“البعث” لجابر العظمة: الشخصي في مواجهة الشمولي/ محمد عمران
بينما تجلس طفلة في حضن أبيها، يمسك هو جريدة “البعث” بالمقلوب. على صفحتها الرئيسية ثمة عنوان عريض: “مسيرات حاشدة في باب توما ودوما وحمص وحلب.. وحملات التبرع بالدم ودعم الليرة السورية”. وهناك أيضاً من كتب بخط اليد وبالعامية “بدي بنتي تعيش أحسن مما عشت أنا”.
هذه اللقطة، بعدسة المصور السوري جابر العظمة (1973)، صورة من بين واحد وخمسين عملاً فوتوغرافياً تنتمي إلى فن البورتريه، تعرض حالياً في غاليري “غرين آرت” بدبي تحت عنوان “البعث”.
حمّل العظمة في هذا المعرض كل شخصية قام بتصويرها مهمة قد تبدو سهلة أول الأمر، أن تعبر عن موقفها من نظام الأسد مستخدماً جريدة “البعث”، إحدى صحف النظام الرسمية الثلاث. وكأننا به يحشد أبطال صوره ويجمعهم ليقوم بمظاهرة فنية.
قدّم العظمة شخصيات سورية وفلسطينية سورية (معروفة وغير معروفة). ولا يبدو مستغرباً أن تضم بينها صورة للشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم الذي كتب على الصحيفة “الصعود إلى الهاوية”. سنرى أيضاً الصحافي عامر مطر والممثلة حلا عمران والكاتب حازم نهار والقاص زكريا تامر والفنان يوسف عبدلكي والخطاط منير شعراني، وآخرين كثر بينهم طلبة وأطباء. ولم ينس العظمة أيضاً صورة للناشط المجهول.
التقط العظمة ثلاثين صورة من المجموعة في دمشق، كان يعتبرها نشاطاً مدنياً في الثورة، ولم يكن في باله أن الأمر سيتحول إلى مشروع فني. فالصور كانت محكومة بشرطين أساسين للخوف: السرعة والحيطة، لذلك كانت تنفذ داخل البيوت. لكن الأمر اختلف بعد خروج العظمة من دمشق، واستمر مشروع “البعث” ليتخذ شكلاً ونيّة فنية أكثر حرفية.
كأي فنان سوري، شكلت أحداث 2011 نقلة على مستوى النوع والموضوع ومستوى حرية التعبير في أعمال العظمة. تعتبر مجموعته “جراح”، بمثابة توثيق رمزي للواقع، إذ التقط الفنان ظلال أشخاص في وسط أحمر. وقد جاء استخدام العظمة للأحمر باعتباره لون الموت، مقترباً بذلك من الأحمر العنيف والشهير في عمل المصور الأميركي أندرياس سورانو “صلب 2”.
عن العام 2011 يقول العظمة: “منعني الخوف من المشاركة في المظاهرات، فالنزول إلى الشارع يعني مواجهة احتمال الاعتقال أو الموت. كنت أشعر بالذنب بسبب ذلك فبدأت بتصوير “جراح” وكنت أشارك الأعمال بعد إنجازها في الفيسبوك”.
وعلى العكس من مجموعة “جراح” لم ينشر العظمة، أول الأمر، الصور من مشروعه الأحدث “البعث”، على الفضاء الافتراضي، خوفاً على أصحاب الصور الذين خرج معظمهم من دمشق لاحقاً.
لكن يبدو لللفنان أن الخوف السوري يتخذ صوراً مختلفة، إذ لا يخفي الفنان خيبة أمله من الحضور الضعيف للسوريين لدى افتتاح معرضه “البعث”. ويفسر ذلك قائلاً: “ربما هو الإحباط أو ربما هو الخوف الذي ما زال يحتل حياة السوريين حتى وهم يعيشون في الخارج. من الصعب أن نشفى منه، ربما صرنا نتصرف بشكل تلقائي وفقاً لشروط الخوف”.
لكن مهلاً، الصور التي يقدمها العظمة في معرضه تقول غير ذلك. فهذه الخمسين شخصية براهين على السير عكس الخوف. وأياً كانت أسباب ضعف الحضور، ربما لا نتفق مع العظمة تماماً على أن الخوف من بينها.
على أي حال، معرض العظمة مستمر حتى 26 من تموز/ يوليو المقبل، وما زال هناك وقت للتفرّج على “البعث”.
* فنان تشكيلي سوري مقيم في فرنسا
العربي الجديد