الائتلاف في السياسة/ فايز سارة
حقق الائتلاف السوري في دورة اجتماعات هيئته العامة الأخيرة نقلة سياسية مهمة، تجلت في تعامله مع ثلاثة موضوعات شديدة الأهمية وذات تأثير كبير على القضية السورية في البعدين الداخلي والخارجي، وكانت عملية ضم المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف الوطني أول الخطوات، وتجسّدت الثانية في تشكيل الحكومة السورية المؤقتة، وتضمنت الثالثة إقرار وإعلان موقف من مؤتمر جنيف2، وتمثل هذه الخطوة التي تمت في ثلاثة أيام من اجتماعات الهيئة العامة النشاط الأبرز والأكبر أثراً، ليس في عمر الائتلاف الذي قارب عامه الأول، وإنما في تجربة المعارضة السورية كلها منذ انطلاق الثورة السورية في آذار من العام 2011.
لقد عانت المعارضة السورية من تشتتها، وانقسامها الذي وإن كان التنظيمي فيها مفهوما ومبررا لكن السياسي، كان أخطر وغير مبرر، وهو ما منع أحزاب وتكتلات المعارضة من المضي إلى مهماتها الأساسية، التي كان من المفترض أن تكون مهمات الثورة السورية والسير إلى أهدافها، بدل الانشغال بمشكلاتها والغوص في تفاصيل دون نتيجة، والغرق في الشعارات بدل الذهاب إلى السياسة في معالجة أوضاع الثورة، والتصدي للمهمات، وهو سلوك مشترك لمعظم تكتلات المعارضة من هيئة التنسيق إلى المجلس الوطني والمجلس الوطني الكردي والهيئة الكردية إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وحال القوى المنضوية تحت تلك التكتلات، وبذلك رسخت حالة من الانفصال عن الواقع السياسي، فعجزت على القيام بدورها، وأعطت النظام وجماعات التطرف الديني فرصة التمدد لملء الفراغ على نحو ما هو قائم اليوم.
ومن وسط تلك الوقائع، تبدو خطوات الائتلاف الأخيرة ذات أهمية استثنائية، حتى لو جاءت متأخرة. فقد كان من المهم، قيام المعارضة بما تم القيام به في موضوع ضم التعبيرات السياسية الكردية إلى تكتل جامع في المعارضة السورية، والذي كانت محصلته دخول المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف الوطني لإنهاء ذلك الانقسام، وإعادة دمج الأكراد في بنية سورية معارضة، كما كان من الضروري تقدم المعارضة لمعالجة الأوضاع الحياتية بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في الداخل السوري وفي أوساط الجاليات بعد كل الخراب والدمار والتردي الذي صارت إليه الأوضاع في ضوء تعدد المرجعيات النافذة وتناقضها، والتي لا تستجيب لاحتياجات السوريين بحدودها الدنيا، مما فرض إيجاد مرجعية وهيكلية إدارية مسؤولة، كان قرار تشكيل الحكومة المؤقتة محاولة لتكريسها واقعياً رغم كل الصعوبات القائمة على أكثر من صعيد.
وتطلبت التطورات المحيطة بالقضية السورية في المستويين الداخلي والخارجي، تقدم المعارضة للتعامل مع مساعي الحل السياسي باعتباره الخيار المطروح لتسوية القضية السورية في ضوء غياب حل عسكري في المستويين الداخلي والخارجي وغياب الإرادة الدولية في المضي نحوه، وتأكيدات القوى المؤثرة تفضيلها الحل السياسي في ضوء ما تمخضت عنها تجربة معالجة الملف الكيماوي للنظام، وكله فرض ضرورة قيام المعارضة بتحديد موقفها من مؤتمر جنيف2، وكان مهماً قيام الائتلاف بذلك، انطلاقاً من أمرين اثنين، أولهما أن الائتلاف بما يمثله من انضواء ممثلي أكثرية الجماعات السياسية فيه بمن فيهم الأحزاب الكردية، ووجود ممثلين عن الحراك الثوري والمجالس المحلية وهيئة أركان الجيش الحر والشخصيات الوطنية، والثاني هو الاعتراف الدولي الواسع بتمثيل الائتلاف للشعب السوري من الناحية السياسية، وكله يمثل الأرضية التي جاء على أساسها قرار الائتلاف بالذهاب إلى جنيف2 وفق محددات معينة، وباعتباره بوابة للحل السياسي للقضية السورية، حل يؤدي إلى إنهاء وتصفية نظام الاستبداد والقتل والتدمير ورموزه، ويدفع نحو سوريا ديمقراطية، توفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
لقد كرست الخطوات الثلاث في مستوى معين الخروج من منطق الشعارات والمزاودات السائدة في صفوف المعارضة إلى السياسة التي غابت وغيبت لمرحلة طويلة، والتي تقدمت الآن لتأخذ بعين الاعتبار الضرورات والاحتياجات والأهداف ومنها العمل على توحيد صفوف المعارضة وبدايتها ضم المجلس الوطني الكردي الذي ستعقبه خطوات لاحقة، ومنها تشكيل الحكومة المؤقتة، التي من المفترض انتقالها العملي لتلبية احتياجات السوريين الخدمية والإنمائية والأمنية في بيئة صعبة لا تتوفر فيها الضروريات، إضافة إلى فتح الباب أمام الجهود السياسية لمعالجة القضية السورية دون التفريط بحقوق السوريين في مستقبل يتناسب مع أهداف الثورة والحجم الهائل من التضحيات التي قدمها الشعب السوري من أجل الحرية.
إن استعادة الائتلاف للسياسة باعتبارها أداة في القيادة والصراع والخروج من النهج والممارسات السابقة، أمر أكثر من ضروري، وما تم يمثل مقدمات، ينبغي أن يعقبه مضي إلى الأبعد والأعمق.
المدن