صفحات العالم

الانتخابات الأميركية موعد وهمي للأزمة؟


خطب الأمم المتحدة عن سوريا بلا أفق

    روزانا بومنصف

شكلت المواقف التي اعلنت من على منبر الجمعية العمومية للامم المتحدة بالنسبة الى متابعي الوضع السوري مجموعة دلائل صارخة على المأزق الذي يواجهه المجتمع الدولي في الموضوع السوري من دون اي ملامح علنية او ضمنية تجرى وراء كواليس سياسية او ديبلوماسية لحل محتمل في الافق. وهذه الخلاصة بدت اساسية ليس فقط في التقويم القاتم الذي قدمه المبعوث الاممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي وعدم اكتمال عناصر خطة للحل لديه، بل ايضا واكثر من خلال مجموع الكلمات التي ألقاها مسؤولون مؤثرون في العالم. اذ ان خطاب الرئيس الاميركي باراك اوباما خلا من اي جديد في الموضوع السوري من حيث دعوته العالم الى “انهاء” نظام الرئيس بشار الاسد مطالبا الحكومة الايرانية بالكف عن مساندة “ديكتاتور دمشق ودعم الجماعات الارهابية في العالم”. فقبل بضعة اسابيع من الانتخابات الرئاسية الاميركية لم يكن متابعون كثر ينتظرون تطويرا للموقف الرسمي الاميركي مما يجري في سوريا في خطاب حمل عناوين ورسائل موجهة الى الجمهور الاميركي من ضمن الحملة الرئاسية لاوباما ولو انه ألقي امام رؤساء ومسؤولين من مختلف دول العالم خصوصا ان مرور اوباما في الامم المتحدة بدا سريعا جدا منتقلا الى خطاب اخر في مركز كلينتون في نيويورك ركز فيه على مواضيع اميركية داخلية تحظى بالاولوية لدى الشعب الاميركي في موازاة حملة انتخابية لمنافسه ميت رومني في ولاية اميركية اخرى. لكن وفيما بدا ان الخطاب الاميركي لم يغادر موقعه في شأن امتلاك ايران اسلحة نووية ايضا، فان اوباما بدا اكثر التزاما ازاء هذا الموضوع مما ابداه حيال الموضوع السوري من خلال تعهده “ان الولايات المتحدة ستفعل ما يجب لتجنب امتلاك ايران سلاحا نوويا”. لكن هذا التعهد او الالتزام لم يبد بالقوة نفسها ازاء الموضوع السوري ولو ان عودة اوباما الى الرئاسة لولاية ثانية تعني انه سيكمل ما بدأه على صعيد مطالبة الاسد بالتنحي ولن يتراجع عن ذلك. لكن هذا الكلام عكس من جهة عدم وجود ارادة اميركية بتطوير الانخراط الاميركي في الموضوع السوري اكثر مما هو حاصل حتى الان. ولا يعتقد ان الامر يكون ممكنا بالنسبة الى اوباما قبل خمسة اسابيع من الانتخابات الرئاسية بحيث يمكن فهم اي انخراط اكبر تدخلا او تورطا عسكريا فيما جهد اوباما طيلة ولايته الاولى لاعادة الجنود الاميركيين الى بلادهم بدلا من المزيد من توريطهم في ازمات عالمية. كما عكس خطاب اوباما وجود عناصر متداخلة في الموضوع السوري وفق ما عبر عنها الامين العام للامم المتحدة بان – كي مون. فهذا الاخير تحدث عن “ازمة لم تعد محصورة بسوريا بل اصبحت اقليمية وهي تهديد متزايد للسلم والامن الدوليين” بما يوجب عملا من مجلس الامن  في تعبير صريح وواضح عن غياب افق اي حل محتمل او اي توافق محتمل على رغم مطالبة الابرهيمي بدعم قوي من المجلس بموقف موحد لم يبد متاحا او ممكنا على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة. علما ان في كلام بان كي – مون شقين اساسيين احدهما يتعلق بعجز مجلس الامن عن التوافق والخروج بحل للمأساة السورية والاخر يرسم اطارا دوليا واقليميا بحيث ان الحلول السورية الداخلية حتى لو توافرت، وهي ليست متوافرة اصلا، باتت اكثر تعقيدا وصعوبة مع الامتدادات الخارجية للثورة السورية.

وثمة مزيد من ضيق الافق الدولي في هذا الاتجاه. فهناك من جهة مطالبة امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بتدخل عسكري عربي في سوريا. والدول العربية لم تلجأ الى مجلس الامن الا بعدما اعيتها القدرة على ايجاد حل او تسوية للمأزق السوري. واقتراح امير قطر يشي بمحاولة جديدة من الدول العربية من اجل استرداد المبادرة من الامم المتحدة في السعي الى حل ولو ان ذلك لا يبدو ممكنا او متاحا ايضا. ومن جهة اخرى يبرز هذا الضيق في كلمة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ايضا امام الجمعية العمومية مع اعادة تأكيد موقف باريس واقتراحاتها للتقدم نحو تطوير حلول والذي لا يلقى آذانا صاغية لدى حلفاء فرنسا في الموضوع السوري قبل خصومها فيه. ويتعلق ذلك بالمطالبة بحماية المناطق المحررة والاعتراف بحكومة للمعارضة السورية فور تأليفها.

يقول بعض المتابعين ان مرحلة الانتظار تتصل بانتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية لمعرفة ما اذا كانت عودة اوباما لولاية ثانية ستسمح له بهامش اكبر للتحرك او للمساومة في الشأن الروسي خصوصا ان دولا كبرى تنتظر هذه الانتخابات من اجل ان تبني على الشيء مقتضاه كونها تحاذر الاقدام على اي تسوية او اتفاق مع رئيس يستعد لمغادرة السلطة وتفضل الاتفاق مع الرئيس الجديد. الا ان المتابعين للوضع السوري يخشون ان يكون موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية موعدا آخر يضرب على انه المفصل المحتمل شأن المواعيد التي تحدد عند كل محطة رغبة في تعليق الآمال على تغييرات محتملة او مرتجاة من دون ان يعني ذلك ضرورة ان الانتخابات الرئاسية الاميركية ستحمل معها الحلول. اذ ان الوضع في سوريا غدا معقدا جدا بحيث ان اياً من السيناريوات المحتملة المطروحة بالنسبة الى هؤلاء المتابعين بات يتطلب كل منها وقتا وجهدا طويلين، بما يجعل الحلول ابعد من الافق المنظور في اي حال.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى