صفحات سوريةطريف الخياط

الائتلاف الوطني السوري في خطر


طريف الخياط

ولد الائتلاف الوطني السوري، ومرة أخرى يكون المولود جسما توافقيا بين كتل سياسية. يبدو أن تلك الصيغة كانت الأمثل تكتيكيا للتهرب من مبادرة رياض سيف كما طرحت بادئ الأمر، أي «هيئة المبادرة الوطنية»، والتي بدت مهددة بالنسبة للبعض، من حيث إن الهيئة المقترحة تمثيلية، وهي بذلك تضع حدا لنفوذ أحزاب وكتل «تغرف» قراراتها من مكاتبها السياسية وتفرغها بتناقضاتها في جوف التكتل السياسي الأوسع الذي تسيطر عليه، وهو في حالتنا «المجلس الوطني السوري».

يعتقد الكثيرون أن ذلك الحال قد استدعى حملات لتشويه المبادرة عبر لصق تهم مسبقة الصنع أقلها الارتهان للخارج بما يوحي بالعمالة له، وقد طالت تلك التهم أيضا شخصية رياض سيف (الذي اقترح المبادرة) وتاريخه الوطني. ويبدو أن بعض الأحزاب قد غاب عنها ارتباطاتها الإقليمية والدولية، عدا عن الارتباطات الحزبية العابرة للحدود، وسهولة نقلها للبندقية من كتف إلى كتف حسب الظروف، وربما مرد ذلك لقناعة راسخة في كوادرها، أنهم و«جماعتهم» فوق النقد. لا يغيب هنا ذكر لتيار آخر، بدا أن أهم خفايا وخلفيات تعطيله لمشروع المبادرة، تعود إلى خلافات شخصية معروفة في كواليس السياسة السورية.

الهيمنة والشخصنة واللهاث على حجز الحصص من كعكة لا تزال في الفرن، ومهددة بأن تحترق في غفلة الانشغال بالخلافات المصلحية الضيقة. تلك أهم الأسباب التي دفعت البعض للوقوف في وجه المبادرة – الائتلاف، وأيضا فإنها نفس الأسباب التي عطلت عمل المجلس الوطني منذ تأسيسه إلى اليوم، والذي ظنت مكوناته أن من دعمهم ووقف معهم سيستمر على تلك الحال إلى الأبد، فغياب العمل الفاعل والانكشاف من الدعم الشعبي، دفعت الكثيرين لفقدان الأمل بالفاعلية السياسية من جهة، والتشكك بالشرعية التمثيلية لأولئك السياسيين وكياناتهم من جهة أخرى.

لم تكن كلينتون هي من أطلق الرصاصة الأخيرة، بل تراكم اللافعل في سجل متردي الأداء، والعجز حتى في شأن داخلي كالمتعلق بإعادة الهيكلة، ليبدو المجلس في صيغته الأخيرة كما لو أنه تحول إلى معارضة اللون الواحد والحزب الواحد، بل الجنس الواحد حيث غابت المرأة عن أمانته العامة كليا، وهو بالتالي كان عرضة لانسحابات متتالية بين أعضائه، خصوصا في فئة الشباب التي عانت بدورها من الإهمال، فوجد المجلس نفسه مضطرا لتجميل الصورة الخارجية باستخدام شخصية من الأقليات الدينية لها تاريخها النضالي؛ حيث تم تقفيزها إلى سدة الرئاسة دون انتخاب!

هناك محترفون في أحابيل السياسية، لكن توجيه السهام إلى الشركاء دون النظام، قد دفعت بمن يستحوذ على قرار المجلس الوطني إلى الموافقة على المبادرة بتحويلها إلى ائتلاف، وذلك بعد ضمان حصة الثلث المعطل بنصيب 21 مقعدا، عدا عن أسماء تنتمي أو محسوبة على كتل مجلسية، حجزت أماكنها في الجسم الجديد تحت مسميات شتى.

ثم خرج الائتلاف إلى العلن، وانتخب أحمد معاذ الخطيب رئيسا لأكبر تشكيل معارض، كشخصية مستقلة من خارج الكتل المتخاصمة والمتناحرة، واستطاع أن يسترعي اهتمام الداخل كما الخارج بخطابه المتوازن، وبدا رجلا صادقا لا سياسيا متلونا، حافظ على ثوابت مناهضة للطائفية منذ بدايات الثورة، فكان أن حظي بالشعبية والاحترام لدى جميع فئات الشعب السوري الاجتماعية، ومختلف اتجاهاته السياسية.

وعلى الرغم من أن الائتلاف قد حصل على اعترافات دولية مهمة، تفاوتت من حيث الصفة التمثيلية للشعب السوري، لكن لم يمض أسبوع على تشكيله إلا وبدأت تتناثر على صفحات الـ«فيس بوك»، اتهامات بأن الدعم الدولي ليس بريئا ومرده إلى اتفاقيات مذلة لسوريا وشعبها. ومع الأخذ بعين الاعتبار، أن هكذا تفاهمات ليست من صلاحيات الائتلاف، يبدو أن صعوبة النيل من شخصية الخطيب قد دفعت جهات مجهولة لمحاولة تشويه صورة الجسم الذي يرأسه، وترافق ذلك مع تهديدات – عبر وسائل إلكترونية – لمعارضين معروفين بشن حملات تعريض بالسمعة في حال استمروا بانتقادهم لبعض الأطراف. يغيب عمن يمارس أفعالا كتلك، أنه يسهم بتفريغ الساحة السياسية من الشخصيات الوطنية المعارضة، ويزيد من واقع الفرقة والتشرذم.

يلاحظ المتتبع لخريطة المعارضة السورية، أن الصراع يجري بين أحزاب وتشكيلات سياسية، تحتاج إلى مشعوذ محترف بعلوم الغيب والتنجيم والفلك ليستنبط حجم شعبيتها وتمثيلها على الأرض، ويبدو أن الحال لم يختلف كثيرا بعد تشكيل الائتلاف؛ حيث إن هناك من يحاول تجاوزه في مسعى للتحرك السياسي والظهور الإعلامي بشكل منفرد، مهددا بذلك أكبر مظلة جامعة للمعارضات السورية. فهل يستحق ملايين المشردين والجوعى، وألوف المعتقلين والشهداء، معارضة على هذه الشاكلة؟ وهل يفكر بعض المعارضين بالتداعيات الكارثية والفوضى المقبلة واستشراء التطرف، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه؟ ثم إن العودة خطوة للوراء ستحمل بلا شك انعكاسات داخلية مباشرة ونفسية، وأخرى دولية سياسية خطيرة، قد تطيح بصورة مستقبل ديمقراطي، يحلم به السوريون.

إن حماية الائتلاف أمر لا سجال فيه، فمزيد من الفشل لأسباب تتعلق بالأمراض المزمنة للمعارضة، سيجعل كثرا من السياسيين السوريين، شركاء بدم الشعب إلى جانب النظام.

* كاتب سوري

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى