الاسلاموفوبيا والثورة السورية
شذى ظافر الجندي
مصطلح (الإسلاموفوبيا) هو الخوف من الإسلام، أو التخوف أو الأحكام المسبقة تجاه الإسلام والمسلمين وما يتعلق بهم، سواء تم التعبير عنه بالأشكال اليومية للعنصرية والتمييز أو في أشكاله الأكثر عنفا. وقد تجلى ذلك الخوف من الإسلام والمسلمين بأوروبا وأمريكا في أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001.
(الفوبيا) مشتقة من اللفظ اليوناني phobos الذي يعني الخوف اللاشعوري واللامبرر، واستنادا لهذا يمكن القول بأن الإسلاموفوبيا تعني خوف لاشعوري ولامبرر ورفض عشوائي للإسلام. وينقسم استعمال هذا المفهوم في العالم إلى مرحلتين، الأولى قبل 11 أيلول/سبتمبر 2001، والتي تميزت بندرة استخدام هذا المفهوم، ومرحلة بعد 11 أيلول/ سبتمبر حيث تم استعمال هذا المفهوم بشكل واسع. وقد ساهمت وسائل الإعلام في خلق مناخ إسلاموفوبي من خلال تداوله لصورة (الإسلامي) الرجل الملتحي والإرهابي المتوحش، حتى مقالات الصحف عن الاسلام نجدها ترفق بهده الصور النمطية التي من شأنها تكريس الرؤية المرسومة سلفا للخوف من الإسلام وربطه بالإرهاب.
هناك الكثيرون من يتبعون (سياسات التخويف) واستغلالها لتغيير الرأي العام والتحكم به نحو قضايا مختلفة حيث ظهرت في الفترة الأخيرة أنواع مختلفة من الفوبيا تستغل بهدف السيطرة على الرأي العام مثل (فوبيا علمانية) أو (فوبيا ليبرالية) أو (فوبيا قومية) أو (فوبيا إسلامية). استغلت (الاسلاموفوبيا) خلال فترة الثورات العربية من قبل الحكومات الدكتاتورية وبعض الدول المساندة لها، بهدف الترهيب والتخويف من المسلمين وربط تلك الفوبيا بالتخويف من الإسلاميين والإسلام السياسي وتوظيفها في خدمة الدفاع عن الحكام والمشروع الاستبدادي واستثمار ذلك وتوجيهه سياسيا.ً
كان (للاسلامو فوبيا) دور كبير في تراجع المواقف الدولية نحو دعم الثورة السورية، ونجد ذلك واضحا في تصريحات زعماء الغرب، حيث ذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية عدة مرات بأن تردد الموقف الأمريكي من دعم الجيش السوري الحر هو الخوف من وصول السلاح إلى القاعدة. ونجد ذلك واضحا أيضاً في التقارير والتحاليل السياسية الدولية، مثل تقرير الفاينانشيال تايمز عن (الصبغة الدينية للحرب الأهلية الدائرة في سورية) حيث وضح التقرير نوعية المسلحين السلفيين الذين يحاربون نظام الأسد، فذكر انه إلى جانب السلفيين هناك الأخوان المسلمون الذين يحاولون السيطرة على المعارضة، كما حدد التقرير الجماعات المحاربة التي تتسم بالتشدد الديني مثل جماعة أحرار الشام، وجبهة النصرة ولواء التوحيد، كما يشير التقريرإلى تصاعد القلق الغربي من زيادة أعداد المقاتلين من دول أخرى في صفوفهم، خصوصا ممن ينتمون إلى القاعدة.
إن المجتمع الدولي، يحاول من خلال مؤتمراته واجتماعاته الخاصة بسورية أن يبرر عدم تدخله في سوريا بحجج مثل: عدم وجود معارضة موحدة، عدم وجود بديل سياسي جاهز لنظام الأسد، الفيتو الروسي الصيني، الخوف على الأقليات، الخوف من الطائفية والحرب الأهلية، وما إلى ذلك من مبررات لتأخره في عدم المشاركة بحماية الشعب السوري. أي انه دائماً ما يحور النقاش حول الأزمة في سوريا ليغرق بالتفاصيل متناسياً جوهر هذه الثورة المتمثل في شعب يقتل وترتكب المجازر ضد الإنسانية ضده بشكل يومي نتيجة مطالبته بحقوقه الأساسية في الحرية والعدالة والمساواة. هذا الجوهر يتم تجاهله من قبل الفاعلين الدوليين في معظم الأحيان لصالح مخاوف يستند معظمها إلى (الاسلاموفوبيا). انه الخوف من الإسلام الذي يحاول أن يغلفه المجتمع الدولي بمخاوف أخرى غير مقنعه، إنها العنصرية والطائفية المغلفة بتسميات مختلفة.
أما فيما يتعلق بأسلمة الثورة وغلبة الطابع الإسلامي عليها فلابد من فهم هذا الموضوع في سياقه المرحلي، فلا يخفى على من يعرف سوريا بأن غالبية الشعب السوري هم من الإسلام المعتدلين، الذي يتسم تدينهم في غالبيته بأنه تدين شعبي عادي غير مسيس، يتسم بالاعتدال والانفتاح والروح الوطنية الحاضنة للتنوع الاثني والديني والمذهبي، رغم وجود بعض التيارات الإسلامية في سوريا والتي ازدادت بعد الاحتلال الأميركي للعراق، والتي قام النظام الاسدي باحتضانها ودعمها وتسليحها بهدف استخدامهما كورقة لتبرير بقاءه في الحكم.
علاقة النظام السوري بالارهابيين معروفه وموثقة حيث كان دائما يستغلهم من أجل بقاءه، وقد تغيرت نوعية العلاقة وفق التطورات الدولية في هذا المجال. على سبيل المثال، عندما شعر صناع القرار في سورية أن مساهمتهم في “الحرب على الإرهاب” مفيدة لهم للاندماج في المجتمع الدولي لم يترددوا في الانتقال من سياسة “اليد الممدودة” مع الجماعات السورية الدينية إلى سياسة “أمنية متشددة تجاههم”، وعندما بدأت الثورة السورية استغلوا الإسلام السياسي في التخويف من “التطرف” وتأثيره على الدولة فيما إذا انهار النظام. كما اتبعوا تكتيكات لمواجهة التظاهرات السلمية ومحاولة قمعها تحت حجة “الجماعات السلفية المسلحة” أو “الإرهابية” ، من اجل تبرير العنف غير المسبوق الذي يمارس ضد المتظاهرين السلميين وقتل آلاف المدنيين الأبرياء.
إن الخوف الذي يردِّده العلمانيون والأقليات من الاستبداد الديني لا يوجد حتى الآن ما يبرِّره، وشعوبنا الناضجة التي خرجت في مشاهد الثورات العربيَّة المتلاحقة أجدر على مواجهة هذا الاستبداد إن وُجد. لقد ظهرت الحركات الإسلامية نتيجة لسقوط الايديولوجيات الشيوعية والاشتراكية وتراجع الرأسمالية وأثبتت الأحزاب السياسية العربية مثل الأحزاب البعثية والقومية والوحدوية والاشتراكية فشلها في استقطاب الشباب بسبب فسادها والاستئثار بالسلطة وسياستها التنموية الفاشلة التي اتبعت سياسات الإقصاء وخاصة لسكان المناطق الريفية، والتي شكلت بيئة حاضنة للتيارات إسلامية واستقطبت عدد كبير من الشباب.
الخوف من الإسلام غير مبرر وقد تكون الدول الإسلامية المعتدلة في معظم الأحيان قادرة على الحكم بشكل يحقق المطالب المشروعة للشعوب، وخاصة بعد أن أثبتت بعض التجارب الإسلامية النجاح في الحكم، كما حصل في ماليزيا وتركيا، فمثلاً تركيا في ظل الإسلاميين المعتدلين استطاعت إن تحقق مالم تحققه في ظل أي نظام سياسي آخر حيث ارتفع الاقتصاد من الرقم 75 إلى الاقتصاد ذي الرقم 16 الأقوى على مستوى العالم ، كما أن الخدمات ومستوى دخل الفرد هناك تضاعف 7 مرات في ظرف 10 سنوات ، هذا يدل على أن الإسلام المعتدل إذا تم التمكين له في السياسة فسوف يكون أفضل من غيره .كما إن التجربة الماليزية التي اعتمدت تجربة (الإسلام الحضاري) ساهمت في تطور أفضل تجربة يمكن أن تنسب للإسلام السياسي، حيث حققت ماليزيا نموا كبيرا لمجتمعها بشكل فاق كل التوقعات، واستطاعت تحقيق الرخاء للمواطنين حيث اعتبرها تقرير التنمية البشرية في المرتبة التاسعة من أهم 30 دولة مصدرة للتقنية العالية، متقدمة بذلك عن كل من ايطاليا والسويد والصين.
لا يوجد ما يبرر الخوف من الإسلام، لأن الفهم الصحيح للحكم والدولة في الإسلام يجب أن يفهم على أنها (دولة مسلمين وليست دولة إسلامية). ووصول أي حزب إسلامي إلى الحكم سيكون على أساس الانتخابات الحرة والديمقراطية، وإذا كان اختيار الشعب لحزب إسلامي فهذا حكم الديمقراطية التي يجب أن يقبل به الجميع. إن أي حكومة مهما كانت خلفيتها (إسلامية أو مدنية) عليها أن تستلم السلطة عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة، وسيكون أمامها خياران لا ثالث لهما وهما: الأول، هو الالتزام بالديمقراطية وتداول السلطة بالوسائل السلمية. والخيار الثاني، هو التنكر للديمقراطية وإعلان الاستبداد الديني، وفي هذه الحالة ستعزل هذه الحكومات نفسها عن العالم وتصبح في حالة مواجهة معه، ونعرف نتيجة العزلة في زمن العولمة، حيث تكون النتيجة الحتميه الفشل في إدارة الحكم، مما يعني أن الشعب لن ينتخبها في مرة أخرى.
خلاصة القول، أن انتشار أيديولوجية الإسلام السياسي هو موضة موسمية ليست غريبة على شعوب المنطقة، وقد ساهمت الحكومات المستبدة على انتشارها، وذلك بفشلها في حل مشاكل شعوبها، وكذلك استخدمت هذه الحكومات الأحزاب الإسلامية لمحاربة القوى الديمقراطية الليبرالية، ولكن في نهاية المطاف انقلب السحر على الساحر، وانقلب الإسلاميون على الحكومات المستبدة.
ان الخوف من وصول أحزاب إسلامية إلى السلطة “غير مبرر” إذا بقيت الحقوق الديمقراطية مصانة، والتزمت الأحزاب الإسلامية بالدستور وأصبحت المرجعية والمدخل للوصول إلى السلطة الديمقراطية والمواطنة.
يحق لكافة الأحزاب السياسية مهما كان توجهها السياسي، في الوصول إلى أعلى المستويات في الدول العربية مازال هنالك مواطن ينتخبهم ويصوت لهم في الانتخابات وكل من يعارض هؤلاء فهو بمثابة من يحارب تطلعات الشعوب واختياراتها الديمقراطية. أنّ وصول الأحزاب الإسلامية لا يعني إن جميع قوانين الدولة ستكون حسب الشريعة الإسلامية. أليس في تركيا حزب إسلامي بل أحزاب إسلامية حاكمة، ومع ذلك فالقوانين مدنية والدولة علمانية..؟
إن الثورة السورية ليست إسلامية، هي باعتراف كل القوى السياسية، انتفاضة شعبية عفوية نهضت من معاناة أجيال جديدة من الشباب المهمش، بعيداً عن الايدولوجيات، ويطالب معظم الثوار والقوى المعارضة بالدولة المدنية التعددية والديمقراطية، الدولة المدنية التي تحافظ على فصل السلطات واستقلالها، وتقف على مسافة واحدة من كل مواطن، بغض النظر عن جنسه أو دينه أو معتقده.
وفي الختام، وباسم الديمقراطية وحقوق الإنسان يجب الابتعاد ما أمكن عن ( الاسلاموفوبيا) واحترام حقوق الجميع بالتعبير عن رأيهم بحرية، وممارسة دينهم بحرية، وانتخاب من يريدون بحرية. وعلى المجتمع الدولي الذي ينادي بحقوق الإنسان للجميع، أن يمارس فعلا هذه المبادئ الإنسانية السامية، ويبتعد عن إصدار أحكام مسبقة على ثورة الشعب السوري بحجة خوفه من الإسلام، ويبتعد عن العنصرية والطائفية بشكل فعلي وليس من خلال شعارات وبيانات مكتوبة على الورق. وإذا كان فعلا يقف مع الشعوب المتطلعة للحرية والمنادية بالديمقراطية وحقوق الإنسان فعلية ان يدعمها بشكل فعلي وان لا يبقى متفرجا على المجازر وعلى المذابح ترتكب بحق الأطفال والنساء بحجة خوفه من الإسلام.