صفحات العالم

“البعث” والحراك السوري

محمد الباهلي
المتابع لما يحدث في سوريا حالياً، تفزعه الأرقام، أرقام القتلى بأيدي أمن نظام “البعث”، كما تفزعه أعمال التدمير والإبادة بحق شعب ينشد الحرية والتغيير. ومن الطبيعي أن ينتفض الشعب عندما يقع تحت وطأة الوضع الأمني الخانق والظروف المعيشية الصعبة، وأن يثور في وجه الديكتاتورية والاستبداد، خاصة بعد أن قام النظام بتحويل الأرض السورية إلى ميدان يرتوي بالدماء والدموع. لقد حطم نظام “البعث” إنسانية الإنسان السوري على مدى خمسين عاماً، ويتجه الآن لإدخال المنطقة في حرب طائفية واسعة. وإذا لم يتدارك العرب هذا الوضع فقد ينتهي إلى حرب أهلية تهدد العالم العربي ككل.
نعم هناك جهد عربي يبذل، لكنه لم يصل درجة إنقاذ الشعب السوري من بطش النظام وممارساته الأمنية، بل إن غالبية الجهود ظلت تدور حول إدارة الأزمة وليس حلها نهائياً.
وإذا تأملنا ما يحدث الآن في سوريا، ورجعنا إلى ما حدث في ليبيا، فسنجد ترابطاً وتشابهاً بين الحدثين، سواء كان ذلك في شكل المنظومة السياسية والأمنية، أو لغة المواجهة بين الشعب والنظام والتعامل مع مطالب الحرية والتغيير. لقد أحدث الحراك السوري تغييراً عميقاً في نفس الإنسان السوري المشتاق إلى الحرية والعدالة، وأثر تأثيراً مهماً على باقي صور الحراك الأخرى في المنطقة.
وليس هناك اليوم من يجادل في أن نظام “البعث” الذي حكم سوريا منذ خمسة عقود، فشل في تحقيق معادلة التنمية التي تدفع الدولة والمجتمع إلى النهوض والتقدم، على نحو ما حدث مثلاً في الصين التي ما زالت تمارس الحكم الشمولي، لكنها رغم ذلك حققت مستوى عالياً من النهوض والتقدم والرفاه لصالح شعبها. وكذلك روسيا الطامحة لاسترداد مكانتها السياسية والاقتصادية.
كان حصاد سنوات “البعث”، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري، مجموعة من الشعارات الفارغة والممارسات الأمنية المفرطة. وإذا قارنا حجم الإنجازات الذي حققته بلدان آسيا الناهضة (ماليزيا، كوريا، سنغافورة، تايوان.. إلخ)، في التعليم والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والصحة والأبحاث العلمية وتوفير الرفاه، وما حققته في فترة زمنية تقل كثيراً عن المدة التي حكم خلالها نظام الأسد سوريا، فستتضح لنا الفجوة بين النموذجين والنصيب الهائل من الفشل التنموي الذي منيت به سوريا “البعث”. والسبب بالطبع أن سوريا التي تمتلك من الثروات البشرية والمادية ما يكفي، عانت من انغماس نظامها البعثي في تبديد الثروة تحت شعارات فارغة، بينما بقيت أغلبية الشعب تعيش في حالة فقر وبطالة وتشرد.
واليوم وصلت الأحداث في سوريا منعطفاً خطيراً وصفه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، بأنه “غير مقبول ولم يعد محتملاً”، مطالباً بعدم إهدار الوقت. هناك إذن حاجة ماسة لصوت العقل والتعامل مع القضية بالقدر الكافي من الوضوح والحسم، ويتعين على المجتمع الدولي بصفة خاصة إيصال رسالة واضحة لنظام الأسد، مفادها أن التنكيل بالشعب السوري ليس أفضل سياسة للاستمرار في حكمه.
إن الواجب الإنساني والديني والأخلاقي يدعو الجميع إلى تكريس كل الوسائل لإيصال رسالة مفادها أن صبر المجتمع الدولي على الممارسات الوحشية له حدود، وأن الشعب هو من سينتصر في النهاية، وهذا ما أثبته التاريخ.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى