صفحات العالم

الانسجام البعثيّ: أنا خادم ذليل للإمبريالية.. وسأسحقها!/ وسام سعادة

النظام السوري معملٌ للكذب. هو بتصنيفه هذا حاول دائماً الجمع بين مسلكين.

أحدهما مسلك الكذّاب السيّال في سوق وترويج الأكاذيب من حوله من دون أن يعير لها أي يصدّق منها حرفاً واحداً. من هذه الأكاذيب طبعاً الوحدة العربية، والاشتراكية، والمُنعة والممانعة والمقاومة. بل إنّه، في زمنٍ ماضٍ، عندما كانت بضاعة الاشتراكية والقومية العربية رائجة، كانت شهيّة النظام في البطش والتنكيل تصيب بشكلٍ ضارٍ أولئك الذين كانوا إما يزاحمونه أو يؤاخذونه على درجة امتثاله لما يشتركون به معه من شعارات.

أما النوع الثاني من الأكاذيب، التي تبدأ بإكثار الحديث حول افتتان هنري كيسنجر بدهاء حافظ الأسد، ثم تخلع على هذا الطاغية لقب باني سوريا الحديثة، فهذه أخذ النظام السوريّ يصدّقها شيئاً فشيئاً مع السنوات، فأخذ على محمل الجد أن العالم لا يستقيم من دونه، وأنّ العالم لا يستغني عنه، فالأسماك الكبيرة (القوى العظمى) تحتاجه، والأسماك الصغيرة (التنظيمات المتطرّفة) تنجذب إليه، كانجذاب الفراشة الى الضوء. فإذا أجبر على الانسحاب من لبنان قال لنفسه إنه صارَ أقوى في سوريا، وإذا قامت ضده ثورة قال لنفسه بأنها أتته على طبق من ذهب فيكافحها ويهدّد شبابه، وشيئاً فشيئاً دخل هذا النظام في الكذبة الكبرى: استمزج، على طريقته، لعبة “المارينز في مواجهة تنظيم القاعدة”. تعامل شبيحته وجلاوزته مع أنفسهم على أنهم بمقام “المارينز” في مواجهة أكثرية الشعب السوري وقد ألبسوها دور تنظيم “القاعدة”، وبالنتيجة، ومع التمادي في قمع الثورة، ومع الاستفادة من عناصر ضعفها البديهية، صار هناك فعلاً حيّز خطير من الجماعات المتطرفة المنسوبة إلى “القاعدة”، فكان أن صدّق النظام كذبته أكثر.

فطوال عمر هذا النظام وهو يعلم كم هو نظام مارق وخسيس، إلا أن تحويل الحرب الأهلية الى لعبة “مارينز بعثي في مواجهة القاعدة الأهلية السورية – تنظيم القاعدة” جعل النظام يشعر بأنه بالفعل “تنويري” في مواجهة “الظلامية”، وأنه قلعة التقدّم والتحرّر في مواجهة الرجعية.

عوّل على مشكلة الغرب مع التنظيمات الإسلامية المتطرّفة، فاعتبر نفسه أنه يجسّد الغرب في مواجهتها.

وفي الوقت نفسه عوّل على روسيا وإيران بل والصين الشعبية، كما لو أنه نظام الشرق كلّه في مواجهة أي هجمة غربية.

جمع بين الدورين. حسب بشّار الأسد نفسه جورج بوش الابن وهو يتابع مجريات القصف الضاري لتورا بورا، وحسب نفسه فلاديمير بوتين في الشيشان أو في مسرح بيسلان. “تنويري” ضد الظلامية، شبه للمارينز ضد اسامة بن لادن، شبه للجيش الأحمر ضد شامل باساييف وأبو خطاب. صدّق النظام نفسه في آخر الأمر. الدعم الروسي ـ الإيراني له جعله يصدّق نفسه أكثر. ظروف الحرب العالمية الأميركية على الإرهاب، ومنسوب الإسلاموفوبيا في الغرب جعلته يعتمد عليهما. كانت الخلاصة لكل ذلك خلاصة كيماوية. ومع هذه الخلاصة صار إنقاذ النظام من كذبه يساوي إنقاذ هذا النظام من الوجود: إعدامه.

سوف يظل النظام السوري يطمع بأدوارٍ تكلفه بها الدول الامبريالية حتى وهي تدقّ طبول الحرب ضدّه. هذا سيحكم بشكل تام كل ردود فعله إذا ما وجهت ضربات له. هو الآن في حالة هذيان مطلقة: يقول في الوقت نفسه “أنا خادم ذليل للإمبريالية”، اشتغل شغلها، أكافح الغرب، ويعربد في الوقت نفسه “أنا سأسحق العدوان الإمبريالي”. سيظلّ يكابر إلى أن ينتهي.

لكن من وراء هذه المكابرة ثمة طرف حقيقة. فعند انطلاقة انتفاضة درعا لم يكن ينوي أحد في هذا العالم الدخول في “وجعة رأس” عنوانها إسقاط النظام السوري. لا الأتراك ولا العرب ولا الأميركان ولا أي كان. كان الجميع يفضّل إما بأن يحلّها بشّار الأسد اصلاحياً أو قمعياً بسرعة. لكنه كان منافقاً تماماً في موضوع الإصلاحات واعتمد قمعاً وحشياً إنما فاشلاً لجهة قابلية إهماد الثورة.

كان رجب طيب أردوغان أول من أعطى فرصة لبشار الأسد للإصلاح وأول من أدرك من ثمّ أنّ الإصلاح الحقيقي يكون باقتلاع هذا الطاغية من مكانه. في المقابل، أياً يكن أداء باراك أوباما في الأيام المقبلة، سيسجّل التاريخ بأنّه آخر من فهم ذلك. الكلمة للأحداث!

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى