البيانوني: للمعارضة خارطة طريق لما بعد الأسد
على المجتمع الدولي تزويد الثورة بالسلاح
حاوره: عبد الرحمن أبو العُلا
قال علي صدر الدين البيانوني -المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا ونائب مراقبها الحالي- إن المعارضة السورية لديها خارطة طريق للمرحلة الانتقالية بعد سقوط نظام الأسد. وفي الوقت الذي قال فيه إنه ليس هناك إمكانية لحل سياسي في سوريا، طالب المجتمع الدولي بتزويد الثوار بالسلاح.
وفي محاولة للاطلاع على ما وصلت إليه الثورة السورية وموقف قوى المعارضة من المبادرات الدولية للحل، كان هذا الحوار للجزيرة نت معه.
كيف ترى الأوضاع في سوريا الآن بعد مرور قرابة 19 شهرا على انطلاق الثورة؟
بعد مرور هذه الشهور، فإن الثورة تزداد يوما بعد يوم إصرارا وتصميما وانتشارا وهي في تقدم، والشعب السوري بدأ الطريق ولا يمكن التراجع عنه، ومعنويات الثوار في الداخل مرتفعة جدا، وأعتقد أن الثورة منتصرة بإذن الله، صحيح أنها كلفت الشعب السوري ثمنا باهظا لكن الحرية تستحق أكثر من ذلك، والنظام السوري من أسوأ الأنظمة في العصر الحديث، ووحشيته في التعامل مع الشعب لم تكن مفاجئة لنا، فهذا النظام منذ اليوم الأول قرر أن يخوض معركة مع الشعب السوري ولم يفتح أي مجال أو أفق لحل سياسي، حتى الحلول السياسية التي طرحت كان يماطل فيها ويتظاهر بالقبول لكنه كان يراهن على كسب الوقت، ويراهن على أنه بقوته العسكرية قادر على سحق الثورة، لكن الأيام تثبت أن الثورة تمضي في تقدم، وأنا متفائل بانتصارها.
هل استطاع النظام أن يورط الثوار بمواجهة عسكرية لم يكونوا مستعدين لها؟
لا شك أن الثورة بدأت سلمية واستمرت كذلك وقتا طويلا وكان الناس يخرجون بالصدور العارية يواجهون الرصاص، وكمثال على ذلك انطلقت المظاهرات في الجمعة التي سبقت رمضان قبل الماضي في حماة ولم يعطِ المحافظ أوامر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، خرج أكثر من 500 ألف متظاهر أي ما يعادل نصف سكان المدينة ولم يقع حادث واحد وكانت هتافاتهم كلها سلمية، وبالطبع عُزل هذا المحافظ بعد ذلك، وبعد أيام قُصفت المدينة بشكل وحشي انتقاما لخروج المظاهرات.
فالمظاهرات بدأت سلمية، لكن الناس اضطروا فيما بعد للدفاع عن أنفسهم وتطور الأمر بعد ذلك إلى انشقاقات في الجيش النظامي من جنود وضباط رفضوا إطلاق النار على شعبهم فكانوا يواجهون القتل مما اضطرهم للدفاع عن أنفسهم، ثم بدؤوا يدافعون عن المظاهرات نفسها فيما بعد. وانحاز الناس إلى هذا الجيش السوري الحر للعمل تحت لوائه، حتى بدأ في النمو بشكل سريع، وأصبحت هناك معارك حقيقية بين الجيش النظامي والجيش الحر.
وبسبب أسلوب النظام الوحشي في القمع وتخلي المجتمع الدولي عن التزامه بحماية الشعب السوري دُفع الكثيرون للالتحاق بالجيش الحر للدفاع عن الثورة.
هل ترى أن الاستمرار في الثورة بنفس هذه الآلية سيحقق لها النجاح في النهاية أم أنكم بحاجة لتغيير هذه الطريقة؟
الحقيقة أن خيارات الشعب السوري محدودة، فأمام ما يقوم به النظام من وحشية وقتل ليس أمام الشعب السوري إلا أن يدافع عن نفسه، إلا إذا أدرك المجتمع الدولي أن من الضروري أن يتخذ من الإجراءات ما يكفي لحماية الشعب السوري ووضع حد لهذه الجرائم، أما دون التدخل الدولي فليس أمامنا خيار آخر.
هل تحولت الثورة السورية إلى صراع طائفي؟
النظام حاول -ولا زال يحاول- جر البلاد إلى حرب طائفية، وهو يستخدم الطائفة العلوية ويورطها في هذه الجرائم، لكن الشعب السوري أوعى من ذلك على الرغم من بعض الحوادث الفردية هنا وهناك في إطار محدود، وهو قادر -كما عُرف عنه عبر تاريخه الطويل من التعايش بين كل مكوناته- على تفويت الفرصة وقطع الطريق على هذه المحاولات.
بالنسبة للمبادرات الدولية، طُرحت مؤخرا مبادرة بتولية فاروق الشرع نائب الرئيس السوري إدارة مرحلة انتقالية، ما رأيكم في هذا الطرح؟
هذا ليس جديدا، فأول مبادرة قامت بها الجامعة العربية طرحت أن يكون هناك حوار من خلال الشرع الذي سيقود حينها المرحلة الانتقالية، والمعارضة أبدت ترحيبها في ذلك الوقت بالمبادرة، لكن المشكلة أن النظام السوري وإن تظاهر بالقبول في بعض الأحيان إلا أنه غير جاد في ذلك وكان يسعى لكسب الوقت مراهنا على قدرته على سحق الثورة خلال فترة وجيزة، لذلك أعتقد أنه لا مجال لأي مبادرة سياسية يكون النظام السوري طرفا فيها.
حتى لو كان الطرف فيها هو نائب الرئيس وليس بشار الأسد نفسه؟
نائب الرئيس ليس له صلاحيات وهو مجرد ديكور، والقضية الأساسية الآن هي رحيل الأسد ومجموعته العسكرية والأمنية التي ترتكب هذه الجرائم بحق الشعب السوري، وقبل ذلك لا يمكن الحديث عن أي مبادرة سياسية.
وماذا عن المقترح القطري بإرسال قوات عربية إلى سوريا؟
كان ينبغي على الدول العربية أن تبادر منذ البداية إلى حماية الشعب السوري من خلال قوات عربية، لكن هذا لم يحدث في الماضي، وأعتقد أنه حتى الآن ليس هناك جدية في تنفيذ هذا المقترح.
هناك أيضا المبادرة المصرية بتشكيل لجنة رباعية تضم مصر والسعودية وتركيا وإيران، هل من الممكن أن تصل إلى شيء؟
الثغرة الرئيسية في مبادرة الرئيس محمد مرسي هي إشراك إيران، لأن إيران جزء من المشكلة وليس الحل، وهي داعم للنظام السوري في مواجهة الشعب السوري وتمده بأدوات القمع، لذلك أعتقد أن إشراك إيران كتب على المبادرة الفشل.
ألا ترى أن وجود إيران -وهي كما ذكرت جزء من المشكلة- من الممكن أن يساهم في الحل بتقديم حل وسط مثلا أو أن تضغط على النظام؟
إيران لا تبدي أي موقف يدل على أنها تستطيع لعب دور الوسيط، ولم تبد أي موقف يدل على انحيازها للشعب السوري. لذلك فإن عليها أن تغير موقفها أولا.
بصفتك مراقبا سابقا للإخوان المسلمين ونائبا للمراقب الحالي، ماذا عن دور الإخوان المسلمين في الثورة السورية؟
الإخوان في المعارضة منذ أكثر من ثلاثين عاما وهم أكثر من تضرر من النظام السوري، ويكفي أن نقول إنه في هذه اللحظة رغم الإصلاحات المزعومة للنظام إلا أن القانون رقم 49 لعام 1980 -الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان المسلمين- لا يزال هذا القانون نافذا حتى الآن.
والإخوان المسلمون منذ أن قامت الثورة وقفوا معها وناصروها وشكلوا لجانا لدعمها بكل ما يستطيعون من إمكانات، وحاولوا إيجاد إطار وطني للتعامل مع الثورة وتوحيد الجهود ضمن الإطار الوطني باعتبارها ثورة شعبية وطنية متنوعة وليست إسلامية أو إخوانية فقط، ونجح الإخوان مع غيرهم بعد ذلك في إيجاد المجلس الوطني السوري المعارض وهم جزء منه. والإخوان لا يزعمون أنهم أصحاب الثورة وإنما هي ثورة الشعب السوري بكل فئاته وهم داعمون لها وحريصون على إنجاحها بأقل ما يمكن من الخسائر وبأقصر وقت ممكن.
هل يشارك أفراد الإخوان في سوريا بالثورة، وهل ينضمون للجيش الحر مثلا؟
الإخوان كتنظيم غير موجود في سوريا، ولكنهم موجودون كأفراد وأنصار للجماعة وهؤلاء جميعا منخرطون في العمل الثوري والمقاوم كبقية أبناء الشعب، وليس هناك تشكيلات خاصة باسم الإخوان لكنهم وأنصارهم موجودون في الحراك السلمي والحراك المقاوم.
يؤخذ على المعارضة السورية عدم توحدها وكثرة الانشقاقات والاختلافات بينها، والسؤال لماذا لا تتحد المعارضة السورية؟
الحديث عن خلافات وعدم توحد المعارضة السورية فيه قدر كبير من المبالغة، فمعظم الأحزاب السياسية والمعارضين تعرضوا للقمع الشديد، والمجلس الوطني السوري يجمع أكثر من 80% من الأحزاب والمعارضين، وهناك معارضون خارج المجلس أيضا، ونحن الآن بصدد إعادة هيكلته وضم عناصر معارضة جديدة إليه، وهذا كاف للتعامل مع كل المستجدات. ولا يمكن للمعارضة في أي بلد أن تكون مجتمعة بنسبة 100%، وهناك بعض الدول تتذرع بعدم توحد المعارضة من أجل التنصل من دعم الشعب السوري.
شاركتم مؤخرا في إنشاء التجمع السوري للإصلاح. ما الهدف منه؟
هذا التجمع يضم كافة الحركات والتيارات الإسلامية وليس موازيا للمجلس الوطني السوري بل إن كل المشاركين فيه أعضاء في المجلس الوطني، والتجمع داعم له، والهدف من إنشائه هو تقديم رؤية واحدة لكافة التيارات الإسلامية.
هل هناك خطة واضحة لدى المعارضة لمرحلة ما بعد الأسد؟
قد يكون لكل حزب وكل فئة برنامجها، لكن هناك عوامل مشتركة، فهناك خارطة طريق أُقرت قبل نحو ثلاثة شهور في اجتماع المعارضة بالقاهرة للمرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى العقد الوطني الذي أقر أيضا. وأستطيع القول إن هناك خطة واضحة بكل بنودها لتفصيلات المرحلة الانتقالية التي ستبدأ بعد سقوط النظام.
وهل المعارضة متفقة عليها؟
نعم، فحتى هيئة التنسيق الوطني التي ليست عضوا في المجلس الوطني تتفق معنا عليها.
مؤخرا، وقع تبادل للقصف بين جيش النظام وتركيا. هل ترى أن النظام السوري يسعى لفتح جبهة خارجية يخفف بها الضغط الداخلي ويوظفها لجلب دعم شعبي في مواجهة ما قد يسميه “غزوا خارجيا”؟
لا أستبعد هذا التفكير لدى النظام، لأنه لا يبالي في سبيل بقائه في السلطة بأي ضرر يصيب الوطن أو الشعب، لكنني أعتقد أن الأمر حتى الآن لا يعدوا أن يكون سقوطا لقذائف على المناطق الحدودية، والنظام أضعف من أن يُوجّه قصفا للداخل التركي.
كيف ترى الحل الآن لوقف نزيف الدم في سوريا؟
أرى أن سبب تأخر حسم الصراع في سوريا يرجع إلى تخاذل المجتمع الدولي وتباطئه في حماية الشعب السوري. والشعب السوري يئس من قيام المجتمع الدولي بدور فاعل في هذا الاتجاه، لكن الشيء الذي قد يكون بديلا عن ذلك هو تمكين الشعب السوري من الدفاع عن نفسه بتزويده بأسلحة نوعية مضادة للطيران حتى يتمكن من حماية المدن والبلدات التي يقصفها النظام بالطائرات والدبابات. وعلى كلٍ فالشعب السوري مُصرّ على استكمال ثورته سواء قام المجتمع الدولي بواجبه أو لم يقم. وقد يحتاج هذا وقتا طويلا لكننا ماضون في طريقنا.
الجزيرة نت