التحول الديمقراطي.. سوريا نموذجا/ عرض/حسين عبد العزيز
يقدم رضوان زيادة في كتابه “التحول الديمقراطي.. سوريا نموذجا” تجارب بعض الدول في عملية التحول الديمقراطي ومقارنتها بالتجربة السورية، ويستعين في ذلك بتجربة تشيكوسلوفاكيا باعتبارها أقرب التجارب للحالة السورية، وكيف استطاعت هذه الدولة الأوروبية تخطي عملية التحول الديمقراطي، في حين عجزت سوريا عن ذلك.
عوامل التحول الديمقراطي
أغرى تشابه تفكك النظم السياسية السلطوية في العالم بدراسة أوجه التقارب والتباعد في التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية وبلدان أميركا اللاتينية مقارنة بالبلدان العربية.
– العنوان: التحول الديمقراطي.. سوريا نموذجا
– المؤلف: رضوان زيادة
– عدد الصفحات: 230
– الناشر: رياض الريس
– الطبعة: الأولى 2013
يبدأ المؤلف هذا الفصل بتتبع جذور التحول في تشيكوسلوفاكيا كنموذج في أوروبا الشرقية، وسوريا كنموذج آخر في دول الشرق الأوسط، ويرى أن التجربة التشيكية حققت نجاحا في التحول الديمقراطي على مستويين:
– مستوى التحول الآمن من عهد تجربة الحزب الواحد الشمولي إلى الديمقراطية التعددية.
– مستوى الانفصال السلس عن سلوفاكيا دون المرور بحروب عرقية أو إثنية كما حصل مع يوغسلافيا السابقة.
ينتقل المؤلف -بعد هذه المقدمة- إلى إبراز عوامل التشابه بين التجربتين التشيكية والسورية، فيرى أن النظام التشيكي كان شبيها كثيرا بالنظام السوري من حيث بناء المؤسسات الأمنية وهيكلية المؤسسات السياسية، إذ كان الحزب الشيوعي يسيطر على كل مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال تكتل أحزاب سياسية صغيرة (كما هو حال الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا).
وينص الدستور التشيكوسلوفاكي على أن الحزب الشيوعي هو القائد في الدولة والمجتمع، وهي المادة ذاتها التي استعارها المشرع السوري عام 1973 في مادته الثامنة التي تنص على أن حزب البعث هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع.
أما الأجهزة الأمنية فتبدو متشابهة إلى حد بعيد مع اختلافات تُعزى إلى طبيعة البلد، فالاستخبارات التشيكوسلوفاكية كانت متضخمة، حيث بلغ عدد العاملين فيها 17 ألف موظف بدوام كامل، وتنقسم إلى أجهزة أمنية داخلية وأخرى خارجية، وثالثة عسكرية تابعة لوزارة الدفاع.
وكل هذه الأجهزة ترتبط بصلة وثيقة مع الحزب الشيوعي كما هو الحال في سوريا تماما، التي تنقسم أجهزتها الأمنية إلى ثلاثة أقسام أيضا: الاستخبارات العامة أو أمن الدول، والأمن السياسي الذي يتبع وزارة الداخلية، والاستخبارات العسكرية واستخبارات القوى الجوية اللتان تتبعان اسميا وزارة الدفاع.
ورغم هذا التشابه الكبير، ثمة فارق جوهري -يقول المؤلف- فقيادة الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا كانت لديها السيطرة الكاملة على الأجهزة الأمنية، فرؤساء هذه الأجهزة هم قياديون في الحزب، أما في سوريا فقد تحول الحزب إلى مؤسسة بيروقراطية حكومية، وهو ما أفقده القيادة العقائدية والسياسية.
والواقع أنه جرى المزج بين دوره كحزب سياسي وبين السلطة، وكلا المفهومين أدمج في مؤسسات الدولة التي يجب اعتبارها مفهوما منفصلا تماما عن مفهومي الحزب والسلطة، وهذا الخلط جرى تقنينه في الدستور السوري الذي حدد دور الحزب بقيادة الدولة والمجتمع.
الانتقال إلى الديمقراطية
بعد أحداث ربيع براغ عام 1968 بثماني سنوات -أي عام 1976- أفرج الحزب الشيوعي عن عدد من المعارضين المشهورين الذين سرعان ما بدؤوا بتشكيل نواة للمعارضة عبر إصدار ميثاق عرف في ما بعد بميثاق 77 يطالبون فيه الحكومة الالتزام بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان دون أن يتضمن أي عبارات سياسية.
تم الاتفاق على تعيين ثلاثة ناطقين باسم الميثاق، ويجري تبديلهم كل عام، ولا يصدر أي بيان إلا بتوقيع هؤلاء الثلاثة معا، وقد عكس هذا الرقم المجموعات التي وقعت على الميثاق: فئة المنشقين الشيوعيين السابقين عن النظام، وفئة المدنيين الليبراليين، وفئة المجموعات الكاثوليكية والبروتستانتية.
وفي حين كانت المعارضة الداخلية تقبل بإصلاحات من داخل النظام، كانت المعارضة التشيكية في الخارج تؤمن بإمكانية إجراء إصلاحات داخلية، ومع ذلك لم يمنع هذا التباين من التعاون بين المعارضتين.
يرى المؤلف أن تجربة ميثاق 77 تشبه قصة بيان الـ99 عام 2000 في سوريا، كما أن النقاشات بين المعارضتين الداخلية والخارجية تشبه تلك التي كانت في تشيكوسلوفاكيا.
وكما ميثاق 77 تماما كان الهم الأساسي لبيان الـ99 هو موضوع حقوق الإنسان، حيث طالب البيان بإلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية، وإصدار عفو عام عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير، وثالثا إرساء دولة القانون وإطلاق الحريات العامة، وترافق ذلك مع تأسيس عدد من الناشطين في الخارج مجموعة عمل تهدف إلى مساندة المثقفين في الداخل والمشاركة في النقاش.
لكن لا بد من الإشارة إلى وجود اختلاف رئيسي بين التجربتين التشيكية والسورية -يقول المؤلف- فالمعارضة السورية لم تمتلك إستراتيجية واضحة لما يجب القيام به، ودراسة توقع رد فعل السلطات، فما إن بدأت السلطات السورية بعمليات الاعتقال حتى تراجعت الحركة الديمقراطية وفقدت قدرتها على الاستمرار أو التأثير.
وإضافة إلى هذا الاختلاف الرئيسي ثمة فوارق عديدة بين التجربتين السورية والتشيكية، أهمها:
– كان الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي حزبا سياسيا يعمل بشكل مؤسساتي على الرغم من نزعته الشمولية، فالقرار النهائي كان يخضع لقرار مشترك من القيادة الحزبية العليا بحيث يجري احترام نظام التقاعد، وهذا الأمر لم يكن محترما في الأحزاب الشيوعية العربية، خاصة سوريا في ظل حزب البعث، إذ تحول الحزب إلى مجرد جهاز تبريري أو دعائي لقرارات الرئيس القائد، فضلا عن أن النظام السياسي نفسه لم يعد نظاما حزبيا.
– العامل القومي كان أحد الفروقات المهمة، ففي جميع دول أوروبا الشرقية لا وجود للعامل القومي بالحدة التي كانت في الدول العربية، خاصة في سوريا.
– التجانس العرقي والإثني والطائفي عامل مهم في تخفيف حدة النزاعات بين النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة السياسية، بحيث لا تستطيع النخبة اللعب على الوتر الإثني.
– العامل الخارجي، ففي حين كانت الضغوط متركزة على الحزب الشيوعي التشيكي الحاكم بهدف الانفتاح والدمقرطة من قبل الكنيسة الكاثوليكية في روما ومن قبل المعسكر الغربي، كانت الضغوط في الشرق الأوسط تركز على الاستقرار وضمان أمن إسرائيل من بوابة حل الصراع العربي-الإسرائيلي.
سوريا المستقبل
يحدد رضوان زيادة في الفصل الأخير من الكتاب أربعة تحديات رئيسية ستواجه سوريا في المستقبل:
1- الإصلاح السياسي والدستوري
ضرورة كتابة دستور ديمقراطي يضمن الحقوق الأساسية للمواطنين، ويؤكد الفصل التام بين السلطات الثلاث، فضلا عن إلغاء كافة المحاكم الاستثنائية والميدانية، وعلى رأسها محكمة أمن الدولة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإصدار قانون عصري للأحزاب والانتخابات، وإعطاء كافة الحقوق الأساسية للأكراد.
2- التنمية الاقتصادية
يدعو المؤلف إلى تغيير جذري في السياسة الاقتصادية تقوم على العدالة والتنمية المتوازنة بين مختلف المحافظات، فسوريا دخلت في مأزق اقتصادي خطير منذ عدة سنوات بحكم افتقارها إلى الموارد الرئيسية، وبحكم السياسات الاقتصادية الكارثية.
لقد أدى الجفاف والسياسات الزراعية الخاطئة إلى نزوح أكثر من مليون مواطن من المحافظات الزراعية في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية (الحسكة، دير الزور، القامشلي)، أما البنية التحتية المتردية فيتطلب تطويرها أكثر من سبعين مليار دولار.
3- تحديث الجيش
تعرضت المؤسسة العسكرية- أثناء العقود الماضية- لعملية تهميش كبير، خاصة بعد حرب أكتوبر/تشرين عام 1973 ثم عملية تدمير أثناء الثورة عبر زجها في حرب ضد الشعب، ومع انهيار العقيدة العسكرية داخله وانعدام شبه كامل للدورات التدريبية الحديثة، والتمييز لمصلحة فرق عسكرية على حساب أخرى، وانخفاض المخصصات، تحول الجيش إلى عبء أكثر منه جيشا محترفا، لذلك يطالب المؤلف بإعادة الاعتبار للجيش في المرحلة المقبلة وإعطائه الأولوية في الاهتمام وتحويله إلى جيش احترافي بدلا من كونه قائما على الخدمة العسكرية.
4- انعطاف السياسة الخارجية
دفع السوريون ثمنا ماديا وسياسيا كبيرين جراء اتباع سياسة خارجية قائمة على مصالح النظام، بدل أن تقوم على أساس تحقيق مصالح الشعب، فقد أهملت قضية الجولان في السياسة الخارجية واستعيض عنها بالسيطرة على لبنان، فانتفى تماما المفهوم الدبلوماسي القائم على أن وظيفة السياسة الخارجية إنما هي تمثيل مصالح الشعب والحفاظ على أمن سوريا والسوريين في الخارج عبر خلق قنوات دبلوماسية سياسية وثقافية اجتماعية مع الشعوب الأخرى.
لقد استمر التدخل العسكري في لبنان، وصدرت من 2005 خمسة قرارات دولية تتعلق بسوريا، فضلا عن محكمة دولية تحوم فيها الشبهات حول تورط مسؤولين سوريين باغتيال الحريري، وستبقى هذه القرارات سيفا مسلطا على سوريا حتى تلتزم بها بشكل كامل.
ويرى المؤلف أنه من دون وضع سياسة خارجية جديدة تجاه دول الجوار، لا سيما لبنان والعراق، فلن يكون لسوريا سياسة خارجية إقليمية أو دولية أبدا، مع وضع قضية الجولان مع القضايا التي تمس السوريين ومصالحهم في موقع الصدارة.
الجزيرة نت