صفحات العالم

الائتلاف الوطني السوري ومهمة اكتساب الشرعية


ماجد الشيخ

من أزمة المبادرة العربية والمبادرات الرديفة، والجهود التي يقودها الأخضر الإبراهيمي، إلى أزمة الباتريوت الآن، تنتقل الأزمة السورية من حال إلى حال، حيث بات العالم فيه يراهن على حسم داخلي خاص بجهود محلية، القوى الخارجية إزاءه مجرد قوى مساعدة إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، ما يعني أن الصراع على سوريا، انتقل خطوة إلى الأمام في اتجاه التمركز عند نقطة الصراع في سوريا، على الرغم من استمرار الإسناد والدعم الإقليمي والدولي، ولكن بشكل غير شفاف، نظرا لإستطالة الفترة الزمنية التي استغرقها ويستغرقها هذا الصراع على الداخل السوري، وتعدد وتنوع أطرافه، واتساع رقعة الداعمين أو غير الداعمين له، وتداخل مصالحهم مع الثورة وضدها، مع الشعب وضده، مع النظام وضده؛ وإلى أن يحسم الصراع فعليا على الأرض، ستبقى سوريا عرضة للعديد من أشكال وموجات الحرب الباردة مرة، والساخنة مرات ومرات.

وفي إطار الجهود الدولية لمنح الجهود الدبلوماسية فرصة متجددة، قال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، أكمل الدين إحسان أوغلي، إن النظام السوري برفضه جهود المنظمة، ومبادرات المجتمع الدولي، بات يتبع سياسة الأرض المحروقة، ويدفع بأزمة بلاده نحو حدودها القصوى، داعياً إلى إنشاء ملتقى إنساني حول سوريا. وقال أوغلي في كلمة له أمام ملتقى التعاون الإسلامي التشاوري حول سوريا الذي عقد في استانبول الاسبوع الماضي، “إن الوضع المأسوي في سوريا يدعو الملتقى إلى التعاطي بمسؤولية إنسانية أكبر إزاء واقع الأزمة السورية وتداعياتها في المستقبل”.

هذا الانسداد في أفق الصراع، وفشل أو إفشال الجهود الدبلوماسية، يسلط الضوء مجددا على ضرورة وحدة قوى المعارضة، التي ذهبت إلى خطوة توحد نسبي أخيرا استجمعت عبره قواها في ائتلاف وطني جامع لمعظم أطيافها، بحيث بدت وتبدو مهمة استكمال وبناء مؤسسات الائتلاف صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، وأولى المهام التي ستسعى المعارضة لتحقيقها تتمثل في السعي إلى تثبيت شرعية الائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، في المؤسسات والمحافل الدولية، وبالطبع أمام الشعب السوري الذي ينتظر من ممثليه الكثير.

في هذا الوقت بدأت تتطور الاتصالات الديبلوماسية الاوروبية مع “الائتلاف الوطني السوري” الجديد. مع اعلان انقرة اعترافها به “ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري”. وحين دعا وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو في كلمة امام اجتماع وزاري لمنظمة المؤتمر الاسلامي عُقد في جيبوتي كل الدول الاعضاء الى القيام بالمثل. وقال ان “ما تحتاج اليه الثورة السورية والشعب السوري الآن هو دعم فعلي وليس رسائل تعاطف ووعودا”.

لكن ونظرا للحاجة إلى إمكانيات تستطيع المعارضة من خلالها مواجهة عنف هجمات النظام، تركزت هذه الاتصالات على مطالبة الحكومات الاوروبية تزويدها أسلحة نوعية، تستطيع بها مواجهة تفوق النظام، خصوصاً في المجال الجوي. كذلك وفي هذا الاطار اعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان حكومته ستطرح سريعاً مسألة رفع الحظر الاوروبي على تزويد المعارضة السورية “اسلحة دفاعية”، وذلك قبيل استقباله مع وزير الدفاع الفرنسي وزراء الخارجية والدفاع في المانيا واسبانيا وبولندا وايطاليا. وقال فابيوس ان موقف فرنسا يقوم على ما أسماه “عدم تسليح النزاع”، لكن “من غير المقبول طبعاً ان تكون هناك مناطق محررة، وان تتعرض لغارات جوية من مقاتلات النظام”. لكنه اوضح ان فرنسا لا يمكنها تسليح المعارضة الا بالتنسيق مع الاوروبيين.

وكان الاتحاد الاوروبي اقر في ايار (مايو) من العام الماضي حظراً على شحنات الاسلحة المتجهة الى سوريا، تم تشديده في تموز (يوليو) الماضي. واوضحت الخارجية الفرنسية ان الاتحاد الاوروبي قد يُقرر باجماع اعضائه الـ27 رفع الحظر او تعديله عبر ادراج استثناءات.

وبعد اعتراف فرنسا بالائتلاف ممثلا شرعيا وحيدا، واستقبال سفير لسوريا الجديدة في باريس، يعول الفرنسيون على اعتراف كل أصدقاء سوريا بالائتلاف الوطني، من أجل تمكين سلطة هذا الائتلاف، وذلك عبر عدد من التحركات التي تقوم بها باريس؛ بالتنسيق مع قوى الائتلاف والمجالس الثورية وغيرها على الأرض في سوريا. على أن تعمل باريس كي تعطي الجامعة العربية شرعية للائتلاف السوري الذي تم تشكيله في الدوحة ومنحه مقعداً فيها، على اعتبار أن هذه هي مهمة العرب…

لكن المخاوف من الجهاديين تبدو في نظر باريس مؤكدة، حتى من جهاديين يذهبون من فرنسا. إلا أن باريس تريد تجنب الخطر الأكبر الذي يتمثل في الاهتراء؛ اهتراء وضع المعارضة. بينما الائتلاف بديل جامع وغير عدائي للجيران. والفكرة الفرنسية هي أنه بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، وإذا حصلت على شرعية من الجامعة العربية ينبغي على أصدقاء سوريا أن يعترفوا بها، وبعد ذلك بإمكان رئيس الائتلاف أن يوجه رسالة إلى أمين عام الأمم المتحدة ليبلغه بأنه سيرسل الممثل الشرعي لسوريا إلى الأمم المتحدة، ما سيضطر (بان كي مون) إلى تقديم ذلك إلى لجنة الصلاحيات في الجمعية العمومية للبحث في شرعية الممثل؛ واللجنة لن توافق لأن فيها الروس والصين عندئذ يطرح ذلك للتصويت أمام الجمعية العمومية، لطلب حصول ممثل الائتلاف على مقعد سوريا في الأمم المتحدة. إلا أن السيناريو الفرنسي هذا، يبدو أنه سيكون أمامه عقبات من بينها ربما الموقف الأميركي ومواقف دول أفريقية.

وكان مسؤولون في “الائتلاف” التقوا في لندن أخيرا مع وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، الذي قال إن حكومته تريد ان تبحث “ضرورة العمل معا واحترام حقوق الانسان وامتلاك خطة واضحة للانتقال السياسي في سورية”. ومن بين النقاشات الدائرة في بريطانيا امكان فرض منطقة حظر جوي فوق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتسليم اسلحة للمعارضة السورية.

وأكد هيغ بعد المحادثات مع وفد المعارضة انه شدد خلال اللقاء على أهمية احترام حقوق الأقليات والالتزام بمستقبل ديموقراطي لسوريا، واتخاذ موقف مما أسماه “التجاوزات والعنف والاغتصاب” الذي يرتكبه النظام، على حد قوله. وأضاف: شجعني ردهم على ذلك… وسنواصل العمل في هذا الشأن في الأيام المقبلة.

لكن الرد الروسي لم يتأخر كثيرا، فردت موسكو على مواقف الدول الغربية الداعية الى تسليح المعارضة، وحذرت بلسان الناطق باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش هذه الدول من أن “مساعدة اجنبية للمعارضة التي تشن نزاعاً مسلحاً ضد الحكومة الشرعية، هو انتهاك فاضح للمعايير الاساسية التي يقوم عليها القانون الدولي”.

أخيرا وبانتظار تفعيل أليات عمل الائتلاف وترجمتها على الأرض، تبقى الخطوات الصغرى تكمل أو تسند سلسلة الخطوات التي ينبغي أن تتواصل من أجل الوصول بسوريا الدولة والوطن إلى الحرية، بالخلاص من نظام الاستبداد الذي كبا بسوريا الشعب والدولة والوطن سنوات ضوئية إلى الوراء، بعيدا من الحداثة والنهضة المفترضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى