التدخل الخارجي.. الحل الوحيد لإيقاف ظلم الطغاة
خضير بوقايلة
هل يمكن للشعب السوري أن يتخلص من جحيم النظام الحاكم بالطرق السلمية؟ وهل هناك احتمال بنسبة واحد في المئة أن يتوقف زبانية نظام الأسد من تلقاء أنفسهم عن العبث بأرواح المدنيين الأبرياء وبمستقبل البلد؟ بل هل يعتقد أي عاقل مدرك لطبائع الأنظمة العربية المستبدة أن بإمكان الانتفاضة الشعبية في سورية أن تنتصر دون دعم أو تدخل خارجي حاسم؟
لست هنا بصدد التحريض ولا الدعوة إلى أي تدخل من أية جهة كانت لحسم مسار الانتفاضة الشعبية السورية، لكن الأكيد هو أن كل التدخلات والنصائح والتحذيرات والعقوبات الموجهة لحكام دمشق من أجل دفعه إلى احترام خيار الشعب وترقية البلد إلى مصاف الأنظمة الحرة الديمقراطية لن تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والأذى المسلطين على البلد والشعب، كما أن استمرار المظاهرات السلمية في المدن والقرى السورية في ظل الوضع السائد الآن لن يجعل النظام أبدا يتفطن للحماقات الإجرامية التي يستمر في ارتكابها من أجل استمراره في حكم البلاد. لو كان الطغاة يعتبرون لما عرف العالم طاغية واحدا منذ غرق فرعون، ولو كانت في قلب الحكام البغاة نقطة ضوء واحدة في قلوبهم لما بقي واحد منهم على عرشه بعد النهاية الطبيعية لسفاح ليبيا الذي نقله الله من وضع كان يعتقد فيه نفسه أكبر شأنا من أي زعيم عربي وفي مكانة لا تسمح له أن يتنازل عنها إلى مطارد يعبث به شباب لم يؤمنوا يوما بأي فضل له عليهم ثم يغادر إلى دار الحق بطريقة لا يتمناها أي شخص لألد أعدائه.
هل يعتقد جلادا اليمن وسورية أن بإمكانهما أن يستمرا في الحكم في أوضاع طبيعية بعد الآن؟ إن كان في قلبيهما أدنى شك أن ذلك ممكن فهما مخطئان وعلى درجة متقدمة من السذاجة السياسية والغباء الاستراتيجي. اليمن وسورية ليستا تونس ولا مصر ولا ليبيا ما في ذلك شك، لكن نهاية حكم الطواغيت لم تعد سرابا ولن تكون مختلفة كثيرا عن النهايات التي عرفها زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وإن تنوعت أشكالها. لم يعد في العالم الراهن مكان لحاكم يتجبر على شعبه ويستبيح دمه تحت أية ذريعة، الظروف تغيرت وآلة الضغط والقهر قلبت الموازين وحركت عقارب الآلة نحو الاتجاه المعاكس. شعوب المنطقة صارت متيقنة أن لا مجال بعد الآن للخنوع والرضا بعيش الذل والهوان، فقد بلغ القهر بالناس درجة لم يعودوا يفرقون فيها بين الحياة والموت، بل لعل الموت صار عندهم أهون وأضمن سبيل للانتقام لكرامتهم المهدورة.
ما زلت أستغرب من الذين لا يزالون يروجون لمغالطات الحكام العرب المستبدين وأزلامهم الانتهازيين بشأن تدخل الأجانب في البلاد العربية وأطماعهم الاستعمارية والتوسعية حتى صار يخيل إلينا ونحن نسمع مثل هذه الأباطيل أن البلاد العربية كانت فتاة وأي إطاحة بالحاكم الديكتاتوري من شأنه أن يرمي المنطقة فريسة سائغة بين مخالب قوى الشر والطغيان. لقد منّ الله علينا بوثائق ويكيليكس، وهي نقطة صغيرة من بحر لجي من ظلمات فضائح الحكام العرب والأنظمة الفاسدة وعمالتهم مع الأنظمة الغربية ضد مصالح شعوبهم. ولعل أكبر دليل على هذه العمالة أن تلك الأنظمة لا تعير أدنى اهتمام بشعوبها في حين تبذل كل مساعيها من أجل إرضاء الخارج والغرب منه بصفة خاصة، ودليل ذلك الآن أن هذه الأنظمة تتفاوض مع هذا الغرب وتأخذ منه الضمانات مقابل كف أذاها عن شعوبها. هذا لا يعني بالضرورة أن قلب الغرب ينفطر أسى على المذابح الشنيعة التي يتعرض لها هذا الشعب أو ذاك من المنطقة العربية، ذلك أن هذا الغرب هو الذي سكت طويلا على شنائع أفعال الحكام العرب وهو الذي كان يسخر تكنولوجيته وما توصل إليه من وسائل استخبارية متطورة لتدريب قوات الأمن العربية على أفضل الطرق لقمع الشعوب وهل الأسلحة الخفيفة والثقيلة الموجهة إلى صدور المدنيين الأبرياء إلا من صنع هذا الغرب! فلا أنظمة التسلط العربية أحرص على كرامة أوطان المنطقة ولا القوى الغربية على درجة من الشفقة على أرواح الشعوب العربية، مثلما أن أي تدخل أجنبي في المنطقة لا يمكن أبدا النظر إليه على أنه سابقة خطرة تستحق الاستنكار في مثل هذا الظرف.
ليس في الإسلام المحمدي ولا في أية شريعة سماوية أخرى ظالم مقبول ولا وسيلة مرفوضة لإيقاف الظلم، فالقاتل قاتل ولو كان التلفزيون ينقل لنا صلواته كلها في المساجد ويبث أدعية جميع الأئمة له بالنصر والثواب، وتلكم هي قاعدة ربانية أنزلها منذ أول اعتداء دموي في تاريخ البشرية، وهو ما نقرأه واضحا وصريحا في الآية 32 من سورة المائدة (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ). الحصيلة الأخيرة التي أعلنت عنها منظمة الأمم المتحدة والمتعلقة بضحايا الاعتداءات الدموية للنظام السوري تحدثت عن 3500 قتيل منذ بدء الانتفاضة السلمية في المدن والبلدات السورية قبل ثمانية أشهر، ولو كان بين هؤلاء كلهم نفس مؤمنة واحدة لجاز أن نقرأ على رؤوس القتلة هذه الآية الكريمة من القرآن الكريم (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا). هل بقي لنا بعد ذلك أن نتحدث عن تدخل الكفار ضد الحكام المؤمنين المتقين؟
فإذا وضعنا الاعتبارات العقائدية جانبا لأنها لا تستند إلى أي أساس فإن الحديث عن التدخل الأجنبي لحماية أرواح الأبرياء من طغيان الحكام سيكون من وجهة نظر إنسانية بحتة ومصلحية إن شئنا بعد ذلك، وفي كلتي الحالتين لن نجد أمامنا ما يبرر دعم نظام قاتل لم يتوقف يوما عن الارتباط بالغرب على حساب شعبه، ولا ما يجعلنا نفقد صوابنا عند الاستماع إلى دعوات موجهة للخارج لنصرة المظلومين، فإذا كان تدخل هذا الطرف الخارجي شفقة على الأرواح التي تزهق كل يوم وسعيا صادقا لحقن وديان الدماء البريئة التي تسيل هنا وهناك فهذا أمر يستحق الترحيب وإن كان الهدف من ورائه مصلحة مادية فهي بالتأكيد لن تكون المرة الأولى التي يحصل فيها هذا الخارج بغربه وشرقه على عطايا نفعية من بلاد العرب.
الأبرياء يموتون في كل ساعة والمدن السورية تقصف بدرجات تزداد تكالبا يوما بعد يوم، فإذا أرادت بعض الدول الصادقة في الجامعة العربية الإسراع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فعليها أن تدرك أن المهل التي تتصدق بها على حكام دمشق لن تخفف الأزمة شيئا، كما أن على الدول التي تماطل وتجتهد من أجل منح النظام مزيدا من الوقت لقمع الانتفاضة أن تتيقن أن إرادة الشعب منتصرة لا محالة ومصير الطغاة لن يكون خيرا لا في سورية ولا في اليمن ولا في أي بلد آخر. الانتفاضة لا يمكن أن تستمر سلمية إذا كان النظام مصرا على استباحة دماء الشعب والسبيل الوحيد لإيقاف شرور الحكام الطغاة لن يكون بغير تدخل خارجي حاسم رادع يتفوق على آلة الدمار التي تخوض بها الأنظمة حربها ضد شعوبها.
‘ كاتب وصحافي جزائري
khoudir.bougaila@gmail.com
القدس العربي