التاريخ إذ يعود درامياً ؟
بشير عيسى *
في 1979 أشار الإضراب الذي عم معظم المدن السورية إلى انتفاضة شبه شعبية استمرت لثلاث سنوات، انتهت بما عرف وقتها بمجــزرة حــماه عام 1982، حيث خرج النظام «منتصراً» على معارضيه السياسيين. وقتها شكر الرئيــس حافظ الأســد غرفة تجارة دمشق، ومن ثم الاتحاد السوفياتي لوقوفهما إلى جانبه. فما الذي تغير الآن على المستوى المحلي والإقليمي والدولي؟
على المستوى المحلي أشارت فكرة تحويل الإضراب إلى عصيان مدني إلى سلمية حراك ما لبث أن تحول إلى كفاح مسلح، اختلفت في شأنه المعارضة، بينما وقفت العاصمة وأحزاب الجبهة إلى جانب النظام، كما يحدث الآن، مع إضافة وقوف حلب الثقل الاقتصادي الثاني بعد دمشق.
أما موضوع العمل المسلح، فقد وجد طريقه لدى البعض، وإن في شكل هامشي يرفضه معظم المتظاهرين، إلا أن استمرار الأزمة قد ينحو في هذا الاتجاه، لا سيما بعد رفض المعارضة والشارع الحوار مع النظام، تماماً كما حدث مع الأسد الأب. فالقناعة المتشكلة اليوم لدى المعارضة، كما في السابق، تعتبر أن النظام فاقدٌ الشرعيةَ وأن سقوطه مسألة وقت ليس إلا.
يتشابه نهج الأب مع الابن في مسألة الحوار والمصالحة للالتقاء في منتصف الطريق مع المعارضة، فالأول أرادها ضمن نسق الجبهة، أما الثاني فتحدث عن مراجعة الدستور وتعديله، مستبعداً إلغاء المادة الثامنة، بعد صدور حزمة القوانين والإصلاحات، وهو ما يعكس استمرارية في النهج ذاته.
على المستوى الإقليمي، أمدت ثلاث دول عربية معارضي الأسد، وهي: العراق بإشراف طه ياسين رمضان، مصر بزعامة السادات، والأردن الذي احتضن مركزاً إسلامياً للتنظيم في مدينة الزرقاء. هذه الدول غابت عن الحضور في الانتفاضة الراهنة لأسباب تتعلق بأزماتها الداخلية، وحلت مكانها تركيا بزعامة حزب العدالة والتنمية القريب من الإخوان المسلمين، فهيّأت الأجواء لعقد مؤتمرات للمعارضة، كما لوحت بالتدخل العسكري في حال استمرت عمليات القتل ضد المتظاهرين، لحقتها قطر بعد سحب سفيرها من دمشق واستضافتها مؤتمراً للمعارضة في الدوحة.
وفي المقلب الآخر انضمت إيران إلى جانب النظام السوري، محذرةً حكومة أنقرة، من أن أي تدخل عسكري في الشأن السوري، ستكون له تداعيات كبيرة على المنطقة، وأن أي اعتداء على سورية هو اعتداء على إيران. كلام سمعه الأمير القطري من فم الرئيس نجاد، وهو ينقل قلق بلاده من ضربة أميركية محتملة على سورية.
يبقى المســـتوى الدولي. فقد كان الرئيس الراحل محمياً من الاتحاد السوفياتي السابق ومُرضياً للولايات المتحــدة بعد ضبط جبــهة الجولان، لذلك لم تمانع الأخيرة في دخول الجيش السوري، تحت مسمى قوات الردع العربية، إلى لبنان، لوضع حد لنفوذ حركة فتح والقوى اللبنانية المتحالفة معها.
من ثم، وبعد عقد ونصف العقد، شارك الأسد في التحالف الدولي لتحرير الكويت، لينال دعم مجلس التعاون الخليجي.
ورث الابن أباه وعُدّل الدستور، بغياب شعبي، ورضى أميركي فرنسي، فكان تعاون الأسد في مجال مكافحة الإرهاب سياسةً لكسب الود. لكن تماهيه مع إيران، ودعمه لحزب الله وحماس، أثارا مخاوف واشنطن، لعجزها عن فك هذا الارتباط.
بعد سقوط نظام صدام حسين العدو التقليدي لطهران ودمشق، أصدر المفتي كفتارو فتوى الجهاد، لإعاقة المشروع الأميركي في المنطقة، الشيء الذي مهد الطريق لحرب باردة على سورية. وإذ عُقدت معاهدة الدفاع المشترك بين دمشق وطهران، جاء الرد في لبنان، وبمبادرة فرنسية، إذ وافق مجلس الشيوخ الأميركي على قانون محاسبة سورية، والذي كان مقدمة سياسية لإنهاء دورها.
خرجت سورية عسكرياً بعد ثورة الأرز إثر اغتيال رفـــيق الحريري، لكنها ظلت ممسكة بالقرار السياسي عبر حلفائها في 8 آذار. فردّت واشنطن بدعم المعارضة السورية، وتمويل محطة بردى وفق ويكيليكس.
الآن والمنطقة تشهد ربيعاً عربياً في مواجهة أنظمتها، تحرك الغرب بعد تلكؤه في تونس ومصر متبنّياً هذا الربيع، حرصاً على مصالحه. غير أن دخول الناتو إلى ليبيا، حرم الروس والصينيين من الكعكة الليبية، ما دفع بهاتين الدولتين لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن، يُمَكن الناتو من التدخل في سورية.
أمام هذا الوضع القائم يقف النظام متماسكاً في قمع معارضيه، الذين لم يتفقوا سوى على إسقاطه، فالخلاف الذي بينهم صب في مصلحة الأسد وكسبه للوقت. فهل نحن أمام تاريخ يعيد ذاته؟ وهل كانت المعارضة محقة في تفويت الحوار مع النظام؟ أسئلة متروكة للتاريخ أن يجيب عنها!
* كاتب سوري
الحياة