البوطي يهاجم والقرضاوي يصدّ الهجوم وعزمي بشارة يقتنع بحجج شريف شحادة!
أحمد عمر
منذ أن انطلقت ‘الانتفاضة العربية الكبرى’ – والتوصيف لفضائية الحوار ‘المندسة’ في الأثير العربي الذي كانت الأنظمة قد حوّلته إلى جليد فولاذي وهو عنوان احد برامجها الحوارية و منذ أن انطلق التاريخ من جديد – مع اكتشاف البو عزيزي ‘المقدوني’ للنار بحجر الصوان – وأنا أعيش ملتصقا بجدار التلفزيون المحمّى، ورائحة الشواء تفوح من لحم قلبي المفحّم، وأشاهد مثل معظم القراء، عشرات الصور الملحمية لأحفاد عمر المختار ويوسف العظمة وسيد قطب.. رأيت عشرات الجنازات التي تجرف طوفان البشر، لكن أهم الأفلام ‘المفبركة’ التي شاهدتها هي فلمي الطفلين الشهيدين؛ هاني الحسيني وفؤاد كنعان.
والفيلمان من التي يعجز أشجع المصورين والمخرجين وأكثرهم خبرة وفروسية وبسالة على صيدهما. الفيلمان القصيران لن ينال مصوراهما جائزة قط.
الشهيد بتعريف كاتب السطور: هو كائن مثل بقية البشر يمشي على اثنين، ويضحك، ويبكي، وعند تضحيته بأغلى ما يملك و رحيله إلى الحياة الثانية يمشي بآلاف الأقدام و يهتف بآلاف الحناجر. لكن ما بال الطفل هاني الحسيني يزحف على أكتاف ثلاث أشخاص فقط، ويتسلق بدمه السلالم، زاحفا فوق الأسطح والجدران ليلحد في رحم الأرض خلسة وكأنه يسرق روحه بضاعةً مهربة..
الشهيد الثاني هو فؤاد كنعان الذي قتل مظلوما، وأمه وأبوه وأخته يندبونه في صندوق مقطورة، خاصة بالبضائع والأمتعة لا بالأحياء أو بالشهداء (فالموتى في بلاد العرب أكرم من الأحياء!). المقطورة يجرها جرار زراعي، والأم من لوعتها تنهض وتجلس وتتلفت حولها مستغيثة وتنوح وتندب.. والأب اخرس – علمت لا حقا انه ولد اخرس ايثارا للسلامة وحبا بالمقاومة والممانعة – والأخت الجميلة – التي لو تقدمت لمسابقة تمثيل دور العروس باربي لفازت به – تتلفت إلى الخلف واليمين والشمال، علها تجد حائطا يسندها، أو حضنا يدفئها، وتصرخ لعل أذنا صماء تسمعها. والمقطورة تمضي إلى بوابة المستحيل، و الأرض تهرب من تحتها خجلة، حمراء الخدين، من ضيفها الصغير الذي باغت الشعب العربي عاريا في الحفلة.
عزمي بشارة
لا اعرف سببا لغياب عزمي بشارة عن حديث الثورة منذ أكثر من شهرين، ربما اهتدى إلى جادة الصواب مقتنعا بحجج شريف شحادة، أو ذهب ليرقص في عرس الأمير ويليام! ولم اعرف سببا لغياب كتاب وإعلاميين مثل علي عقلة عرسان الذي ظهر مرة واحدة بالصوت على الجزيرة، وعماد فوزي شعيبي الذي كان يروج لنظرية هوبز في الإكراه (إكراه الشعب وليس العدو الصهيوني!) طوال حقبة المقاومة والممانعة. ثم علمت أن الشعيبي واحمد الحاج علي ممنوعان من الظهور على الفضائيات السورية عندما هدد النائب عبود الخالد بشكاية مدرائها إلى من يهمه الأمر، فهما مواطنان صالحان ويحق لهما الظهور على فضائياتهم وارضياتهم. المفارقة مذهلة: فإذا كان هذان الإعلاميان اللطيفان، الوديعان، المقاومان الممانعان، ممنوعين على فضائيات التبن فكيف ستفتح ابواب الحوار ‘الشامل’ لأمثال المندسين؛ ميشيل كيلو أو لؤي حسين أو حسين العودات الملطخة ايديهم بحبر المقالات.
دموع على الهواء المنكوب
بكى راشد الغنوشي عندما سمع العويني صارخا: بن علي هرب. وبكى المنصف المرزوقي عندما ألقى كلمة قسم فصيحة البيان عادلة العنوان، كتبها لنفسه، ولم يكتبها له احد كما عهدنا بالرؤساء العرب، فالألم سيد الفصحاء. لكني لم اتعاطف مع دموع وزيرة العمل الايطالية إيلزا فورنيرو التي بكت بسب قرار التقشف، فزملاؤها العرب يضحكون وهم يقتلون، وكان من حسن حظ توكل كرمان (اصغر حائزة على نوبل) أنّ شريكتيها؛ الرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما غوبوي ‘محجبتان’، والملاحظ أنّ المشرفات على صناديق الانتخابات المحلية في سورية اللاتي بثت الفضائيات السورية صورهن- محجبات! ربما لإقناعنا بأن الصناديق مؤمنة وملتزمة ومحتشمة، وان الأكراد مواطنون نالوا حقوقهم، لأن اسم حي الأكراد ورد على احد الصناديق! وظهر ضيوف كثر يؤكدون أن الانتخابات نزيهة و(لأول مرة). عجبا .. انتم تقرون بان الانتخابات السابقة كانت مغشوشة: لقد سقط الدب عن الفنن!
سياستر
‘كتابك’ برنامج على اورينت يعرف بالكتب التي تفضح ‘طبائع الاستبداد’، وهو قصير، وسريع، ورشيق، وطوله لا يتجاوز ثلاث أو أربع دقائق تقدمه المذيعة اللطيفة رولا حيدر. لكن برنامج مرآة الصحافة اليومي في قناة الجزيرة الذي يبث مرتين في اليومي مختارا ابرز المقالات في الصحافة العربية والغربية، طويل وبطيء، ويبدو موجها إلى المشاهد العادي و.. الأمي، فالمذيع يقرأ احيانا ربع المقال للمشاهد (في عصر السرعة) وربما كان برنامج ‘سبعة أيام’ في قناة البي بي سي، أكثر حيوية فهو يستضيف أربعة ضيوف يدققون في أهم أخبار الأسبوع بحثا وتحليلا. تختم برامج الصحافة التلفزيونية أقوالها برسوم الكاريكاتير عادة. ‘سياستر’ في قناة النيل برنامج جديد ومبتكر مخصص بأكمله لرسوم الكاريكاتير العربية والعالمية، البرنامج تقدمه سنار سعيد في يوم الجمعة في السابعة مساء بتوقيت الصومال، وكان ضيف البرنامج هو رسام الكاريكاتير سعيد الفرماوي الذي يتمتع بروح فكاهة طيبة في الريشة واللسان!
وقد اشتكى كاتب سوري من أن النشرات العالمية للطقس، عنصرية، ولا تلقي بالا إلى درجة حرارة عاصمته التي هي أقدم عاصمة في العالم، وكان الأولى به أن يلوم قنواته الوطنية التي لا تصدق حتى في النشرات الجوية ‘حرصا على تشجيع السياحة والسفر’. الكاتب نفسه ظهر في برنامج منذ فترة قريبة وهو يقبّل الحرف الذي اكتشف في اوغاريت، كناية عن عراقة السوري وعبقريته. لكن ما بال حفيد مكتشف الحرف ينتخب لأول مرة (باعتراف فضائياته) انتخابات بلديات محلية – وهو ابسط انواع الانتخاب ويخوض أعالي البحار وأداني الوديان بحثا عن ملجأ أو مكان يبحث فيه عن الحرف الذي اخترعه!
القرضاوي ضد البوطي
انتقد القرضاوي في خطبة الجمعة السابقة لأول مرة البوطي بالاسم، وكان يعرّض به في السابق تعريضا. البوطي من جهته انتقده منذ أشهر بالاسم لأن القرضاوي يؤثر الانتماء الحزبي (الأخوان المسلمين وليس البعث) على الانتماء الإسلامي العام؟ كما غنى يحيى حوى ابن الشيخ سعيد حوى في فيينا للثورة وليس لليالي الأنس التي غنت لها أسمهان أو عزيزة جلال أو للهوى الذي غنى له أبو وديع. وان يصبح ابن سعيد حوى السلفي الصوفي، مغنيا، أو أن يقبل الناس على تقبيل آثار موطئ قدم جورج وسوف على درج إحدى مسارح مشتى الحلو فهذا يعني أن الهوى غلاّب و يجب جعله دستوريا.
استمتعنا بمشاهد المظاهرات الروسية، التي واكبها جمال العرضاوي مراسل قناة الجزيرة. روسيا التي حولها رئيس مخابراتها إلى قيصرية محدثة، وعسى أن تكون حكمة بوتين المفضلة مثل حكمة زين العابدين: من ‘جدة’ وجد. ومن جلس طويلا على الكرسي سقط.
ملاحظة من كتاب إقليدس في الهندسة غير السياسية: اقصر طريق بين نقطتين هو الطريق إلى جدة.
كاتب من كوكب الأرض
القدس العربي