“الاعتدال السنيّ” كتُهمة وإساءة/ حسان القالش
على عكس غاية بعضهم من استخدامه، يسيء مصطلح «الاعتدال السنّي» للسنّة في المشرق. ذاك أنّه يبدو كأنّه يَشحذُ قبولاً للسنّة في المعادلات السياسيّة ويُرغّب في التّعاون معهم بدعوى وجود جماعة من المعتدلين بينهم، ما يعني أنّ هؤلاء المعتدلين أقليّة متسامحة ومتمدّنة ضمن جمهور يغلب عليه التخلّف والعُنف، وفي هذا تشويه لتعريف الهويّة السنّية في جوانبها الاجتماعية والعقيديّة، إذ الاعتدال هنا طارئ بينما الأصل في الجماعة هو التطرّف.
وفي هذا الإطار تتلاقى إساءات هذا المصطلح مع مساعي محور الممانعة والمُقاومة في شيطنة السنّة وحصر أفعال الإرهاب وأفكاره في بيئاتهم ومجتمعاتهم فقط، ما ينفي عن الممانعة والمقاومات الحديثة، الإيرانيّة الجذور، أيّ علاقة أو مسؤولية مرتبطة بالإرهاب وتمدّده. ويساهم في الوقت ذاته في تعميم خطاب ذاك المحور العامل على تنميط السنّة وحصرهم من حيث هُم متعددو المدارس في مدرسة فكريّة واحدة وثابتة، وردّهم بالتالي إلى صورة مُبالغ في سلبيّتها عن إسلام سنّي يختلط فيها تضخيم لإسلام البوادي غير المرن مع تخيّلات عن مسيحييّ القرون الوسطى.
ولعلّ أخطر ما يُضمره المصطلح من أضرار ومساوئ هو مَحو وتغييب الأدوار الوطنيّة التي قام بها سياسيّون ومصلحون سنيّون من حيث هُم أهل حكم ودولة في المشرق، هكذا مثلاً يُدفن تراث وتجربة طاهر الجزائري وجمال الدين القاسمي وتلاميذهم، ويُقتل رياض الصلح مرة ثانية، ويتكرّر طرد جميل مردم بك وخالد العظم وغيرهما من تاريخ بلدهما. وإلى هذا وذاك يتلاقى المصطلح مع غاية أخرى من غايات الممانعة هي تقسيم السنّة بين معتدلين قلائل ومتطرفين كُثُر، وبهذا يقضي السنيّ أيّامه في ردّ تهمة التطرّف عنه، فيتأخّر في تجاوز هويّته الطائفيّة، ويعجزُ تالياً في ردّ الاعتبار لمساهمته في تشكيل نواة الهويّة الوطنيّة التي كانت الممانعة قد دمّرت أساساتها.
وإذا كان لسنيّ سوريّ حذق وماكر أن يردّ دعوى هذا المصطلح، في إساءة مُبطّنة من الحجم ذاته، يكفيه أن يدعو إلى «اعتدال شيعيّ» مقابل، يستعيد تراث الشّيعة من إيران، فلا يتكرّر ما شهدتهُ دمشق مؤخراً من استعراضات دمويّة إحياءً لذكرى عاشوراء، غايتها الرئيسة إهانة دمشق وإعدام ما تبقّى من اعتدال… عند الجميع.
* كاتب وصحافي سوري
الحياة