الانتخابات التركية الأخيرة وتأثيرها على الاوضاع في سورية –تحليلات ومقالات-
أكراد تركيا: انتصار تاريخي في أدغال من المفارقات/ صبحي حديدي
سجّل الكرد في تركيا انتصاراً سياسياً تاريخياً، حين استردوا ـ أو، قد يتوجب القول، رسخوا ـ حقاً دستورياً ثميناً، هو التمثيل في البرلمان التركي؛ فلم ينجحوا في تجاوز حاجز الـ10٪، الذي كان عائقاً شاقاً في انتخابات سابقة، فحسب؛ بل احتلوا، في فوزهم بنسبة الـ13.12، موقع الرقم الصعب الذي يُخطب ودّه في أية مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية. وإذا جازت المقارنة بين هذه النسبة، ومعدّل زعيم «حزب الشعوب الديمقراطي»، صلاح الدين دميرطاش، في الانتخابات الرئاسية لعام 2014 (9.76٪)؛ فإنّ تقدّم الكرد، وليس الحزب في ذاته فقط، يُعدّ قياسياً بهذا المعنى، وتاريخياً أيضاً.
هو انتصار صريح، إذاً، ومدعاة بهجة لكلّ حريص على التجربة التركية؛ في التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، وطيّ صفحة الانقلابات العسكرية، وتوطيد الديمقراطية والقِيَم الجمهورية في المواطنة والحقوق. وليس بغير دلالة خاصة، وبمعزل عن الإشكالات العديدة التي اكتنفت هذه الانتخابات، أنّ نصيب «حزب الشعوب الديمقراطي» من النائبات النساء كان عالياً بدوره (30، بالمقارنة مع 41 نائبة امرأة لـ»حزب العدالة والتنمية»)؛ مما يشير إلى طبيعة القاعدة الشعبية المتنوعة التي تشكّل رصيد الحزب، ولا تتألف من الكرد وحدهم. لكنه، في المقابل، انتصار تكتنفه سلسلة من المفارقات، أقرب إلى أدغال ملأى بالمصاعب والعثرات، كفيلة بعرقلة مسير الحزب، وبالتالي تعطيل الكثير من عناصر الدينامية السياسية العالية التي توصّل إليها الكرد في تركيا مؤخراً.
المفارقة الأولى أنّ الحزب يمثّل غالبية ساحقة من الكرد في تركيا، وهذا شرف، ومنبع رصيد شعبي عارم كان وراء جميع نجاحات الحزب منذ تأسيسه العام الماضي؛ الأمر الذي لا يلغي حقيقة أنّ هذا التمثيل، بالذات، يظلّ مصدر الخطر الأوّل على الحزب. ذلك لأنّ «حزب الشعوب الديمقراطي»، في صيغته الراهنة، هو وريث حزبين كرديين سابقين ـ «المجتمع الديمقراطي اليساري»، و»السلام والديمقراطية» ـ حظرتهما المحكمة الدستورية العليا، عامَيْ 2007 و2009، بذريعة ارتباطهما بـ»حزب العمال الكردستاني». في عبارة أخرى، تظلّ علاقة «الشعوب الديمقراطي» مع «العمال الكردستاني» بمثابة مكسب وعبء، في آن معاً؛ وتظلّ سيفاً مسلطاً بيد المحكمة الدستورية العليا يمكن أن يطيح بوجود الحزب الشرعي، بصرف النظر عن وصوله إلى البرلمان.
مفارقة ثانية، ناجمة عن هذه الحال تحديداً، هي اضطرار الحزب إلى اعتماد خطاب معتدل، عموماً، بصدد الحقوق الأساسية للكرد، في تركيا وفي الجوار أيضاً. على سبيل المثال، لا يكفّ دميرطاش عن «تخفيف» النبرة، في القاموس اللغوي كما في الرسالة العقائدية، كلما توجّب عليه أن يوضح الموقف من تحديد خريطة لوطن الأكراد القومي، التاريخي؛ كأن يقول مثلاً: «إنّ رسم حدود لوطن كردي لن يكون أمراً ضرورياً في حال نال الأكراد جميع حقوقهم (…) إذا كنّا نعيش معاً دون إنكار هويتنا أو حقنا في الحصول على التعليم بلغتنا الأم، وكنّا نشارك في السلطة دون إنكار لتاريخنا وثقافتنا ووطننا الأم، وننعم بحياة حرّة على هذه الأرض، حينها ستختفي الحاجة إلى رسم الحدود».
بيد أنّ هذا الخطاب سلاح ذو حدّين، في نهاية المطاف: من جهة أولى، يمكّن الحزب من تبديد مخاوف المواطنين الأتراك، تجاه مخاطر التقسيم، أو احتمال سلخ المناطق ذات الأغلبية الكردية عن الوطن الأمّ، بما يعنيه ذلك من مشكلات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، داخلية وإقليمية؛ لكنه، من جهة ثانية، يُفقد الحزب شرائح كردية، ليست ضئيلة العدد أو ضعيفة التأثير، ترى أنّ الإدارة الذاتية ليست منتهى طموح الكرد في تركيا، ولا بدّ من استكمال خطوة أولى على دروب كردستان، الوطن الأكبر المأمول. وفي حملاته، خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، شدد دميرطاش على روحية هذه الحال، حين أعلن أنّ ترشحه للرئاسة «دليل ملموس على رغبتنا بالعيش في هذا البلد دون تجزئته، ولكن إذا رُفض ذلك ولم يتمتع الأكراد بالحرية، ولم يعيشوا على قدم المساواة مع الآخرين في ظل حياة مشتركة، ولم ينعموا بالعدل، حينها سيتعين عليهم إعادة النظر في هذه القضية». هنا، أيضاً، مصدر مفارقة ثالثة، مكمّلة لهذه العلاقة الخاصة بين الحزب وجماهير الكرد؛ مفادها أنّ القاعدة الشعبية الأعرض للحزب هي الشارع الكردي في مختلف أطيافه وشرائحه وتكويناته، لكنّ «حزب الشعوب الديمقراطي»، بدلالة اسمه أوّلاً، يزعم أيضاً تمثيل أطياف واسعة من الأقليات، في مستوى الحقوق السياسية والمدنية؛ كما يعلن التعبير عنها طبقياً، أيضاً، من منطلقات يسارية لا تخفى: «إننا كأكراد، وعرب، وآشوريين، وتركمان وأرمن، لا نعاني مشاكل على خلفية لغاتنا وثقافاتنا ومعتقداتنا فقط، بل نحن جائعون وعمال، وفقراء، وعلينا حلّ كل هذا أيضا»، يقول دميرطاش. وأغلب الظنّ أنه، في المقابل، يدرك مقدار ما في هذا التمثيل من تناقضات كامنة، خاصة حين يتوجب على الحزب أن يجمع مناصراً متديناً، مع مناصر ثانٍ يؤمن بالمثلية الجنسية!
مفارقة رابعة هي استحقاقات اليوم التالي، إذْ يتوجب على الحزب أن يجابه خيار إقامة شراكة مع «العدالة والتنمية»، إذا كان ينوي إتمام الانتصار الدستوري والسياسي عن طريق المشاركة الإيجابية في الحياة البرلمانية، وإدارة الدولة؛ خاصة وأنّ نسبة اقتراع لا تقلّ عن 5٪، كانت في الواقع سبب انتصار الحزب، نزحت إليه من الشرائح الكردية المتدينة التي اعتادت التصويت لـ»العدالة والتنمية»، وشاءت هذه المرّة نقل التمثيل السياسي الكردي إلى مصافّ أعلى في المسؤولية. البديل، والوجه المضادّ للمفارقة ذاتها، هو البقاء في صفوف المعارضة، إلى جانب أحزاب قومية وأتاتوركية ناصبت الكرد العداء على الدوام، بل اعتمدت ـ حتى الماضي القريب، في الواقع ـ لغة عنصرية صرفة في توصيف الكردي التركي. فكيف، إذاً، سيفلح «حزب الشعوب الديمقراطي» في الحفاظ على هذه النسبة الحاسمة من أصوات الكرد، إذا كان سيخونهم مع «حزب الشعب الجمهوري»، و»حزب الحركة القومية»؟
أخيراً، وليس آخراً بالطبع، أي خطّ سياسي سوف ينتهجه الحزب إزاء «دعوة تاريخية» حقاً، أطلقها عبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي لـ»حزب العمال الكردستاني»، من سجنه في جزيرة إمرالي، قبل سنتين ونيف؛ وشاء لها أن تتوجه إلى جميع الكرد أوّلاً، ثمّ إلى شعوب الشرق الأوسط، والعالم بأسره في نهاية المطاف؟ «فلتسكت المدافع، ولتنطق الأفكار»، قال أوجلان في رسالته تلك، مدركاً أنّ بلاغة السلام هذه ـ التي سبق للـPKK أن اعتمدها أربع مرّات، على الأقلّ، في سوابق الحوار مع السلطات التركية ـ اكتسبت اليوم الكثير من عناصر القوّة المادية الكفيلة بتحويلها من حيّز القول والأمنية، إلى ميدان الفعل والتنفيذ. فكيف وقد تمكن الكرد، نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة، من تسجيل ظفر نوعي كبير؛ عبر صناديق الاقتراع، في قرى وبلدات ومدن تركيا المدنية؛ وليس عبر السلاح، وحرب العصابات، في شعاب جبل قنديل؟
الإيديولوجيا في مستوى الحلم، كانت محرّك البرنامج السياسي الشهير «درب الثورة الكردية»، الذي وقّعه أوجلان في سبعينيات القرن الماضي، وساجل بأنّ الثورة الكردية الشاملة في كلّ أقاليم كردستان هي السبيل الوحيد لإقامة وطن الكرد القومي. وأمّا اليوم، فإنّ الخروج من أدغال المفارقات إلى الشمس الساطعة، وإلى حيازة حقوقهم المشروعة كافة، يقتضي ذلك التحديث الضروري لبرامج الماضي في الحاضر، كما يتطلب ذلك المزج الإبداعي بين أوجلان ودميرطاش؛ وليس هذا على الكرد بكثير، البتة!
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
انتخابات تركيا: دروس وفضائل/ صبحي حديدي
كثيرة هي الدروس التي يُتاح للمراقب أن يستخلصها من الانتخابات التشريعية، التي شهدتها تركيا مؤخراً؛ بعضها نابع من معطيات محلية صرفة، تخصّ المشهد التركي الداخلي بعناصره السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ وبعضها، في المقابل، إقليمي على صلة بما تشغله تركيا من موقع فاعل في خريطة الصراعات والتحالفات على امتداد الشرق الأوسط.
ولعل الدرس المحلي الأول هو عزوف الناخب التركي عن منح حزب واحد بطاقة ترخيص مطلقة، تمكّنه من الحكم الأحادي، وربما تعديل الدستور، والذهاب أبعد نحو استبدال النظام البرلماني الراهن بآخر رئاسي شبه إمبراطوري. وإذا كان الناخب ذاته قد منح «حزب العدالة والتنمية» مثل هذا الترخيص في تجارب انتخابية سابقة، فإنّ حجبه اليوم مرتبط أغلب الظنّ بشخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والحدّ من طموحاته إلى إسباغ سمات سلطانية ـ والبعض لا يتردد في القول: عثمانية ـ على مقام الرئاسة.
الدرس الثاني هو أنّ نسبة لا بأس بها من أصوات الكرد المتدينين، الذين اعتادوا التصويت لـ»العدالة والتنمية»، صوّتوا هذه المرّة لـ»حزب الشعوب الديمقراطي»، اليساري عموماً، والعلماني على نحو أشدّ وضوحاً حتى بالمقارنة مع الأحزاب الأتاتوركية التقليدية. لكنّ تلك النسبة لم تكن حاسمة بما يؤهل هذا الحزب الناشىء لتخطي حاجز الـ10٪، الضروري لدخول البرلمان، فحسب؛ بل اقتربت في بعض التقديرات من معدّل الـ5٪، الذي حرم «العدالة والتنمية» من الفوز بأغلبية مطلقة كان يتمتع بها ويتطلع إليها. والسؤال التالي هو قدرة هذا الحزب الكردي الوليد على حسن التصرّف بهذا الانتصار، إزاء مطالب جماهيره الكردية أولاً، ثمّ أقليات الأرمن والتركمان والآشوريين التي يقول إنه يمثلها؛ بعيداً عن الاستقطابات والتحالفات العابرة، والتي كانت مفسدة الحياة الحزبية التركية طيلة عقود.
الدرس الثالث، ولعله الأهمّ هنا، هو أن الناخب التركي أعاد تذكير الجميع، في الداخل والخارج على حدّ سواء، بأنّ النموذج التركي في التعددية والديمقراطية حيّ ما يزال، بل هو حيوي وخلاق وقادر على اقتراح صِيَغ مستقبلية تكفل الإبقاء على النموذج، كما تفسح أكثر من مجال واحد لصيانته وتطويره. صحيح أنّ نتائج الانتخابات قد تردّ تركيا إلى مرحلة من عدم الاستقرار، طويت خلال 14 سنة مع أغلبية «العدالة والتنمية»؛ إلا أنّ الإرادة الشعبية صحيحة أيضاً، في المقابل، من حيث منح الكرد حقاً دستورياً حُجب عنهم طويلاً، وقطع الطريق على أية ميول إمبراطورية في هرم الجمهورية التركية.
ويبقى درس رابع، ثقافي وفكري، بمثابة ردّ مباشر على برنارد لويس المؤرّخ المستشرق، المختصّ في الآن ذاته بالشؤون التركية، وصاحب أعمال مثل «انبثاق تركيا الحديثة»، 1961؛ و»إسطنبول وحضارة الإمبراطورية العثمانية»، 1963؛ و»لماذا تركيا هي الديمقراطية المسلمة الوحيدة»، 1994؛ التي باتت مراجع كلاسيكية في عشرات الجامعات والمعاهد ومراكز البحث العالمية. وقبل نحو عقد، أثار لويس ضجة واسعة، ترددت أصداؤها في نفوس الساسة الأوروبيين والبرلمان الأوروبي والشارع العريض في الغرب بأسره، حين صرّح لصحيفة «دي فيلت» الألمانية أنّ أوروبا، بسبب من إمكانية ضمّ تركيا في المقام الأوّل، سوف تصبح إسلامية عند نهاية القرن الحالي! في عبارة أخرى لم يكن لويس مرتاحاً إلى انضمام هذه «الديمقراطية المسلمة الوحيدة» إلى الديمقراطيات الغربية التي تتكئ، في الأعمّ، على تراث ثقافي وفلسفي وحقوقي يهودي ـ مسيحي، وذلك لأنّ نموذج التعددية التركي سوف يمنح الإسلاميين كامل السلطات حسب رأيه.
الأرجح، في الخلاصة، أنّ النموذج انتصر، على ذاته أوّلاً، وفي هذا شرف له وقوّة ومتانة؛ فضلاً عن اعتبارات ديمقراطية أخرى، ليست أقلّ فضيلة.
القدس العربي
احتمالات تركيّا/ حازم صاغية
أشاعت الانتخابات التركيّة الأخيرة ارتياحاً واسعاً، بل فرحاً مبرّراً. ولم يكن مردّ ذلك، إلاّ جزئيّاً، أنّ “حزب العدالة والتنمية” وزعيمه رجب طيّب أردوغان مُنيا بنكسة، ولا أنّ الأكراد تحوّلوا، عبر قائمة “حزب الشعوب الديمقراطيّ”، للمرّة الأولى في تاريخ تركيّا، قوّةً مؤثّرة ومساهمة في صنع القرار، في البرلمان وليس في الشارع فحسب.
صحيح أنّ سقوط مشروع “السلطنة” الأردوغانيّة وانتزاع الأكراد بعض القدرة على تلبية حقوقهم، مثيران بذاتهما. لكنّ السبب الأهمّ للارتياح والفرح أنّ الديمقراطيّة التركيّة الوليدة صمدت أمام تحدٍّ بالغ الجسامة والخطورة، وأنّ محاولات أردوغان الشعبويّة لإكمال تهميشه الحياة السياسيّة آلت إلى فشل ذريع. وهذا ما يقوّي نسبيّاً حجّة المدافعين عن النموذج التركيّ في الجمع بين الديمقراطيّة والإسلام، بعدما كادت تلك الحجّة تتهاوى مؤخّراً تحت مطرقة القضم الأردوغانيّ للديمقراطيّة.
حتّى الأزمة السياسيّة التي أدّت إليها نتيجة الانتخابات الأخيرة، أي عدم التوصّل إلى أغلبيّة مطلقة والاضطرار إلى اعتماد ائتلاف حكوميّ تحول دونه الفجوة الضخمة بين الأحزاب، قابلة لأن تغدو تعبيراً عن أزمة النموّ الديمقراطيّ للبلد وتجربته. وهذا، كما تعلّمنا تجارب كثيرة، قد يتأدّى عنه خلط جديد للأوراق السياسيّة والإيديولوجيّة ينعكس في ما تفرزه انتخابات عامّة جديدة من نتائج.
فعلى هذا النحو، مثلاً، عاش بلد أوروبيّ جنوبيّ كإيطاليا عقوداً طويلة امتدّت ما بين نهاية الحرب العالميّة الثانية ونهاية الحرب الباردة.
لكنْ يبقى أنّ هذا الاحتمال الكبير ليس الاحتمال الأوحد في الأفق التركيّ. فهناك، وفي مناخ استطالة الأزمة السياسيّة، قد يلوح احتمال آخر، هو الفوضى المشوبة ربّما بالعنف. وهذا ما تزداد حظوظه إذ ما تبدّى تعنّت أردوغانيّ يمانع في أيّة شراكة فعليّة تستجيب للنتائج الراهنة أو لنتائج انتخابات مقبلة، وتغلق الباب أمام أيّ تنازل عن أيّة نسبة من السلطة. وقد تعمل في هذا المناخ أزمة اقتصاديّة يصحبها تدهور الليرة التركيّة في موازاة تمادي المخاوف على استقرار البلد وفرص الاستثمار فيه.
وتبقى الورقة المطويّة، والمستبعدة حتّى الآن، وهي استغلال الجيش حالة الأزمة والبطء في التعافي منها، فضلاً عن التردّي الاقتصاديّ، لكي يعود مجدّداً إلى الواجهة كمنقذ من الفوضى.
والحال أنّ المؤسّسة العسكريّة التي اضطلعت طويلاً بدور التحكيم والوصاية، ونفّذت لهذا الغرض ثلاثة انقلابات عسكريّة ما بين 1961 و1980، قد تُغريها استعادة مجدها القديم. ومثل هذه الاستعادة إنّما تحسّنت فرصها بعد تبرئة الضبّاط من تهمة التآمر الانقلابيّ التي استخدمها أردوغان طويلاً للإمعان في تهميش الجيش. وغنيّ عن القول إنّ في تركيّا، لا سيّما في بيئة أنصار “الحركة القوميّة” وبعض الأتاتوركيّين، من هم مستعدّون للنزول إلى الشارع ومطالبة “جيشنا الوطنيّ” بأن ينقذ البلد والشعب، خصوصاً إذا ما انفجر عنف قوميّ ردّاً على احتمال الائتلاف مع الأكراد، أو عنف كرديّ ردّاً على احتمال الائتلاف مع القوميّين.
وبالطبع فهذه كلّها احتمالات غير مؤكّدة. إلاّ أنّ المراقب لا يسعه التغافل عن الفارق بين خيار مفاده تحمّل الأزمة السياسيّة وحلّها بالسياسة، بما ينمّ عن نضج ديمقراطيّ، وخيارات عنفيّة وانقلابيّة تدلّ، في حال اعتمادها، إلى طفولة تركيّا الديمقراطيّة وإلى أنّ إقلاعها المستقرّ لا يزال عرضة للاختبار، وللمعاناة المؤلمة أيضاً.
موقع 24
تركيا وتحديات المرحلة المقبلة/ محمد زاهد جول
نبه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل الانتخابات بأن عدم الحسم في الانتخابات المقبلة، التي جرت في السابع من الشهر الحالي سوف يؤدي إلى مشاكل عديدة في البلاد، وهو ما وقع فعلاً، بعد عدم حسم نتائج الانتخابات لصالح حزب واحد، وإن بدا ذلك مفاجئاً لكثيرين من مؤيدي حزب العدالة والتنمية، ولكن الديمقراطية التركية التي أرساها حزب العدالة والتنمية نجحت في صناعة التغيير الحقيقي في الانتخابات أيضاً، ولم تأت النتائج رتيبة ولا مصطنعة، ولذلك ذهبت تحليلات عديدة لمعرفة الأسباب لتراجع حزب العدالة والتنمية، لأنهم لم يقرأوا النتائج إلا من وجهة نظر متوقعة فقط ولو كانت غير ديمقراطية، فالانتخابات الديمقراطية لا تعرف إلا التغيير وإلا فقدت صفتها الديمقراطية، والانتخابات في الدول الأوروبية شاهد على ذلك، وتركيا واحدة منها.
والبعض اعتبر تدخل أردوغان في مسيرة الحزب الانتخابية سببا سلبياً في تراجع التصويت للحزب، بينما يمكن القول بأن أحد الأسباب التي ادت إلى ان يبقى حزب العدالة والتنمية في مقدمة الأحزاب في هذه الانتخابات بفارق كبير أيضاً، هو تأييد أردوغان العلني لحزب العدالة والتنمية، وقوله مراراً أنه لا يستطيع أن يكون حيادياً إذا تعلق الأمر بمستقبل تركيا، والانحياز إلى الوطن، وكذلك يمكن القول بأن كل الأسباب التي جعلها البعض من أسباب التراجع يمكن تفسيرها على نحو مخالف بانها من أسباب النجاح لحزب العدالة والتنمية، ومنها دعوة الحزب إلى تعديل الدستور، أو كتابة دستور جيد، أو تغيير النظام السياسي التركي من برلماني إلى رئاسي، لأن من أهداف التغيير السياسي تقوية الجمهورية التركية بما يتوافق مع دور تركيا في الحاضر والمستقبل في النظام العالمي وليس الأوروبي والغربي فقط.
إن فوز حزب العدالة والتنمية بنسبة 41٪ تعني أن عددا كبيرا من الشعب التركي انتخبه، ولا يزال يرى أنه الحزب الأجدر على قيادة تركيا في المرحلة المقبلة، وقد يكون من أسباب ضعف التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية، كما حصل في السابق، أن بعض انصار الحزب الذين لم يصوتوا أصلاً ظنوا ان النتيجة معروفة وسوف يفوز حزب العدالة والتنمية بدون تصويتهم، أو أن تصويتهم لحزب آخر قد لا يؤدي إلى نوع من التراجع، وبالأخص التصويت الذي ذهب إلى حزب ديمقراطية الشعوب، وبالأخص أن معظم أنصار حزب العدالة والتنمية من المنطقة الجنوبية والشرقية من ديار بكر، حيث الأغلبية السكانية من الأكراد، الذين كانوا من انصار حزب العدالة والتنمية، وكانوا من الثقل الانتخابي الذي يعتمد عليه حزب العدالة والتنمية قد صوتوا فعلاً لصالح حزب ديمقراطية الشعوب، وليس بمستبعد أن يكون هذا التصويت لم يكن المقصود منه إضعاف حزب العدالة والتنمية، وإنما إعطاء فرصة سياسية لحزب ديمقراطية الشعوب ان يتجاوز الحاجز الانتخابي وهو 10٪، فحزب ديمقراطية الشعوب لم يكن ينافس حزب العدالة والتنمية على تحقيق نسبة أكبر في الانتخابات البرلمانية، وإنما كان ينافس لتحصيل 10٪ لكسر الحاجز الانتخابي فقط، فهذا أعلى طموحاته.
لا شك ان التراجع قد أحدث زلزالا في الحياة السياسية التركية بعد استقرار سياسي دام ثلاثة عشر عاماً مع حزب العدالة والتنمية، ولذلك فإن التحدي الحالي معرفة من يستطيع تعويض حالة الاستقرار السياسي الذي حققه حزب العدالة والتنمية اولاً، واستطاع تحويله إلى نهضة اجتماعية ثانياً، وتقدم اقتصادي ثالثاً، ومصالحة داخلية وشيكة رابعاً، فهل يستطيع أحد من الأحزاب الفائزة غير حزب العدالة والتنمية قيادة الدفة السياسية التركية بنجاح كما فعل حزب العدالة والتنمية، ما هو الحزب الذي يستطيع ان يصنع استقرارا سياسياً، لا شك أن كل الأحزاب الفائزة لا تستطيع مجتمعة ان تقود الحياة السياسية التركية بنجاح، ولذلك قد يكون من الصواب ان يطلب الرئيس أردوغان من احزاب المعارضة مجتمعة أن تقوم بإدارة الحياة السياسية وحدها، أي من غير حزب العدالة والتنمية، وأن تجرب قدرتها على سياسة شؤون البلاد وحدها، والفرصة الأكثر ظهوراً حتى الآن هي ان يتوجه الرئيس أردوغان بالطلب إلى رئيس حزب الحركة القومية بتشكيل الحكومة، حيث لديه عنصر بارز فاز في الانتخابات البرلمانية، وهو أكمل الدين إحسان اغلو، فيمكن ان تسند إليه مسؤولية تشكيل الحكومة التركية ويبقى حزب العدالة والتنمية في المعارضة، وقد تكون هناك شخصية أخرى من الأحزاب الفائزة يمكن أن يسند إليها تشكيل الحكومة، والتعاون مع الأحزاب الأخرى لتشكيل الحكومة، ودور حزب العدالة والتنمية أن يدعم هذه الحكومة بكسب الثقة، ولكن بدون أن يكون مشاركا لها في الائتلاف الوزاري.
لقد وفى رئيس الحكومة أحمد داود أغلو بوعده بالاستقالة، إذا لم يستطع أن يشكل الحكومة المقبلة بعد الانتخابات بمفرده، أي بانفراد حزب العدالة والتنمية، فقدم استقالته للرئيس أردوغان، ولكن الرئيس أردوغان كلفه بإدارة حكومة تصريف اعمال، ولا شك ان الناخب التركي سوف يراقب بحرص شديد قدرة أي حزب على تشكيل حكومة ائتلاف، فعلى فرض تكليف حزب الحركة القومية بتشكيل الحكومة فإن حزب ديمقراطية الشعوب لن يقبل بدخول هذه الحكومة، وبالتالي فلن يستطيع حزب الحركة القومية بتشكيل الحكومة وحده او مع حزب الشعب الجمهوري، وبالتالي فإن أي حزب من هذه الأحزاب المعارضة سوف يلجأ إلى مشاركة وزراء مستقلين من خارج احزابهم، وبالتالي فإن أي حزب بما فيها حزب العدالة والتنمية يحتاج إلى اتفاق مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة تكنوقراط ولمدة قصيرة قد لا تزيد عن عدة أشهر، وبالتالي فإن التحدي الحالي هو قدرة أي حزب بتشكيل حكومة تكنوقراط لتسير أمور البلاد، لحين الدعوة إلى انتخابات مبكرة، أي أن المفاوضات التي سوف تجري في البلاد خلال هذا الأسبوع ستكون حاسمة في طريقة تسيير أمور البلاد فقط، بدون وقوع ازمات سياسية او أزمات اقتصادية تؤثر على المواطن التركي في معيشته وأمنه.
قد يكون من المفيد ان يلجأ حزب العدالة والتنمية إلى لعب دور المعارضة السياسية وعدم دخول حكومة ائتلافية مع أحد من الأحزاب، ولكن ذلك منوط بان تستطيع أحزاب المعارضة الحالية، الفائزة في الانتخابات الجديدة، تشكيل حكومة ائتلافية، فهذا سوف يعطي أحزاب المعارضة فرصة لممارسة السياسة العملية وتلبية مطالب الشعب التركي، وان تكون أحزاباً سياسية على قدر من المسؤولية في تشكيل الحكومة الائتلافية أولاً، وفي الاتفاق على توزيع الحقائب الوزارية ثانياً، وفي كسب ثقة البرلمان ثالثاً، والأهم من ذلك رابعاً هو النجاح في إدارة شؤون الحكومة والبلاد لتأمين الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فإذا لم تحقق هذا النجاح الذي يرجوه الشعب التركي، فإن الأحزاب الفائزة نفسها ستحكم على نفسها بالفشل في إدارة المهمة التي تم انتخابهم إليها، وستكون هي السبب بالدعوة إلى انتخابات مبكرة.
٭ كاتب تركي
عن شماتة الطغاة العرب بإردوغان
رأي القدس
موجة الشماتة من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بلغت ذرى كبيرة بمجرد ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية التركية.
الشامتون كثر، اولهم طبعاً أعداء الرجل الأيديولوجيون والشخصيون الذين فجعهم صعود نجم إردوغان ونجاحاته الاقتصادية والسياسية وشعبيته التي لم ينازعها منازع منذ انتقاله من رئاسة بلدية اسطنبول إلى رئاسة الحكومة عام 2003 وصولا الى رئاسة الدولة عام 2014.
يتعلّق الأمر بداية بخصومه الأيديولوجيين والسياسيين في تركيا والعالم العربي، وعلى رأسهم بعض الطغاة العرب.
في تركيا هناك متشددو العلمانية التركية الذين يمثلهم حزب الشعب الجمهوري ومشكلتهم أن اردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» الإسلامي التوجه خطف سدّة قيادة الدولة التي تمتعوا بامتيازاتها منذ تأسيس الجمهورية عام 1923.
الحفاظ على وحدة الدولة التركية كانت المهمة الكبرى التي أنجزها أتاتورك والأتراك عموماً، وكانت العلمانية هي الأيديولوجية التي اعتنقها أتاتورك والنخبة التركية باعتبارها العقيدة التي ستحمي البلاد من التفكك لكن ورثة أتاتورك استخدموا تلك الأيديولوجيا ذريعة لمنع تداول السلطة وهو ما دفعت ثمنه هويّة تركيا الإسلامية والمؤمنون بها، وكذلك دفع الأكراد الذين أيقظت الدعوات القومية طموحهم للاستقلال، وبهذا المعنى كان الإسلاميون شركاء الأكراد في المظلومية لعقود طويلة.
وكما كان اكتساح حزب «العدالة والتنمية» للانتخابات التركية منذ عام 2003 إنجازاً لتاريخ طويل من النضال وامتحانا لقدرة الجمهورية التركية على التطور والارتقاء في سلم المدنية واحترام نظم الديمقراطية وحقوق الإنسان في التعبير والكرامة والعيش الكريم، فقد جاء وصول الأكراد أخيراً إلى البرلمان كإنجاز لنضالهم السلميّ وامتحانا جديداً لقدرات النظام التركي على التطور والتمدّن.
بهذا المعنى فإن فوز حزب الشعوب الديمقراطي (وهو الحزب الذي تمكن من إيصال طموحات الأكراد نحو البرلمان) لا يعتبر بمقياس التاريخ خسارة لحزب «العدالة والتنمية» كما يصور الشامتون بإردوغان بل هو تعبير تاريخي عن لحظة تشارك المظلوميتين الإسلامية والكردية حقهما في الوجود والتعبير وتعديل مسار الجمهورية التركية في إحالة إلى ما يسميه الفيلسوف المصري حسن حنفي «مكر التاريخ»، ففي هذه اللحظة الكبرى من تاريخ تركيا تمكن الأتراك، الذين فتحوا القسطنطينية، من فتح قسطنطينية جديدة تعبر بهم إلى فضاء التسامح والبناء المشترك لبلادهم.
قد يجادل البعض في ان تركيا كانت بحاجة لزعيم بحجم إردوغان مخول شعبيا بصلاحيات كبرى ليقوم بإنجازات سياسية واقتصادية خطيرة لكن الرد الحقيقي على ذلك هو أن لا إنجاز أكبر من التئام جروح الهوية والتاريخ والجغرافيا وهو الأمر الذي فتحت النافذة له نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة.
لكن أكثر ما يثير السخرية بين جموع الشامتين بإردوغان اولئك الطغاة العرب ومناصريهم الذين يعيشون لحظة تاريخية مختلفة تماماً ومناقضة كليا لما حصل في تركيا.
يتفاخر هؤلاء الطغاة العرب الأشاوس ببقائهم على كراسيهم في الوقت الذي تنهار فيه بلدانهم وتتشظى وتنحط فيه مصائر شعوبهم التي هرعت زرافا ووحدانا للفرار بأرواحها، برا وبحرا وجواً، للنجاة من المحرقة الكبرى التي وضعوهم فيها.
إردوغان لم يحصل على صلاحيات أتاتورك لأن تركيا، ببساطة، لم تعد بحاجة لأتاتورك، أما الطغاة العرب فما زالوا يحاولون دفن شعوبهم مع مرحلتهم التي ماتت منذ زمن طويل.
اردوغان بهذا المعنى هو أتاتورك لحظته التاريخية الذي صارت تركيا في عهده البلد ذات الاقتصاد رقم 17 في العالم، والذي انفتحت بسببه إمكانيات حل إشكاليتين ما يزال العالم العربي غير قادر على حلّهما: مسألتا الهويّة والأقليات.
أما الطغاة العرب الشامتون فكلّ ما يفعلونه هو محاولة تأبيد الموت.
القدس العربي
على هامش الانتخابات التركية/ زيـاد مـاجد
لا تدّعي هذه الافتتاحية تحليلاً للشأن الانتخابي وديناميّاته السياسية في تركيا. هي تسجيلٌ لثلاث ملاحظات على هامش التجربة الديمقراطية التركية وانتخاباتها، وما تعنيه بعضُ جوانبها في خضمّ السجالات الراهنة عربياً وإسلامياً حول أشكال الحكم والتمثيل السياسي والسلطة.
الملاحظة الأولى أن التجربة الديمقراطية في تركيا تبدو – استحقاقاً بعد آخر – أكثر رسوخاً في مؤسّسات الدولة والمجتمع. فدوريّة الانتخابات وكثافة المشاركة فيها وحصول الحزب الأول في البلاد (العدالة والتنمية) على ما دون نصف أصوات الناخبين تُؤكّد حيويّة التنافسية وحِدَّتها.
كما أن حرّية التعبير والتظاهر وتأسيس الجمعيات والاستقلالية النسبية للقضاء، معطوفةً على تراجع الدور السياسي للمؤسّسة العسكرية منذ العام 2002 (وهي التي نفّذت الانقلابات أعوام 1960 و1971 و1980 و1997) مؤشّرات على نضج التجربة، رغم الانتهاكات التي طالت في السنوات الأخيرة صحافيّين ومتظاهرين وحاولت تقييد حقوق النساء.
الملاحظة الثانية ربطاً بالأولى، أن النزعة التسلّطية في سلوك الرئيس أردوغان وتصريحاته وطلبه تعديل الدستور لجعل النظام يتّخذ طابعاً رئاسياً أكثر منه برلماني، حفّز قسماً من المواطنين على الاقتراع ضد الحزب الحاكم خوفاً على الحياة الديمقراطية ورفضاً لأي استئثار بالسلطة يُخلّ بالتوازنات ويطبع السلطة بالطابع الشخصي. وهذا في ذاته سلوكٌ يُبرز الحرص على الدفاع عن القيم الديمقراطية والجمهورية، وسيفرض على الأرجح على أردوغان والحزب الحاكم (وسائر الأحزاب) تعديلاتٍ في مقاربات الشأن العام.
الملاحظة الثالثة، أن دخول القومية الثانية في البلاد (الكردية) الى البرلمان بصفتها تلك (من خلال قائمة حزب الشعوب الديمقراطي)، بعد أن كان إشهارها على مدى عقود محظوراً وتمثيلها السياسي كقومية معدوماً، يُظهر التطوّر الذي طرأ في الثقافة السياسية التركية، وفي أساليب عمل الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة. ويُظهر أيضاً أن الحياة العامة أصبحت أكثر تسامحاً مع التعدّدية الثقافية والسياسية.
ماذا يعني الأمر عربياً وإسلامياً اليوم؟
أمران أساسيان.
أوّلهما، أن الديمقراطية ما زالت الأفق والنظام الأمثل للحكم والأضمن لسلامة المجتمع، وأنها ممكنةٌ في بلدان ذات أكثرية مسلمة وفي ظلّ تبوّءِ حزب ذي مرجعية فكرية إسلامية السلطة. وأنّها، أي الديمقراطية، كلّما تكرّست ثقافةً وممارسةً كلّما حصّنت الدولة في مواجهة الميول التسلّطية التي يمكن أن تبرز بين الحين والآخر.
والثاني، أن العلمنة شرط اقترانها بالديمقراطية تقي المجتمع من مخاطر الاستظلال بالله وبالدين لتبرير السياسات المُفضية حكماً مطلقاً، وتحترم في الوقت عينه حرّية المعتقد والحقّ في ممارسته.
وتركيا بهذا المعنى تجربة غنيّة متعرّجة مرّت وتمرّ في الكثير من المراحل والأطوار، وما زال من الممكن للعديد من دول المنطقة العربية الاستفادة من دروسها، لا سيّما اليوم، حيث إذا ما استثنينا تونس، تتعرّض مجمل المسارات السياسية الوطنية التي بشّرت بتحوّلات العام 2011 للانتكاس، أو حتى للانهيار…
موقع لبنان ناو
الانتخابات التركية.. قراءة في النتائج والسيناريوهات/ سعيد الحاج
الأرقام والدلالات
حصان الانتخابات الأسود
أسباب التراجع
السيناريوهات المتوقعة
رسمت نتائج الانتخابات البرلمانية التركية مشهدا سياسيا وحزبيا جديدا في تركيا، شديد الاختلاف عما اعتادت عليه منذ 2002، ووضعتنا أمام ضرورة قراءة ما هو أعمق من النتائج والأرقام المجردة، في محاولة لاستشراف سيناريوهات المستقبل القريب الممكنة.
الأرقام والدلالات
رغم تقدمه على جميع الأحزاب المنافسة له في رابع انتخابات برلمانية على التوالي، فإن ما أفرزته صناديق الاقتراع وفق النتائج غير الرسمية حتى تاريخ كتابة هذه السطور، حرم حزب العدالة والتنمية من إمكانية تشكيل الحكومة بمفرده، وألجأه إلى سيناريوهات بديلة لم يضطر للجوء لها من قبل.
ذلك لأن الحزب لم يفشل فقط في الوصول إلى 367 نائبا لتغيير الدستور عبر البرلمان، وفقد حتى فرصة طرحه على الاستفتاء الشعبي (330 مقعدا)، بل بات غير قادر حتى على تشكيل الحكومة بمفرده بعد خسارته الأغلبية البرلمانية، إثر ثبات أصوات الشعب الجمهوري وتقدم كل من حزبي الحركة القومية والشعوب الديمقراطي، حيث وضع الأخير بتخطيه حاجز 10% الانتخابي حدا لطموح العدالة والتنمية.
أعمق من الأرقام والنتائج المجردة، نستطيع أن نستخلص النتائج الجوهرية المهمة التالية من العملية الانتخابية:
أولا، رسوخ الديمقراطية في تركيا: إذ شارك أكثر من 47 مليونا وأربعمئة ألف ناخب تركي في الانتخابات بنسبة مشاركة بلغت 87%، دون أحداث كبيرة أو اعتراضات تذكر، وأكدت تصريحات كل الأحزاب السياسية على احترام النتائج ورأي الشعب التركي، وهو مؤشر صحي يشير إلى تقدم التجربة الديمقراطية التركية بكل الأحوال.
ثانيا، التصويت بناء على الهوية: حيث اتضح أن معظم الأكراد قد صوتوا لحزب الشعوب الديمقراطي، وتشير النتائج الخاصة بكل منطقة على حدة إلى انزياح حوالي 3% من أصوات العدالة والتنمية إليه، فسرت على أنها أصوات “الإسلاميين الأكراد” الذين قدموا الهوية الكردية على غيرها من معايير الاختيار.
وفي مقابل ذلك، أذكى مشروع الشعوب الديمقراطي وعملية السلام مع الأكراد الحس القومي لدى أطياف كثيرة ساهمت في رفع نسبة الحركة القومية، وهو أمر مفهوم وفق منطق الاجتماع السياسي بطبيعة الحال. من ناحية أخرى، يبدو أن الشعب الجمهوري ذا الاتجاهات الكمالية العلمانية قد حافظ على كتلته الصلبة رغم غيابه عن الحكم لأكثر من 13 عاما، فهو إذن تصويت أيديولوجي قبل أي شيء آخر.
ثالثا، الخريطة الحزبية التركية: أكدت نتائج الانتخابات أن المشهد السياسي التركي يتضمن أربعة تيارات رئيسة ممثلة في الأحزاب الأربعة التي نجحت في الوصول إلى البرلمان، وأنها خريطة مستقرة ومستدامة ومن الصعب تغييرها أو تجاوز أي من أطرافها في المستقبل القريب: العدالة والتنمية ممثلا لمعظم الإسلاميين، والشعب الجمهوري ممثلا لأغلب العلمانيين، والحركة القومية كتيار أساسي للقوميين، والشعوب الديمقراطي كإطار لغالبية الأكراد.
رابعا: رفض مشروع النظام الرئاسي: إذ كان هذا المشروع أحد أهم أسباب تصويت نسبة كبيرة من أنصار الشعب الجمهوري للشعوب الديمقراطي، وتخوف أطياف واسعة من الناخبين الأتراك من إمكانية تحول البلاد إلى نظام أكثر سلطوية. وتؤكد النتائج غير الرسمية أن كل السيناريوهات الحكومية الممكنة ستتطلب تخلي أردوغان والعدالة والتنمية عن هذا المشروع، ولو مؤقتا.
حصان الانتخابات الأسود
خرج حزب الشعوب الديمقراطي كأكبر الفائزين في هذه المعركة الانتخابية، فبعد أن كانت غاية طموحه أن يتخطى “العتبة الانتخابية” المتمثلة بنسبة 10% لدخول البرلمان، وجد نفسه أمام تمثيل تاريخي قياسي للأكراد في البرلمان (13%، بمجموع 80 مقعدا)، ومقدما نفسه كممثل شبه حصري لهم، بفضل العوامل التالية:
1- التصويت على الهوية الذي كان الأكراد أكبر المستفيدين منه، كحزب قومي أيديولوجي يمثل أقلية.
2- تطوير الحزب لرؤيته وخطابه وتقديم نفسه على أنه ممثل الأكراد أولا وهو ما ضمن له أصوات معظم الإسلاميين الأكراد المؤيدين للعدالة والتنمية، ثم “حزب كل تركيا” ثانيا، باعتباره مدافعا عن “كل الشعوب المسحوقة”.
3- بنى الحزب حملته الانتخابية على أساس العداء مع العدالة والتنمية وأردوغان، وتعهد بدخول البرلمان لحرمان الحزب الحاكم من الأغلبية وتحويل النظام في البلاد إلى رئاسي، وهو ما أمن له نسبة غير قليلة من أنصار حزب الشعب الجمهوري خاصة.
4- اجتماع أحزاب المعارضة الثلاثة على مهاجمة الحزب الحاكم وتجنب الانتقادات البينية، مما وضع إخفاقات وأخطاء العدالة والتنمية تحت مجهر الناخب التركي، خصوصا في ظل دعم واضح من وسائل الإعلام المحسوبة على جماعة غولن ومجموعة “دوغان” المعارضة.
5- حدة الخطاب والتراشقات بينه وبين أردوغان تحديدا، ثم التفجيرات التي استهدفت بعض مقاره وأحد مهرجاناته الانتخابية في مدينة “ديار بكر” قبل الاستحقاق الانتخابي بيومين، حيث لعب ذلك على وتر “سيكولوجيا الأقليات” ومشاعر المظلومية، فحشد المترددين من أكراد الجنوب الشرقي للتصويت.
أسباب التراجع
من ناحيته، يبدو العدالة والتنمية كمن فاز رغم الخسارة أو خسر رغم الفوز، حيث حافظ على تقدمه في الانتخابات وبفارق كبير عن أقرب منافسيه، بيد أنه بعيد عن إمكانية تشكيل الحكومة بمفرده، متراجعا بنسبة 9% على الأقل عن نتيجته في انتخابات عام 2011.
ويبدو أن أهم عوامل هذا التقهقر كان التغيير في قيادة الحزب، حيث خسر أولا مؤسسه وقائده أردوغان الذي انتقل للقصر الرئاسي، كما خسر جهود سبعين من قيادات الصف الأول وأصحاب الخبرات والإنجازات فيه بسبب نظامه الأساسي الذي يمنع الترشح لأكثر من ثلاث فترات متتالية.
من ناحية أخرى، يبدو أن الفوز بتسع مناسبات انتخابية متتالية منذ 2002 قد أدى إلى بعض الكسل والتراخي بين المسؤولين والأنصار من جهة، كما قلل من الحماسة للتصويت، بسبب تراجع الشعور بالمظلومية والتهديد في حال غياب الحزب عن المشهد السياسي من جهة أخرى.
فضلا عن أن تراجع وتيرة الإنجاز عما كانت عليه قبل 12 عاما -وهو أمر متوقع وفق سياق التجربة ومراحلها- قلل من رضا المواطن، إضافة إلى نسبة لا بأس بها تبدو غير راضية عن أداء الحزب أو بعض مسؤوليه -مثل خلافات القياديين- فأرادت أن ترسل له رسالة عبر عزوفها عن التصويت أو التصويت لغيره.
أيضا، يبدو أن العدالة والتنمية لم يقو على مواجهة الأحزاب المعارضة الثلاثة والمنظومة السياسية والإعلامية الداعمة لها وحده، خاصة أن تهم الفساد التي لاحقت بعض وزرائه -وبرأتهم منها المحاكم- بقيت سيفا مسلطا في يد المعارضة أجادت استثماره.
كما يبدو أن أردوغان وحزبه السابق فشلا في تسويق مشروع النظام الرئاسي للبلاد ولم ينجحا في طمأنة المتوجسين من إمكانية جنوح البلاد نحو الدكتاتورية، كما أن مشاركته الفاعلة في ميادين الانتخابات -رغم دستور يفترض حياديته- قد زادت من هذه المخاوف وأعطت شعورا بعدم الثقة بداود أوغلو نفسه.
السيناريوهات المتوقعة
في ظل كل هذه المعطيات وعدد المقاعد التي حصل عليها كل حزب، تبدو البلاد أمام مشهد جديد تماما، يحتاج لمقاربة مختلفة عما اعتادته البلاد منذ 2002، ويلوح في الأفق أحد ثلاثة سيناريوهات:
سيناريو يشمل العدالة والتنمية: حيث تقضي الأعراف الدستورية بتكليف رئيس الجمهورية لرئيس الحزب صاحب أعلى الأصوات (أحمد داود أوغلو) بتشكيل الحكومة، ليسعى الأخير إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع أحد الأحزاب الأخرى، أو الحصول على دعمها لتشكيل حكومة أقلية. ورغم أن هذا الخيار متاح نظريا مع الأحزاب الثلاثة، إلا أن الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي أغلقا باب التعاون بشكل قاطع، أما حزب الحركة القومية فقد أوحى بشرطين يتعلقان بموقع أردوغان في الحياة السياسية، إضافة إلى عملية السلام مع الأكراد، الأمر الذي يصعّب فكرة التحالف.
سيناريو يستثني العدالة والتنمية: إذ لا يشترط الدستور على الرئيس تكليف المتقدم في الانتخابات فقط، وبذلك قد يتم تفعيل هذا الخيار في حال أصرت أحزاب المعارضة الثلاثة على رفض التعاون مع داود أوغلو واتفقت على التحالف فيما بينها، باعتبار أن مجموع أصواتها يعطيها الأغلبية ويؤهلها لإعطاء الحكومة الثقة.
وبذلك تستطيع هذه الأحزاب من الناحية النظرية تشكيل حكومة ائتلافية ثلاثية، أو دعم حكومة أقلية من حزبين منها، لكنه في كل الأحوال خيار صعب التحقق، أولا بسبب الخلافات الكبيرة بين أطراف هذا الائتلاف، خاصة الحركة القومية والشعوب الديمقراطي، وثانيا لأن الكرة في ملعب أردوغان الذي لا يلزمه الدستور بهذا الخيار الذي سيجلس العدالة والتنمية على مقاعد المعارضة.
سيناريو الانتخابات المبكرة: أما في حال مضى 45 يوما دون تشكيل أي صيغة حكومية، فللرئيس الحق بالدعوة إلى انتخابات مبكرة بالتشاور مع رئيس البرلمان، للخروج من حالة الانسداد السياسي. فضلا عن أي صيغة ائتلافية أو حكومة أقلية تحمل بين طياتها عوامل التنافر والفشل، إضافة لخبرة تركيا السيئة فيما خص الائتلافات الحكومية، مما يجعل سيناريو الانتخابات المبكرة -لاحقا- مطروحا بقوة حتى في حال تشكيل الحكومة.
وفي كل الأحوال، فقد دخلت تركيا مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر وباتت على مفترق طرق، فإما حالة استقرار بمعادلات وديناميات جديدة وإما انتخابات مبكرة غير مضمونة السياق أو النتائج. وسيكون المحدد الأبرز للمشهد التركي هو مدى تحلي الأحزاب الأربعة بروح المسؤولية والحكمة في إدارة هذه المرحلة الجديدة، خصوصا في ظل إشارات أولية بتأثر الاقتصاد التركي بالنتائج المفاجئة، وتخوف المواطن التركي من عودة شبح الانسداد السياسي والأزمات الاقتصادية التي عانت منها تركيا ما قبل العدالة والتنمية.
الجزيرة نت
تركيا ومأزق الاستقطاب/ رستم محمود
بعدما أحدثت الانتخابات النيابية الأخيرة مفاجأتها المنتظرة، يبدو أن المشروع السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات خارج التداول السياسي الداخلي. فالانتخابات أوقفت المسيرة التي كان هذا الحزب يراهن عليها منذ 13 عاماً استحواذاً لكامل السلطة السياسية، بعدما حافظ طوال هذه المدة على غالبية برلمانية مريحة، وحقق جميع المشاريع الكبرى التي طرحها، وشكل ثلاث حُكومات متتالية، لم يسقط أي منها إلا مع انتهاء عُمر البرلمان. وهو أمر نادر جداً في تاريخ تركيا منذ تأسيسها. كما نجح لأول مرة في إيصال رئيسين محافظين «إسلاميين» للرئاسة، وغيّر نظام انتخاب رئيس الجمهورية وصلاحياته، والكثير من البنود الدستورية والتشريعات، وكل ذلك في سياق مشروع متكامل منهجيةً ورؤيةً.
لكن هذا الحزب، ومعه كامل تيار يمين الوسط، تمركز، منذ قرابة عامين، حول أربعة مشاريع «كبرى»، أراد تحقيقها عبر الانتخابات الأخيرة.
1- تحويل نفسه بحيث يغدو «حزب الدولة»، لا مجرد حزب يرتبط نفوذه بزعامة أردوغان. فالانتصار في هذه الانتخابات، لو تمّ، فإنه كان ليتحقق، وللمرة الأولى، من دون زعامته وحضوره.
2- رغبته في تحويل نظام الحُكم من نمطه البرلماني إلى نمط رئاسي، ما يجعل أردوغان مجدداً حاكماً فعلياً مطلقاً.
3- الاستمرار في تذليل المسألة الكردية.
4- تحقيق منجزات إقليمياً، عبر تغيير سوري أولاً.
لن يستطيع «العدالة والتنمية» تحقيق أي من هذه المشاريع، وبات همه متمركزاً على تحقيق معجزة ما، وضمان أصوات 17 نائباً على الأقل من خارج كتلته، ليستطيع تشكيل الحكومة الجديدة، في مدة أقصاها 45 يوماً وفق القانون. هكذا يبدو المشهد السياسي كأنه أمام أربعة احتمالات تملك الدرجة نفسها من الصعوبة، وربما الاستحالة، وسيكون لكل منها الدفع بالبلاد والمجتمع إلى درجة كبيرة من الاستقطاب المشوب بكمّ كبير من الانقسام.
الاحتمال الأول تحالفه مع حزب «الحركة القومية» اليميني، ما يوجب عليه التخلي التام عن مشروعه لحل المسألة الكردية. وهذا سيعني مزيداً من الاضطرابات. فاليمين بشقيه، الوسط والمتطرف، يغدو حاكم البلد، والمسألة الكردية ومعها مستقبل العلمنة يغدوان خارج الحسابات. وللأمر هذا مضاعفات خطيرة، لأن الفرز الراهن ذو بُعد جغرافي/ جهوي أيضاً، فجميع الأحزاب لا تحوز أكثر من عشرة نواب في مجموع الولايات الجنوبية الشرقية الـ15، إذ يستحوذ «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي على كامل تمثيلها السياسي تقريباً، وكذلك الأمر نسبياً في سيطرة «حزب الشعب الجمهوري» على السواحل الغربية للبلاد. ما سيعنيه هذا الشأن، هكذا يغدو حُكم «الأناضول القومي» بين الطرفين الكردي الشرقي و «العلماني» الغربي.
تحالف آخر قد يتحقق بصعوبة مع «حزب الشعوب الديموقراطية»، ما يعني قبول «العدالة والتنمية» بشروطه الصعبة، ومعه الانزياح التام عن خط يمين الوسط الذي سار عليه بتوازن منذ أكثر من عقد ونصف العقد. كذلك سيعني ذلك إثارة عداء مفتوح مع الحزبين القوميين التركيين الباقيين، ما يجعل من الصعب على «العدالة والتنمية» تحقيق أي من مشاريعه الداخلية الأخرى، كتغيير الدستور والحصول على التوافق الوطني لحل المسألة الكردية.
لن يحدث هذا الائتلاف الحُكومي من دون تدخل زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان، لأن خطاب «حزب الشعوب» بُني بالأساس على مواجهة «العدالة والتنمية»، وكذلك كانت التصريحات الأولى لزعيمه صلاح الدين دميرطاش عقب صدور النتائج مباشرة. وإن حصل ذلك، فالقوميون الأتراك سيعمدون إلى التحريض والمواجهة في الشارع مباشرة، وهو المزاج الذي سبق أن رفع نسبة التصويت لـ «الحركة القومية» بمقدار مليوني ناخب عما كانته في الانتخابات السابقة.
وطبعاً هناك ما يشبه الاستحالة بالنسبة لتحالف «العدالة والتنمية» مع «حزب الشعب الجمهوري»، لأن تركيا عبر تاريخها السياسي الشائك شهدت الكثير من الأزمات السياسية الشبيهة بهذه، من دون أن تنتهي أي أزمة منها إلى تحالف بين حزب الأتاتوركية (الشعب الجمهوري) وأي من أحزاب يمين الوسط.
وهذا قد يدفع للاحتمال الثالث وهو تحالف الأحزاب المعارضة الثلاثة. إلا أنه أيضاً أمر مستبعد تماماً بسبب طبيعة العلاقة التنافرية بين «الحركة القومية» والحزب الكردي، ولن يستطيع «الشعب الجمهوري» تخطي تلك العقبة بالمساعي والتوسطات.
الاحتمال الرابع يكمن في فشل «العدالة والتنمية» في إحداث أي اختراق في تشكيل الحكومة، وكذلك فشل أي ائتلاف آخر في ذلك. وعندها ستكون تركيا أمام الدعوة لانتخابات جديدة في أقل من ثلاثة أشهر، ما قد يعني المزيد من القلق اقتصادياً وسياسياً (خسرت الليرة التركية 8 في المئة من قيمتها في اليوم الثاني من الانتخابات). وذلك سيحدث في ظل حروب كبيرة وصغيرة تحيط بتركيا، ولا تستطيع تركيا أن تعزل نفسها عنها.
صحيح أن حزب أردوغان ومشروعه خسرا في هذه الانتخابات، لكن المؤكد أيضاً، أقلّه حتّى اللحظة الراهنة، أن أحداً لم يفز فيها تماماً.
* كاتب سوري
من دروس تراجع حزب “العدالة والتنمية”/ رغيد الصلح
بعد الانتخابات التركية كثرت التكهنات حول مستقبل حزب «العدالة والتنمية»، وتطرق بعض هذه التكهنات إلى المقارنة بينه وبين جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، أقدم الأحزاب الإسلامية في المنطقة، والذي شكل مرجعية فكرية ونموذجاً اقتدى به الكثير من الأحزاب الإسلامية في العالم. وفي معرض المقارنة بين الحزب التركي والجماعة المصرية، وفي سياق التفتيش عن دلالات الانتخابات التركية، تساءل البعض عن أسباب ومعاني فقدان الحزب التركي الغالبية البرلمانية التي حظي بها سابقاً. وجواباً عن هذا السؤال، توصل البعض إلى أن تدني نسبة تأييد «العدالة والتنمية» كان بمثابة إشارة إنذار أطلقها الناخب التركي لتنبيه الحزب إلى أنه يسير في طريق قد يؤدي إلى مصير مشابه لمصير «الإخوان» في مصر.
وأشار الذين طرحوا هذا التساؤل المتشائم إلى بعض أوجه الشبه بين الحزبين. فهما يستلهمان العقيدة الدينية الإسلامية ويدعوان إلى اعتمادها أساساً في الحكم. ويواجهان تحديات مشتركة من أهمها مسألة العلاقة مع ما يدعى «الدولة العميقة». ولهذه الدولة وجه إيجابي، كما يقول وحيد عبدالمجيد، يتمثل في الإدارة التي تؤمن استمرارية الدولة وكفاءتها، لكن لها وجهاً سلبياً أحياناً عندما تتحول إلى كابح للحريات وللحقوق الديموقراطية. كذلك يواجه الحزبان، وفي الحقيقة سائر الأحزاب والقوى المنظمة في دول الشرق الأوسط تحديات إقليمية ودولية طاغية.
إن هذه العوامل وغيرها من أوجه التشابه بين الحزبين قد تجر حزب «العدالة» التركي إلى الوقوع في أخطاء فادحة، ومن ثم سقوطه من الحكم. ولكن، إلى جانب هذه العوامل، هناك اعتبارات تدفع باتجاه مضاد، وتوفر الأجواء المناسبة لتجنب «العدالة» المطبات التي وقع فيها «الإخوان» في مصر أو في غيرها من الدول العربية والإسلامية.
في مقدم هذه الاعتبارات، يأتي الفارق في التجربة السياسية بين الحزبين. فجماعة «الإخوان»، كانت منذ نشأتها قبل مئة عام تقريباً، حزباً «خارجياً» بامتياز، كما وصف موريس دو فرجيه الأحزاب التي تنشأ وتتطور خارج الحياة البرلمانية. وتخللت تاريخ «الإخوان» مشاهد العنف (اغتيال رئيس الحكومة المصرية النقراشي، محاولة اغتيال الرئيس عبدالناصر) والعنف المضاد (اغتيال حسن البنا، إعدام سيد قطب)، وإلقاء «الإخوانيين» في السجون وإجبارهم على الفرار إلى خارج البلاد. حتى عندما شارك «الإخوان» في العمل البرلماني، فإنهم لم يفعلوا ذلك باسم الحزب.
مقابل هذا التاريخ الذي حفل بالكثير من المشاهد والفصول الصدامية، فإن تاريخ حزب «العدالة» التركي يجعله أقرب إلى أن يكون حزباً «داخلياً»، فالحزب نشأ على يد عدد من النواب المنشقين عن حزب «الفضيلة» الإسلامي أيضاً. وكان من أسباب انشقاقهم أنهم كانوا أقرب إلى الاعتدال وإلى العمل داخل الإطار البرلماني. ومنذ تأسيسه شارك الحزب بنشاط في الانتخابات النيابية والبلدية كافة التي شهدتها تركيا.
هناك إذاً، فرق كبير بين التجربة السياسية لكل من الحزبين. فعند «الإخوان» كان الانتقال من المعارضة السرية إلى الإمساك بالسلطة – المدنية على الأقل – بمثابة تتويج لعمل طويل الأمد. قد يقول «إخوانيون» أن حزبهم لم يقصد السلطة كهدف، إنما كوسيلة لتطبيق المبادئ التي آمنوا بها. وقد تكون هذه قناعة حقيقية لديهم. ولا ضير في ذلك. فهذا ما يقوله أي عضو حزبي ملتزم، في أي حزب في العالم. لكن الفرق بين «الإخوان» والآخرين، ليس في ما تقدمه السلطة والحكم من منافع للأحزاب الحاكمة، إنما ما قد يفرضه الانتقال من السلطة إلى المعارضة من كلفة عالية. ومن الأرجح أن هذه الكلفة كانت في أذهان «الإخوان» عندما كانوا مهددين بالعودة إلى ظروف المعارضة، أي إلى التعرض من جديد للضغوط التي عانوا منها سابقاً. من هذه الناحية، كان هناك فرق مهم بينهم وبين أعضاء حزب «العدالة».
إن المعارضة في تركيا غير المعارضة في مصر. فالحزب التركي المعارض له، على رغم كل الانتقادات الموجهة إلى حكم أردوغان، حرمته، وهو يتمتع بامتيازات ملموسة وبحريات واسعة. هذه الميزات لم تكن متوافرة للأحزاب المعارضة في مصر خلال الفترات السابقة. من هنا، فإن هناك فارقاً بين حزب كان يخشى من الانتقال من مقاعد السلطة وما توفره من مكاسب حزبية وحتى شخصية، إلى مقاعد المعارضة وما قد يرافق هذا الانتقال من عودة إلى التوترات التي تعتري العلاقة بين الحكومة والمعارضة، وهي توترات لم تكن دوماً من صنع الحكام، بل في بعض الأحيان من صنع «الإخوان» أنفسهم.
فضلاً عن الاختلاف بين تجربة الحزبين: الخارجي والداخلي، وأثرها على نظرتهما إلى الاستعداد للانتقال من مقاعد السلطة إلى مقاعد المعارضة، فقد كان هنك فرق بين الظروف المباشرة لانتقال كل من الحزبين من المعارضة إلى السلطة. وهذا الفرق كان لا بد من أن يؤثر تأثيراً كبيراً في أداء الحزبين وفي مدى تشبث هذا الحزب أو ذاك بالسلطة وسعيه، بأساليب غير ديموقراطية أحياناً، إلى إزاحة أي عامل قد يؤثر في بقائه فيها.
فانتقال «الإخوان» في مصر، جاء نتيجة الثورة الشعبية. ولقد حققت الثورة نجاحاً فائق التصور وخارج كل التقديرات إلى درجة أنه فاجأ كل الأطراف التي تأثرت بهذا الحدث أو حتى ساهمت به، كما كان الأمر مع المنظمات الشبابية التي نجحت في إطلاق شرارة الثورة. وبسبب حجم المفاجأة وعدم الاستعداد لها، فقد خيم على الوضع السياسي المصري بعض الضياع في لحظات حاسمة من تاريخ الثورة. هذه الحال أصابت أيضاً «الإخوان المسلمين» الذين وقعوا في «أخطاء سياسية تعود إلى عدم امتلاكهم الخبرات الضرورية لإدارة دفة الحياة السياسية»، كما قال حمزة زوبع أحد قادة حزب «الحرية والعدالة» – الذراع السياسية لـ «الإخوان».
لقد جاء التغيير مفاجئاً ما أثر ف أداء «الإخوان»، أما التغيير في تركيا فإنه لم يحدث بصورة مفاجئة. فقبل مرحلة الإسلاميين كانت مرحلة تورغوت أوزال التي تضمنت إدخال إصلاحات سياسية مهمة ساهمت في إطلاق حرية العمل للأحزاب المعارضة ومن بينها حزب «العدالة والتنمية». وعلى رغم أن مرحلة أوزال كانت قصيرة نسبياً، إلا أنها كانت غنية بالتجارب التي أفادت منها الأحزاب المعارضة. ومن بين هذه الأحزاب يبدو أن «العدالة والتنمية» كان أسرعها في اكتساب خبراتها وفي التسلح بها عند الانتقال إلى مقاعد السلطة.
لقد مر كل من حزبي «العدالة والتنمية» في تركيا و «الإخوان المسلمين» في مصر بتجارب مختلفة. ومن العودة إلى تجربة كل من الحزبين، ومن المقارنة بينهما نستنتج أن هناك فوارق مهمة بين الاثنين لمصلحة «العدالة والتنمية»، أي أنه لا يزال قادراً على النهوض من كبوة موقتة. هذا النهوض يقتضي التمسك بترسيخ الديموقراطية في تركيا وتجنب الوقوع في خطر التشبث بالسلطة كما فعل «الإخوان» في مصر. تقضي هذه السياسة السعي الحثيث إلى تطبيع العلاقات مع أحزاب المعارضة وبناء الجسور المتينة معها حتى في غياب التحالفات الحكومية. جنباً إلى جنب مع هذه السياسات الداخلية، فإن من الأصوب العودة إلى سياسة «صفر مشاكل» مع دول الجوار، مع السعي إلى تنمية العلاقات مع الدول العربية عموماً. ولعله بات من المسلم به أنه في المنطقتين العربية والشرق أوسطية، من الصعب على الحكام أن يسعوا إلى تطبيق سياسة صفر مشاكل مع الجيران من دون تطبيقها مع مواطنيهم، والعكس صحيح.
* كاتب لبناني
انتكاسة أردوغان وانتصار أوجلان…/ هوشنك أوسي
أتت نتائج الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة في تركيا، قريبة من نتائج استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تراجع شعبيّة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم منذ 2002 تسع نقاط تقريباً (من 49 إلى 40 في المئة)، على رغم استخدامه كل مؤسسات الدولة في حملته، ودخول رئيس الجمهورية، والزعيم (السابق) للحزب، رجب طيب أردوغان حملته في انتهاك سافر للدستور الذي يلزمه الوقوف على الحياد. وعليه، حصل «العدالة والتنمية» على 40.8 في المئة، وتراجعت مقاعده من 317 إلى 258. وعلى رغم ذلك، أتى خطاب رئيس الحكومة التركيّة، أحمد داوود اوغلو، من على شرفة مقرّ الحزب في أنقرة، ليتحدث عن النصر الكبير! زد على ذلك، إكثار أوغلو من التكبير والبسملة في خطابه، وظهوره كأنّه زعيم جماعة إسلاميّة، وليس زعيم حزب سياسي يذكر برنامجه الداخلي أنه يؤمن بالعلمانيّة!؟
الحقّ أن مفاجأة هذه الانتخابات لم تكن تراجع شعبيّة «العدالة والتنمية» في البرلمان، بل تجاوز حزب «الشعوب الديموقراطي» (الواجهة السياسيّة لحزب العمال الكردستاني) لكل استطلاعات الرأي التي أشارت إلى احتمال حصوله على 10 إلى 11 نقطة، وبالتالي فهو تجاوز حاجز الـ10 في المئة من إجمالي اصوات المقترعين، بحصوله على 13 في المئة، حاصداً نحو 80 مقعداً في البرلمان، ومتجاوزاً حتّى تقديرات وتوقّعات الحزب نفسه! ومع بقاء أكبر أحزاب المعارضة، «الشعب الجمهوري»، مراوحاً مكانه بحصوله على نسبة 25 في المئة وحجزه 135 مقعداً، وزيادة حزب «الحركة القوميّة» المتطرّف عدد مقاعده من 52 إلى 81 مقعداً، وحصوله على نسبة 16.3 في المئة، ينفتح المجال أمام تعقيدات تشكيل حكومة ائتلافيّة لا مناص أمام «العدالة والتنمية» من التصدّي لاستحقاقاتها. وإذا نظرنا إلى حجم الخصومة والتباين في المشاريع والسياسات بين «العدالة والتنمية» و «الشعب الجمهوري»، يبقى الترجيح في تشكيل هكذا حكومة إما بين «العدالة والتنمية» و «الحركة القوميّة»، أو «الشعوب الديموقراطي»، أي العمال الكردستاني!
وإذا رجّح «العدالة والتنمية» وحدة الحال القوميّة مع «الحركة القوميّة»، أطاح بذلك التسوية السلميّة بينه وبين «العمال الكردستاني» التي وصلت الى مرحلة متقدّمة، وخسر أكراد تركيا، وأدخل البلاد في دوامة العنف الدموي، وإطاحة كل الانجازات الاقتصاديّة للعقد ونيّف الأخير. ذلك أن «الحركة القوميّة» ترفض في شكل قاطع هذه التسوية. ويُرجّحُ، في المقابل، تشكيل تحالف مع «الشعوب الديموقراطي» نظراً الى البرنامج السياسي البالغ الاعتدال، والتوافقي، والتركي الوطني، لدى الحزب. والحق ان هذا التشكيل السياسي (الكردي – التركي)، كان أحد المشاريع التي أصرّ أوجلان من داخل سجنه، على تشكليه، منذ 2010 مع بدء المفاوضات بين «الكردستاني» والاستخبارات التركيّة في العاصمة النروجيّة أوسلو، بحيث يكون حزباً سياسياً جامعاً، عابراً للقوميات والإثينات، أو «حزب السقف الوطني» كما كان يسمّيه أوجلان. فهذا الحزب وما حققه يمكن تسجيله باسم اوجلان ومساعيه السلميّة ومرحلة التفاوض مع أنقرة. وكل التراشق السياسي – الإعلامي بين «الشعوب الديموقراطيّة» و «العدالة والتنمية» كان لزوم الاستهلاك الداخلي لدى الجانبين الكردي والتركي، بينما كان هناك، في غالب الظن، تسوية او تفاهم مبرم بين أوجلان وأردوغان، إحدى ثمارها الانتصار الكبير لـ»الكردستاني» في هذه الانتخابات.
وهذا الانتصار يمكن اعتباره ترميماً وسنداً قويّاً لانتكاسة «العدالة والتمنية» في حال استغله الأخير بسرعة قصوى، ولم ينصت لبعض التحليلات او المشورات التي تحاول الدفع به نحو التحالف مع «الحركة القوميّة»، وإدارة الظهر للكرد، لما في ذلك من بالغ الخطر الذي يهدد تركيا برمّتها، في هذه المرحلة البالغة الالتهاب في المنطقة.
حصيلة أي تحالف بين «العدالة والتنمية» و «الشعوب الديموقراطي» ستكون 53 في المئة من إجمالي الأصوات، ونحو 338 من مقاعد البرلمان. صحيح أن هذا التحالف لا يمكنه تمرير طموح أردوغان بتحويل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، داخل البرلمان، باعتبار التحالف لا يمتلك 367 صوتاً من أصل الـ 550، لكنه يملك ما يزيد على النسبة المطلوبة (330 صوتاً) التي تخوّله طرح مشروع الدستور على الاستفتاء الشعبي. وهذه لعبة يتقنها «العدالة والتنمية».
قد يسأل أحدهم: لكن زعيم «الشعوب الديموقراطي» نفى في تصريح له أيّة نيّة للتحالف مع «العدالة والتنمية»؟ الا ان التفاهم أو الاتفاق المبرم بين أوجلان والحكومة التركيّة يتجاوز تصريحات كهذه، أقلّ ما يقال فيها أنها «متسرّعة». ذلك أن «الكردستاني» لا يعنيه كثيراً تحوّل تركيا إلى النظام الرئاسي، بقدر ما يعنيه إطلاق سراح أوجلان، وإيصال التسوية السلميّة إلى نهايتها، بالحصول على جزء من السلطة في أنقرة وإسطنبول، وتوسيع صلاحيّة بلديات المناطق الكرديّة. في المقابل، فـ «العدالة والتنمية» لم يعد يقلقه الإفراج عن أوجلان أو ووضعه في الإقامة الجبريّة، تمهيداً لإطلاق سراحه، ونزع سلاح «الكردستاني» في إطار التسوية، بقدر ما يعنيه جعل نظام الحكم نظاماً رئاسياً، لما في ذلك من تحصين فولاذيّ ودستوريّ لصلاحيات أردوغان وفريقه الحاكم، ما يطيح بأي بصيص أمل، لدى المعارضة العلمانيّة، بخصوص فتح دفاتره القديمة، في ما يتعلّق بقضايا الفساد، ودعم حكومته التنظيمات الإرهابيّة الإسلاميّة كتنظيم «داعش» و «الإخوان المسلمين» في سورية ومصر.
وإذا تحققت هذه الصفقة بين أوجلان وأردوغان، كما يأمل الكثيرون، ينفّذ أوجلان ما وعد به، في كتابه «دفاعي منعطف على مسار الحل الديموقراطي»، وفي الصفحة 173، حين قال: «بقدر ما نسعى إلى إبعاد تركيا من الأخطار الكبيرة المنتظرة، فإننا نود عودتها إلى القوة والعظمة التي كانت تتمتع بها في السابق»، ويضيف: «مع التسوية النهائية ستدخل الإمكانات والقدرات العسكرية للكردستاني في خدمة الجمهورية التركية، وستزول الأخطار المهددة لوجودها، والتي تقودها بعض مراكز القوى العالميّة، مستغلة القضية الكردية منذ 200 عام لاحتلال تركيا وتحويلها ساحة حرب وبؤرة مضطربة». الطموح السلطاني لأردوغان، لا ولن يمكن تحقيقه، إلاّ بعد الحصول على مصادقة وموافقة الأكراد. هكذا فعل أجداده السلاجقة في معركة ملاذكر في مواجهة البيزنطيين، والعثمانيون في معركة تشالدران في مواجهة الصفويين – الفرس. وهكذا فعل أتاتورك، حين أسس الجمهوريّة، عبر الاستعانة بالكرد. فهل يفعلها أردوغان، طالما أن أوجلان، بعد اعتقاله، عرض خدماته على تركيا؟
* كاتب كردي سوري.
الانقسام التركي/ محمد سيد رصاص
بسبب حاجز العشرة بالمئة من الأصوات أمام الأحزاب التركية للوصول إلى التمثيل بالبرلمان،حصلت حالة غريبة يوم فاز حزب العدالة والتنمية بانتخابات برلمان3تشرين ثاني/نوفمبر2002عندما احتل حزبان كل مقاعد البرلمان البالغة550بالرغم من أنهما لم ينالا سوى53,6%من مجموع الأصوات،حيث ذهبت أصوات الخاسرين إلى الحزبين المتخطيين لحاجز العشرة بالمئة لتترجم إلى مقاعد .نال يومها حزب أردوغان 363مقعداً رغم أنه لم يأخذ من الأصوات سوى34,2%وأخذ حزب الشعب الجمهوري (قومي أتاتوركي)178مقعداً بالرغم من نيله19,4%من الأصوات فقط.في يوم7حزيران/يونيو2015انتهت هذه الحالة الغريبة حيث احتلت مقاعد البرلمان أربعة أحزاب نسبة مجموع أصواتها من المقترعين هي95%.في انتخابات 2007و2011جرى نزول تدريجي في نسبة أصوات الخاسرين لتكون18,5% و11,2%على التتالي مع انضمام حزب الحركة القومية (قومي طوراني يطرح وحدة العالم التركي من بحر إيجة إلى تركستان الصينية)للحزبين الرئيسيين بالبرلمان فيماكانت أعلى نسبة أخذها الأكراد هي6,6%بعام2011.
في انتخابات2011أخذ حزب العدالة والتنمية نسبة49,8%فيماأخذ حزب السعادة،وهو الوريث الاسلامي الثاني لحزب نجم الدين أرباكان أي حزب الرفاه ثم الفضيلة،نسبة2,5%.أظهرت انتخابات 2011الذروة التي وصلها الاسلاميون الأتراك. لم يقد صعود القوميون الطورانيون إلى تناقص أصوات حزب أردوغان في انتخابات2007 حيث نال46,5%فيماكان صعود الأخير مترافقاً عام2007مع صعود حزب الشعب الجمهوري إلى20,8ثم في انتخابات2011إلى25,9%. هذا يعني بأن صعود حزب العدالة والتنمية في الأصوات – مع نجاحات أردوغان في الاقتصاد – كان ناتجاً عن اختفاء أحزاب في الوسط،جمعت بين الليبرالية والمحافظة مع شيء من الاسلام،مثل (حزب الوطن الأم)الذي أسسه الرئيس السابق توركوتأوزال ونال في انتخابات2002 نسبة 5%من الأصوات و(حزب الطريق القويم)الذي أسسه الرئيس السابق سليمان ديميريل وتزعمته بعده تانسوشيلر التي شاركت أرباكان ائتلافياً في حكومة1996-1997و نال في انتخابات2002نسبة9,5%.على الأرجح أن هذه الأصوات من هذين الحزبين قد ذهب أكثرها لحزب العدالة والتنمية وذهب بعضها لحزب الشعب وقسم أكثر قليلاً لحزب الحركة القومية الذي قفز من 8,7%عام2002إلى14,2ثم13,1%في2007و2011،مادام حزبي أوزال وديميريل فيهما قليل من علمانية أتاتورك ونسبة أكبر قليلاً من الطورانية ونسبة أعلى من اسلامية رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس(1950-1960)الذي أعدمه العسكر الأتاتوركيون بعد انقلابهم العسكري على حكومته.وعملياً،في هذا الإطار ،يمكن القول عن حزب أردوغان،الذي هو أقل حرفية من حزب الرفاه ومن حزب السعادة،أن اسلاميته ممزوجة بالقومية التركية وبليبرالية اقتصادية قوية مع نزعة محافظة اجتماعياً وثقافياً.
في انتخابات2015نزل حزب العدالة والتنمية من 49,8إلى 40,8% مع بدء الأداء الاقتصادي الضعيف لتركية منذ 2013 ومع بدء انحسار موجة الاسلام السياسي مع سقوط حكم جماعة الاخوان المسلمين بمصر يوم3يوليو2013بينما نزل حزب الشعب 1%فقط إلى 24,9%.ذهبت ثلثي هذه الأصوات من حزب أردوغان إلى حزب الشعوب الديمقراطية،وهو واجهة لحزب BKKبزعامة عبد الله أوجلان،حيث أخذ نسبة13,1% بزيادة عن أصوات الأكراد السابقة بعام2011التي كانت 6,6%.صعد حزب الحركة القومية3,1%عن أصواته السابقة،وثبت حزب السعادة على أصواته السابقة عام2011أي2,5%.بالأرقام،ذهبت أصوات (العدالة والتنمية)إلى طرفين متناقضين:1- أكراد أعطوا أصواتهم في الانتخابات الثلاث السابقة لحزب أردوغان،الذي هو منفتح تجاه الأكراد عبر طرحه الاسلامي أكثر من القوميين الطورانيين ومن الأتاتوركيين وهو ماترجم عام2011بنيله 32%من أصوات مدينة ديار بكر و40%من فان و32%من ماردين و36%من باتمان ،قاموا بتحويلها إلى الحزب الكردي الجديد الصاعد،وهو صعود يعيشه الأكراد في عراق مابعد صدام حسين وفي سوريا مابعد18آذار/مارس2011،فيماأكراد ايران حالة مختلفة بسبب المد الايراني الاقليمي الراهن،2- اسلاميون قوميون لايمكن أن يتجهوا من (العدالة والتنمية)إلى حزب أتاتورك العلماني ولكن يمكن أن يذهبوا بأصواتهم إلى الحزب القومي الطوراني الذي يعارض أي اتفاق مع حزب عبدالله أوجلان.
عبر انتخابات2015يمكن القول بأن هناك انقسام تركي،هو عميق الجذورمادام يأخذ طابعاً أيديولوجياً- سياسياً، ومادام هناك حزب لقومية ثانية يطل برأسه في البرلمان لأول مرة في التاريخ التركي الحديث:اسلاميون أمام علمانيون قوميون أتاتوركيون،وهو انقسام كان زمن مندريس ثم كان بالتسعينيات مع أرباكان في انقلاب28شباط/فبراير1997ضد حكومته وبعده أردوغان.القوميون الطورانيون،وكانوا منذ2002أكثر قرباً للاسلاميين بالقياس للقوميين الأتاتوركيين،يقفون الآن ضد مايعتبروه اعتدالاً عند أردوغان و(العدالة والتنمية) في الاتفاق المحتمل مع عبدالله أوجلان.التمرد الكردي المسلح الذي قاده عبدالله أوجلان منذ1984ضد الدولة التركية ينتقل إلى تحت قبة البرلمان عبر حزب تقترب نسبة أصواته13,1% من نسبة الأكراد في المجتمع التركي20%.
في تركية يأخذ الانقسام الأيديولوجي- السياسي طابعاً كان يترجم بالسابق عبر الانقلابات والمشانق(مندريس) والانقلابات(أرباكان).الآن يصبح الحزب في تركيةأقرب إلى طائفة تضم تحت عباءتها السياسة والثقافة ونمط اجتماعي للسلوك والزي.مع دخول الحزب الكردي بهذه القوة للبرلمان سيكون هناك قوميون ضد قوميين آخرين.لم يستطع حزب الشعب،مع زعيمه كمال أوغلو وهو علوي كردي،أن يجذب الأكراد بسبب ماضي أتاتورك(توفي1938) القومي التركي الشوفيني وسجله العنيف ضد الأكراد،فيماأصبح حزباً جاذباً للعلويين الأتراك وللأقليات الدينية إضافة إلى جمهوره العلماني الخاص.يمكن القول بالقياس للغربيين ،وحتى العرب،بأن التلاقيات والتقاطعات بين الأحزاب التركية من أضعف مايكون ولهذا كانت التجارب الحكومية الائتلافية فاشلة دائماً هناك،وحتى العلاقات الشخصية والاجتماعية مقطوعة بين زعماء وقادة الأحزاب وهي في توتر دائم ،والكراهية ليست مخفية.
هذا يدل على انقسام عميق،اكتملت عناصره مع تربيع البرلمان بأحزاب أربعة:يمكن أن يساهم البرلمان في مأسسة هذا الانقسام وتنظيمه وربما حلحلته .الغريب في هذا المشهد أن يجد حزب الشعوب الديمقراطية في حزب أردوغان أنه هو الأقرب إليه، بالقياس للحزبين الأتاتوركي والطوراني، والأكثر اعتدالاً.الاسلامي في تركية المعاصرة والحديثة،هو مع اليساري الماركسي،أكثر عبوراً للقوميات ،ولكن ليس الطوائف عند الاسلاميين،حيث لم يتجاوز حزب أردوغان حدود السنة الأتراك والأكراد منذ2002.ربما يكون صلاح الدين ديميرداش جسراً بين أوجلان وأردوغان،والأخيران أكثر من عانيا من الأتاتوركيين في التاريخ التركي الحديث،إلاإذا اختار حزب أردوغان– وهذا أقل ترجيحاً من الاحتمال الأول- التحالف مع زعيم القوميين الطورانيين دولت بهشلي مماسيكون طريقاً إلى احتراق طبخة التسوية التي اشتغل عليها أردوغان وأوجلان منذ عام2013.
سوريا و«الإخوان» بعد تراجع إردوغان/ عبد الرحمن الراشد
صحيح أن الرئيس رجب طيب إردوغان أغضبنا، تدخل في قضايانا وخلافاتنا، وساند جماعة ضد أخرى، ومال مع حكومة ضد حكومات، لكنه ليس خصمًا، والخلاف معه كان على التفاصيل. المفاجأة أن نتائج الانتخابات الأخيرة ألغت هيمنته وهيمنة حزبه على تركيا، وجعلته رهينة برلمان يحتل فيه منافسوه نحو ستين في المائة من المقاعد، بما يجعلهم قادرين على سد الطريق على أي قرار تقرره حكومته. وفي نفس الوقت يبقى حزبه هو الحاكم، وبين الربح والخسارة تطورات علينا أن ندرس مضاعفاتها.
معظم الأسباب التي أدت إلى تراجع نتائج حزب إردوغان «العدالة والتنمية»، لا علاقة لها بالقضايا الخارجية. أولها، أنها نتيجة طول الإقامة في الحكم. فقد دام حكم الحزب اثني عشر عاما متواصلة، ومن الطبيعي أن يتسبب طول الوقت في تفكيك قواعده الشعبية. خلالها خسر أهم حلفائه، الزعيم الإسلامي فتح الله غولن. واختلف مع قوى اقتصادية واجتماعية كانت داعمة له، وتزايدت الاحتجاجات والانتقادات الشخصية ضده، ولم يعد حزبه بنفس التماسك من داخله. وهذا كله مسار طبيعي في ظل تجاذبات الديمقراطية وتنافسها.
فقد «العدالة والتنمية» الأغلبية المطلقة لكنّه يظل الحزب الأكبر في البرلمان التركي، والأقدر على تشكيل حكومة جديدة بالتحالف مع أحد الأحزاب الأخرى. وسيبقى إردوغان، كزعيم للحزب، رقما سياسيا مهما. أما البرلمان والحياة النيابية والحكم فلن يكونوا بنفس اليسر، هذه هي الديمقراطية الليبرالية، يوم لك ويوم عليك!
الأسئلة التي يهمنا أن نبحث عن إجابات لها، ماذا عن دور تركيا في القضية السورية، وبالطبع العلاقة التركية مع إيران، وعلاقة أنقرة بـ«الإخوان المسلمين» وتحديدا علاقتها بمصر؟
على مدى أربع سنين، حكومة إردوغان لم تفعل الكثير عسكريًا ضد نظام بشار الأسد في حرب سوريا، لكنها مدت يد العون لملايين اللاجئين، وتركت الحدود سهلة للمقاتلين. وبغض النظر عن رئيس وزراء أنقرة الجديد فإن قضية سوريا ستبقى في صلب المصالح التركية العليا، ومن المستبعد أن تغير الحكومة الجديدة موقفها. أيضًا، نتوقع أن تستمر تركيا في تحاشي الدخول في الحرب مباشرة على التراب السوري، خاصة بوجود قوات وميليشيات إيرانية داخل سوريا، وستستمر في التأثير على المعارضة السورية. ستحافظ أنقرة على تحالفها مع السعودية وقطر، لأنه يعزز نفوذها، ويقوي موقفها في الغرب. أهمية تركيا ازدادت في حرب سوريا مع تغيير خريطة الصراع على الأرض بضعف الأسد، والتي ستتطلب مشاركة الأتراك لمواجهة تنظيم داعش، ومقابل ذلك سيستمر الحلفاء الثلاثة يطالبون بإقصاء نظام الأسد، أو رأسه على الأقل. لهذا لا أتصور أن تناقص عدد مقاعد حزب إردوغان برلمانيا سيغير كثيرا في موقف تركيا من الحرب السورية.
وكذلك لا نتوقع تغييرا في العلاقة مع إيراِن، حيث إن إردوغان حافظ على علاقة جيدة مع نظام طهران طوال سنوات حكمه، خاصة أن العلاقة الإيرانية الغربية تتحسن الآن، فتركيا هي عضو في حلف الناتو الغربي.
ماذا عن «الإخوان المسلمين» الذين وجدوا إسطنبول ملجأ مريحا، خاصة بعد النفي الثاني من قطر؟ صحيح أن إردوغان اعتبرهم قضيته، وبسببهم اختلف مع عدد من قيادات الحزب، وعلى رأسهم رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو، الذي استقال أمس، وعبر أكثر من مرة عن عدم رضاه عن تدخل إردوغان في الشأن المصري الداخلي؟
هنا، تحديدًا، من المتوقع أن يفقد «الإخوان المسلمون» الحماية والرعاية التركية، لأنهم فشلوا في مصر، وأصبحوا عبئا سياسيا على تركيا، ولم يعد حزب إردوغان مهتما بوظيفة رعايتهم بالوكالة. لقد فشل «الإخوان» في تقديم زعامة بديلة للقابعين في السجون في مِصر، وفشلوا في تحريك الشارع، وبالتالي ينقص وزنهم السياسي وتأثيرهم.
الشرق الأوسط
اللاجئون السوريون عقب الانتخابات التركية… عين على الحرب في بلادهم وأخرى على ما ستفرزه التحالفات الحكومية/ منار عبدالرزاق
غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: تابع اللاجئون السورون في تركيا، وأقرانهم في الداخل السوري الانتخابات التركية التي جرت مؤخراً بمنافسة كبيرة بين أربعة أحزاب، أفرزت في نهايتها خيارات متعددة لشكل الحكومة التركية، وأزاحت حزب «العدالة والتنمية» الذي يتزعمه رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو عن واجهة المشهد التركي رغم تصدره للائحة المتسابقين، وسط قلق على مستقبل مجهول ينتظرهم وربما يغير المشهد في بلدهم، وهم ما بين مشجع لحزب «العدالة والتنمية» الذي عُرف بدعمه للقضية السورية عبر السنوات الأربعة المنصرمة، وما بين متوجس من النتائح وما قد تؤول إليها الأمور في البلد الجار، والحاضن لأكثر من مليوني لاجئ منهم.
سوريون مقيمون في تركيا، طالبوا قبل بدء العملية الانتخابية في تركيا، أقرانهم بالتزام المنازل، وعدم النزول إلى الشارع، أو الاقتراب من مراكز الاقتراع التركية خشية أن تطالهم تبعات المشهد التركي الجديد، ويودي بالعديد منهم إلى خارج البلد الجار، كما حصل في مصر إبان انقلاب العسكر على حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، من حبس وتهجير.
البعض من السوريين في تركيا تجمهر أمام شاشة التلفزيون التركي، ليتابع نتائج الاستفتاء لحظة بلحظة، وهو يتوق لفوز حزب «العدالة والتنمية» الذي يعتبر رئيس البلاد رجب الطيب أردوغان الأب الروحي له، ولعدد كبير من السوريين، كما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي منهم.
محمد العمر، وهو شاب في مقتبل العمر، يعيش في مدينة إستانبول ويعمل في مهنة الخياطة، وهو لاجئ سوري في تركيا، دونما أوراق ثبوتية، يقول لـ»القدس العربي»: لقد تابعت المشهد الانتخابي في تركيا، وأنا أرنو إلى الشاشة بتمعن، وأتفاعل مع أي تقدم يحرزه حزب «العدالة والتنمية» لكنني في نهاية السباق الانتخابي الذي لم يفرز فوز حزب أردوغان بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، انتابني شعور كبير بالقلق، خوفا على مصيري.
وتساءل محمد: «هل سأعود إلى سوريا التي تعيش أجواء الحرب، تحت وطأة السلطة الجديدة التي قد تكون كارهة للوجود السوري هنا، وإن لم تقم بطردي، هل سيكون مصيري مخيمات اللاجئيين وتقيد تحركاتي، كما جميع السوريين من أمثالي، ولا أزال أترقب، وأدعو في أن يستطيع الحزب الحاكم تشكيل حكومة في البلاد».
ينتاب هبة الشيخ أيضاً القلق ذاته، واشتكت لـ «القدس العربي» من المصير المجهول الذي قد ينتظر السوريين جميعا في تركيا، مشيرة خلال حديثها إلى أن أبرز ما يقلقها هو وفاء حزب المعارضة بما أطلقه في حملته الانتخابية، والقيام بطرد السوريين، وهو ما عبر عنه صراحة مساعد رئيس الحزب الجمهوري في البلاد فاروق لوغلو خلال تصريحات صحافية أطلقها بُعيد الانتخابات من أن حزبه سيعى لإجراء مصالحة مع النظامين السوري والمصري، في حال تسلمه للسلطة.
حال السوريين في الداخل التركي وترقبهم للانتخابات في البلاد، لم يختلف عن نظرائهم في الداخل السوري، الذي يُعاني ويلات الحرب، حيث يقول أسامة عبد وهو مواطن من مدينة إدلب في الشمال السوري لـ»القدس العربي» إن الانتخابات التركية كانت هما لدى الناس في الداخل السوري، لأنهم يرون في الأتراك السند الحقيقي، ونتائجها بكل تأكيد ستنعكس على الداخل السوري من إغاثة وإعانات، ودعم لوجستي لفصائل المعارضة.
من جهته يرى عبدالرزاق عبدالرزاق المسؤول عن فريق «غراس الأمل» التطوعي في تجمع مخيمات أطمة أن الجميع في المخيم كان يراهن على الانتخابات التركية، ويشجع حزب «العدالة والتنمية» حتى أن البعض سعى لإطلاق اسم السيد «أردوغان» على أحد تلك المخيمات، احتراماً لما قدمه الرجل للسوريين في بلد اللجوء وفي الداخل السوري.
كما أشار عبدالرزاق إلى قيام عدد من الأطفال في المخيمات برفع لافتات تحيي رئيس الجمهوري التركية أردوغان، وتهتف باسمه في مخيمات أطمة، وبحسب المصدر فإن تأثير الانتخابات التركية على السوريين سيكون كبيراً، خاصة فيما يتعلق بتفعيل المعبر الانساني في أطمة، وإعادة تدفق المساعدات، وكذلك المعابر الحدودية مع تركيا في باب الهوى والسلامة، وإمكانية فتحها وإغلاقها.
تخوفات الشارع السوري بددها المحلل السياسي التركي محمد زاهد غول خلال حديثه لـ «القدس العربي» مشيراً إلى أن نتائج الانتخابات لن يكون لها تأثير كبير على الشأن السوري، كون الدولة التركية هي دولة مؤسسات، والخطاب الحزبي يختلف عن خطابات الحكومات.
واستذكر غول في برهنته على عدم تأثير الانتخابات التركية على أوضاع اللاجئيين السوريين في تركيا، باحتواء تركيا لآلاف اللاجئين الأكراد عقب أحداث حلبجة في العراق، بالرغم من المعارك العنيفة التي كانت قائمة آنذاك بين الجيش التركي وحزب «العمال الكردستاني».
واتفق مع غول الاستاذ الجامعي في مدينة كيلس «سعيد أو» خلال حديثه لـ»القدس العربي» على أن نتائج الانتخابات لن تؤثر على وجود السوريين في الداخل التركي، لكنه لم يستبعد أن يكون هناك بعض الأجراءات التي وصفها بالـ»انضباطية».
من جهته استبعد مسؤول محلي تركي عمر عبد في ولاية هاتاي، فتح المعابر الحدودية في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن فتح تلك المعابر مرتبط بالاستقرار السياسي في البلاد.
وأسدل الستار على الانتخابات التركية البرلمانية بفوز حزب «العدالة والتنمية» بنسبة بلغت 40.8% من الأصوات، تلاه حزب الشعب الجمهوري بنسبة أصوات بلغت 25.10، وحلت ثالثاً الحركة القومية بنسبة 16.40%، فيما حصد الحزب الكردي الصاعد «الشعوب الديمقراطية» 12.92% من الأصوات، ليُجبر الحزب الحاكم للجوء لحكومة ائتلاف بمشاركة حليف من أحزاب المعارضة، وسط تلبد في المشهد السياسي في البلاد، وترقب لدى السوريين في الداخل التركي وفي سوريا لما سيؤول إليه المشهد السياسي التركي.
القدس العربي
سوريو تركيا: قلق ما بعد الانتخابات/ عدنان علي
تابع اللاجئون السوريون في تركيا، الانتخابات التشريعية الأخيرة، وسط شعور كثير منهم بقلقٍ عن تأثير هذه الانتخابات على وجودهم ومستقبلهم في البلد، الذي يُعتبر أكبر حاضن للاجئين السوريين، الذين قارب عديدهم المليوني لاجئ، وخصوصاً مع صدور تصريحات من بعض المرشحين المنتمين لأحزاب المعارضة، بإمكانية ترحيلهم، أو المصالحة مع نظام بشار الأسد. ومن شأن هكذا خيارات سياسية أن تؤثر على دعم تركيا للمعارضة السورية، إنسانياً وعسكرياً وسياسياً، أو إصدار قوانين جديدة تُضيّق على اللاجئين السوريين، أو تحدّ من دخولهم الحرّ تقريباً، ليتحولوا إلى ظروف مشابهة للأوضاع البائسة لنظرائهم في لبنان مثلاً.
ويدخل السوريون إلى تركيا، منذ بدء الثورة، وفق تسهيلات عدة، حتى لمن لا يحملون وثائق سفر سليمة، ويقيم كثير منهم بصورة غير شرعية، ويتم التساهل معهم من السلطات، التي تسمح لهم، أيضاً، بمزاولة الأعمال لكسب قُوتهم.
هذه الميزات، أو التسهيلات، التي نعم بها اللاجئون السوريون، طيلة السنوات الأربع الماضية، تحت حكم حزب “العدالة والتنمية” بقيادة رجب طيب أردوغان، بات كثير منهم يشعر أنها مهددة مع ظهور النتائج التي لا تعطي للحزب الحاكم تفويضاً كبيراً بتشكيل الحكومة بمفرده، بل تترك الأبواب مشرّعة لمشاركة أحزاب أخرى، قد لا يكون لها السياسة نفسها حيال المسألة السورية.
وأعرب مواطنون سوريون يقيمون في إسطنبول، عن أملهم بألا يكون لنتائج الانتخابات تأثير سلبي على أوضاعهم، وإن كان بعضهم أبدى تشاؤمه بسبب ارتفاع سعر الدولار حيال الليرة التركية، فور الإعلان عن نتائج الانتخابات.
وقال صالح إبراهيم، وهو شاب يعمل في أحد المطاعم ويتقاضى راتباً بحدود 433 دولاراً شهرياً، ويعيش في مسكن جماعي، إن راتبه الضئيل، أصلاً، سيفقد المزيد من قيمته، خصوصاً أنه يحوّل نحو 200 دولار شهرياً لمساعدة أهله داخل سورية. واستبعد إبراهيم أن تؤثر نتائج الانتخابات على وضعه في المدى المنظور على الأقل، لكنه خشي من تأثيرات في المدى الأبعد، كونه يعيش من دون أوراق إقامة نظامية حتى الآن.
من جهتها، أبدت أم أحمد، وهي سيدة أربعينية تعمل في مشغل للخياطة، خشيتها من صدور قوانين جديدة تُضيّق على اللاجئين السوريين، وأنها كانت تأمل بفوز كبير لحزب “العدالة والتنمية”، بعد تداول شائعات عن أن “الحزب سيمنح اللاجئين السوريين بطاقات للمواصلات المجانية في المدينة”. وتُعلّق زميلتها قائلة إن “هذه الإشاعة بثها موالون لبعض أحزاب المعارضة التركية، في إطار التحريض على اللاجئين وحزب العدالة، ولا أساس لها من الصحة”.
أما الناشط والصحافي، أحمد عيسى، فيرى في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “هذه النتائج قد لا تكون لها تأثيرات مباشرة على أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، فالأمر رهن بالتحالفات التي قد تنشأ بين الأحزاب الفائزة”.
واستبعد عيسى في كل الحالات، صدور قرارات تمسّ جذرياً أوضاع اللاجئين السوريين، الذين لا يشكّلون في الحقيقة إلا نسبة ضئيلة من سكان البلاد، وليست قضيتهم مطروحة بقوة في السياسة الداخلية التركية، التي تركز على قضايا أخرى مثل “تحقيق السلام الداخلي مع الأكراد”، و”تغيير الدستور” وغير ذلك.
واعتبر عيسى أن “الحكومة التركية، وإن كانت تتعاطف مع اللاجئين السوريين، وتُسهّل لهم أمور التنقل والعمل بعض الشيء، لكنها في الحقيقة لا تُقدّم للاجئين السوريين أيّ مساعدات، باستثناء من يعيش منهم في المخيمات، وبالتالي فإن تغيير الحكومة لن يُغيّر كثيراً في أوضاعهم، لأنهم يعتمدون على أنفسهم، لا على مساعدات من الحكومة”.
وكانت قد صدرت قبل الانتخابات دعوات عدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحثّ السوريين على التزام بيوتهم يوم الانتخابات، وعدم الاقتراب من مراكز الاقتراع، خشية زجّهم من أي طرف من الأطراف في هذا الأمر، وهو ما ينعكس سلباً عليهم. كما حصل خلال الانتخابات التي جرت في بلدان أخرى مثل مصر، حين اتهموا هناك بمؤازرة مرشح جماعة “الإخوان المسلمين”، فتعرّضوا، لاحقاً، لحملات انتقام وتضييق. ونشطت الماكينة الإعلامية للمعارضة التركية القومية والعلمانية، في بثّ أنباء غير صحيحة، تحذّر من إمكانية أن يتم تزويد اللاجئين السوريين بطاقات هويات تعود لأموات، للتصويت من خلالها. ووصلت بعض الحملات التحريضية ضد السوريين، خصوصاً من حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة، حدّ رفع شعار “إعادة السوريين إلى ديارهم”.
العربي الجديد
هل سيقلب أردوغان الطاولة على معارضيه؟/ هوشنك بروكا
رغم تصدر حزب “العدالة والتنمية” المركز الأول في الإنتخابات التركية الأخيرة وحصوله على نسبة 40.86، إلا أنه يبقى الخاسر الأكبر فيها، الأمر الذي وضع زعماء الحزب وعلى رأسهم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء أحمد داوود أغلو في مأزق كبير، خصوصاً وأنّ الأخير كان قد “تحدّى” قبل شهر أمام جمهوره في مدينة هاتاي، معلناً أمام الملأ بأنه “سيعلن إستقالته إذا لم يحصل حزبه على الأغلبية المطلقة ولم يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده”. لكنّ تكلفة الخسارة الكبرى ل”العدالة والتنمية” سيدفعها أردوغان المالك لجميع مفاتيح الحزب، الذي كان السبب الأساس في خسارة حزبه، بسبب خروجه عن “الإطار”، وزجه للدين في السياسة بشكل غير مسبوق لم تشهده العملية السياسية في تركيا من قبل، ووصفه لخصومه السياسيين ب”الكفرة” و”الجواسيس” و”الخونة، وعبارات هجومية إستفزازية، الأمر الذي أدى إلى الإنخفاض الحاد في عدد أصوات حزبه، ورفع شعبية أحد أبرز خصومه السياسيين، حزب “الشعوب الديمقراطي” (غالبية أعضاءه من الأكراد) الذي حقق نصراً تاريخياً، بعد اجتيازه للعتبة الإنتخابية بنسبة 13.12%، وفوزه الساحق ب80 مقعداً، ما أدخل الأكراد إلى البرلمان التركي من أوسع أبوابه، بقائمة حزبية وليس عن طريق نواب مستقلين، لأول مرّة في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923.
بعد خسارة “العدالة والتنمية” وفشله في الفوز بالأغلبية المطلقة البالغة 276 مقعداً ليفوز ب258 مقعداً فقط، تتجه الأنظار في الأيام القادمة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمشاروارت التي سيجريها مع قادة الأحزاب الفائزة لتشكيل الحكومة الإئتلافية المقبلة. وتبدو سيناريوهات الخارطة السياسية مفتوحة على جميع الإحتمالات بعد الفوز الساحق ل”حزب الشعوب الديمقراطي” الذي وصفه زعيمه صلاح الدين دميرطاش ب”النصر العظيم”.
بحسب نتائج الإنتخابات، هناك أكثر من سيناريو لتشكيل الحكومة الإئتلافية الجديدة:
إما أن يتحالف “العدالة والتنمية” مع أحد الأحزاب المعارضة الثلاث، أو تتحالف الأحزاب المعارضة الثلاث لتشكيل حكومة إئتلافية.
بحسب تصريحات زعماء الأحزاب المعارضة، الجميع متفقون على عدم وجود رغبة في تشكيل حكومة إئتلافية مع “العدالة والتنمية”، ما يعني أن السيناريو الأول صعب التحقيق. أما السيناريو الثاني، فلا يقلّ صعوبةً عن الأول، خصوصاً وأنّ حزب “الحركة القومية” كان ولا يزال من أشدّ المعارضين لأي تقارب “تركي ـ كردي”، لحل القضية الكردية في تركيا، التي تعتبر واحدة من أهم النقاط الجوهرية في برنامج حزب “الشعوب الديمقراطي”.
أحد أهم أسباب الصعود الكردي والفوز الساحق لحزب “الشعوب الديمقراطية” وتحوّله إلى لاعب قوي في المشهد السياسي التركي هو أخطاء حزب العدالة والتنمية وتعطيله لقطار السلام الكردي، وعدم وفائه بوعوده للجمهور الكردي والتركي على حدٍّ سواء لحل القضية الكردية، بإعتبارها قضية كلّ تركيا. الأمر الذي أظهر حزب العمال الكردستاني أمام الرأي العام في صورة الممثل والمدافع الحقيقي عن حقوق الأكراد في تركيا من جهة، وعن السلام لعموم تركيا من جهة أخرى. كلّ ذلك انعكس إيجاباً على الناخب الكردي الباحث عن تعزيز لحضوره الإثني وتثبيت لهويته السياسية ككردي محروم من حقوقه القومية في تركيا.
عليه فإن نجاح أي حكومة إئتلافية قادمة سيكون مرهوناً بحل القضية الكردية ودفع عجلة السلام في تركيا. الكرة لا تزال في ملعب الأتراك وأحزابهم السياسية (معارضة وموالاة)، خصوصاً بعد دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، المعتقل مدى الحياة في سجن إيمرالي إلى “إقرار تخلي حزبه عن السلاح” عدة مرات لإحلال السلام في تركيا. والسؤال الذي يطرح نفسه ههنا، هو: من سيطلق قطار السلام الكردي ـ التركي المتوقف في محطة “العدالة والتنمية”؟
في تصريحٍ لافت له بعد خسارة حزبه، دعا أردوغان جميع الأحزاب السياسية إلى التصرف بالحساسية الضرورية والتحلي بالمسؤولية لحماية مناخ الأمن والاستقرار والثقة والمكتسبات الديمقراطية في تركيا”، الأمر الذي يشي بإحتمال دخول تركيا في مرحلة جديدة ربما يكون عنوانها الضبابية السياسية واللاإستقرار.
في حال فشل الأحزاب الفائزة في الوصول إلى تشكيل حكومة إئتلافية توافقية، سيسمح القانون لحزب “العدالة والتنمية” بتشكيل “حكومة أقلية” لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات مبكرة، ما يعني إعادة العملية السياسية في تركيا إلى المربع الأول، الأمر الذي قد يعوّض الحزب بعضاَ من الخسارة الفادحة التي تكبّدها في الإنتخابات الأخيرة، ويخلط أوراق اللعبة السياسية في تركيا من جديد.
ويبقى السؤال: هل سيقلب أردوغان الطاولة على معارضيه؟
ايلاف
هل تغيرت قواعد الاشتباك التركية مع سوريا؟/ محمد زاهد جول
أحدثت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أغلو، حول تأمين دعم جوي أمريكي وتركي للمعارضة السورية لغطا كبيراً لدى المحللين السياسيين، فبعضهم ذهب إلى القول بأن تركيا والسعودية وقطر وأمريكا تستعد لعاصفة حزم سورية شبيهة بالعاصفة اليمنية، بينما لم تأت تصريحات جاويش أغلو على ذلك إطلاقاً.
فما قاله وزير الخارجية التركي هو ان «بلاده اتفقت مع الولايات المتحدة من حيث المبدأ، على تقديم دعم جوي لبعض قوات المعارضة السورية الرئيسة»، فالحديث أولاً عن اتفاق مبدئي وليس نهائيا، والجانب المهم فيه، أن امريكا ستكون شريكة فيه ولن يكون عملاً تركيا فقط، وهذا أمر مهم جداً في فهم الموقف التركي من القضية السورية كلها أولاً، وفي تقدير عدم تغير قواعد الاشتباك بين تركيا وحكومة الأسد على الأراضي السورية ثانياً.
لم يصدر حتى الآن أي رد من الإدارة الأمريكية او البنتاغون، وهذا لا ينفي الاتفاق المبدئي، ولكنه يؤكد أن العملية قيد الدراسة، فأمريكا لها تصريحات متناقضة جداً في الموقف من الصراع في سوريا، فالرئيس الأمريكي أوباما قال قبل أيام: إنه لن يكون هناك حل عسكري، وهذا التصريح جاء بعد الانتصارات الكبيرة لقوات المعارضة والثورة السورية في الشمال والجنوب السوري، وبالأخص في إدلب وجسر الشغور ومعبر نصيبين الحدودي مع الأردن، بينما صدرت تصريحات امريكية اخرى بعدم وجود أي مستقبل لبشار الأسد في السلطة في سوريا، وأن امريكا وقعت من قبل مع تركيا وعدد من الدول العربية على تدريب عسكري متقدم لمقاتلين من المعارضة السورية، فأمريكا لا تخفي دعمها العسكري للثورة السورية ضد بشار الأسد ولو بأسلحة غير نوعية، وتدريب الفصائل المعارضة السورية عسكرياً، وفي الوقت نفسه تعلن عدم إمكانية الحل العسكري في سوريا.
إن عدم صدور رد من أمريكا على تصريحات وزير الخارجية التركي يؤكد ان أمريكا أمام احتمالين: إما أنها أمام تغيير سياستها في سوريا، بما يتوافق مع السياسة التركية، أو ان امريكا تجاري السياسة او الضغوط التركية بضرورة وجود مناطق آمنة في شمال سوريا، وهذه الأماكن الآمنة لا يمكن فرضها إلا عن طريق حظر جوي على طيران الأسد فوق تلك الأماكن أولاً، ثم مواجهة اختراق طيران الأسد لهذا الحظر عن طريق سلاح الجوي الأمريكي والتركي معاً ثانياً، والهدف ليس بالضرورة ان يكون إسقاط حكومة الأسد من خلال هذا الاتفاق العسكري الأمريكي والتركي، وإنما توفير اماكن آمنة للشعب السوري، الذي لم تعد اي دولة مجاورة تحتمل مزيداً من اللاجئين منه على أراضيها، فعدد اللاجئين السوريين بلغ قرابة المليوني لاجئ، ومرشح للزيادة بنحو مليون خلال العام الحالي، وهذه أعداد تحمل الدولة التركية الكثير من المسؤوليات والتحديات، فضلاً عما تحمله من مشاكل وأزمات للمواطن التركي، بينما لو تم فرض منطقة آمنة داخل سوريا فإن اللاجئ السوري سوف يجد مناطق آمنة داخل بلده، وهي قريبة من الحدود التركية، وربما قرب الحدود الأردنية واللبنانية والعراقية أيضاً، حتى يمكن تقديم الدعم الإنساني له بسهولة، ويمكن ان توفر فرصا كبيرة للاجئين السوريين الموجودين الان في تركيا وغيرها للعودة إليها، والإقامة فيها، طالما لا يرغبون في البقاء في تركيا أو في غيرها من الدول، وبالتالي فإن الفكرة التركية من المنطقة الآمنة او الحظر الجوي ليس مجرد عمل عسكري يؤدي إلى سقوط أسرة الأسد فقط، وإنما تأمين مناطق آمنة للشعب السوري، لا يستطيع بشار الأسد استهدافها عسكرياً، وبالتالي ستكون مناطق آمنة للشعب السوري وليس للحكومة الأمريكية ولا التركية ولا غيرهما من الدول، فليس الهدف اقتطاع أراض من سوريا، وإنما تأمين مدن سورية يجد فيها الشعب السوري حماية له من استهداف المليشيات الطائفية الشيعية، وحماية له من استهداف الطائرات التي تحمل براميل متفجرة وصواريخ وقنابل تستهدف المدنيين أكثر من المسلحين، لذلك لم يكن من الضروري الاستنتاج المتسرع الذي ذهب إلى القول بأن تركيا سوف تهاجم جيش بشار الأسد.
إن توقيت هذا الاتفاق المبدئي مهم أيضاً، لأن الاتفاق الأمريكي التركي على تدريب عناصر من المعارضة السورية في تركيا، الهدف منه، تقديم دعم اكبر للمعارضة والثورية السورية لإنهاء صراع دام اكثر من اربع سنوات، وتأثير هذا الصراع بالغ جدا على دول المنطقة، ولا أمل لبشار في القضاء على الثورة السورية، فالصراع مهما طال زمنياً فإن نتيجته المحتومة معروفة، وهي سقوط أسرة الأسد، وما يديم الصراع منذ نهاية عام 2012 هي المليشيات الطائفية الشيعية التي تأتي من لبنان من ميليشيات «حزب الله»، ومن العراق من ميليشيات «عصائب الحق»، ومن إيران من ميليشيات «الحرس الثوري» وغيرها من المتطوعين الطائفيين الشيعة، فهذه المليشيات أحد أسباب بقاء بشار الأسد في السلطة حتى الآن، والسبب الثاني هو التخاذل الأمريكي عن مساعدة الشعب السوري، وسماح أمريكا في الوقت نفسه، للمليشيات الإيرانية بحسب التوافقات النووية ان تقوم بالدور العسكري الذي يؤخر سقوط الأسد، فلولا المليشيات الطائفية من محور إيران الشيعي، ولولا الإذن الأمريكي بهذا الدعم الطائفي ومنع الأسلحة عن الثورة السورية، لما بقي نظام الأسد في السلطة حتى اليوم، ولذلك فإن الإسراع في سقوط بشار الأسد هو مصلحة للشعب السوري وللشعب الإيراني معاً، لأن ايران وحزب الله والمليشيات الطائفية التي تقاتل معه تقاتل في حرب استنزاف وبدون جدوى.
فالموقف التركي هو نصرة للشعب السوري حتى يتمكن من الثبات في دولته ومدنه، وليس خطة عسكرية للمواجهة مع المليشيات الطائفية التي تحكم سوريا، هذا الأمر وضحه وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو حين قال:» إن الدعم الجوي سيوفر الحماية للمقاتلين السوريين الذين تلقوا تدريباً في إطار برنامج تقوده الولايات المتحدة على الأراضي التركية»، فالهدف ليس العمل المباشر الأمريكي أو التركي لإسقاط الأسد، وإنما توفير آماكن آمنة للمعارضة السورية المدنية أولاً، والعسكرية ثانياً، لحمايتها من طيران الأسد، التي تعمل الحكومة الأمريكية على تدريبها في تركيا والأردن والسعودية وغيرها، هذه القوات تقدر بنحو خمسة عشر ألف مقاتل، فإذا ما تم تدريبهم في الأشهر والسنوات المقبلة، فلن يتم إرسالهم قبل تأمين حماية وغطاء جوي لهم، وإلا فإنهم سوف يكونون ضحية البراميل المتفجرة التي لا يستطيعون حماية انفسهم منها، فإذا لم يتم حمايتهم بمناطق حظر جوي، فلا بد من تمكينهم من أسلحة دفاعية جوية، وهو الأمر الذي تعارضه الإدارة الأمريكية بشدة حتى الآن.
هذا هو الموقف التركي المعلن حتى الآن، ولا يفيد إطلاقاً تغييراً في قواعد الاشتباك مع حكومة الأسد، فالاتفاق هو بصريح العبارة وكما قال وزير الـخـارجـيـة: «هـنـاك اتفاق مبدئي على تقديم الدعم الجوي، أما كيف سيقدم فهذه مسؤولية الجيش».
وفي لقاء إعلامي آخر أوضح جاويش أوغلو «أنّه لم يتمّ التّباحث بين القيادة التركية والسعودية بخصوص شن حملة برية داخل الأراضي السورية»، لافتاً إلى أنّ عددا من الدّول الخليجية تُصرّ على ضرورة الاقتحام البري، من أجل إنهاء معاناة الشعب السوري، وفي ما يخصّ مسألة تدريب وتأهيل المعارضة السورية المعتدلة داخل الأراضي التركية، أكّد جاويش أوغلو أنّ العناصر الذين يتمّ تدريبهم بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية، سيتمّ الزّج بهم لمحاربة قوات الأسد وتنظيم داعش الإرهابي.
وعن تأخّر البدء بعملية التّدريب قال جاويش أوغلو: « إنّ سبب تأخّرنا ببدء عملية تدريب وتأهيل عناصر المعارضة السورية يعود إلى تأخّر الجانب الأمريكي في إرسال المعدّات اللوجستية والعناصر التي ستشرف على عملية التّدريب»، لأن عملية التدريب هي مشروع أمريكي في الأصل، وتركيا وبعض الدول العربية تقدم دعماً جغرافياً له فقط، والسبب هو أن من يدعمون استمرار الاقتتال في سوريا من محور إيران الطائفي إنما يأخذون المنطقة إلى دمار شامل، وإلى حروب طائفية بغيضة، فإما توفير أسباب استئصال السرطان الخبيث، او تركه يعيث فساداً في المنطقة كلها، وهو ما لا تحتمله شعوب المنطقة ولا دولها.
٭ كاتب تركي
تركيا توحّد الخطاب الكردي!/ إبراهيم حاج عبدي
استحوذت الانتخابات التركية على اهتمام الفضائيات، ولا سيما العربية. وفي حين تناولت غالبية تلك الفضائيات هذا الحدث السياسي المهم بموضوعية، ولم تأبه كثيراً للتوازنات السياسية، ولم تشأ أن تكون طرفاً مع تيار سياسي ضد آخر، باستثناء القليل منها، غير أن ما لفت الانتباه هو تغطية الفضائيات الكردية لهذه المناسبة التي كشفت نتائجها عن نصر سياسي حققه الأكراد، للمرة الأولى، في تاريخ تركيا المعاصر.
والمقصود بهذا النصر هو دخول حزب الشعوب الديموقراطي الكردي، في سابقة أولى منذ إنشاء الجمهورية التركية مطلع القرن الماضي، البرلمان، بعدما تجاوز الحزب عتبة العشرة في المئة، وهي النسبة التي يشترط الدستور التركي على الأحزاب تحقيقها حتى تتمكن من دخول البرلمان، فيما حصل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم على نحو أربعين في المئة.
وما إن أعلنت النتائج الأولية حتى سارعت الفضائيات الكردية إلى إلقاء خلافاتها جانباً، وراحت تتغنى بهذا الإنجاز الذي حققه أكراد تركيا.
وإذا كانت الفضائيات الكردية قد كرست لتباينات في التعاطي مع مختلف الأحداث وذلك تبعاً للجهة او التيار الذي يمولها، فإن الانتحابات التركية ألغت تلك التباينات، ومحت الحدود المرسومة لكل فضائية، وأفرزت خطاباً إعلامياً متشابهاً، فلا مجال للتشويش على حدث وصفه المراقبون بـ «التاريخي والاستثنائي»، فللمرة الأولى سيكون في مقدور نحو 80 نائباً كردياً التواجد في برلمان لم يقر، حتى سنوات قليلة خلت، بأبسط حقوق الأكراد.
وباعتبار أن هذه النتيجة ستكون لها تداعيات على الوضع الكردي في كل من سورية وإقليم كردستان العراق وإيران، فإن الشاشات لم تكتف بشرح معاني هذا الانتصار في الداخل التركي، بل شرحت التأثيرات المحتملة في الأكراد في المناطق الأخرى، وهي رصدت الاحتفالات التي عمت المدن الكردية وصولاً الى الأوروبية.
ولم تغفل هذه الفضائيات عن نقطة أساسية، وهي أن النتيجة التي نالها الحزب الكردي أحبطت أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يطمح في تحقيق الغالبية المطلقة لتغيير دستور بلاده بما يوسع صلاحيات رئيس الجمهورية.
وسلّطت العملية الانتخابية الضوء على مفارقة لافتة، فالحزب الذي انتصر هو الحزب ذاته الذي يؤيد الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، إذ تساءل مراقبون كيف يدخل أنصار هذا الزعيم البرلمان بينما يقبع الأخير في السجن منذ أكثر من 15 عاماً، وكيف لأنقرة، التي أثبتت نزاهة في الانتخابات الأخيرة، أن تتقبل نواباً من دون أن تعترف، في الآن ذاته، بالشخص الذي يدينون له بالولاء. هذا جزء من اللعبة الانتخابية بالطبع، لكنه يشير، كذلك، إلى تناقضات تعيشها السياسة التركية؛ القائمة على حسابات دقيقة تماماً كجغرافيتها المنقسمة بين آسيا وأوروبا.
الحياة
تركيا والحكومة الائتلافية الناجحة/ محمد زاهد غول
بعد يوم حاسم في الانتخابات التركية البرلمانية 7/6/2015، أعلن رئيس هيئة الانتخابات العليا سادي غووَن بأن 4 أحزاب سياسية تمكنت من اجتياز العتبة الانتخابية المتمثلة بـ 10 في المئة من أصوات الشعب، وبحسب هذه النتائج فإن الأحزاب التي فازت في هذه الانتخابات النيابية هي «حزب العدالة والتنمية» و»حزب الشعب الجمهوري» و»حزب الحركة القومية» و»حزب الشعوب الديمقراطية»، وقد اعتاد الشعب التركي على فوز الأحزاب الثلاثة الأولى كما في الانتخابات النيابية الثلاثة السابقة، والجديد في هذه الانتخابات هو فوز حزب ديمقراطية الشعوب ذو الأغلبية الكردية أو الهوية الكردية الغالبة، بما يمثله رئيس حزب ديمقراطية الشعوب صلاح الدين ديمرتاش من كونه كرديا ويفاوض الحكومة التركية على مستقبل الأكراد في المصالحة الوطنية الداخلية، وبما يمثله من علاقة وثيقة مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان سجين جزيرة إمرلي منذ عام 1999.
إن حزب ديمقراطية الشعوب وضع خطة انتخابية نجحت في تخطي الحاجز الانتخابي وهو 10 في المئة، وحقق نجاحاً يقدر بنسبة 13 في المئة، بينما حصل حزب العدالة والتنمية على 40.86 في المئة من الأصوات، وحزب الشعب الجمهوري على 25،1 في المئة، وحزب الحركة القومية على 16،4 في المئة، بحسب النتائج المعلنة أيضاً، ووفقا لهذه النتائج يحصل حزب العدالة والتنمية على 258 مقعدا في البرلمان، وحزب الشعب الجمهوري على 132 مقعدا، وحزب الحركة القومية على 91 مقعدا، وحزب الشعوب الديمقراطي على 79 مقعدا، وهذه الأعداد النيابية لا تخول أحداً من الأحزاب الفائزة لتشكيل الحكومة بمفرده لكسب ثقة البرلمان وتشكيل الحكومة رسمياً أولاً، وكذلك حتى تتمكن الحكومة المقبلة من تنفيذ سياساتها دون مشاكل أو إعاقات من الأحزاب الأخرى قد تؤدي إلى استقالة الحكومة، وبالأخص ان الحكومة المقبلة المفترضة لحزب العدالة والتنمية كانت تعد لإقرار مشاريع قوانين تواصل المشاريع السابقة، ومنها مشاريع تعديل الدستور أو كتابة دستور جديد للجمهورية التركية الجديدة، وبالأخص في نظام الجمهورية السياسي وتحويله من نظام برلماني إلى نظام رئاسي ، كما كانت تعلن حكومة العدالة والتنمية برئاسة أحمد داود أغلو السابقة.
لا شك أن نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة قد خلطت الأوراق على حزب العدالة والتنمية، فهو أمام تحدي ألّا يترك منجزاته السابقة خلال الثلاثة عشر عاما السابقة وما حققه من نجاح اجتماعي واقتصادي وسياسي إلى حكومة أخرى تشكلها أحزاب المعارضة الثلاثة، قد لا تقوى بل من المؤكد انها لا تقوى دون مشاركة حزب العدالة والتنمية على إدارة شؤون البلاد بنجاح يوازي أداء حكومة حزب العدالة والتنمية، فكيف إذا كان يشاهد الضعف والانهيار لمشاريعه وهو خارج الحكومة؟
لذلك كان موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال أحمد داود أوغلو واضحا وصريحا أن حزب العدالة والتنمية لن يترك أحزاب المعارضة تشكل الحكومة وحدها، لقناعته بعدم قدرتها على إدارة دفة الحكومة بنجاح أولاً، ولكنه في الوقت نفسه يحترم الإرادة الشعبية وما اعطته من نتائج لهذه الانتخابات، وبالتالي فليس أمام حزب العدالة والتنمية إلا تشكيل حكومة ائتلافية دون خطوط حمراء ولا شروط على أحزاب المعارضة الأخرى. ولذلك فإن السؤال المثار الآن في تركيا هو من سيختار حزب العدالة والتنمية من الأحزاب الثلاثة للائتلاف معه لتشكيل الحكومة، بعد ان يعهد رئيس الجمهورية أردوغان لأحمد داود أوغلو لتشكيل الحكومة في الراجح، حيث لا يوجد لدى حزب العدالة والتنمية شخصية أخرى أفضل من داود أوغلو لشغل هذا المنصب.
الرئيس رجب طيب أردوغان يطالب الأحزاب السياسية الفائزة بتشكيل حكومة بأقصى سرعة وعدم ترك البلاد دون رأس، وهو يدرك انه لا يمكن أن يتم تشكيل حكومة دون حزب العدالة والتنمية، الذي أعطاه الشعب المرتبة الأولى في هذه الانتخابات، أي ان حزب العدالة والتنمية لا يستطيع ان يترك من صوتوا له فيبقى في المعارضة وقد صوت له الشعب ان يكون في المرتبة الأولى بفارق كبير عن الأحزاب الأخرى، لذلك يمكن القول أن حزب العدالة والتنمية هو أمام تحدي إجراء عملية قيصرية تُخرج إلى الشعب التركي حكومة ائتلافية قوية تستطيع مواصلة المسيرة الناجحة لحزب العدالة والتنمية، وتستجيب للتحديات المستقبلية، وتواصل تنفيذ الوعود التي قطعها حزب العدالة والتنمية على نفسه، بفارق وحيد عن الماضي وهو ضرورة فتح كل القنوات السياسية مع الأحزاب سواء للمشاركة معه في السلطة والحكومة الائتلافية أو للمشاركة معه في المعارضة الديمقراطية. فالمعادلة السياسية الديمقراطية لا بد ان ترفع حزبا إلى السلطة وحزبا آخر في المعارضة، وهذه ليست سياسة انتقاصية من أحد الأحزاب السياسية، وإنما هي معادلة السياسة الديمقراطية أولاً، ومعادلة أصوات الناخبين ثانياً، التي أعطت لحزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى في هذه الانتخابات، وكانت قد اعطته المرتبة نفسها بدرجة أعلى في الانتخابات الماضية، لذلك فإن عقلية حزب العدالة والتنمية الجديدة ينبغي أن تنظر في تشكيل التحالف الحكومي الديمقراطي إلى معادلة أصوات الناخبين، وقد جعلت أصوات الناخبين حزب الشعب الجمهوري في المرتبة الثانية بعد حزب العدالة والتنمية، وبالتالي فإن الخطوة الأولى لحزب العدالة والتنمية ينبغي ان تتوجه إلى حزب الشعب الجمهوري للمشاركة في حكومة ائتلافية قبل غيره، وهذه الخطوة لها مبرراتها التي تبدأ بمعادلة أصوات الناخبين، فإذا نجحت هذه الخطوة وهو المأمول فقد خرجت تركيا من أزمتها الحالية بنجاح، ونجحت معها الديمقراطية التركية، وإلا فإن البحث عن تحالف آخر مع حزب آخر سيكون الخطوة الثانية وهكذا. فالاحتمال الأقوى أمام حزب العدالة والتنمية هو التحالف مع حزب الشعب الجمهوري للأسباب التالية:
1 ــ ان حزب الشعب الجمهوري هو في المرتبة الثانية في اختيار الشعب التركي، فهو الأول في تشكيل الحكومة الائتلافية مع حزب العدالة والتنمية، وبذلك يمكن تشكيل أقوى حكومة ممكنة ومنتجة من هذه الانتخابات. فحزب الشعب الجمهوري يملك حوالي 132 نائبا، وبالتالي فإن أصواتهم إلى جانب أصوات حزب العدالة والتنمية 258 سوف تصبح حكومة بأغلبية 390 نائبا، وهذه الكتلة النيابية تستطيع عمل كل شيء لو اتفق الحزبان على البرامج والسياسات المقبلة، وإلا فعمل ما يمكن الاتفاق عليه.
2 ـ حزب الشعب الجمهوري هو حزب مؤسس للجمهورية التركية الحديثة، فهو عريق في العمل السياسي، وقد تعلم الكثير من تشكيل الحكومات الائتلافية في العقود الماضية، بعد إقرار التعددية الحزبية عام 1949، وإقرار التعددية الحزبية كان بمشاركة نواب حزب الشعب الجمهوري اولاً، وكان لهذا الحزب مشاركة جيدة مع حزب السلامة الوطني برئاسة نجم الدين أربكان، حيث شكل الحزبان حكومة ائتلافية أدخلت الحركة الإسلامية في الحياة السياسية لأول مرة عام 1973، رأسها بولانت اجاويد ونائب الرئيس نجم الدين أربكان، أي أن العمل المشترك بين أطراف المعادلة السياسية في تركيا لهما أسبقية تاريخية وسياسية عريقة، لا شك أنها سوف تسهل عمل الحكومة المقبلة.
3 ــ أن التغييرات التي حصلت على حزب الشعب الجمهوري في السنوات الماضية جديرة بالاهتمام، وبالأخص انه لم يعد يحمل روحا عدائية للهوية الحضارية الإسلامية كما كان في السابق، وأصبح في منتسبي الحزب من يرتدي الحجاب من النساء، وعندما أشاع صلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطية مواقف معادية لرئاسة الشؤون الدينية كان رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار اوغلو من المتصدين له والمدافعين عن هذه المؤسسة الدينية العريقة في تركيا.
ولا بد ان يؤخذ في الاعتبار أن تركيا في السنة المقبلة على أقل تقدير تحتاج إلى حالة من الاستقرار السياسي والراحة الاجتماعية، فلا يمكن الدعوة إلى انتخابات مبكرة خلال أشهر قليلة بعد ان خاضت البلاد ثلاثة انتخابات متوالية في السنة وثلاثة أشهر الماضية، وقد يكون من العبء الكبير على الشعب التركي أن يدعى إلى انتخابات رابعة خلال أشهر قليلة، لذلك فأن على الحكومة الائتلافية المقبلة مسؤولية الاستقرار وطمأنة الشعب على استقرار حياته اليومية واستقرار مستوى معيشته، فلا يمكن قبول ان تكون الانتخابات الديمقراطية عقوبة للشعب في لقمة معيشته إذا فشلت الحكومة الائتلافية المقبلة في تلبية مطالب الشعب وطموحاته.
الانتخابات التركية في انتظار الجولة المقبلة: خسارة لأردوغان وليس لـ”العدالة والتنمية”/ إبراهيم درويش
هل انتهى عصر الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، أي مشروعه وطموحه لمواصلة إعادة تشكيل تركيا الكمالية؟ سؤال تسابق المعلقون الغربيون للإجابة عليه في ظل الأداء السيء لحزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ 13 عاما وتسيد الحياة السياسية فيها ليصبح الحزب الأوحد في تركيا. وبهذه المثابة تحول أردوغان إلى السياسي الأشهر في تركيا الحديثة منذ مصطفى كمال أتاتورك. وجاءت نتائج الانتخابات التركية في 7 حزيران/يونيو لتنزع من أردوغان المبادرة التي كان يريدها من أجل «تركيا جديدة» يعدل فيها الدستور ويصبح رئيسا بصلاحيات دستورية. ولكن تراجع حصة حزب العدالة والتنمية من 50 في المئة في انتخابات عام 2011 إلى 41 في المئة حرمت أردوغان من الغالبية التي يريدها وأدت لخريطة جديدة لم تشهدها الحياة السياسية التركية منذ عقود، فقد دخل الأكراد ولأول مرة في تاريخ تركيا ككتلة تمثل مصالح الأكراد ودخلت الأقلية العلوية التي رشحتها الأحزاب القومية وغير ذلك من ألوان الطيف السياسي التركي. وعادت تركيا إلى حقبة الائتلافات التي تعني بالضرورة عدم الإستقرار السياسي نظرا للتجربة السابقة والتي دائما ما فتحت الطريق أمام عودة العسكر للحكم.
من المسؤول؟
والسؤال هو من المسؤول عن الخسارة التي تعرض لها الحزب؟ يجمع المعلقون الغربيون أن أردوغان هو المسؤول، فالإصلاحي الذي جاء عام 2003 تغير وانقلب على نفسه. وهذا ما بدا في مقالة لفيلكين ديكستر في مجلة «نيويوركر» الذي تحدث عن إنجازات أردوغان من ناحية تحرير الاقتصاد وأعطائه حقوقا للأقلية الكردية المضطهدة وأكثر منحه الغالبية المتدينة في تركيا صوتا لتقرير الكيفية التي تريد أن تحكم نفسها بنفسها. وخلال الفترة الأولى من حكم أردوغان برز كرمز للأمل في العالم الإسلامي ونموذجا عما يمكن للإسلاميين تحقيقه. وفي المحصلة نظر الغرب لأردوغان كجسر بين الشرق والغرب. ولكن الرئيس التركي حسب فيلكين قتل كل الآمال عندما بدأ حملة ملاحقة ضد المؤسسة العلمانية واستهدف قادة الجيش الذين اتهمهم بالتآمر عليه. ومن ثم قمع الحرية الصحافية بدرجة أصبحت فيها تركيا أكثر دولة في العالم قمعا للصحافيين. مع أن هذه التصرفات لم تنل كثيرا من شعبية أردوغان الذي واصل تقدمه وإنجازاته. ويقول فيلكين إن التغيرات في مسيرة أردوغان ليست خطيرة في حد ذاتها بقدر ما تعبر عن رغبة منه للبقاء في السلطة. صحيح أن حزب أردوغان فاز بأكثر المقاعد وليس الغالبية، لكن العملية الانتخابية تعبر عن قوة الناخب التركي الذي رأت الصحافة الغربية أنه أوقف طموح الرئيس التركي مع أنه نظريا يستطيع الدعوة إلى استفتاء على الدستور إن رغب لكن هذا غير محتمل كما تقول «الغارديان». وتساءلت ماذا حدث؟ والجواب السريع هو أن كل طرف في المعادلة التركية سيعيد تشكيل نفسه، كما أن الانتخابات أوقفت الخطوات التي كانت ستجعل تركيا تحت حكم الحزب الأوحد. وعادت إلى التعددية الحزبية التي فشلت في تقديم الإستقرار للبلاد في الماضي. وفي تحليل «الغارديان» لأسباب تراجع الحزب الحاكم ترى أنه مرتبط بأردوغان الذي بدأ حياته السياسية في الطريق الصحيح ثم أنتهى وقد خرب كل شيء. وتعتقد أن كل سياسات أردوغان الاجماعية انتهت انقسامية. وحتى محادثات السلام مع الأكراد فقد كانت تهدف سياسته إلى إضعاف المعارضة. وتضيف أن محاولات أنقرة منع نشوء كيان كردي في شمال سوريا ألب الأكراد ضده وانتقموا منه من خلال حزب الشعوب الكردية الذي يتزعمه صلاح الدين ديمرتاش. وبالمعنى نفسه رأت «فايننشال تايمز» أن ما حصل للعدالة والتنمية هو مسؤولية أردوغان الذي أفشلت الانتخابات محاولته لفرض نظام استبدادي على تركيا. وعلقت على النتائج «إنه يرحب بها بشكل كبير حيث أوقفت طموحات السيد أردوغان نحو الحكم المطلق وللأبد» وأضافت أن نتائج الانتخابات «تثبت أن الكثير من الأتراك عانوا بما فيه الكفاية». وقللت الصحيفة من مخاوف المستثمرين الأجانب حيث قالت إن الاقتصاد التركي يعاني أصلا من تراجع ولم يعد حزب العدالة الحزب الإصلاحي الذي كانه. وتعترف الصحيفة أن أردوغان «ظاهرة سياسية يجب عدم التقليل من شأنها لكن عليه الإعتراف أن الناخبين رفضوا حكمه السلطوي».
لحظة غازي
وتربط التراجع في مصير حزب العدالة بتظاهرات حديقة غازي باسطنبول والتي قمعتها الشرطة التركية عام 2013. وهي لحظة مهمة كما تقول إسراء أوزيرك الباحثة في التاريخ التركي الحديث في مدرسة لندن للاقتصاد. ونقلت عنها صحيفة «واشنطن بوست» «كانت حركة غازي مهمة وبدأ منها خطاب التغيير». وتزامنت التظاهرات مع حرب العدالة والتنمية مع «الدولة الموازية» وجماعة فتح الله غولن وما تبع ذلك تسريب أشرطة عن فساد النخبة الحاكمة وطالت نجل أردوغان نفسه. ولا يمكن فصل خطاب أردوغان الصدامي وتصريحاته المثيرة واهتمام الإعلام التركي بكل ما يقوله حول المرأة والصحافة الأجنبية (بالمناسبة طالبته الغارديان باعتذار) وقاعدته الانتخابية فكل ما قاله أثناء الحملة كان موجها للقاعدة المحافظة التي تدعمه ولكن المعارضة استخدمت كل ما قاله للهجوم عليه. وهو ما يفسر المواقف الغربية الناقدة للرئيس. ومع ذلك فهو لا يزال رغم ما جرى في قلب السلطة ويتمتع بتأثير واسع. وبحسب فرانسيس ريكاردوني السفير الأمريكي السابق في تركيا «لا يزال رئيسا وأمامه أربع سنوات مقبلة ويحظى بسلطات واسعة» وتوقع أن يكون «مؤثرا». وتقترح «واشنطن بوست» في افتتاحية لها: على أردوغان التخلي عن طموحاته وتقديم تنازلات للمعارضة من أجل تفعيل عجلة الاقتصاد من جديد. كما أن دخول الأكراد للبرلمان قد يؤدي إلى الدفع بالعملية السلمية وإكمال المفاوضات. وتعتقد أن أي محاولة من أردوغان للمناورة والدعوة لانتخابات جديدة لن تكون إلا وصفة لعدم الإستقرار. وأفضل شيء هو قبول الرئيس بالواقع وتغيير مساره. فالمشاركة الانتخابية 85 في المئة تتفوق على المشاركة في الانتخابات الأمريكية عام 2012 والتي لم تتجاوز 57 في المئة وهي بالضرورة رسالة «توبيخ» للرئيس كما تقول «نيويورك تايمز». وتضيف أن صورة الرئيس تشوهت رغم بقائه في السلطة والسياسي الذي لا نظير له. ولكنه انحرف عن المسار الديمقراطي، فقمع المتظاهرين والمعارضين وسمح للجهاديين بالعبور إلى سوريا في محاولته التي وصلت حد الهوس للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، كما أن رفضه السماح للتحالف الدولي استخدام قواعد بلاده العسكرية لضرب تنظيم الدولة أثار الكثير من علامات الإستفهام حول التزامات تركيا كعضو في الناتو. وتشير الصحيفة إلى أن أردوغان استفاد في الماضي من ضعف المعارضة التي اصطفت هذه المرة وبشكل قوي للرد عليه. وتعتقد أن المرحلة المقبلة ستكون مليئة بالتحديات للرئيس ولحزبه، وتشمل إنعاش الاقتصاد ومليوني لاجئ سوري وتنظيم الدولة الإسلامية وعلاقات مضطربة مع الأكراد الأتراك والغرب بحاجة للإصلاح ولا وقت للتردد في كل هذا.
تركيا المعقدة
خلف التصريحات الصارخة التي أطلقها معلقون «نهاية باكس إردوغان»و «البوتينية» و «إجماع بيجين». ووصف بعضهم الانتخابات بأنها «انفجار نووي في السياسة التركية» كما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن بولنت عليرزا من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية نزعة انتصارية تتعامى عن واقع لا يفهم تركيا والتغيرات التي حدثت فيها خلال حقبة أردوغان وما قبلها. فالجميع يبدون راضين بالعودة إلى فترة العسكر والائتلافات الحكومية التي جلبت العسكر. وينسون وهم الأعرف أن تركيا بلد ديمقراطي ومعقد في الوقت نفسه. وأشار إلى جزء من الحقيقة ديفيد إغناطيوس في مقاله بصحيفة «واشنطن بوست» قال إن تحليل ما جرى الأحد الماضي ينم عن قوة المؤسسة السياسية مشيرا إلى عراقة الديمقراطية التركية التي مضى عليها قرن تقريبا. ونجت من الحروب الساخنة والباردة والإنقلابات والمتطرفين وعليه يعرف الأتراك أنهم سيخسرون الكثير لو تم اختطاف الديمقراطية. كما أن تركيا بلد فيه ثقافة مجتمع مدني ولديه اقتصاد حر وصحافة حرة ونظام قضائي حر. والكاتب هنا محق في القول لكنه يتهم أردوغان بمحاولة استفزاز كل هذه المؤسسات أو قمعها. ولا يغيب عن الكاتب هنا المفارقة في الصعود الكردي فلولا تشجيع أردوغان لهم لما حلموا بدخول البرلمان. ويرى إغناطيوس أن الانتخابات التركية ليست شأنا محليا في النهاية بل ولها أبعاد دولية لأنها حسب رأيه تحدت فكرة صعود الرجل القوي على طريقة بوتين أو الحكم المطلق في الصين. كل هذا قد يكون صحيحا لكن ما أسفرت عنه الانتخابات هي أن تركيا لا يمكن أن يحكمها شخص واحد ولا حزب واحد كما يقول سونير جاغباتاي من «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» أن أهم ما نجمت عنه تجربة الانتخابات الأخيرة هي عدم قدرة أي حزب حكم تركيا وحده. مشيرا إلى أن المعجزة الاقتصادية التي أسهم أردوغان بصناعتها تحولت عدوا له. فقد أدت لتحويل تركيا إلى مجتمع طبقة متوسطة وجد صوته في البرلمان الذي يعتبر من أكثر برلمانات تركيا تنوعا في تاريخها. وبهذه المثابة سيجد أردوغان نفسه في مواجهة مع الليبراليين. ويرى سونير أن أردوغان وإن توقفت طموحاته سيواصل التأثير من خلال حزب العدالة والتنمية.
سوريا والعالم الإسلامي
وأشار جاغباتاي إلى انعكاسات الانتخابات على المسألة السورية التي سيجد حزب العدالة والتنمية نفسه في مواجهة مساءلات من البرلمان خاصة أن الرئيس وحزبه استثمرا الكثير في المعركة ضد الأسد. ومن هنا قد تجد أنقرة نفسها مضطرة وتحت الضغط الشعبي لتخفيف صداميتها مع سوريا واتخاذ خطوات صغيرة للتخلص من النظام كما تفعل الولايات المتحدة. وتساءلت «كريستيان ساينس مونيتور» عن مستقبل السياسة الخارجية التركية التي كانت في زحف مستمر بعد عام 2011 عندما استقبل أردوغان في العواصم العربية وصلى في ساحة الشهداء بطرابلس- ليبيا. وترى أن انتخابات الأحد الماضي تعتبر نهاية لما يراه محللون نهاية للسياسة الخارجية «الإمبريالية». وفي جردة لهذه السياسة ترى أن تركيا لا سفير لها اليوم في خمس عواصم في الشرق الأوسط من ضمنها إسرائيل ومصر وليبيا وهذا تغيرعن سياسة «صفر مشاكل» التي تبنتها تركيا في الماضي. ونقلت الصحيفة عن حسين باجيك استاذ العلاقات الدولية في جامعة سبانتشي بأنقرة قوله إن الانتخابات تمثل «تحولا في المحاور في السياسة الخارجية فما حاولت تركيا فعله في الشرق الأوسط حدث عكسه»، فلم تتحقق لا ديمقراطية أو استقرار أو أمن.
ومثلما سيتأثر الصراع السوري سينعكس الوضع الجديد على علاقات تركيا مع العالم الإسلامي خاصة حماس والإخوان المسلمين حيث لقيتا دعما من حزب العدالة والتنمية. وفي السياق نفسه قد تجد الحكومة التركية أقلية أم إئتلاف نفسها أمام ضغوط لإعادة النظر بالعلاقات مع الولايات المتحدة التي اتسمت بالبرود خاصة بعد إصرار تركيا على ربط الحرب ضد تنظيم الدولة بالإطاحة بالأسد ومن هنا تجنبت الولايات المتحدة حسب فادي هاكورا من تشاتام هاوس بلندن «إشراك تركيا بالنقاشات الاستراتيجية حول الملف النووي الإيراني وتلك المتعلقة بالتطورات سوريا والإنفجار الحالي في العراق». وستتسم السياسة الخارجية بالتحفظ دون محاولة لعب دور إقليمي لأن تركيز أردوغان وتركيا ما بعد الانتخابات على الداخل أكثر من الخارج. وفي النهاية هل خسر أردوغان؟ نعم ولا ولكنه لا يزال في قمة السلطة وقبضته عليها لم تتراخ. صحيح كما يقول هنري باركي من جامعة ليج ببنسلفنانيا فالانتخابات بالنسبة لأردوغان تعتبر «هزيمة كبيرة» أما «حزب العدالة والتنمية فلم ينهزم ولا يزال الحزب الأكبر ولكن غالبية الناخبين قالت وبوضوح أنها لا تريد أردوغان رئيسا تنفيذيا وبالنسبة له تعتبر خسارة كبيرة». وسؤال أخير هل يعني تخلي الرئيس عن طموحاته؟ الجواب لا. الكل في تركيا يعلم أن أردوغان سياسي صعب وظاهرة معقدة. وكما يقول عليرزا من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية «فلم يتخل أردوغان عن حلمه بتحويل النظام الرئاسي» و»عليه فسيتراجع تكتيكيا ويعزز قواه قبل أن يدفع للأمام مرة أخرى». ونحن إذا بانتظار الجولة الثانية.
الانتخابات التركية في انتظار الجولة المقبلة: خسارة لأردوغان وليس لـ«العدالة والتنمية»
السيناريو المُغفل بعد الانتخابات التركية/ عبد القادر عبد اللي
تقتضي الأعراف السياسية أن ترفع الأحزاب الصغيرة سقف مطالبها من أجل المشاركة في تشكيل حكومة ائتلافية في تركيا. فرفع المطالب يهدف الحصول إلى أكبر حصة ممكنة من مقاعد الحكومة. ولهذا، جرت العادة أن يتم تناول تلك المطالب كأخبار عادية تتغير على مدار الساعة أكثر من تناولها في ميدان التحليل. وهذا ما تفعله الأحزاب التركية بعد نتيجة الانتخابات، وظهور عدم إمكان أن ينفرد حزب واحد بتشكيل الحكومة.
الجميع يطرح سيناريوهين رئيسين لتشكيل الحكومة. الأول: حكومة يشكلها حزب “العدالة والتنمية” برئاسة أحمد داوود أوغلو، وبمشاركة أحد الأحزاب الثلاثة الأخرى. والثاني: تشكيل الأحزاب الثلاثة الأخرى حكومة خارج حزب “العدالة والتنمية”.
الأخبار المتداولة حول سيناريوهات تشكيل الحكومة الآن تعكس أمنيات أكثر مما تعكس واقعاً. صحيح أن حزبي “العدالة والتنمية” والحركة القومية هما أقرب إلى بعضهما بعضاً من الناحية الأيديولوجية، ولكن يمكن أن يكون حزبا “الشعوب الديموقراطية” و”العدالة والتنمية” أقرب على صعيد الجرأة بالتجديد، والتحول الديموقراطي. وحتى إنه من غير المستبعد أن يقبل حزب “الشعب الجمهوري” التحالف مع “العدالة والتنمية”، على الرغم من الخصام التاريخي بين هذين التيارين. فهناك سابقة تحالف بين التيار الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان، وحزب “الشعب الجمهوري” بزعامة بولند أجاويد عام 1972. وهكذا على الرغم من ظهور أن تشكيل حكومة بين حزب “العدالة والتنمية” وأحد الأحزاب الأخرى متاحاً من الناحية النظرية، ولكن ماذا لو كانت الأحزاب جادة برفع سقف مطالبها، وليست مجرد عملية تحسين وضع التفاوض؟
السيناريو الآخر هو تشكيل الأحزاب الثلاثة الفائزة بالدرجة الثانية والثالثة والرابعة حكومة ائتلافية. الحزب الرئيس الذي يضغط لتنفيذ هذا السيناريو هو حزب “الشعب الجمهوري”، باعتباره أكبر الأحزاب الصغيرة، وبالتالي في حال تشكيل حكومة كهذه سيحقق حلمه وحلم الحزب برئاسة الحكومة، ولكن هل يمكن أن يجتمع حزب قومي طوراني ينكر وجود الأكراد، ويرفض إعطاءهم حقوقهم القومية، مع حزب كردي يجد أن ما قدمه حزب “العدالة والتنمية” للقضية الكردية قطرة من بحر، ويريد المزيد والمزيد؟
من جهة أخرى فإن هذه الأحزاب من الصعب أن تنجح بإدارة البلد، وعلى سبيل المثال: انتزع حزب “الحركة القومية” بلدية أضنة الكبرى من حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات المحلية التي جرت قبل أقل من عام، ولكن هذا الحزب عاد وخسر أمام حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات العامة الأخيرة. والأمر نفسه حدث مع حزب “الشعب الجمهوري” حين انتزع بلدية هطاي (لواء الاسكندرون) من حزب “العدالة والتنمية”، وعاد ليخسر أمام هذا الحزب في الانتخابات الأخيرة.
لن تعجز هذه الأحزاب عن إيجاد مبرر لفشلها هذا، ولكنها تبقى من المؤشرات على فشلها في الإدارة.
حكومة الأحزاب الثلاثة كسيناريو مطروح حالياً، تشبه تماماً حكومة الأحزاب الثلاثة التي كانت قبل 2003 وحملت حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكم وحيداً لفترة قياسية وصلت إلى ثلاث عشرة سنة، لذلك يمكن أن تكون أفضل السيناريوهات لحزب “العدالة والتنمية”.
ولكن ماذا لو فشلت الأحزاب بتشكيل حكومة ائتلافية، وتم الذهاب إلى انتخابات مبكرة؟ طبعاً الانتخابات المبكرة تكاد تشخص أمام المراقبين كحقيقة، ولكن هل ستكون فوراً بعد انتهاء المهل الدستورية، أم بعد تشكيل حكومة ائتلافية، وفشلها بالإدارة؟
إذا ثبتت الأحزاب التركية على موقفها، فهذا يعني انتخابات مبكرة دون تشكيل حكومة. هل تشدُّدُ حزب “الشعب الجمهوري” بتشكيل الحكومة الثلاثية خارج حزب “العدالة والتنمية” يهدف إلى إفشال تشكيل الحكومة؟ وفي حال إفشال تشكيلها لابد من انتخابات مبكرة فورية. وماذا لو ظهرت الصورة نفسها نتيجة الانتخابات المبكرة؟
أثناء الحملة الانتخابية قدم حزب “الشعب الجمهوري” رسائل غالبيتها موجهة إلى الخارج، وهي رسائل تومئ عموماً إلى محاربة الإسلام السياسي، وكان من الواضح أن تلك الرسائل ستخسره أصواتاً، وهذا ما حدث فعلاً. أليس من الحماقة اعتبار الحزب يقدم دعاية انتخابية تخسره أصواتاً؟ وفي حال أنه يعي ما يفعله، ويقدم هذه الرسائل إلى الخارج: “الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب”، فماذا يريد من هذا الخارج؟
السؤال الأخطر، والذي يتجنب كثيرون حتى بمجرد التفكير فيه هو: ماذا لو كانت الأحزاب السياسية جادة في مطالبها من الحكومة، وبالتالي تسعى للتعطيل؟
عندما تفشل الأحزاب بتشكيل حكومة، فما الذي يمكن أن يحدث؟ هناك الجيش الذي ما زال وفق الدستور المعمول به هو حامي قيم الجمهورية. وإذا أخذنا بالاعتبار الرسائل التي قدمها حزب “الشعب الجمهوري”، المؤيد الدائم للانقلابات العسكرية للخارج، ووضعناها إلى جانب التعطيل، فهذا طريق يؤدي إلى باب واحد هو الانقلاب العسكري، فهل تتيقظ الأحزاب السياسية الأخرى، وتحول دون هذا؟
الصعود السياسي لأكراد تركيا/ دلال البزري
في الإنتخابات التركية الأخيرة جوانب تخصّنا، نحن العرب: أولها ان المعارضة، الكلاسيكية والجديدة، لم تلجأ إلى المزايدة الدينية، أو إلى الإشهار الديني، كما يحصل في ربوعنا. لا الجمهوريون ولا القوميون غيروا من توجههم الأيديولوجي، ولا المعارضة الجديدة، المتمثلة في “حزب الشعوب الديموقراطية”، بقيادة صلاح الدين دمرطاش، فعلت؛ فأساس برنامج هذا الحزب هو حقوق الكرْد القومية، وحقوق كل الأقليات الممكن تصورها: نساء، مثليون، متحولون جنسياً، بيئيون، غجر، أرمن، سريان… جميعهم يلتقون على فكرة ان حقوقهم لا تحميها إلا المواطنة والقانون والديموقراطية.
جانبٌ آخر: الأقلية التي تقود المعارضة الجديدة ليست أقلية دينية مذهبية، إنما أقلية قومية: كان يمكن التوقع بأن هذا العصر الديني قد ينتج معارضة علوية، وهي أوفر الأقليات الدينية عدداً (تشكل بين 15 و20 بالمئة من نسبة سكان تركيا). ولكن هذا لم يحصل. لم ينتج العلويون شكلاً سياسياً كهذا، مع انهم يشكلون نسبة أعلى من الكرد في التكوين التركي، (لا تتجاوز نسبتهم العشرين بالمئة). فالغالبية العظمى من العلويين منضوية تاريخياً تحت لواء “حزب الشعب الجمهوري”. وإذا صوتت شريحة منهم لـ”حزب الشعوب الديموقراطية”، فهذا ما من شأنه أن يوسع تصورها للقيم الجمهورية، بما يجعلها أكثر ميلاً للديموقراطية. إذن، قيادة المعارضة الديناميكية الجديدة في تركيا اليوم، هي ذات خلفية قومية كردية، تحتضن في داخلها المظلوميات على اشكالها، وبرنامج زمني، لا ديني، ولا مذهبي، تجسد بانضمام جمعيات المجتمع المدني إليها. إحدى أهم الكلمات التي قالها دمرطاش في خطبه الإنتخابية، ليصهر النخبة العصرية التركية بالقضية الكردية المزْمنة: “حقوقنا حقوقكم!”.
“حزب الشعوب الديموقراطية” لم يكن أول الفائزين في هذه الانتخابات. بل جاء أخيراً في الترتيب. سبقه طبعاً “العدالة والتنمية” الحاكم، (40%) ومن بعده “حزب الشعب الجمهوري” (24%) ثم “حزب العمل القومي” (16%)، ليتربع “حزب الشعوب الديموقراطية” في المرتبة الأخيرة (13%). صحيح انه انتصر بمجرد تجاوزه عتَبة العشرة بالمئة، فدخل بذلك البرلمان؛ ولكن الأهم من ذلك انه، بصعوده هذا، حال دون تمكن أردوغان من الإستيلاء على مطلق السلطات والتحول إلى ديكتاتوري حتى العام 2024 (هذا كان رهان اردوغان في هذه الإنتخابات، فيما الحزبان الجمهوري والقومي لم تتغير نسب كسبهما للأصوات).
الآن، فلننظر الى الموضوع من زاوية القضية الكردية: أول هدية تلقتها كانت الغزو الأميركي وسقوط صدام حسين (2003). من بعده تمكّن الكرد العراقيون من الشروع في بناء هذه القطعة الأولى من “البزل” الكردي الممتد إلى سوريا وتركيا وايران، وصاروا الآن بصدد دراسة توقيت الإعلان عن إستقلالهم. ثم جاءت الثورة السورية، لمنح الكرد السوريين مجالا للقتال وللدفاع عن النفس، استوجب تنظيماً إدارياً وقيادة حروب وتنسيقاً مع أكراد العراق وتركيا، بحيث تمكنوا في النهاية من بلورة فكرة، ولو جنينية، عن إستقلالهم هم أيضاً؛ ومعركة “كوباني” التي خاضها نساؤهم ورجالهم كانت أهم الدفْعات. في هذه الأثناء، كان أردوغان يجمّد محادثات سلام مع زعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبد الله اوجلان، بذريعة إندلاع هذه الحرب بالذات؛ بالضبط كما فعل سلفه أتاتورك، الذي بقي يؤجل منح حقوق الأكراد، حتى انتهاء القتال لتحرير تركيا من القوى الغربية المحتلة، ثم أخلّ بعهده وسحق انتفاضاتهم المتتالية عليه. إذا أضفتَ إلى ذلك تلكوء أردوغان عن تمرير المساعدات إلى الكرد في كوباني، وعشرات من الحوادث الأخرى المثيلة، يمكنكَ أن تتصور بأن شهية الكرد الأتراك لا تختلف عن شهية الكرد السوريين في توسيع مخيلة استقلالهم وبناء دولتهم. على كل حال، اتفاقية سايكس بيكو التي نشهد انهيارها اليوم مع انهيار الحدود الوطنية التي أقامتها، اصابت ايضا تركيا زمن صياغتها (1916)، واتنزعت منها جزءا من أرضها. واليوم، لا يمكن أن تبقى تركيا بمنأى عن انهيار هذا الإتفاق الذي يضم، من بين ما يضم، كردستان التركية. والمعروف ان “حزب الشعوب الديموقراطية” هو الواجهة المدنية لـ”حزب العمال الكردستاني” الحامل للسلاح، بقيادة عبد الله اوجلان.
أفضت الإنتخابات والسيناريوهات المختلفة التالية عليها، إلى نوع من الإضطراب لم تعرفه تركيا منذ سنوات؛ فالحزب الحاكم لم يعد وحيدا في الحكم، وعليه ان يتدبر أمره مع واحد من التشكيلات المعارضة، فيما الحزبان الجمهوري والقومي، هما خصماه التاريخيان. وإذا لم تنجح المحاولة الأولى مع الحزب الجمهوري، وأخفقت أخرى، يبقى “حزب الشعوب الديموقراطية”. ويقول مراقبون عن احتمالات التسوية التي يمكن ان تقوم بين هذا الحزب وبين أردوغان انها ستكون “تارخية”، تقوم على ما يلي: الحزب يمنح أردوغان الحق بالتحول الى سلطان زمانه، حتى العام 2024. بالمقابل يفرج أردوغان عن عبد الله اوجلان، و”يحلّ القضية الكردية”. بأي معنى سـ”تحلّ” هذه القضية؟ بأي نوع من التسويات؟ هل ستكون الحجر الأساس لدولة كرستادن التركية المقبلة؟ على غرار العراقية، وما تأمله السورية؟ أم انها ستحافظ على وحدة تركيا، فتقيم كونفدرالية؟ ولكن، ألن تكون الكونفدرالية هذه قاعدة لدولة مستقلة مقبلة، حين تقوى الظروف؟ وفي هذه الحالة، هل يبقى “حزب الشعوب الديموقراطية” جامعاً واحداً لكل الأقليات؟
تركيا..رسائل “سجين إيمرالي”/ غسان زقطان
لم تكن الانتخابات في تركيا معزولة عن الحروب الدائرة في الإقليم، كان خروج شعوب تلك البلاد الكثيف نحو صناديق الاقتراع أقرب إلى مواجهة مكملة للحروب المجاورة التي يصل ضجيجها وغبارها إلى نوافذ البيوت والمقاعد في غرف الضيوف وصور العائلة والزعماء المعلقة على الجدران.
لم يكن هذا ما حلم به أتاتورك أو ما خطط له أردوغان الذي كان يعد نفسه للذهاب نحو تغيير النظام السياسي التركي من برلماني إلى رئاسي، كان واثقاً تماماً من حصوله على أغلبية مطلقة تسمح له بالتفرد بعيداً عن صلاحيات البرلمان، وهو فكر به بصوت عال وهو يتجول في أبهاء القصر الأبيض بغرفه التي تجاوزت الألف، أو وهو يصعد أدراج القصر التي اصطف عليها حرس بأزياء االممالك والامبراطوريات التركية منذ أول التاريخ.
وهي أحلام ورط فيها حلفاءه في المنطقة العربية، جماعة الإخوان على وجه الخصوص، الذين وضعوا البيض كله في سلة أحلام أردوغان ودفعوا المنطقة كاملة نحو برنامج تأسس على أحلام خليفة اسطنبول القادم، ويبدو أن عليهم التفكير منذ الآن وبشكل جدي وهمة وحكمة يفتقرون لها عن سلال أخرى، للمحافظة في الأقل على البيض الذي لم يتكسر بعد.
الأصوات الأولى التي ارتفعت مباشرة بعد إعلان النتائج حملت خطاباً جديداً ومختلفاً يفرق بشكل جلي بين أحلام وتطلعات شعوب المنطقة وأحلام جماعة “الإخوان”، وهو أمر يختلف عن اختصار “أردوغان” لمستقبل المنطقة برغبات الجماعة وأطماعها.
خسر “الإخوان المسلمون” الانتخابات في تركيا، يبدو أن هذا حقيقة، ولكن “أردوغان” لم يخسرها، ما زال يمسك بقوة أغلبيته التي تراجعت قليلاً، 40% هذه الجولة، بينما يقتسم الآخرون، وهم كثر، الستين الباقية، وهو يعلم جيداً أن ما يجمعهم معه أقوى بكثير مما يجمعهم معاً.
في مكان آخر، تحديداً في” ديار بكر” تشكل حزب جديد يشبه المنطقة تماماً من مهمشي الكمالية، نسبة إلى كمال أتاتورك الذي تقلب كثيراً في قبره في العقد الأخير، من الأقليات التي نفتها القومية التركية القاسية عبر تعصبها العلماني خارج نعمة الشراكة، كما يحدث مع صعود القوميات من هزائمها القاسية.
الحزب الذي استطاع النفاذ من شروخ أحدثها تفرد أردوغان وتجوله بين نزعته الإسلامية “السنية” القادمة من حنين رافقه لـ “المجد العثماني” وبين نزعته القومية القادمة من نفس المصدر. الضربات التي وجهها “أردوغان” لمؤسسة الجيش والقضاء وفساد النخب السياسية، واحتكاه السلطة لعقد كامل أحدثت شروخاً عميقة في الجدار القومي ونظامه الديمقراطي الخاص الذي تحصنت خلفه الشوفينية التركية منذ نشأة الجمهورية المعاصرة، من هذه الثغرات نفذ حزب الشعوب بخلائطه المتروكة على الهامش، والتي وجدت مصلحتها في بناء ائتلاف واسع يسمح لها بدفع ثمانين نائباً، دفعة واحدة إلى مقاعد البرلمان للمرة الأولى في تاريح تركيا المعاصر.
سيتعود الكرد، من الآن فصاعداً، في الجمهورية التركية، على مشاهدة علم كمال أتاتورك الأحمر وهو يرفرف فوق مقرات حزبهم الرئيسي، وسييتذكرون في نفس الوقت زعيمهم الذي يقود هذه التحولات الكبرى من سجنه في “ايمرلاي”، وسيعرفون جيداً أنه يراقب كل شيء عبر محاميه الشاب “صلاح الدين ميرتاش”. صلاح الدين هو اختيار أوجلان وغرفة العميات الأولى تحركت من سجن “ايمرالي” بين السجين ومحاميه.
الأكراد يعرفون ذلك جيداً وهم ينصتون لوصايا “أوجلان” وكلماته عبر دميرتاش الشاب، ثمة جاذبية خاصة نشأت من خلال هذا التناغم بين أيقونة الوطنية الكردية بتاريخها المسلح، وحيوية المحامي الشاب، وجاذبية البرنامج الذي يتجاوز الفكرة القومية الضيقة لحزب محدود بسقف محدد، إلى طرح يسمح للكرد بقيادة الهامش التركي بأقلياته المتعددة في مواجهة الشوفينية القومية وشعاراتها الدينية، ما يوسع الأفق ويرفع السقف ويمنح الحلم أرضاً قابلة للثبات والمشي.
حزب “الشعوب” هو، لا شك، ظاهرة في الحياة السياسية في الجمهورية التركية، ولكنه في نفس الوقت اقتراح قادم من تجربة سياسية ناضجة، قادرة على المراكمة والتعلم والتغيير، في مواجهة تسونامي التفتيت الذي يجتاح الإقليم ويلتهم مقدراته ومنجزه وطموحه، ويستبدل ثقافته المتسامحة وتعدديته، وغنى التنوع الذي منحه اياه تاريخ طويل وطبقات حضارية متعددة، بثقافة متخلفة، مغلقة وعدوانية.
شرائح من اليسار التركي والعلويين والعرب والشركس، خليط متلاطم من الأقليات القومية والطائفية يجمعها الهامش ويدفعها الالتفاف حول الأقلية الكبرى الكرد، الأقوى تنظيماً وخبرة في مواجهة الدولة القومية التركية بوجهيها اليسار القومي من ورثة أتاتورك، والقومي الديني بنسخته الثانية التي يقودها أردوغان وريث السلطان العثماني.
لعل هذا التنوع الواسع الذي منح للحزب الجديد قوته وقوة اندفاعه الانتخابية هو الذي سيكبح دوره داخل البرلمان، إذ سيكون من الصعوبة بمكان إدارة مصالح هذه المكونات وطرح مطالبها والتوفيق في جدولة مصالحها وأولوياتها، الا أن الأمر مرهون الآن بآليات التمثيل وبناء برنامج بخطوط عريضة يحافظ على القواسم المشتركة بين مكونات الإتلاف.
ولكن الإنجاز الأهم هو النقلة التي حققها الطموح الوطني الكردي، أولاً تكريس برنامج “أوجلان” حول الحل السياسي للمسألة الكردية داخل مظلة الدولة التركية رغم تعقيداته الكثيرة، من خلال توحيد اوسع شرائح من المجتمع الكردي بما فيها اليمين الاسلامي، والأهم هو استقطاب أصوات الأقليات المهمشة، بما فيها شرائح من اليسار التركي، التي لا تملك القدرة على تجاوز نسبة الحسم، (10%)، وبناء كتلة متنوعة قادرة على النمو والتأثير خارج النظام السياسي التقليدي.
قد يكون هذا هو الدرس الأعمق الذي يمكن البحث فيه حين النظر إلى نتائج الانتخابات الأخيرة في تركيا، وليس ذلك الاختصار الساذج الذي يدور حول نفسه وهو يحصي خسارات أردوغان ومكاسب خصومه.
لقد بات واضحا الآن وبشكل نموذجي أنه لم يعد ممكنا لـ “الكماليين” التفرد بحكم الجمهورية التي بنوها على أنقاض السلطنة وأشلاء الأقليات، وسيكون من الصعب على “أردوغان” وحزبه استعادة زمن العقد الأخير من الحكم المطلق، الذي بنوه على فساد النخب السياسية وتسلط المؤسسة العسكرية، رغم أنهم سيسعون لذلك، ولن يحمل الكرد بنادقهم داخل البرلمان، “سجين ايمرالي” يعرف ذلك جيداَ وممثله أميرتاش يدرك أنه انعطف بالحافلة وحمولتها بعيداً عن جبل قنديل وقرى الجبال في ديار بكر، وسيواصل إقناع ركاب الحافلة أن ينظروا من النافذة إلى جانبي الطريق الممتدة الى أنقرة، حيث ستنتقل المواجهة.
موقع24
تراجع العدالة التركي.. انتصار للديمقراطية وعودة للاضطراب الحكومي/ بشير عبد الفتاح
انتكاسة الأردوغانية
انتصار الديمقراطية
انبعاث التأزم السياسي
صادم ذلك التراجع الذي مُني به حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من 49.9% من الأصوات أي بواقع 327 مقعدا برلمانيا بموجب الانتخابات النيابية السابقة التي أجريت عام 2011، إلى 41% هذه المرة بواقع 259 مقعدا من أصل 550 هي إجمالي مقاعد البرلمان التركي.
بموجب ذلك، سيخسر الأغلبية المطلقة التي يتمتع بها منذ 13 عاما، والتي كانت ستخول له تشكيل الحكومة منفردا للمرة الرابعة على التوالي، ويضطر إلى التنسيق مع القوى الحزبية البرلمانية المعارضة الثلاث، ويتقاسم الحقائب الوزارية معها عند الاتفاق على تشكيل أول حكومة ائتلافية تعرفها البلاد منذ عام 2002، وتتبدد آمال حزب العدالة ورئيس الدولة في توفير أغلبية الثلثين التي تتيح له تغيير الدستور أو تمرير تعديلات عليه دون الحاجة إلى استفتاء شعبي أو التفاوض مع الأحزاب الثلاثة الأخرى الممثلة في البرلمان الجديد.
انتكاسة الأردوغانية
من بين أسباب متنوعة زجت بحزب العدالة إلى مآل كهذا، يتحمل مؤسسه وزعيمه السابق أردوغان نصيب الأسد من مسؤولية تراجع الحزب في الاستحقاق البرلماني الأخير. فبداية، هرع الرئيس التركي لإحكام سيطرته المطلقة على الحزب عبر إقصاء وتهميش طيف واسع من قيادات صفه الأول، وإفساح المجال أمام عناصر شابة تدين بالولاء التام للزعيم الروحي، عبر تفعيل نص باللائحة الداخلية للحزب يمنع ترشح أي من كوادره أو تقلد منصب وزاري للمرة الرابعة على التوالي.
وبالتوازي، أثار أردوغان استياء واسعا على الصعيدين المحلي والدولي حينما أبى إلا التدخل في عملية تحضير الحزب للانتخابات البرلمانية، ضاربا عرض الحائط بنصوص الدستور التي تفرض عليه قطع صلته التنظيمية بالحزب الذي كان ينتمي إليه حين أضحى رئيسا في أغسطس/آب 2014، والتزام الحياد التام عند إجراء الانتخابات، إذ أصر على مباشرة دوره البارز في اختيار لائحة مرشحي الحزب للبرلمان، ومواصلة قيادة حملته الانتخابية في طول البلاد وعرضها، مستغلا إمكانات الدولة المالية واللوجستية والإعلامية في الترويج لمرشحي الحزب الحاكم داخل تركيا وخارجها، وتوسل كافة السبل الكفيلة باستقطاب أصوات الناخبين خلال خطبه الجماهيرية بمدن تركية وأوروبية شتى.
كذلك أفضت سياسات أردوغان الإقليمية إلى التأثير سلبا على الموقف التنافسي الانتخابي لحزب العدالة، حيث أفضى إصرار الرئيس على التورط في الشأن السوري ووضع بلاده على حافة الانزلاق في ما يمكن تسميته بـ”فيتنام تركية” من جهة، وتعمده استبقاء القطيعة مع نظام القاهرة من جهة أخرى، إلى استياء بالغ من قبل المعارضة التركية، التي أعلن زعماؤها عزمهم كبح جماح ذلك الشطط الأردوغاني حال وصولهم إلى سدة السلطة.
في غضون ذلك، وجهت نتائج الانتخابات البرلمانية ضربة قاصمة لمشروع أردوغان وحلمه الشخصي بالبقاء في الرئاسة بصلاحيات واسعة بعد تحويل نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي، واستمرار هيمنة حزبه على الحكومة حتى عام 2023، حيث الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية الأولى على يد أتاتورك، بغية إعلان تدشين الجمهورية الرابعة على يد أردوغان، وإطلاق مشروع “تركيا الجديدة”.
انتصار الديمقراطية
كان من أبرز المخرجات الإيجابية للانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة أن مهدت السبيل لإنقاذ التجربة الديمقراطية التركية، التي ما برحت تسعى إلى ترسيخ دعائمها منذ بزوغها منتصف القرن الماضي، من انتكاسة جديدة محققة، كانت ستعصف بها إذا ما نجح حزب العدالة في انتزاع أغلبية برلمانية كاسحة بواقع 367 مقعدا بما يخول له تشكيل الحكومة منفردا وتمرير دستور جديد أو تعديلات دستورية على الدستور القائم تتيح تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي على نحو يطلق يد أردوغان ليحكم قبضته على كافة مفاصل السلطة في البلاد بلا منازع، مزهوا بتنفيذ مشروعه الخاص بتدشين “تركيا الجديدة” التي ينوي الانتهاء منه عام 2023، الأمر الذي ينذر بتبديد إنجازاته السابقة التي حققها على كافة الصعد خلال السنوات الـ13 المنقضية.
فقد انطوت نتائج الانتخابات على إشارات إيجابية إلى قدرة التجربة الديمقراطية التركية على تجديد ذاتها من خلال عملية حراك سياسي جنينية لكنها موحية، حيث عمد الناخبون إلى إنهاء حالة القطبية الحزبية والسياسية الأحادية التي تطبق على الحياة السياسية التركية ممثلة في هيمنة حزب العدالة على السلطة منفردا منذ عام 2002، إذ جاء رهانهم على الأحزاب الصغيرة والناشئة بدلا من الأحزاب الكبرى القديمة.
ومن ثم، تراجع رصيد حزب العدالة من 327 إلى 259 مقعدا، بينما تراجع نصيب حزب الشعب الجمهوري من 138 إلى132 مقعدا، وهو نزيف المقاعد الذي آل إلى حزبي الشعوب الديمقراطي والحركة القومية، حيث قفزت حصيلة الأخير من خمسين إلى ثمانين نائبا، مثلما نجح الأول في تجاوز العتبة الانتخابية ورفع مقاعده من 29 إلى ثمانين مقعدا.
ومن زاوية أخرى، فتحت الانتخابات -التي بلغت نسبة المشاركة السياسية التصويتية بها نحو 85%، كما رحبت كافة القوى السياسية بنتائجها معلنة احترامها دون تشكيك فيها أو في مجمل مجرياتها- الباب أمام الأحزاب التي تمثل الأقليات كحزب الشعوب الديمقراطي الكردي لتجاوز أطره الإثنية الضيقة والانخراط في العملية السياسية الديمقراطية برداء وطني بعدما اضطر إلى “تتريك” خطابه ومشاريعه الانتخابية، وضم إلى صفوفه مرشحين يساريين من خارج الأطر الكردية، إضافة إلى فئات مهمشة من أرمن ومثليين جنسيين وإسلاميين وأشوريين وسريان وشيوعيين.
وأدت تلك الوضعية إلى إقدام ناخبين موالين لأحزاب أخرى -أبرزها حزب الشعب الجمهوري- على منح أصواتهم هذه المرة للحزب الكردي، بغية مساعدته على تجاوز العتبة الانتخابية نكاية في حزب العدالة، وخصما من رصيده.
ومن ثم، تمكن حزب الشعوب من تخطي حاجز العتبة الانتخابية (10%) بعدما اقتنص 13.5% من الأصوات، ليكون الحزب الرابع في البرلمان التركي للمرة الأولى ممثلا بثمانين نائبا، بعد أن كان لديه 29 مقعدا فقط في البرلمان المنتهية ولايته، كانت كوادره قد تحصلت عليها عبر الترشح كمستقلين للالتفاف على العتبة الإلزامية.
وفي تطور ملفت، تمخضت الانتخابات الأخيرة عن زيادة أعداد المرأة والمسيحيين في البرلمان الجديد، فبينما لم يكن البرلمان المنتهية ولايته يتسع إلا لـ79 امرأة فقط، سيضم البرلمان المنبثق عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة للمرة الأولى في تاريخه 96 امرأة من أصل 550 نائبا، بينهن 41 نائبة لحزب العدالة والتنمية منهن محجبات، و31 نائبة لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي بينهن ديليك أوجلان ابنة شقيق زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وعشرون نائبة لحزب الشعب الجمهوري، ثم أربع نائبات لحزب الحركة القومية اليميني. وفي السياق ذاته تسنى لأربعة مرشحين مسيحيين حجز مقاعدهم في البرلمان المقبل، وهي أعلى نسبة للتمثيل المسيحي في برلمان بلد لا تتخطى نسبة المسيحيين فيه أقل من 1% فقط من إجمالي تعداد سكانه.
وبناء عليه، يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية قد حقق فوزا بطعم الهزيمة في هذه الانتخابات بعد أن فشل في الاحتفاظ بأغلبيته المطلقة أو اقتناص ثلثي مقاعد البرلمان، لكن التجربة الديمقراطية التركية تبقى هي الرابح الأكبر رغم ما ستطرحه نتائج تلك الانتخابات من تساؤلات صعبة ومصيرية حول أشكال وأعمار ومدى نجاعة الحكومات المقبلة.
انبعاث التأزم السياسي
كشفت نتائج الاستحقاق البرلماني الأخير عن استمرار أزمة النظام الحزبي التركي، فمن بين 31 حزبا سياسيا، تجاسر عشرون منها فقط على خوض غمار السباق الانتخابي، بيد أنه لم ينجح منها في تخطي العتبة الانتخابية للتمثيل في البرلمان سوى أربعة أحزاب فقط، بعدما تمكن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من الانضمام إلى الأحزاب الثلاثة الرئيسية التقليدية الممثلة في البرلمان، كحزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية.
ومن شأن ذلك أن يزيد من تعقيد المشهد السياسي التركي، ويرتد به إلى حقبة الحكومات الائتلافية غير المتناغمة وغير المستقرة وغير الفاعلة في آن، والتي لا تلقى ترحيبا من قبل أغلب الأتراك بسبب خبراتهم المريرة معها طيلة عقود سبقت عام 2002، إذ يرون أنها تفتقد الكفاءة كما القدرة على الاستقرار والاستمرار بعكس الحكومات المنفردة التي تشكلت في عهود عدنان مندريس والحزب الديمقراطي في خمسينيات القرن الماضي، ثم تورجوت أوزال وحزب الوطن الأم في تسعينياته، وصولا إلى أردوغان وحزب العدالة والتنمية طيلة السنوات الـ13 الأخيرة.
دون شك، سيطرح إخفاق حزب العدالة في تحصيل الأغلبية المطلقة (50%+1 بواقع 276 مقعدا) التي تتيح له تشكيل الحكومة منفردا كعادته، سؤالا معقدا بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، لا سيما بعدما أعلنت الأحزاب الثلاثة الممثلة في البرلمان الجديد رفضها الدخول في ائتلاف حكومي مع حزب العدالة، حيث تشكل الخلافات الجوهرية بين حزب العدالة وتلك الأحزاب بشأن قضايا إستراتيجية محورية تتصل بالسياستين الداخلية والخارجية لتركيا تحديا أمام تلاقي الأحزاب الأربعة في حكومة ائتلافية.
”
تبرز المخاوف من أن تسفر حالة الارتباك السياسي الناجمة عن فشل حزب العدالة في تشكيل الحكومة منفردا هذه المرة وعودة البلاد إلى عهود الحكومات الائتلافية غير المستقرة، عن انبعاث الدور السياسي التدخلي للجيش التركي مجددا بذريعة حماية البلاد من السقوط في براثن الفوضى أو المكايدات السياسية
” ففي ما يتصل بقضية النظام الرئاسي -على سبيل المثال- ورغم اتفاق أغلبية الأحزاب التركية على ضرورة صوغ دستور ديمقراطي مدني يحل محل الدستور الحالي الذي وضعه العسكر عام 1982، وطالته عشرات التعديلات، فإنها تتفق في الوقت ذاته على رفض تحويل نظام الحكم البرلماني إلى نظام رئاسي يعزز من نزعات أردوغان السلطوية.
وترفض الأحزاب ذاتها عملية السلام التي دشنها حزب العدالة مع حزب العمال الكردستاني وأطرها باتفاق وقف العنف في عام 2013. ولا تتفق هذه الأحزاب أيضا مع إستراتيجيات تعاطي الرئيس والحكومة مع ما يجري في سوريا ومصر.
وكما هو معلوم، ليس من المتوقع أن يقدم حزب العدالة على تقديم تنازلات مرضية أو مغرية لتلك الأحزاب في ما يتصل بمواقفه من تلك القضايا أو غيرها حفاظا على صدقيته لدى مؤيديه من جهة، وحماية لمشاريع أردوغان من جهة ثانية، وتلافيا لأية تداعيات سلبية أو ارتباكات محتملة قد تتأتى جراء أية تحولات مفاجئة من جهة ثالثة.
وتأسيسا على ما سبق، يلوح في الأفق احتمال دعوة الرئيس التركي إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بموجب حق تخوله إياه المادة 116 من الدستور، خصوصا إذا ما حال استمرار أجواء الانسداد السياسي دون تشكيل حكومة ائتلافية في غضون 45 يوما من تاريخ الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات، في الوقت الذي تتراجع فيه احتمالات قبول أحزاب المعارضة البرلمانية تشكيل حزب العدالة حكومة أقلية مؤقتة، بينما سيستعصي على تلك الأحزاب من جانب آخر تشكيل حكومة ائتلافية متماسكة وناجعة دون حزب العدالة.
ويبقى السؤال عما إذا كان بمقدور الانتخابات المبكرة المحتملة حل المعضلة السياسية المترتبة على التراجع الانتخابي لحزب العدالة من عدمه، خصوصا إذا أجريت تلك الانتخابات في الظروف نفسها التي تمت في ظلها الانتخابات الحالية.
وتبرز هنا المخاوف من أن تسفر حالة الارتباك السياسي الناجمة عن فشل حزب العدالة في تشكيل الحكومة منفردا هذه المرة وعودة البلاد إلى عهود الحكومات الائتلافية غير المستقرة، عن انبعاث الدور السياسي التدخلي للجيش التركي مجددا بذريعة حماية البلاد من السقوط في براثن الفوضى أو المكايدات السياسية، خصوصا مع اشتداد وطأة الاضطرابات التي ما برحت تلقي بظلالها على الإقليم برمته منذ عام 2011.
حزب ناشىء نال 13 ٪ وحرم «العدالة والتنمية» من الأغلبية: أسبوع على الانتخابات وما يزال «السرّ الكردي» هو السؤال الأبرز/ إسماعيل جمال
إسطنبول ـ «القدس العربي»: أسبوع كامل مر على الانتخابات البرلمانية التركية، ورغم توضح النتائج الرسمية «شبه النهائية» التي أظهرت فوز حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بـ40 في المئة من أصوات الناخبين، ما زال السؤال الأبرز كيف تمكن حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي من تخطي حاجز الـ10في المئة والحصول على أكثر من 13في المئة من أصوات الناخبين، وبالتالي حرمان الحزب الحاكم من الأغلبية البرلمانية؟
المراقبون الأتراك يجمعون على أن حزب الشعوب الديمقراطي «الكردي» كان بمثابة «كلمة السر» في الانتخابات «المصيرية» التي شهدتها البلاد، بعد أن تسبب بتقليص فوز «العدالة والتنمية» وحصل على نسبة أصوات أعلى من المتوقع، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام التكهنات بإحتمال حصول الحزب على دعم «خفي» من قبل حزب «الشعب الجمهوري» أكبر أحزاب المعارضة، من أجل توجيه ضربة لـ»عدوه اللدود» الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد أن عجز عن ذلك بالطرق المباشرة.
ومنحت جميع استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات حزب «الشعوب الديمقراطي» نسبة أصوات تتراوح ما بين 8 إلى 11 في المئة من أصوات الناخبين، في حين منح استطلاع واحد الحزب 12 في المئة من الأصوات، ولم تتوقع أي شركة استطلاعات حصول الحزب على أكثر من 13 في المئة.
ولا يعرف إن كان أكبر أحزاب المعارضة الذي حصل على 25 في المئة من أصوات الناخبين وبقي مراوحاً مكانه قد وجه أنصاره رسمياً بدعم «الشعوب الديمقراطي» في بعض الدوائر الانتخابية، أم أن شريحة من الناخبين الأتراك لا سيما من مناصري «الشعب الجمهوري» قد تأثروا بدعوات زعيم «الشعوب الديمقراطي» صلاح الدين ديمرتاش.
لكن تفوق حزب «الشعوب الديمقراطي» وحصوله على نتائج أعلى من حزب «الشعب الجمهوري» في إحدى دوائر إسطنبول التي تعتبر من أهم قلاع الأخير، أعطى إشارات واضحة وأيد وجهة نظر القائلين بتلقي الحزب الكردي دعماً من أكبر أحزاب المعارضة.
ويرى مراقبون أن «الشعب الجمهوري» لجأ إلى هذا الخيار كونه تيقن من أنه لن يتمكن من الحصول على نسبة أصوات تمكنه من سحب البساط من العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد منذ 13 عاماً، متوقعين أن يكون الحزب قرر التضحية بنسبة تتراوح بين 2-4 في المئة من أصواته لدعم «الشعوب الديمقراطي» وبالتالي توجيه ضربة لأردوغان بشكل غير مباشر.
ودعا ديمرتاش بطرق متعددة طوال حملته الانتخابية من أنصار أحزاب المعارضة التصويت لحزبه من أجل «الانتقام» من الحزب الحاكم، مقدماً نفسه على انه «الورقة الرابحة» في حال أرادت المعارضة توجيه ضربة للرئيس أردوغان، وهو الأمر الذي حدث بالفعل.
ولم يقصتر الأمر على الدعم السياسي، فالعديد من وسائل الإعلام التركية طرحت تساؤولات كبيرة حول الدعم الإعلامي والمالي الذي تلقاه الحزب طوال حملته الانتخابية التي لاقت زخما كبيرا وتفوقت على أحزاب تاريخية وعريقة في البلاد.
كما أن الحزب استخدم لأول مرة خطاباً مغايرا لما اعتادت عليه الأحزاب والقيادات الكردية، حيث قدم الحزب نفسه على انه ممثلاً لكل الأتراك خارجاً من قوقعة الخطاب الموجه لأكراد البلاد، الأمر الذي ربما أكسب الحزب بعض الأصوات المتعاطفة معه من خارج الدائرة الكردية.
وفي هذا الإطار تبرز أيضاً قضية «المحافظين الأكراد» الذين طالما صوتوا لحزب العدالة والتنمية، لكن ضراوة المنافسة وخوض الأكراد الانتخابات لأول مرة في تاريخهم كحزب سياسي أعادهم للتصويت انطلاقاً من هويتهم الكردية رغم اختلافهم الفكري مع «الشعوب الديمقراطي» ذات التوجهات اليسارية.
ومن غير الوارد إطلاقاً أن يكون أنصار حزب الحركة القومية قد صوتوا لـ«الشعوب الديمقراطي» نظراً للتناقض الفكري الجوهري بينهم، حيث يتبنى الحزب الفكر القومي المتشدد ويرفض الحوار وعملية السلام مع الأكراد بدعوى المحافظة على القومية التركية.
كما أن العديد من المقربين من حزب العدالة والتنمية، اعتبروا في تصريحات صحفية لهم ـ قبيل الانتخابات وبعدها ـ ان مرشحي الحزب في المناطق ذات الأغلبية الكردية وقع اختيارهم بطريقة خاطئة وانهم لا يلقون قبولاً كبيراً في الدوائر التي رشحوا فيها.
في سياق متصل، تتصاعد حدة التجاذبات السياسية بين الأحزاب التركية، وذلك مع بدء التحركات لإجراء مشاورات حول تشكيل حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية الحاكم، وأحد أحزاب المعارضة لاسيما حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
وأوضح زعيم الحزب صلاح الدين ديمرتاش، أن جر البلاد لمناقشة اجراء انتخابات مبكرة بسرعة، لا يعود بالفائدة على أحد، لافتاً إلى أن حزبه يؤيد تشكيل حكومة ائتلافية، مشترطاً أن تكون المشاورات بين الأحزاب وليس تحت سقف رئاسة الجمهورية.
ولفت ديمرتاش أن معارضتهم للانتقال إلى النظام الرئاسي في البلاد، غير نابعة من مسألة شخصية، أو عداوة خاصة تجاه رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، مؤكداً على ضرورة استمرار مسيرة السلام الداخلي، وتبنيها من قبل الحكومة الائتلافية المنتظرة.
ويعتقد على نطاق واسع أنه في حال دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعقد انتخابات برلمانية مبكرة ـ في حال فشل الأحزاب بتشكيل حكومة ائتلافية- لن يتمكن حزب الشعوب الديمقراطي من الحصول على هذه النسبة إذا لم يجدد حزب الشعب الجمهوري دعمه له، الأمر الذي يدعوا البعض للتفائل بإمكانية استغلال الحزب لهذه الفرصة والوصول إلى اتفاق مع «العدالة والتنمية» على تشكيل حكومة ائتلافية وتجنب العودة إلى صناديق الاقتراع مجدداً.
الانتخابات في أنقرة والصدى في دمشق وبغداد والقاهرة
إسطنبول ـ «القدس العربي»:على الرغم من انقضاء أسبوع على إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية من العاصمة التركية أنقرة، ما زال الصدى يتردد في كل من بغداد ودمشق والقاهرة، وسط تصاعد التكهنات حول الانعكاسات المتوقعة للنتائج على السياسة الخارجية التركية خلال الفترة المقبلة.
وبموجب نتائج الانتخابات التي جرت الأحد، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد منذ 13 عاماً حصل على 40 في المئة من أصوات الناخبين ما يعني فقدان «الأغلبية البرلمانية» وبالتالي لن يتمكن الحزب من تشكيل حكومة بمفرده.
وسيعمل حزب العدالة والتنمية خلال الـ45 يوماً المقبلة على تشكيل إما حكومة أقلية بدعم من أحد الأحزاب المعارضة في البرلمان، وإما حكومة توافقية مع أحد أحزاب «الشعب الجمهوري» أو «الحركة القومية» أو «الشعوب الديمقراطي» الكردي.
وفي الوقت الذي يصعب فيه التكهن حول شكل الائتلاف الحكومي المقبل، ومع أي حزب سيكون، يستحيل أيضاً التكهن بالتغيرات التي ستطرأ على السياسة الخارجية للحكومة التركية المقبلة، حيث ستكون التغيرات مرتبطة بشكل أساسي بالتوجهات السياسية للحزب الذي سيشكل الحكومة مع العدالة والتنمية.
التكهنات والاحتمالات تتركز حول إمكانية تغير الموقف التركي الرسمي تجاه الثورة السورية واللاجئين السوريين على أراضيها، بالإضافة إلى السياسة الخارجية لأنقرة فيما يتعلق بالشأن العراقي، وقيادات الحركات الإسلامية التي تقيم وتمارس نشاطها السياسي من داخل الأراضي التركية.
النتائج الجديدة سترسم صورة مختلفة لشكل النظام السياسي في البلاد، وبالتالي سياستها الداخلية والخارجية، لكن وبلا شك لن يحدث تغيير جذري لهذه السياسة كون «العدالة والتنمية» ما زال هو الحزب الأول ويمتلك نصيب الأسد في البرلمان وبالتالي في الحكومة المقبلة في حال كانت ائتلافية مع أحد الأحزاب المعارضة، بحسب مختصين في الشأن التركي. وفي هذا الإطار أكد رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس حكومة تسيير الأعمال أحمد داود أوغلو أن على الجميع الاعتراف بحقيقة أن حزب العدالة والتنمية هو الفائز الأول في الانتخابات، وأنه سيواصل سياساته السابقة نفسها.
وكانت معظم أحزاب المعارضة التركية استغلت ورقة اللاجئين السوريين في حملاتها الانتخابية، الأمر الذي رفع مستوى الخوف لدى قرابة 2 مليون سوري هربوا من الحرب في بلادهم إلى تركيا، وهم من وعد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليشدار أوغلو بإعادتهم إلى بلادهم حال فوزه، والأمر ينسحب على أعداد كبيرة من العراقيين والمصريين الذي هربوا من الاضطرابات السياسية في بلادهم إلى تركيا.
لكن تصريحات داود أوغلو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعثت برسائل طمئنة لبعض الجهات لاسيما الشعب السوري مفادها أن السياسة التركية لن تتغير تجاه اللاجئين على أراضيها، وأنها ستواصل دعم «المظلومين» حول العالم.
«إن سياستنا الخارجية لن تتغير وسنبقى بجانب كل المظومين» هذا ما قاله الرئيس أردوغان في كلمته في حفل تخريج الطلاب الأجانب في العاصمة أنقرة، الخميس، مضيفاً: «نحن نفتخر بتقديم المساعدات لإخواننا في فلسطين وسوريا والعراق، وعندما نساعد الآخرين تحل البركة في أموالنا».
وفي الوقت الذي يجمع فيه المراقبون على أن سياسة تركيا الخارجية لن تشهد تحولاً كبيراً خلال الفترة المقبلة، فإنهم يؤكدون على أن «العدالة والتنمية» لن يستطيع في الوقت ذاته اتخاذ وتمرير قرارات هامة ومصيرية وسيبقى مقيداً بما يسمح به الدستور الحالي وتتوافق عليه أحزاب المعارضة، لا سيما فيما يتعلق بقرارات مصيرية مثل التدخل العسكري الخارجي والمشاركة في عمليات عسكرية خارج حدود الدولة.
ويقول داود أوغلو: «نتائج الانتخابات العامة الأخيرة، أظهرت استحالة تصور المشهد السياسي التركي، دون العدالة والتنمية»، منوهاً إلى أن حزبه، سيواصل إدارة وتوجيه السياسة التركية، «اليوم وغدًا، وفي المستقبل القريب والبعيد، وأن على الجميع قراءة نتائج الانتخابات بشكل صحيح». وتسود حالة من «الخشية» لدى شريحة واسعة من القيادات المعارضة وقيادات الحركات الإسلامية وخاصة حركة الإخوان المسلمين المصرية الذين يعيشون في تركيا ويمارسون بعض الأنشطة السياسية من هناك من أن تضطر الحكومة الجديدة إلى التضييق على أنشطتهم والحد من حريتهم في ممارسة نشاطهم السياسي كما كان عليه الوضع سابقاً.
وفي ظل ترجيح أن يكون حزب الحركة القومية الأقرب لعقد تحالف حكومي مع «العدالة والتنمية» فإن المرجح في هذه الحالة وقف عملية السلام الداخلي مع أكراد البلاد، وبالتالي انعكاس ذلك على علاقات أنقرة بحكومة كردستان العراق.
وفي كل الأحوال، ربما تضطر الحكومة المقبلة إلى تهدئة مواقفها تجاه الأحداث في كل من سوريا والعراق دون تغيير كبير، بانتظار جولة جديدة من الانتخابات ربما تعيد «العدالة والتنمية» للأغلبية البرلمانية، أو تزيد من حصة المعارضة في البرلمان بما يمكنها من فرض رؤيتها على سياسة البلاد الداخلية والخارجية.
شماتة ألمانية لانتكاسة أردوغان الانتخابية وترقب حذر للجهود الائتلافية/ علاء جمعة
برلين ـ «القدس العربي»: يواجه «حزب العدالة والتنمية» التركي تحديا كبيرا من أجل تشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد إخفاقه في الحصول على أغلبية مطلقة في الانتخابات البرلمانية للمرة الأولى في تاريخه. إذ إنفرد الحزب بحكم تركيا منذ عام2002، لكن الخسارة التي مني بها بعد حصوله على 40 في المئة فقط من الأصوات، والتي شكلت تراجعا بحجم 10 نقاط تقريبا مقارنة بنتيجته قبل أربع سنوات (ما يمنحه 258 مقعدا في البرلمان الذي يضم 550 عضوا). ينظر إليها مراقبون على أنها ضربة لجهود مؤسسه، الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان يأمل في الاستحواذ على 330 مقعدا والتمكن من عمل استفتاء حول تغيير نظام الحكومة، لتغيير النظام الرئاسي بشكل يمنح مزيدا من السلطات لمنصبه.
هذه الانتكاسة الانتخابية التي مني بها حزب أردوغان قابلها أرتياح ألماني. حيث رحب المتحدث باسم الخارجية الألمانية مارتن شيفر، بنتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا، معتبرا أنها تعكس المستوى الذي وصلت إليه الديمقراطية في تركيا. وأكد شيفر على أن ألمانيا «ترحب بالجهود» التي بذلها الناخبون الأتراك، قبل وبعد الانتخابات البرلمانية، وبالأجواء الديمقراطية التي سادت العملية الانتخابية. وأشار إلى أن أنقرة تعد شريكة مهمة لألمانيا في قضايا السياسة الخارجية والأمن، مؤكدًا أن بلاده «ستبذل قصارى جهودها من أجل تحقيق التعاون بين الشعبين الصديقين».
ولم تخف العديد من وسائل الإعلام الألمانية سرورها، وفي بعض الأحيان شماتتها بعد إعلان النتائج، معتبرة أن أردوغان كان يسعى للحصول على المزيد من النفوذ، ما يهدد العملية الديمقراطية في تركيا. وعبرت وسائل الإعلام الألمانية عن سعادتها لما أسمته وعي الشعب التركي الانتخابي والذي عطل على أردوغان خططه المستقبلية. كما رحب خصوم أردوغان بأول خسارة سياسية له منذ 13 عاما.
صحيفة «داس بيلد» الألمانية واسعة الانتشار عبرت عن دعمها لنتائج الانتخابات التركية، والتي قلصت من نفوذ أردوغان. وقالت في افتتاحيتها تحت عنوان «هل يتوجب على أردوغان أن يحزم حقائبه؟» ان نتائج الانتخابات تقفز بالآمال التركية مرة أخرى، وذلك بعد العزلة التي أصابت البلاد بعد حكم أردوغان. الشعب حطم آمال الرئيس التركي بالحصول على المزيد من النفوذ وقلص من أحلامه. وتابعت الصحيفة: لقد عبرت المعارضة عن رفضها الانتخابي ليس فقط لأردوغان، بل أيضا لخططه طويلة الامد. مثل القصر الرئاسي الذي صمم أردوغان على بنائه مكلفا الدولة أكثر من 500 مليون يورو، والـذي سـتـكـلف صيانته جيوب الأتراك ما لا يقل عن 37 مليون يورو سنويا، بحسب ما أكد الخبراء. فهل يمكن اعتبار هذه النتائج رسالة من الشعب لأردوغان كي يحزم حقائبه ويغادر قصره؟
من جانبها كشفت صحيفة «شبيغل اونلاين» أن ألمانيا هي مركز انتخابي مهم لأردوغان ولحزب العدالة والتنمية، حيث صوت 53 في المئة من الأتراك في المانيا لصالح أردوغان. الا أن حزب الشعب الكردي حاز أيضا على تأييد كبير من الأكراد في ألمانيا ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات التركية. وقالت الصحيفة بالرغم من خيبة الأمل التي أعترت العديد من الأتراك الذين صوتوا لصالح أردوغان فان الاحتفالات انطلقت في أكثر من مدينة ألمانية مثل هامبورغ وشتوتغارت وبرلين بعد أن استطاع الحزب الكردي اجتياز نسبة الحسم والوصول إلى البرلمان وذلك لأول مرة.
ولطالما اتسمت العلاقات الأوروبية التركية دائما بأنها تتراوح بين مد وجزر، ولطالما أعربت دول مثل ألمانيا وفرنسا عن قلقها من تزايد النفوذ التركي ما يهدد مصالحها التجارية والسياسية. لذلك عبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن قناعتها في السابق بأنه لا مكان لتركيا في الاتحاد الاوروبي وبأنها ترى العلاقة بين أوروبا وتركيا هي علاقة شراكة متميزة وليست اندماجا كاملا داخل الاتحاد.
كما أن الزيارة التي قام بها أردوغان لألمانيا من أجل حشد الأصوات لحزبه قابلتها أحتجاجات ألمانية حيث هاجمت صحيفة «داس بيلد» الألمانية زيارة أردوغان وكتبت على صفحتها الرئيسية «أردوغان أنت غير مرحب بك هنا في المانيا « وقالت الصحيفة في رسالة مفتوحة على موقعها الالكتروني «لا نريد سياسيين مثلك» واعتبرت ان الزيارة هي مجرد استعراض إعلامي هدفه كسب أصوات الأتراك وهروبا من الفشل للسياسات الداخلية التركية.
ويبدو أن ألمانيا تترقب النتائج خاصة بعد خطاب أردوغان الأخير والذي رأى فيه مراقبون أنه ينهج طريقا تصالحيا حيث شدد الرئيس التركي على الإسراع في تشكيل حكومة جديدة داعيا قادتها إلى إنكار ذواتهم وقال: إن التاريخ سيحكم على أي شخص يعرقل هذه المهمة. ويرى مراقبون أن أوروبا لا تريد أن تتازم الأمور في تركيا، وذلك لانها تعتبر منطقة عازلة بين أوروبا وبين حالة عدم الاستقرار التي تعم الشرق الأوسط ، كما أن تمركز مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية على حدود تركيا مع سوريا، يزيد من مخاوف أوروبا من عودة العنف إلى جنوب شرق البلاد ذي الأغلبية الكردية في حال تعثر محادثات السلام بفعل صراعات تشكيل الحكومة الائتلافية.