أنور بدرصفحات سورية

الائتلاف الوطني السوري’.. في ميزان الثورة

أنور بدر

نقلت ‘زمان الوصل’ عن مصادر دبلوماسية أمريكية أن ثمة توجهاً أمريكياً لم يتبلور بعد لتجاوز ‘الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة’، أو لدفنه كما حصل مع جنينه السابق ‘المجلس الوطني’، من دون أن تتضح بعد طبيعة البدائل المطروحة، مع تسريبات تشير الى أن البديل المعارض ربما يكون من طبيعة عسكرية هذه المرة.

لا أحد يختلف على حجم الكارثة التي وصل إليها الائتلاف، وبغض النظر عن مسؤولية أشخاص أو تجمعات ضمن الائتلاف أو في قيادته، إلا أنه يبدو، منذ اجتماع هيئته العامة قبل أكثر من شهر، في حالة عجز مطلق عن قيادة العمل السياسي، أو حتى تنسيق الجهود لمواجهة التصعيد الأمني والعسكري للنظام، المستقوي بالخارج الإيراني واستطالاته في حزب الله اللبناني، ولواء أبو الفضل العباس العراقي ومسميات أخرى مماثلة، تصعيد يمكن ترسيمه تحت عنوان عريض ‘تطهير محافظة حمص والسيطرة عليها’، وفق استراتيجية متكاملة بدأت مع القصير واستمرت في القريتين وتلكلخ، وها هي أحياء مدينة حمص تشهد في الأيام الأخيرة قصفاً غير مسبوق يتركز على أحياء الخالدية وباب هود والحميدية وبستان الديوان، الواقعة جميعها وسط حمص، قصفا بلغت كثافته في بعض الأحيان سقوط أكثر من مئة قذيفة خلال ربع ساعة، وفق لجان التنسيق المحلية، من خلال استخدام قذائف الهاون وراجمات الصواريخ وقذائف الدبابات والمدفعية الثقيلة، وغارات متواصلة للطيران الحربي. لاشك أن الائتلاف الذي يمتلك أكبر رصيد تمثيلي في الثورة السورية، يتحمل مسؤولية عجزه الكبير حيال تردي الواقع الميداني لقوى الثورة من جهة، ويتحمل مسؤولية عجزه عن تفعيل آليات عمله السياسي والإعلامي، التي انعكست بتردي واقع المعارضة السورية الكبير، وعجزه عن رسم رؤية سياسية للمرحلة الراهنة، وآفاق تطور الوضع في سورية بالمعنى السياسي والميداني والإنساني المعيشي والإغاثي.

العجز الأكبر للائتلاف الوطني يكمن في تركيبته الداخلية وآليات عمله، التي أنتجت ما يمكن اعتباره فضيحة التوسعة في اجتماع الهيئة العامة الأخير، التي كان الإعلام والسلك الديبلوماسي شاهداً على أبشع فصولها، حيث أمضى أعضاء الائتلاف أسبوعا كاملاً في صراعات غلب عليها الطابع الشخصي، والحسابات البعيدة عن مصلحة الثورة، من دون أن يتمكنوا من إنجاز أحد البنود المطروحة على جدول أعماله والمتعلق بالتوسعة. فيما كادت تخلو كل النقاشات الدائرة من أي إشارة إلى تردي الوضع الميداني والسياسي، ولم ينجح المجتمعون في مقاربة النظام الداخلي الذي صنع هذه المهزلة، وضرورة تجاوزه لوضع آليات عمل أرقى تستجيب لمهام اللحظة الراهنة ولتضحيات السوريين، بل يبدو أن الائتلاف في مستوى ما قد استمرأ حالة الضعف تلك، وعمل على تأكيدها من خلال إعاقة اجتماع الهيئة العامة التالي، ولذرائع شتى، أضرّت كثيرا بالائتلاف وبالثورة السورية، هذا الاجتماع الذي دعي إليه مؤخراً بتاريخ 4 ـ 5 تموز/ يوليو.

لا يخفي أغلب أعضاء الائتلاف شعورهم بالمرارة التي تصل حدّ الشعور بالمهانة لدى البعض، وهم يتحسسون مظاهر الشلل والفراغ والتخبط التي عاشوها خلال تلك الفترة بين الاجتماعين، حتى أن الكثير من التصريحات داخل الائتلاف وخارجه تتواتر، بأن الائتلاف أصبح عبئاً على الثورة، منذ أن وجد لقيادتها. وأن الائتلاف فقد شرعيته كممثل عن الداخل، كما فقد الثقة الدولية بتمثيليته للثورة السورية، حتى أن البعض ومن داخل الائتلاف وخارجه أيضاً، يعلنون عجزهم عن وقف الانحدار المشار إليه، أو وضع إشارة النهاية لهذا العرض السيئ بامتياز، فباتوا يطالبون بإطلاق رصاصة الرحمة عليه، أو إعلان وفاته!

وليست التسريبات التي بدأنا بها المقال إلا حجرا في هذه البئر التي يتكاثر حولها الآن رماة الحصى، بدعوى أن الائتلاف دخل في غيبوبة طالت، وأن إكرام الميت دفنه، إلا أننا، ومن موقع المسؤولية الوطنية، لن نساهم في نهاية الائتلاف بهذه الطريقة، لإدراكنا أهمية القيمة الرمزية والتمثيلة التي منحت له، والتي لم يُحسن الاستفادة منها، ولإدراكنا بؤس البدائل المطروحة ضمن خارطة التجمعات السياسية للمعارضة السورية، وضعف أية حكومة عسكرية أو مدنية، أن تستطيع القيام بأعباء تمثيل مكونات الثورة السورية، والقيام بما يؤدي لانتصارها.

الائتلاف في خطر، وتمثل اجتماعات الهيئة العامة هذا الأسبوع الفرصة الأخيرة له وللثورة السورية، للخروج من النفق المظلم الذي ينتظرنا جميعاً، في ما لو عجزنا عن تدارك هذه اللحظة، وتجاوز سلبيات المرحلة السابقة، مرحلة الارتهان لحسابات خاصة هنا أو هناك، علينا الاعتراف بالأزمة أولاً ثم مواجهتها مباشرة، وليس الدوران حولها أو الدخول في متاهات الصيغ الانشائية التي لا تغني من فقر ولا تطعم من جوع. علينا الاعتراف بأن المشكلة عندنا نحن وعلينا حلها، وليست المشكلة في العواصم العربية أو الإقليمية التي يقصدها الكثيرون بحثاً عن الحل، وليست المشكلة بتسويات تعطي هذا وتأخذ من ذاك، علينا أن نستعيد وحدة الائتلاف المفقودة في التنظيم والسياسة، في الاستراتيجية وفي التكتيكات أيضاً.

فرصة اجتماع الهيئة الآن ليست لتصفية الحسابات، ولا هي تحامل على المجلس أو نيل من الأخوان، هي فرصة لبناء حسابات على أسس جديدة، لاعادة النظر بآليات العمل والنظام الداخلي، وآليات الاجتماع وزمنه، وهذا ليس بعيداً عن استحقاق انتخابات الهيئة الرئاسية الجديدة، لكنه مرتبط بتفعيلها، وتفعيل الائتلاف ككل، وتربط أيضاً بوضع رؤية متكاملة لاحتياجات الأرض، وصيرورة الصراع مع نظام القمع والفساد، رؤية تلحظ الجوانب الميدانية، كما تلحظ الجوانب الإغاثية والمعيشية أيضا للسوريين وفي مناطق لجوئهم.

نحن اليوم نحتاج الائتلاف بكل مكوناته أكثر من أي وقت سابق، نحتاج إئتلافا قويا ومتماسكا برؤيته السياسية وببنيته التنظيمية، نحتاج إئتلافا يؤمن بفكرة الهيئة القيادية التي تعمل بروحية الفريق، أكثر مما نحتاج قائداً ملهما، نحتاج إئتلافاً يعمل لمصلحة الثورة فهي الهدف الآن، ويبقى الائتلاف والسياسة كلها وسيلة وليست هدفاً لذاتها.

صحافي سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى