الاستقواء مصدره المعارضة
عصام نعمان
في ظهوره الأخير أمام السوريين والعرب والعالم، حرص بشار الأسد على أن يبدو قوياً قبل الخطاب وبعده، فهل نجح؟ الأكيد أنه بدا مستقوياً، لأسباب متعددة، بعضها خارجي لا يد لنظامه فيها، وبعضها الآخر داخلي من صنع النظام نفسه أو بفضل رئيسه .
نعم، كيف لا يبدو الأسد مستقوياً وقد حطّ الأسطول الروسي رحاله في ميناء طرطوس السوري على البحر المتوسط، بينما يقوم الأسطول الإيراني بمناورات لافتة لمدة عشرة أيام في بحر عمان والمحيط الهندي الشمالي، ورئيس هيئة مراقبي جامعة الدول العربية يعترف بتقريره الأول التمهيدي بأن حكومة سوريا تعاونت مع فريقه، وأن ثمة مجموعات مسلحة شاركت في أعمال العنف وليست القوات السورية وحدها .
غير أن السبب الرئيس لاستقواء الأسد يبقى المعارضة السورية نفسها . فقد عزا مسؤول العلاقات الخارجية لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي هيثم منّاع استقواء الأسد إلى انقسامات المعارضة ولاواقعية جناحها الخارجي، المجلس الوطني السوري .
إلى ذلك، ثمة أسباب أخرى أسهمت بمقادير متفاوتة في استقواء الأسد . فمختلف مؤسسات نظامه بقي متماسكاً رغم مرور عشرة أشهر على الأزمة التي تعصف بالبلاد . فلا ضباط كباراً من قادة الفرق والألوية انشقوا، ولا سفراء انضموا إلى المعارضة، ولا تمردات داخل الحزب الحاكم حدثت . ثم إنه جرى تدارك الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انعدام موسم السياحة بانفتاح الاسواق العراقية على منتوجات الصناعة السورية الأمر الذي طمأن الصناعيين والتجار معاً .
إذا كانت هذه الإيجابيات تقوّي من عضد النظام فإن السلبيات ما زالت على حالها، بمعنى ان المعارضة الداخلية ما زالت مستنفَرَة وذات حضور شبه دائم في كل مكان تمكّنها البيئة الشعبية من ذلك وترفدها بمزيد من الأنصار . وهي، وإن أكدت تصميمها على متابعة تصديها لقوى النظام، إلاّ انها بدت متعَبَة بدليل تشديدها على رهانٍ تسميه “الحماية الدولية” بشكل أو بآخر .
باختصار، يبقى المشهد السياسي العام معلّقاً على ما يمكن أن ينتهي اليه موقف جامعة الدول العربية بعد أن يقدم رئيس هيئة المراقبين الفريق محمد أحمد الدابي تقريره عند نهاية الشهر الاول لعمل فريقه . فما هي الاحتمالات الراجحة؟
ثمة ما يشير إلى وجود احتمالين متعارضين: الأول حواري والثاني صِدامي .
تبرز مؤشرات عدة إلى أن مخرجاً حوارياً يجري الإعداد له داخل جامعة الدول العربية . فالأمين العام نبيل العربي أشار في مؤتمره الصحافي يوم الأحد الماضي إلى أن ترتيبات يجري إعدادها لدعوة النظام السوري وأطراف المعارضة إلى الحوار تنفيذاً لمبادرة وزراء الخارجية العرب . لذلك دعا العربي أجنحة المعارضة إلى التنسيق في ما بينها كي تشارك في الحوار المنوي مباشرته في المستقبل المنظور .
تَعَزَزَ هذا الاتجاه إلى الحوار بموقف لافت في الفاتيكان . فقد دعا البابا بندكت السادس عشر إلى “بدء حوار مثمر بين الاطراف السياسية في سوريا يشجعه حضور مراقبين مستقلين” .
إلى ذلك، ربط مراقبون بين كلام العربي والبابا من جهة، وإشارة الأسد في خطابه، من جهة أخرى، إلى اعتزام النظام مباشرة حوار وطني مركزي والتفكير جدياً في تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها مَن تشاء من قوى المعارضة .
بإزاء المخرج الحواري، يقوم احتمال آخر صِدامي تعززه جملة مؤشرات . فرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان جدد تحذيره في مؤتمر صحافي من نشوب “حرب أهلية وحرب ديانات في سوريا” . أضاف: “على تركيا أن تؤدي دوراً، لأن اندلاع حرب أهلية سيجعلنا في وضع صعب ويضعنا تحت تهديد” .
وسارع نائب وزيرة الخارجية الأمريكية وليم بيرنز إلى زيارة انقرة ليشد أزر أردوغان قائلاً: “بات واضحاً أن الأسد فقد شرعيته، ومن الأفضل الإسراع في عملية التحوّل السياسي إلى الديمقراطية لمصلحة الشعب السوري والمنطقة” .
كيف يتم التحوّل؟ بالحرب الأهلية؟
غير ان المؤشر الأبرز إلى الاحتمال الصدامي جاء من “إسرائيل” . فقد عرض رئيس الأركان الجنرال بيني غانتس أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست للأحداث في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً، متوقعاً أن يقود سقوط النظام إلى تصدع المحور الراديكالي (طهران – دمشق) . ويعتقد غانتس أن يومَ يسقط النظام فإن ذلك سوف يقود إلى الإضرار بالطائفة العلوية، “ونحن نستعد لاستيعاب لاجئين علويين في هضبة الجولان” .
مراقبون عرب وأجانب فسروا كلام غانتس بأنه لون فاقع من ألوان التحريض الطائفي لإذكاء نار الحرب الأهلية . والمفارقة أنه بينما يتهم نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام الرئيسَ الأسد بأنه يسعى إلى إقامة دولة على الساحل السوري (حيث أكثرية السكان علوية) يأتيه الصدى من غانتس عارضاً إيواء “اللاجئين” العلويين في الجولان المحتل حيث أغلبية السكان من أهل السنّة والدروز .
مهما يكن الأمر، فقد بات واضحاً أن الصراع بين محور واشنطن-تل أبيب (مع محاولة لتستدراج أنقرة إليه) من جهة ومحور طهران – دمشق من جهة أخرى، يشمل المنطقة برمتها من الساحل الشرقي للبحر المتوسط وصولاً إلى الخليج وبحر عمان، وأن ثمة ربطاً بين الملف النووي الإيراني والأزمة في سوريا . لماذا؟ ربما كي يؤدي التصعيد في الحرب الناعمة الجارية حالياً على امتداد المنطقة إلى إحداث شروخ وتمزيقات وانقسامات عمودية في أنسجة المجتمعات الوطنية تشلّها وتعطل قدرتها على المقاومة . كل ذلك يأملون بتحقيقه قبل انتخابات مجلس الشورى في ايران وانتخابات مجلس الشعب في سوريا المفترض ان تجري مطالعَ شهر مارس/آذار المقبل .
كم يبدو اللاعبون جميعاً بحاجة ماسة إلى وقتٍ مديد يقترضونه من بنك الزمان .
الخليج