مازن عزي

البغدادي في حيرته/ مازن عزي

 

 

البغدادي في حيرته التنازع على الرموز بين التنظيمات الإسلامية يؤسس بدوره لـ”Symbology” جهادية، قد تكون اختصاصاً جديداً يتم تدريسه في جامعة “ابن خلدون”

يعاين “خليفة المسلمين” وولي أمرهم، أبو بكر، نماذج من عملة دولته الإسلامية، مقلّباً ديناراً ذهبياً بين أصابعه، يخالطه مزيج من الحبور والحيرة؛ اسمه ودولته ستخلّدهما “الأركيولوجيا” وعلوم الحفريات. لكن هفوة صغيرة نغصت فرحه، فالكتابة على الصورة أغفلت نسَبه “القرشي”، ووقفت فقط عند كنيته “البغدادي”. يقذف الدينار بإبهامه في الهواء، مستبعداً قلقه بالتفكير في الرمز اللذيذ: سبع سنابل.

البغدادي ظلّ يردد في نفسه، طيلة أيام سك النماذج، ما جاء في سورة يوسف: “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ”. لتعبر ابتسامة شفيفة فوق محياه، كلما وصل إلى “سبع سنبلاتٍ خضرٍ”، وتمسح عنه مظاهر إعيائه، بعد إصابته في غارة لطائرات التحالف الدولي على موكبه، قرب الموصل.

“الخليفة” خرج، الخميس، بتسجيل صوتي “ولو كره الكافرون”، تناقلته وسائل التواصل الإجتماعي، والمواقع الجهادية، قَبِلَ فيه بيعة جماعات من دول عربية عديدة، قائلاً: “أبشروا أيها المسلمون.. فإننا نبشركم بإعلان تمدد الدولة الإسلامية إلى بلدان جديدة.. إلى بلاد الحرَمين واليمن وإلى مصر وليبيا والجزائر”. وقال البغدادي: “نعلن قبول بيعة من بايعنا من إخواننا في تلك البلدان وإلغاء اسم الجماعات فيها وإعلانها ولايات جديدة للدولة الإسلامية”. القرشي أكد أن “زحف المجاهدين” سيستمر “حتى يصلوا روما بإذن الله”. ويبدو من خريطة العالم التي رسمت على فئة “الخمسة دنانير” الذهبية، أنها وحدها ما أعاد الضحك إلى قلب الخليفة، الداعي إلى تفجير “براكين الجهاد” في أنحاء العالم.

أبو بكر، أكد أن الضربات الجوية التي يشنها التحالف لن توقف “زحف” تنظيمه. كما اعتبر أن تحالف “اليهود والصليبيين” سيضطر “للنزول إلى الأرض” لقتاله، و”إرسال قواتهم البرية الى حتفها ودمارها”. وتابع: “نرى أميركا وحلفاءها يتخبطون بين الخوف والضعف والعجز والفشل”. لكن التنظيم اليوم، وبخلاف ما يؤكد البغدادي، بات على مفترق طرق معنوي خطير؛ فإما الاستمرار في صراع كارثي استنزافي للسيطرة على كوباني “عين العرب”، بعد أكثر من 700 قتيل من قواته، وإما الانسحاب منها. الرمح والدرع على الدرهم الفضي، وسكاكين تنظيمه التي تحز رقاب الجميع بمن فيهم جنود النظام السوري، قد لا تفلح في مواجهة الطيران الدولي، حتى ولو طمأن المسلمين بأن دولتهم “بخير وبأحسن حال. لن يتوقف زحفها وستظل تمتد بإذن الله، ولو كره الكافرون”.

الاستعارات الرمزية التي حفلت بها نماذج دولة الخلافة لم تغفل “منارة دمشق البيضاء” على فئة الخمسة دراهم الفضية، وإن كان ذلك يؤسس لتنازع جديد مع “جبهة النصرة” التي اتخذت من “المنارة البيضاء” اسماً لمؤسستها الإعلامية. التنازع على الرموز والدلالات بين التنظيمات الإسلامية يؤسس بدوره لـ”Symbology” جهادية، قد تكون اختصاصاً جديداً يتم تدريسه في جامعة “ابن خلدون” التي أسسها أبو محمد الألماني، في الرقة!.

بيان “بيت مال المسلمين”، أكد أن سكّ العملات هو الطريق للخروج من “النظام المالي الجائر”، وأن العملية “مكرسة لوجه الله تعالى”، وستساعد المسلمين على التحرر من “النظام الإقتصادي العالمي الربوي الشيطاني”، و”النظام المالي الطاغوتي الذي فُرض على المسلمين، وكان سبباً لاستعبادهم”. العملية بالمعنى الاقتصادي، تعدّ تحدياً جذرياً لاتفاقية “بريتون وودز” 1944 المؤسِّسة للنظام الرأسمالي العالمي، وذلك عبر العودة إلى “نظام الأساس الذهبي”، وإلغاء المعادل الذهبي للنقد الورقي. “بريتون وودز” أسست لنظام نقدي دولي، يقوم على تحديد أسعار صرف ثابتة للعملات الوطنية، مع إمكانية تصحيح هذه الأسعار عند الضرورة. وبموجبها يحدد كل بلد عضو في صندوق النقد الدولي، سعر صرف عملته مقابل الذهب، أو مقابل الدولار الأميركي.

قد تكون خطوة سك الذهب والفضة، تغطية للتراجع الذي يعيشه التنظيم على أكثر من جبهة، لكنها تحمل، بعيداً من استعادتها للزمن الإسلامي “الجميل”، بذورَ مشروع نقدي، تنفيذي، للنظام المالي العالمي. لكن التنظيم بات يعتمد بشكل رئيسي على “تمويله الذاتي”، ساعياً إلى خلق دورة “رأسمال” محلية مغلقة، تلغي الاعتماد على الدولار، بالعودة إلى “نظام الأساس الذهبي والفضي”، الذي يتمتع بخاصّتي حرية السك أو “الضرب”، والقوة الوفائية غير المحدودة. مستنداً في ذلك إلى ثلاثة مصادر للتمويل: الضرائب على السكان، وآبار النفط التي سيطر عليها ويبيع إنتاجها الخام، وأموال الفديات الناتجة عن عمليات الخطف. وهذا ما يضرب أهمية المشروع، في عمقه الأخلاقي.

البغدادي المصاب، والحائر أمام خريطة دولته المتراجعة، عاد وتذكر تلك الآيات من سورة يوسف، مغتماً: “إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ. قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ”.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى