مراجعات كتب

التأريخ في “تاريخ سورية المعاصر”

الدكتور جوزف الياس

بعدما قلبت صفحات “تاريخ سورية المعاصر” لمؤلفه كمال ديب، اخترت صفحات منه قرأتها بشيء من التمعن. واذا كنت لا أنكر على المؤلف ما بذل من جهد في وضع مؤلفه هذا، فالواجب يقتضي أن أسجل ما لي من ملاحظات على ما جاء في بعض صفحات الكتاب:

1 – يقول المؤرخ ان الفرنسيين اطلقوا اولا على بلاد العلويين، اسم “منطقة الحكم الذاتي العلوي”، ثم غيروا الاسم، عام 1922، الى “الدولة العلوية”. وفي مصادري ان الجنرال غورو أصدر، في 23 ايلول 1920، امرا بانشاء “دولة العلويين”. ومن مراجعتي لصحافة تلك المرحلة، قرأت حينا “بلاد العلويين”، وطورا “دولة العلويين المستقلة”.

2 – يتحدث المؤرخ عن “عصبة العمل القومي”، فلا يذكر تاريخ تأسيسها وهو عام 1933، ولا يذكر المكان الذي عقدت فيه مؤتمرها الاول وهو بلدة قرنايل في جبل لبنان. ولا يذكر من مؤسسيها غير اثنين هما زكي الأرسوزي وصبري العسلي، وفي مصادري أن أمينها العام كان عبد الرزاق الدندشي، ومن مؤسسيها ايضا احمد الشراباتي وأبو الهدى اليافي وحلمي الاتاسي.

3 – وينتقل بنا المؤرخ الى الكلام على ما يدعوه “حزب البعث”، وهو، حين أسس، “حزب البعث العربي”. فأدهشني قوله “وضع سعادة والارسوزي نواة عقائدية وتنظيمية بنى عليها ميشال عفلق وصلاح البيطار اسسا لحزب جديد تحت اسم حزب البعث”. فالمنبع عنده سعادة والارسوزي، ومرجعه في ذلك كله هو باتريك سيل. بعد ذلك، رأيته يخطىء تاريخ مولد كل من عفلق والبيطار. وما لبث أن توج توثيقه التاريخي بقوله “ان عفلق كان من تلامذة الارسوزي في شبابه الاول”.

4 – عدّد المؤرخ أسماء العائلات الدمشقيّة العريقة، فذكر من بينها آل الأتاسي وآل الجابري. وفي مصادري أن آل الأتاسي عائلة حمصيّة، وآل الجابري عائلة حلبيّة.

5 – تحدّت المؤرّخ عما دعاه “حركة الاخوان المسلمين”، وهي رسميا “جماعة الاخوان المسلمين”. وحين عدد اسماء شخصيات الجماعة في مصر. لم يذكر في عدادها سيد قطب الذي كان أشهر مفكري الاخوان المسلمين.

6 – وفي الانتخابات السورية، يقول المؤرخ: “عام 1947، فاز الاخوان، بقيادة السباعي، بعدد اصوات اكبر مما نالته احزاب الشيوعي والبعث والسوري القومي…”. والصواب انه لم يفز في انتخابات عام 1947 نصير للاخوان المسلمين في دمشق غير محمد المبارك. والدورة التي يعنيها هي دورة انتخاب الجمعية التأسيسية اواخر عام 1949. وفي تلك الانتخابات، فاز اربعة نواب من الاخوان المسلمين في دمشق على رأسهم مصطفى السباعي.

7 – وينتقل المؤرخ الى الكلام على اكرم الحوراني و”الحزب الاشتراكي العربي”، فيقول ان اكرم ولد عام 1914، والصواب عام 1911. ويضيف قائلا: “انتسب الى الحزب السوري القومي عند تأسيسه عام 1936”. لكن “الحزب السوري القومي الاجتماعي” أسس عام 1932.

8 – ويقول ان الحوراني فاز في انتخابات عام 1954 “بستة مقاعد، ولم يبق للاقطاع سوى واحد”. والصواب ان لمدينة حماة ستة مقاعد نيابية فازت اللائحة التي كان يرأسها اكرم الحوراني بخمسة منها. اما المقعد السادس فكان من نصيب رئيف الملقي الذي ترك له الحوراني مكانا في لائحته.

9 – يقول المؤرخ ان الانفصال الاقتصادي عن لبنان كان بعدما اقر الدستور الجديد في 5 ايلول 1950، اذ بدأ “البرلمان” تحقيق استقلال سورية الاقتصادي. وفي مصادري ان القطيعة الاقتصادية مع لبنان، وبخاصة الجمركية، اقرتها حكومة خالد العظم في آذار 1950.

10 – ادهشني “التوثيق التاريخي” في وصف “الضابط البروسي (صلاح جديد) الذي خرج من تحت ابط بسمارك”. اما انا فلم أرَ من “الضابط البروسي” هذا غير نهايته المأسوية. وحين ذكر الضابط احمد المير، قال فيه “انه ولد في بلدة مصياف في اعالي الجبال”. وهذه في السفح الشرشقي لجبال العلويين، وهي مركز قضاء يتبع محافظة حماة.

11 – يقول المؤرخ ان سورية عانت في الستينيات “استشراء المدارس الخاصة ذات الطابع المذهبي، والتي اعتمدت منهاجا يغذي التفرقة بين السوريين”. فقد صدر عام 1967 مرسوم ينص على وضع المدارس الخاصة في اشراف وزارة التربية. لكن المدارس الكاثوليكية رفضت التقيد بأحكامه، فوضعت اليد عليها. ووزير التربية عامئذ كان سليمان الخشّ، وهو من مصياف التي “في اعالي الجبال”. وما فتئ المؤرخ يردد تعبير “المرحلة التكميلية”، وهي في سورية “المرحلة الاعدادية”.

12 – توقّف المؤرخ عند حرب الخامس من حزيران 1967، فخصّها بفصل من كتابه هو الثامن. ولم أرَه في هذا الفصل يؤرّخ تاريخا علميا، بل مارس دور الراوي، فكان كمن يروي وجهة نظر، كما رواها باتريك سيل. ويكفي هنا ان اقول ان ثمة اشارات كثيرة لها دلالاتها، فالجيش السوري كان، يومئذ، بلا سلاح ولا ضباط، والنظام كان يعيش حالاً مرضية. وانا في هذا أحيل المؤرخ على افتتاحيات “البعث” و”الثورة” في الاشهر التي سبقت حرب حزيران، كي يقف على الحال التي كان يعيشها النظام واعلامه. فليته سأل او تساءل: لِمَ اذيع بيان سقوط القنيطرة قبل ان تسقط؟ ولِمَ أمرت وحدات الجيش بالانسحاب قبل ان يصل جيش العدو الى الجولان؟

13 – ونمضي مع المؤرخ الى عملية اغتيال عدنان المالكي؛ فقد روى ان محمد مخلوف وابن عمه عدنان شاركا في المؤامرة، وان الاول حكم عليه بالسجن، اما الثاني فحكم عليه بالاعدام وأُعدم. وهو القائل (ص 150) ان “الرقيب محمد مخلوف” احد ثلاثة ضباط شرطة شاركوا يونس عبد الرحيم في “انقلاب البعث عام 1963″، افرج عنه، ثم اصبح، بعد عام 1970، من “أبرز القادة العسكريين في سورية”. فكيف لسجين حرم حقوقه المدنية، ان يعاد الى الخدمة الفعلية؟ وكيف لضابط صف أعيد الى الخدمة عام 1963 ان يصبح من “ابرز القادة العسكريين”؟ اما مشاركة محمد وعدنان مخلوف في المؤامرة، والحكم على الاول بالسجن، وعلى الثاني بالاعدام، فمسألة فيها نظر. فلدى عودتي الى صحف دمشق عام 1955، قرأت في العدد 3286 من جريدة “النصر” الدمشقية (يوم 14 كانون الأول 1955)، نص الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية في 13 كانون الاول 1955. فلم أقع فيه على ذكر لمحمد مخلوف وعدنان مخلوف.

14 – عرض المؤرخ لمسألة دين رئيس الدولة في الدساتير السورية. لكنه نسي ان يذكر دستور عام 1950 الذي أثار اقتراح تضمينه مادة تنص على ان دين الدولة الاسلام جدالاً طويلا بين اعضاء الجمعية التأسيسية. وانتهى الامر اخيراً الى تسوية، فنصت احدى مواده على ان دين رئيس الدولة الاسلام.

15 – أصر المؤرخ، في الصفحة الاخيرة، على ان مؤسسي “البعث” هم “ميشال عفلق وصلاح البيطار وزكي الارسوزي وجلال السيد”. وكنت برهنت في كتابي “عفلق والبعث” (بيروت 1991) ان لا دور للأرسوزي في تأسيس “البعث العربي”.

كان هذا أبرز ملاحظاتي على ما قرأت من “تاريخ سورية المعاصر”، وما تبقّى فلمكان آخر.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى