التحوّل الديموقراطي المرتجى في سوريا “إفراط في التفاؤل” رضوان زيادة افترض “المقاومة السلمية” لجين شارب هي الترياق!
ج. ب.
لا مخرج لسوريا بعد سقوط النظام الا بإجراء “المصالحة الوطنية” الكفيلة بالخروج من اسر الماضي الثقيل الى رحاب المستقبل، بهمة السوريين الذين امامهم مهمة مزدوجة بعد هذه الحرب، وهي العمل على استعادة الجمهورية من المملكة المتوارثة ومعاودة الديموقراطية بعد اكثر من نصف قرن من اندحارها وتنسّم ابسط مفاهيم الحريات.
هذا ما يخلص اليه رضوان زيادة في كتاب “التحول الديموقراطي – سورية نموذجا” (230 صفحة، دار رياض الريس) لكنه يبدو متفائلا “اكثر من اللزوم” حين يفترض ان سوريا ستقود معركة الحريات والديموقراطية وتنشرهما في العالم العربي، وتفاؤله المفرط يعزى الى ان مواضيع الكتاب عولجت قبل بدء الاحداث والمعارك العسكرية في سوريا، وطبعا في مرحلة كانت الخطط على الورق تبشّر، فيما الوقائع على الارض حاليا تنذر، وقبل ان تتكشف احتجاجات الشعب السوري وثورته عن حرب عربية اقليمية دولية تخفي تحت عباءتها تنظيمات اسلامية متطرفة تقود الحرب ضد النظام السوري، لكنها ليست طبعا من عناها زيادة بأنها ستقود سوريا الى الحرية، وبالطبع لن تنشرها في العالم العربي، فوجودها في حد ذاته نقيض الحريات والديموقراطية ويصح على فكرها وافعالها قول المتنبي:
اذا كان ما تنويه فعلا مضارعا مضى، قبل ان تلقى عليه الجوازم.
وضع هذا الكتاب خلال خمس سنوات بدءا بعام 2007، اي قبل بدء الاحتجاجات في سوريا، التي سرعان ما تحولت الى مواجهات عسكرية، ومؤلفه يتحدث عن التحول الديموقراطي الذي تتبع خطواته من اوروبا الجنوبية فالشرقية، ثم اميركا اللاتينية، قبل ان يصل الى البلدان العربية بعد عشرين سنة، ويقول انه استقى هذا التحول من خمسين بلدا سافر اليها وتعرف الى تجاربها في التحول.
خصص مقدمة طويلة لعرض افكار جين شارب في المقاومة السلمية او مقاومة اللاعنف التي ألهمت كثيرين في اعتماد الوسائل السلمية لمواجهة اعتى الديكتاتورية التي حكمت طويلا خلال القرن العشرين، بقيادة الملايين في تظاهرات نشاهد نسخها الاخيرة في مصر. ان اهم مبادئ نظرية شارب الايمان بقدرة الناس، على اختلاف طبقاتهم وطوائفهم ومناطقهم واي نوع من الاختلاف، على التغيير اذا اتبعوا طرقا، صارت مجربة وناجحة بعدما وضع شارب نظريتها، وهي قابلة للتطبيق في اي بلد او قارة وعلى اي نظام مهما بلغ تسلطه وعنفه وديكتاتوريته. فالكفاح من اجل الحرية لا حدود له ووسائله السلمية تتفوق على المسلحة عددا ونوعا ووسيلة.
وسبق كثيرون شارب الى اطلاق هذه الافكار مثل غاندي ومارتن لوثر كينغ وهنري ديفيد تورو وليو تولستوي وغيرهم. اشعره النروجيون بقوة افكاره حين درس نضالهم السلمي ضد الاحتلال النازي وقوامه رفض اطاعة الاوامر فقط. في المقابل حاول ان يحدد الاجابات عن سؤال: من اي تستمد السلطة الديكتاتورية قوتها؟
وفي درسه غاندي ادرك انه ليس المطلوب النقاء الاخلاقي بالابتعاد عن العنف، بل تحقيق التغيير السياسي. لذلك يصر على تسمية المقاومة السلمية وليس حركة اللاعنف. وبالطبع يحدد نصائح وتوصيات لمن يريد ان يخوض المقاومة السلمية. ويدله على نقاط ضعف النظم الاستبدادية.
وقد ابتكر اكثر من مئتي طريقة مجرّبة للمقاومة السلمية تندرج في ثلاثة تصنيفات اساسية: النظام والاقناع اللاعنفي، العصيان، المقاطعة او التدخل اللاعنفي.
ويرى ان الوسائل اللاعنفية تربك السلطة التي تسعى الى استدراج المقاومة الى العنف لتبرير قمعها وتسهيله ودفع الناس الى التراجع عن التعاطف معها والمشاركة فيها. ويحذر من الثقة بدول اجنبية او منقذ خارجي، فالاستنجاد بالاميركي في العراق دليل واضح بنتائجه التي لا خلاف على خطورة ما آلت اليه.
ويلفت الى ان معظم المعارضات اللاعنفية تفتقد الى التخطيط الاستراتيجي ما يجعلها عرضة لاهدار النجاح الذي تحققه بعدم اتباعه بخطوات تالية ما يؤدي الى الاحباط فالارتباك فالتراجع، ثم الاخفاق.
تحدث صموئيل هنتنغتون عما سماه “الموجة الديموقراطية الثالثة” التي تحركت في البرتغال واليونان واسبانيا، فاميركا اللاتينية، ثم اوروبا الشرقية. ونضيف الموجة الرابعة وهي الثورات الملونة في صربيا واوكرانيا وجورجيا ولبنان 2005 باخراج القوات السورية.
والموجة الخامسة هي التي بدأت في البلدان الغربية بدءا بتونس 2010 فمصر 2011، ثم ليبيا واليمن وسوريا. قالت الشعوب العربية لحكامها “هيهات منا الذلة فثارت لكرامتها الانسانية وخرجت من اجل الحرية على حاكمها “الواحد” وان تعدد اسمه وصفته وشكله والبلد الذي يحكمه. وانتفضت على الفقر بسبب الفساد والبطالة. ترتبط عملية التحول الديموقراطي بعدد من القيم مثل العقلانية والتعددية والمساواة بين الجنسين والمواطنة.
ما هي العوامل التي دفعت الشعب السوري الى الثورة، رغم الخوف الشديد المبني على سوابق، خصوصا ما حدث في حماه عام 1980؟
لم يعد الشعب السوري يحتمل العيش تحت سطوة نظام قمعي سقط امثاله قبل سنوات، وعجز عن احداث اي تغيير في بنيته على رغم ما شاهده حوله من انهيار الانظمة، انه عجز داخلي سببه البيروقراطية المفرطة التي تستند الى وسائل قمع متعددة، فلكل 153 فردا من الشعب عنصر مخابرات وهي اعلى النسب في العالم. الفساد المستشري الذي فاقم الهوة بين طبقة اثرياء محدودة العدد، فيما غالبية 30% من السوريين تحت خط الفقر وبالتالي لا الخبز متوافر ولا الحرية، حتى نقايضه بها.
ولأن القتل يستجلب القتل تحولت الاحتجاجات السلمية الى ثورة مسلحة.
فالدعوات الى الاصلاح تقابل بالتشديد والتهديد، والمطالبة بالتغيير الديموقراطي يقابل بمزيد من الاعتقالات. يقارن بين عملية الانتقال الديموقراطي في دول اوروبا الشرقية نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات، خصوصا في تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولونيا، وبين المحاولات التي جرت في سوريا مطلع الالفية الثالثة والذي بدأ باعلان “ربيع دمشق” عام 2000 وقمعها خلال سنة من حراك المنتديات المدنية. في تشيكوسلوفاكيا اعلن “ميثاق 77” وفي سوريا اعلن بيان الـ99 مثقفا. وفي الحالين يعتقل المعلنون.
الدولة الحديثة يجب ان تكون ديموقراطية، فليس من نظام آخر يمثل طموحات الشعوب، ومفهوم الديموقراطية صار محددا بالحريات العامة والتعددية الحزبية وتداول السلطة وفصل السلطات وحقوق متساوية ومكفولة لجميع المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم القومية والاتنية او معتقداتهم الدينية او توجهاتهم السياسية، ومفهوم الديموقراطية الحقيقية يقود حتما الى مفهوم الموطنة وليس الرعية ولا الجماعة ولا الجماهير ولا اي تسمية تسلب المرء قيمه الذاتية.
لكن الفروقات ان في سوريا صار الحزب الحاكم حزب العائلة الحاكمة، كذلك في العراق سابقا وربما لاحقا، فاختفى الحزب تحت عباءة الرئيس القائد، او هذه العائلة تسيطر على السياسة وعلى مفاصل الاقتصاد، كما تسيطر على السيادة القومية، فالنظام الحاكم يمثل النخبة القومية ومعارضوه بالفكر هم خونة!
النهار