صفحات العالم

التحول الإسرائيلي ضد الأسد


عبد الرحمن الراشد

ليس من طبع المؤسسة الإسرائيلية، سياسية وعسكرية، أن تجلس متفرجة على الأحداث والنيران على حدودها. وخلال عام لم تصدر عن الحكومة الإسرائيلية مواقف واضحة حيال الثورة السورية، مع أنها أهم حدث يواجه إسرائيل منذ حرب عام 1973. أما لماذا نصنفها أخطر مما يحدث في مصر، أو ما حدث في لبنان لسنين من أزمات، فالسبب يعود إلى أن النظام بقي في مصر وسقط حكم مبارك، حيث إن الجيش هو عموده الأساسي. ولبنان كانت أزماته وتهديداته تزعج إسرائيل، لكنها لم تكن قط تمثل خطرا على أمنها القومي. في سوريا الحال مختلف، حيث توجد ثورة كاملة هدفها اقتلاع كل النظام المهم لإسرائيل، الذي لعب دورين في أربعين عاما، في صورتي الشرطي والمشاغب.

وهناك من يؤكد أن إسرائيل أسهمت في إقناع الجانبين الأميركي والروسي بعدم دعم الثورة، أي أنها عمليا ساندت نظام الأسد في دمشق، وأنا أعتقد أن لها فضلا كبيرا في إذكاء الحماس الروسي الداعم للأسد الذي لم ينقطع، عسكريا ودبلوماسيا. والمنطق الإسرائيلي حيال أحداث سوريا ليس صعبا علينا فهمه، وهو يقوم على أن إسرائيل أكثر أمنا في ظل نظام الأسد من نظام سوري جديد مجهول الملامح، أو نظام إسلامي متطرف يفتح جبهات حرب مع الدولة اليهودية.

اللافت أن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك خرج بتصريح قوي تحدث فيه بشكل واضح هذه المرة معبرا عن قناعته بحتمية سقوط نظام الأسد. والأهم من تحليل باراك العسكري أو السياسي هو تبديل اللغة الإسرائيلية بإعلانه أن سقوط نظام الأسد أمر يخدم المصالح الإسرائيلية ضد إيران.

وكما هو متوقع، أسعدت تصريحات باراك وسائل الإعلام المحسوبة على النظام السوري، لأنها اعتبرتها شهادة حسن سيرة وسلوك لنظام الأسد الذي انحدرت سمعته في العالم العربي إلى درك أسوأ حتى من إسرائيل. والماكينة الدعائية السورية تظن أنها لو أقنعت ملايين العرب بما قاله باراك فإنهم مستعدون للعفو عن جرائمها، على اعتبار أن الجماهير العربية ستقف ضد أي فريق يؤيده الإسرائيليون. فقد وقفت مع صدام وإيران وحزب الله من قبل رغم ما ارتكبوه من جرائم بشعة في حق شعوبهم بحجة أنهم عدو لإسرائيل. وباسم العداء لإسرائيل منحت البطولة والشعبية لأنظمة مجرمة مثل إيران وصدام والأسدين والقذافي. وهذه الأنظمة لا تزعج إسرائيل لأنها أنظمة تقوم على أكاذيب وبطولات زائفة لم ولن تتجرأ على مقاتلتها فعليا أو تهديد أمنها.

أما لماذا غيرت إسرائيل موقفها وتخلت عن دعم النظام السوري، هذا إذا كانت قراءتي صحيحة، فإن ذلك يعود لسبب أساسي، وهو أن النظام عاجز عن النجاح في مكافحة الثورة. خلال الأسبوع الماضي بلغ عدد المظاهرات السلمية التي خرجت في أنحاء سوريا نحو ثمانمائة، وهو رقم أعلى من المظاهرات في مطلع أيام الثورة. أي أن الناس لم تيأس ولم تقهر ولم تعد تخاف. وما نراه من تعاظم القتل والتدمير بصورة لم نعرف لها مثيلا في أي حروب أهلية من قبل يبين لنا مسار الثورة، ويوحي بشكل أكيد بأن النظام ساقط. والإسرائيليون الذين يجلسون على الطرف الأعلى من هضبة الجولان أكثر الأطراف الإقليمية اطلاعا على ما يحدث، ولا بد أنهم يدركون أن العدو الحليف، نظام الأسد، لا مستقبل له. وبالتالي ما قاله باراك قد يرضي الإعلام السوري دعائيا، لكنه سيقلق كثيرا القيادة السورية. باراك، وهو وزير الدفاع، أعلنها في الولايات المتحدة بعد صمت إسرائيلي طويل، بأن الأسد محكوم عليه بالسقوط، وتحدث عن أهمية الدور الروسي في إخراج عملية تغيير الحكم في سوريا بإسقاط الأسد مع الحفاظ على المؤسسات السورية الكبيرة، بما فيها الأمن والجيش. إن قدرة الشعب السوري على اقتلاع الضرس الحاكم لم ولن تكون سهلة. والحقيقة الأعجوبة ليست صمود النظام الأمني العسكري السوري، بل الأعجب إصرار الشعب السوري لأنه هو الذي يتلقى الضربات الموجعة.. وقد ظهر أكبر من كل توقعاتنا. ما يواجهه الشعب السوري ليس الكارثة المروعة وحسب، بل إنه يخوض حربا على جبهات متعددة اتفقت جميعها ضده. ومهم أن يدرك العالم أكاذيب النظام الذي يريد تصوير أن الثورة ليست إلا عملا مدبرا من الخارج، وأنها جماعات إرهابية، وعلى الجميع أن يدرك أن ثورة بهذا العمق والاتساع والإصرار لن تتوقف إلا في دمشق بعد إسقاط النظام.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى