التابوات الثلاثة
عباس بيضون
أحصى الراحل أبو علي ياسين ثلاثة تابوات عربية هي الجنس والسياسة والدين. الأرجح أن التابوات الثلاثة في احتدام اليوم فكل رصيدنا من المحرم يغلي، قد يقول قائل ان الجنس لم يعد بدرجة التحريم التي كانها من قبل، يكفي أن ننظر في الروايات المكتوبة حديثا لنرى خوضا في الجنس وتقصياً له ما يبعدنا عن القول أن الجنس محرم، لكن ماذا يعني ضرب الفتيات المشاركات في التظاهرات وتعريتهن سوى ذلك، إنها ذكورية الشرطة من ذكورية المجتمع وذكورية الدولة، إذا كان الجنس أبيح في الروايات فإنه لا يزال مكبوتاً في المجتمع وفي تركيب السلطة وفي ذكورية الحكم. مع ذلك فإن الاعتداء على المتظاهرات في الشوارع يعني انفجار هذا التابو وتفجيره. حين لا ترى الشرطة سوى المتظاهرات وحين تحصر الانتهاك والتعدي على السلطة فيهن فذلك يعني ان التابو تصدع وانفجر بعد ان قارب الغليان. أما تابو السياسة فإنه أيضا في غليان. الاحتراب الأهلي والاحتراب في الشوارع وأمام مقرات الأمن ومقرات الأخوان. يعني أن تابو السياسة ليس أمامه سوى الانفجار كما تعني أن التابو وقد تحول إلى عنف دموي ينثر شظاياه في كل مكان. الدين هو التابو الأكثر حصانة والأكثر صونا وكان يمكن أن يبقى جاثماً مصونا لولا أنه بعد 11 ايلول وأفغانستان لم يعد صامتاً. لقد نزل إلى الشارع وتعرض لكل ما يتعرض له أهل الشارع، لقد ساق إلى الانتحار وساق أحياناً إلى سياسات ملتوية وها هو الآن يتغلغل في الشارع وينتقل الصراع داخله. انتقل إلى الهجوم ووثب أحياناً إلى السلطة وتأمّر على دول بكاملها وصار هكذا منزوع القداسة بل صار اثنين وأكثر وتصدى له الآخرون باسم الدين أحياناً وباسم السياسة أحياناً أخرى. من المؤكد أن هجمة الدين المبكرة أوقعته في الحيرة وأربكته بالتأكيد. العنف الذي دمر برجي التجارة وجابه السوفيات والأميركان وهو عنف متأصل وهذه المرة على الشعب العادي. لم تعد له رمزيته وما عاد في مكنته أن يبرر نفسه. ليس الشعب هو فسطاط الكفر وليس الشارع هو حصن الاستكبار. عنف الإسلاميين وهو يقع على أهلهم وبلدياتهم وذويهم لا يجد منفذا له في العقيدة ويحتاج إلى كثير من التلاعب والمحايلة ليبدو شرعياً. لقد استعمل الاسلاميون الشرطة المدربة على قهر الناس وإيذائهم كأنهم بذلك يسلطون الكلاب الشرسة على الجمهور. وبالطبع لم يكن في ذلك أي قداسة، لم يكن في ذلك أي براءة وأي إيمان، انه العنف نفسه والشرطة نفسها المدربة على القتل والتعذيب. عنف الدولة الكافرة والحاكم الكافر فأي التباس للإيمان بالكفر وأي التباس للسلطة بالدين وأي التباس للقمع بالإيمان.
لا بد أن الاسلاميين رفعوا الغطاء عن الدين، هم أنفسهم أطاحوا بالمقدس وورطوا الدين في السياسة، بل ورطوه في الاستبداد والردع، لقد التبس بالرصاص والتعذيب والبلطجة. بهذا صار الدين في الشارع وجرت عليه آفات السياسة وآفات الاستبداد. أمكن هكذا نزعه عن الإسلاميين ونزع الإسلاميين عنه. ما عاد واحداً بعد أن حولوه إلى سياسة صرفة وإلى استكبار. أمكن هكذا الفصل بين الإسلام والإسلاميين إكباراً للإسلام وصوناً له.الأرجح أن هذه المعركة داخل الدين وعلى أطرافه ستمهد لإصلاح ديني، يخرج الإسلام من الشارع ومن كواليس السياسة ودهاليزها ويعيده إلى مقامه الأول.
ثالوث أبو علي ياسين ينفجر، ينفجر في الاحتراب الأهلي وفي التظاهرات العامة وفي الشارع الثائر. لم يتسلسل ذلك ولم يتدرج ولم يأت خطوة خطوة أو درجة درجة. انه الانفجار الذي هو انفجار الواقع نفسه والأرجح أننا أمام ذلك كله ننتظر إلى ما يؤدي وإلى أين ينتهي. انها معركة داخل التابوات الثلاثة. انها عنف عام وصادم قد يطيح بها وبسواها. لكن ما جرى لا يمكن الرجوع إلى ما ورائه. ما جرى لا يمكن ان يتم خنقه ولا يمكن أن يختفي، لقد دخلنا في صراعات متأزمة، صراع ضد الطغم الحاكمة انفجر ضد حكم مبارك وأطاح بنظام عمره ينوف على الستين سنة، وبقي يقظاً خوف أن يتم تطويقه وامتصاصه والانقلاب عليه. الصراع نفسه لم يتأخر عن يغدو ضد الأخونة وضد الاستبداد والاحتكار باسم الدين. بالتأكيد ستخرج المرأة أقوى وأكثر استقلالاً من معركة تعنيها بالدرجة الأولى فالدستور الأخواني يتنكر لها والحكم الاخواني سيهينها. الأمر نفسه تقريباً في تونس الذي يطارد جيشها الآن سلفيين إرهابيين. لقد انتقل الاسلاميون إلى الشارع الإسلامي وصارت معركتهم فيه، إنهم الآن يجدون مثال الكفر في شارع اسلامي في الأساس. هم الآن في احتراب مع شعبهم وهم الآن إزاء انقسام يصعب ان نعتبره بين فسطاطين كما كان الاسلاميون يسمون حربهم مع الأميركيين والتحالف الغربي. لن يستطيعوا الآن ان يعتبروا شعبهم فسطاطا عدوا، وإذا فعلوا ذلك لن يصدقهم أحد. إننا في معترك هو ايضا معترك الديموقراطية والعلمنة، كلتاها يتجذران في الشعب ويتحولان إلى قوة جماهيرية. ما يعني أننا على وشك تاريخ جديد، على وشك الدخول في مرحلة أخرى: الديموقراطية ندفع الآن ثمنها الدامي والباهظ، العلمنة كانت تحتاج لأكثر من التبشير، كانت تحتاج إلى هذه المعركة بين الشارع وبين الاخوان المسلمين. أما الجنس فإن ذكورية السلطة وذكورية الإخوان وذكورية الشرطة لن تكون خافية. المعركة هي ايضا معركة المرأة ولن تخرج مهانة مستعبدة منها. لا بد أن أعرافاً كثيرة ستسقط وأن أموراً كثيرة في لا وعينا ستختفي.
السفير