها وافكارها، وجعلها تعيش تحت سيف الحظر وكثير منها، كان تحت سكين التصفية والدمار، ويكفي استذكار مثالين من ثمار تلك الفترة وهي المرسوم الجمهوري 49 الذي يحكم على كل منتسب لجماعة الاخوان المسلمين بالاعدام وفقاً لدليل لم يكن يتعدى توجيه احد اجهزة الامن مثل ذلك الاتهام لشخص ما، يمكن ان لايكون في جماعة الاخوان، وقد لا يكون مسلم الديانة اصلاً، والمثال الثاني كان قرار السلطات السورية تصفية حزب العمل الشيوعي بصورة كلية عبر اعتقال كل من يمت له بصلة في الثمانينات، وعلى اساس هذا القرار، اعتقل شبان لسنوات طويلة لمجرد اتصال احد اعضاء الحزب بهم، او لاقل من ذلك.
لقد تسببت البيئة التي اشاعتها السلطات السورية في التعامل مع الجماعات السياسية الى تحول الاخيرة الى جماعات سرية ومعزولة عن محيطها وحواضنها الاجتماعية والثقافية، وجعلت قياداتها وكوادرها غير معروفة وملاحقة ومطلوبة وخائفة، كما جعلت خطابها الفكري والسياسي نظري الطابع، ومطبوخ في اضيق الاطر والهيئات، وجعلت الحذر والشك الامني اساس سلوكيات وتصرفات الاعضاء والمنظمات الحزبية جميعها، وكلها بعض تفاصيل، تفرغ الاحزاب من مضامينها الشعبية وتحولها الى تنظيمات عصبوية، تشتغل بالسياسة او قريبة من السياسة، وتجعلها في الوقت نفسه عرضة لامراض شاعت في الجماعات السياسية في سوريا والبلدان المماثلة من بينها تغلب الامني على السياسي وشيوع عبادة الفرد والتوريث وغياب الشفافية ومحدودية الفكر والثقافة، وغياب المكتوب لصالح الملفوظ، والميل الى العزلة وضعف المبادرة ووجود التكتلات ما قبل الوطنية وغير ذلك من امراض، تضرب الاحزاب والجماعات السياسية، والتي يفترض ان لديها مناعة ما ضدها، وان لديها اليات مقاومة.
وسط تلك البيئة العامة والظروف الخاصة، كان من الصعب على الاحزاب السورية بناء تحالفات وائتلافات، بل ان مابني منها في تجاربه المحدودة، عاش ظروفاً وشروطاً منعته ان يكون فاعلاً ومؤثراً، وبالتأكيد فانه لم يحقق الحد الادنى من اهدافه، التي بني من اجلها، وهذه المحصلة في تجربة التحالفات السورية حاضرة في تحالفات السلطة كما في تجربة الجبهة الوطنية التقدمية، وحاضرة في تجارب المعارضة من التجمع الوطني الديمقراطي الى الجبهة الاسلامية الى جبهة الخلاص وغيرها، وقد يكون تحالف اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي مثل استثناءاً عند تأسيسه في العام 2005، لكنه سرعان ماعاد الى التساوق مع غيره بفعل غلبة البيئة العامة من جهة وطبيعة الحياة الحزبية في سوريا من جهة ثانية.
وسط ذلك الارث من التجارب السياسية للاحزاب والتحالفات، سعى السوريون في ظل الثورة الى تجارب جديدة، وشكلوا في هذا السياق عشرات الاحزاب والجماعات اضافة الى عشرات كانت تأسست في عقود ماضية، وهم اضافة الى جهدهم في تشكيل الاحزاب، اتجهوا نحو اقامة التحالفات، وهي عملية وان كانت قائمة قبل الثورة، فانها اخذت دفعة قوية مع انطلاق الثورة، كان احد تعبيراتها جهود الاشهر الاولى من الثورة، والتي اثمرت قيام هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي في حزيران 2011، ثم كرت سلسلة التحالفات وصولاً الى تشكيل الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة الذي تشكل في تشرين الثاني 2012، وبينهما تشكلت عشرات التحالفات بعضها اتخذ طابعاً عاماً مثل المجلس الوطني السوري 2011، ومنها ما اتخذ طابعاً قومياً ومثاله المجلس الوطني الكردي 2011، وغيره اتخذ طابعاً اسلامياً مثل التجمع السوري للإصلاح الذي تم تأسيسه في ايلول ، والائتلاف العلماني الديمقراطي الذي تأسس في عام 2011 ليعكس هوية سياسية /ثقافية، فيما كان ائتلاف قوى التغيير السلمي في سوريا المؤسس في أواخر العام 2012، يعكس هماً سياسياً مرحلياُ ومحدداً.
ان ميل السوريين وتوجههم نحو بناء تحالفات وائتلافات سياسية، انما يعكس وعياً في امرين اثنين ادراكهم ضعف جماعتهم السياسية، وعدم قدرة أي منها على تحمل المسؤولية السياسية في مواجهة مهماته، والثاني ان المرحلة السياسية التي تعيشها البلاد انما تحتاج الى تكاتف وتآلف قوى كثيرة، وحشد كل الطاقات والقدرات لاخراج البلاد من واقعها الراهن في تغيير النظام وبناء نظام جديد. غير ان الوعي السوري في هذا الجانب، مازال يصطدم ببقايا البيئة السياسية التي رسختها سنوات حكم البعث الطويلة وما تركته من آثار مدمرة على السياسة والسياسيين والاحزاب، وهذا بعض ما يجعل التحالفات والائتلافات – كما الاحزاب والجماعات- تصطدم بالواقع، وتعجز عن القيام بوظيفتها في تجميع الطاقات وحشد القوى رغم كل تعددها وتنوعها. وبالتأكيد فان وعي النخبة السياسية وسعيها للخروج من مخلفات العهد البعثي، وقدرتها على صنع بيئة عمل سياسي جديدة، يمكن ان يعيدا ترتيب الوضع السياسي العام، ويعززا قدرة التحالفات السياسية على القيام بمسؤولياتها ازاء المهمات الملقاة على عاتقها، وهذا ما ينبغي انتظاره بعد تجربة عامين من فشل التحالفات في مهماتها وعدم قدرتها على تحقيق اهدافها.