الباحث فيتالي ناومكين لـ«السفير»: الحسم العسكري في سوريا خيال!
ما حصل في القرم استثناء… وأوباما أخطأ في مفاوضات التسوية
علي شقير
إن كان في الشرق الأوسط أو في أوروبا أو في العالم، فلا حلّ بلا الدور الروسي في صلبه، وصياغته.
ولا يمكن لأي متعاطٍ مع أحداث العالم السياسية، أن يتجاهل الدور الروسي على هذا المسرح، أو يلغيه، لذلك فإن غاب هذا الحضور فلن يكون مطوّلاً، بما يليق ويتكافأ مع حجمها، وهي التي تحاول الآن تعزيز موقفها ودورها في الشرق الأوسط والعالم العربي، خصوصاً بعد خطوات ناجحة اتخذتها على مستوى الملف النووي الإيراني ومعالجة الأسلحة الكيميائية في سوريا. أضف إلى ذلك حضورها في المشهد الأوكراني المسيطر على الساحة الأوروبية حالياً في انتظار الخطوات المقبلة. للحديث عن هذا الدور، كان لـ”السفير” لقاء مع الباحث والبروفيسور الروسي فيتالي ناومكين، مدير “معهد الاستشراق” في الأكاديمية الروسية للعلوم، خلال زيارته بيروت للمشاركة في المؤتمر الإقليمي الرابع الذي نظمه “مركز البحوث والدراسات” التابع للجيش اللبناني الأسبوع الماضي.
ما هو التوجه السياسي الروسي في سوريا حالياً، على أعتاب الانتخابات الرئاسية، في ظل محاولات الحسم العسكري؟ وترشح الأسد؟ وهل فعلاً روسيا لا تتمسك بأشخاص، كما قال وزير خارجيتها سيرغي لافروف من فترة؟
لافروف وزير خارجية روسيا… ويعرف السياسة الروسية. بالنسبة إلى موسكو فهي لازالت تعتبر الأسد رئيساً شرعياً ولا سلطة غير سلطة الحكومة الحالية، وهي نقطة الاختلاف الأساسية بينها وبين الغرب وبعض الدول الإقليمية. وإذا كان الغرب، والولايات المتحدة بوجه خاص، يقول للروس إن الأسد فقد شرعيته، فما هو الفرق ما إذا كان هناك انتخابات ويرشح الأسد أو لا؟.. حسناً لقد فقد شرعيته برأيهم فماذا يريدون؟ انتخب أم لم ينتخب لا فرق، في رأي روسيا هو الرئيس الشرعي. أعتقد أن روسيا لا تهمها الانتخابات، هي تخاف من الفراغ الدستوري، ولا بد أن تكون هناك سلطة. ولا الولايات المتحدة ولا أي قوى أخرى لديها أي مقترح، فمن هو البديل؟ ماذا يعني أنه فقد شرعيته؟ مهما كانت أخطاؤه. عندما أتبادل أنا شخصياً الآراء مع زملائي الأميركيين، أسألهم. هم يقولون إن على الأسد أن يرحل، كيف يرحل؟ ومن سيأتي؟ وما هي الضمانات؟ هل يريدونه أن يأتي إلى المحكمة؟ هل هو غبي؟ يعني يريدونه أن يتخلى عن السلطة ويذهب إلى المحكمة، كما حصل مع القذافي أو مع أي أحد. ففي رأيي، روسيا تريد الحل الشامل للأزمة السورية، لذلك هي تشترك في الجهود الدولية الرامية إلى المفاوضات، المبنية على أساس خطة جنيف.
فريدريك هوف قال في حديث إلى “السفير” إن الغرب ينظر الآن إلى النسبة التي سينتخب بها الأسد، لأن فوزه مضمون.
هناك صعوبة أن تضمن مشاركة أكبر عدد ممكن من الناخبين في هذه الانتخابات، إذا تمت، أخذاً في الاعتبار أن هناك نازحين خارج البلد.. ولكن في الوقت نفسه إذا شارك حوالي 30 أو 40 في المئة من الناخبين لا نعرف كيف ستكون النتيجة، 90 أو 70 أو 60 في المئة.
هل تعتبرون أن هذه الانتخابات مفصلية؟ وهل ستغير شيئاً في الأزمة؟
لن تغير شيئاً إطلاقاً. هو موجود (الأسد) ويحكم البلد، وسيحكم في كل الأحوال. وللمناسبة، فإن الدستور السوري يسمح بتمديد ولايته لسنتين. أي أنه إذا تم التمديد وفقاً للقانون فهو باق في كل الأحوال. لذا إذا جمعنا الجهود الدولية في دفع المفاوضات إلى الأمام، وطرح مسألة الانتخابات، فيجب أن تدرج هذه المسألة في جدول الأعمال، الاتفاق على انتخابات حرة وجديدة.
أما زلتم تؤمنون بالمفاوضات؟
قال ونستون تشرشل مرة إن للديموقراطية نواقص كثيرة، ولكن لا شيء أفضل من الديموقراطية، الشيء نفسه بالنسبة إلى المفاوضات. أنا أؤمن بأن ليس هناك أي حل آخر إلا الحوار والمصالحة، أخذاً بعين الاعتبار التقسيم العميق الموجود في المجتمع السوري. المجتمع السوري مقسم، هناك نسبة معينة تدعم الأسد، وأكبر وأحسن دليل على هذا أن الجيش السوري والقوات المسلحة بشكل عام، وكل أجهزة الدولة لا تزال متماسكة، ليس هناك مثلاً هروب جماعي ولا انشقاقات كبيرة، ترى انشقاقات فردية، وهذا يدلّ على أن هناك قاعدة شعبية لا بأس بها تدعم الرئيس السوري. وهناك أيضاً نسبة لا بأس بها أيضاً، من الأشخاص الذين هم ضد الأسد، ولكن هذه المعارضة مشتتة، وصفوفها ليست موحدة، حتى وصلت إلى الاقتتال بين بعض الفصائل خصوصاً الإسلامية، المتطرفة وغير المتطرفة والمعتدلة وغير المعتدلة (ساخراً) لا نعرف ما هي هذه الفصائل وكيف نصفها.
بما أنك ذكرت الفصائل والمفاوضات، ما يجري على الأرض لا يبشر بنيات موجودة لأي حل سياسي، ألا تعتقد أن هناك اتجاهاً لحسم عسكري؟
مع الأسف هناك تخيّل لدى الجميع أنه يمكن إحراز فوز عسكري، هذا مجرد تخيّل، نحن لا نثق بأنه يمكن تحقيق انتصار بالسلاح لأنه يؤدي إلى المزيد من القتلى والجرحى وتدمير المدن والبيوت ونزوح المزيد من الأشخاص. ولكن للأسف طالما أن ليس هناك أي بديل لهذا التعنّت فإن كل طرف سيستمر ويعتقد بأن هناك إمكانية لانتصاره.
بالنسبة إلى الميدان هناك أطراف إقليمية ودولية عدة تتدخل في سير المعارك، وبرز أخيراً الدعم التركي للمسلحين في معركة الساحل وفي حلب خصوصاً، هل لهذا أي دور في تغيير موازين القوى على الأرض؟
هناك اتهام نحو تركيا، وأنا في الحقيقة لا أسمح لنفسي باتهام تركيا بالتعليق على هذا الموضوع، لأنه ليس لدي دلائل واضحة على مدى تورط تركيا في هذه المعارك. لكن مهما كانت، أظن أن تركيا في الآونة الأخيرة تحاول أن تمنع استعمال أراضيها من قبل الفصائل المتطرفة المتعلقة بتنظيم “القاعدة”. وفي الوقت نفسه، وبعد فوز أردوغان في الانتخابات الأخيرة، كما يقول محللون فإنه قد يلجأ إلى مزيد من دعم المسلحين ربما لنية حماية قبر جده أو أشياء أخرى. ولكن روسيا تحرص على العلاقة الجيدة مع تركيا، فهي شريك استراتيجي مهم لموسكو، وهناك تعاون اقتصادي وتعاون سياسي، ولذلك هناك أمل أننا سنتفاهم معهم.
إذاً أنتم الآن تعتبرون أن هناك مراوحة في الأزمة السورية على حين الوصول إلى صيغة للذهاب إلى المفاوضات؟
نعم، وهناك متشائمون يقولون إنه لا يوجد أي أمل لانعقاد محادثات، ولكن الأكيد أن ليس هناك بديل كما قلت، ماذا نفعل؟ هل نساعد طرفاً معيناً ليفوز على الآخر؟ صعب.
هل سياستكم هذه هي نفسها في أوكرانيا؟
في أوكرانيا الشيء نفسه، روسيا لا تريد أن تتدخّل في الشؤون الأوكرانية.
بالرغم من أنكم تعتبرون فيكتور يانوكوفيتش رئيساً شرعياً، وبالرغم من أن السلطات الانتقالية دعت إلى انتخابات رئاسية في 25 أيار المقبل؟
دعنا نميّز بين قضية شبه جزيرة القرم والجزء الباقي من أوكرانيا. فروسيا عبرت أكثر من مرة أن ليس لديها نية للتدخل عسكرياً أو سياسياً أو بأي طريقة أخرى، روسيا تريد حلاً عادلاً لهذه الأزمة، وهناك تحركات طيبة من قبل القيادة الموجودة في كييف، مع أن روسيا لا تعتبرها قيادة شرعية، لكنها وافقت على التفاوض في إطار الحوار الرباعي (المقررة في 17 نيسان الحالي) بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا، فهذا معناه أن موسكو تعترف واقعياً بالسلطة الموجودة في كييف لأنه ليس هناك أي سلطة أخرى. تجربة أوكرانيا تدل على أن الفراغ الدستوري خطير، وروسيا تريد حماية الأقلية الروسية في المناطق الجنوبية، ولكن لا تريد ضم هذه المناطق إليها، هذا شيء يستثنى والتدخل العسكري يستثنى.
ولكن رأينا أن ما حصل في القرم شجع باقي مناطق الشرق الأوكراني على المطالبة بالانفصال كدونيتسك وخاركيف ولوغانسك..
نعم، ولكن في رأيي هناك اختلاف كبير بين شبه جزيرة القرم وهذه المناطق. لأن القرم كانت دائماً جزءاً لا يتجزأ من روسيا، وإذا عدنا إلى البداية، فبعد الحرب مع الدولة العثمانية في العام 1783، روسيا استولت على شبه الجزيرة بعد الفوز في المعركة ضد خانات القرم، والتي كانت عدوة لروسيا وتقوم بغزوات عليها، حتى وصلت إلى موسكو وإلى مدن أخرى، وفي القرون الوسطى كانت هذه الحروب وسيلة للحياة مثلها مثل أوروبا وفي كل مكان. إذاً روسيا استولت على القرم آنذاك، ومنذ ذلك الحين أصبحت جزءاً منها. فإهداء القرم إلى أوكرانيا في إطار دولة واحدة من قبل نيكيتا خروتشوف في العام 1954، تمّ على أساس غير شرعي، خروتشوف خالف حتى القانون السوفياتي، ولم يأخذ رأي الجميع بعين الاعتبار، لقد كان يؤمن بأن الاتحاد السوفياتي دولة موحدة وشعب واحد ولم يهتم لهذا الأمر. ولكن بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، عندما ارتكب يلتسن خطأ كبيراً بالموافقة على الحدود الموجودة، أيضاً لم يأخذ بعين الاعتبار رأي الجمهور الروسي. ثم جاء في الآونة الأخيرة الانقلاب في القرم، بعد فشل اتفاق 21 شباط الماضي، الموقع من قبل المعارضة ويانوكوفيتش وضمانات بولندا وفرنسا وألمانيا لبقاء يانوكوفيتش.
ولكن المندوب الروسي لم يوقّع حينها؟
صحيح لم يوقع، ولسوء الحظ يعني لم يوقع، ولكن الضمانات حينها لم تكن روسية بل من الثلاثية الأوروبية. فلماذا لم يوقع المندوب الروسي؟ لأن روسيا لم تثق بالضمانات الأوروبية، وكانت مصيبة، وكان هناك صواب في هذا التفكير. وفي اليوم الثاني في 22 شباط، تم الاستيلاء على السلطة بالقوة، ولو لم يهرب يانوكوفيتش من البلد لقتل! فهرب وأصبح هناك فراغ دستوري، ثم تم الاستفتاء، الذي كان في البداية لمصلحة الاستقلال، ثم تغيّرت الصيغة إلى التصويت على الانضمام إلى روسيا. وكان التأييد الشعبي واسع، ولم يكن على روسيا إلا أن تستجيب للإرادة الشعبية.
هل للدخول الروسي القوي هنا، علاقة بالضعف الأميركي في الملف السوري؟
لا أظن ذلك. لا أعتقد أن لروسيا حسابات أو اعتبارات خاصة لضعف أو عدم ضعف الولايات المتحدة. فأميركا مازالت أقوى دولة في العالم ولها إمكانيات ضخمة أكبر بكثير مقارنة بروسيا، والروس يعرفون ذلك جيداً أن ما يتم الآن من ضغط عليهم من جهة العقوبات ستضرّ بمصالحهم، ولكن الشعب الروسي بالغالبية الساحقة يدعم الرئيس فلاديمير بوتين وإجراءاته بالنسبة للقرم وأوكرانيا، لأن هذا الشيء مهم بالنسبة إلى الأمن القومي الروسي، أضف إلى ذلك وجود قاعدة بحرية كبيرة للأسطول الروسي على البحر الأسود، وأيضاً هناك اعتبارات خاصة مرتبطة بتوسع “حلف شمال الأطلسي” إلى الحدود الروسية.
في موضوع النووي الإيراني، لقد كانت روسيا أقل الأطراف تفاؤلاً بالتوصل إلى اتفاق دائم ونهائي، ولكن بعد جولة المفاوضات الأخيرة رأينا توجهاً آخر في المسار. ما مدى الاقتناع الروسي بهذا الاتفاق وما هي الضمانات؟
أنا ليس لدي شكوك، وأعتبر أن هذا الاتفاق ممكن أن يتم، لأنني كما فهمت من زياراتي إلى إيران، فعلى الأقل السلطة القائمة هناك مصممة على حل هذه القضية، والتسوية مع الغرب وتطبيع العلاقة مع الولايات المتحدة، لأن هذا ضروري للاقتصاد الإيراني. ومع هذا، إيران كدولة وكسلطة غير مستعدة لأي تنازل بالنسبة إلى دورها الإقليمي، في قضايا مثل سوريا والقضية الفلسطينية، لا يمكن. وبالنسبة إلى برنامجها النووي، إذا لا يوجد هناك أي ضغط إضافي على إيران، مثلاً كاشتراط تغيير سياستها الإقليمية، فهذا سيكون مرفوضاً.
إذ ذكرت القضية الفلسطينية، هل تعتبر أن جهود التسوية الفلسطينية الإسرائيلية باءت بالفشل ووصلت إلى طريق مسدود؟ أم أن جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري ستبقى مستمرة وهناك أمل بعد؟
الرئيس الأميركي باراك أوباما وكيري ارتكبا خطأ كبيراً، عندما قرر الأول الاعتماد على جهود أحادية، وأوقف التعامل مع الرباعية الدولية، كيري عمل بنفسه، وبرأيي فإن الدور الأميركي كوسيط وحيد لا يمكن أن ينجح. أولاً لأن طرفاً واحداً لا يمكن أن يضمن أي شيء، ثانياً لأن التعنت الإسرائيلي واضح، فحكومة نتنياهو الحالية غير مستعدة للتنازل في مسائل عدة، وحتى إنشاء الدولة المستقلة كلام فارغ، أين ستنشأ هذه الدولة؟ لذلك أنا متشائم، وقبل 29 نيسان هذا غير واقعي، ولكن حتى بعدها بماذا يمكن أن تقوم السلطة الفلسطينية؟ أن تذهب إلى الأمم المتحدة وتحاول أن يعترف بها دولياً بالكامل؟ هل هذا سيكون كافياً لتلبية طلبات الفلسطينيين بالنسبة إلى قيام الدولة؟ هناك مجموعة من الأسئلة، ومن الصعب أن نتصور أن جهود كيري وحدها يمكن أن تتكلل بالنجاح للوصول إلى حل عادل للقضية.
ماذا عن لبنان، كيف ترى الوضع الحالي؟
(يبتسم) لبنان مقبل على انتخابات رئاسية، يعني هناك ديموقراطية وتعددية وتقاليد، وهناك دروس استخلصت من الحرب الأهلية في العام 1975، والشعب اللبناني تعلم من تاريخه.
هل تعتقد ذلك فعلاً؟
نعم، هناك تعقل في لبنان. القضية الأساسية هي قضية النازحين السوريين، ولكن هذه لن تحل إلا بالنظر إلى جذور القضية وهو أن ينتهي الاقتتال وأن تكون هناك مصالحة وحوار كما ذكرت سابقاً، وهذا يمكن أن يكون غير واقعي بالنسبة إلى القريب العاجل، ولكن ليس هناك أي بديل، لا بد أن يعودوا إلى أوطانهم، وبقاؤهم سيؤدي إلى مشاكل.
هل تعتبر تدخل “حزب الله” في سوريا سلبياً أم إيجابياً؟
أنا أعتبر أن “حزب الله” جزء من الخريطة السياسية اللبنانية الداخلية، وعلى اللبنانيين أن يقرروا إذا كان التدخل سلبياً أو إيجابياً.
برأيك الشخصي؟
ليس لدي أي رأي شخصي (يضحك).
حسناً ماذا عن الرئيس اللبناني المقبل؟ من برأيك هو الأفضل؟
برأيي الشخصي أن أفضل شخص هو الذي ينتخبه اللبنانيون.
هذه ديموقراطية زائدة…
عندما أتقابل مع الأكراد السوريين، يسألونني هل روسيا ستعترف بالحكم الذاتي الكردي إذا تم، فدائماً أقول لهم إذا كان هناك اتفاق بين الأكراد والحكومة في دمشق، كما حصل بين أربيل وبغداد، فروسيا سترحب، ولكن ليس لديها أي رأي في اختيار الشعوب. وكما قلت فإن موضوع القرم استثناء ولا يمكن تعميمه.
أجرى الحوار: علي شقير
السفير